الثلاثاء ديسمبر 16, 2025

الفصل الثالث:
التحذير من الكتاب المسمى
«مع الأنبياء في القرآن الكريم»
وغيره لعفيف عبد الفتاح طبارة
([1])

ومما يجب التحذير منه مؤلفات عفيف عبد الفتاح طبارة، ومنها كتابه المسمى «مع الأنبياء في القرآن الكريم».

ففي هذا الكتاب يخبط المؤلف خبط عشواء في الكلام على مكان الجنة التي خلق فيها سيدنا آدم عليه السلام فيرد ما كان عليه المسلمون إلى يومنا هذا، ومن ذلك قوله: «إن الرأي الراجح أن هذه الجنة كانت في الأرض»([2]).اهـ. يعني: بذلك الجنة التي أسكن الله فيها آدم، فمن أين له هذا، فقد ثبت حديثا أن سيدنا آدم خلق في الجنة، كما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما([3])، وأما القول بأن آدم خلق في الأرض وأنه هبط من جزء منها إلى جزء فليس له سند يعول عليه، إنما هو قول قاله من لا يعتد به، فقد ذكر الله تعالى في القرآن: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [طه: 118، 119]، أي: أن آدم عليه السلام لا يظمأ فيها، ولا يضحى، أي: لا يصيبه عطش ولا حر شمس، وأي أرض في الدنيا لا يعرى فيها الإنسان ولا يجوع، والمشهور في التاريخ أن آدم عليه السلام أنزل على جبل سرنديب وهي من أرض الهند قديما – في سريلانكا اليوم – وأنزلت حواء بجدة، وأنزل إبليس في الأبلة([4])، واشتهر عند أهل العلم أن آدم دفن عند مسجد الخيف بمنى([5]).

ومما يرد زعم هذا المؤلف ما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس»([6]) وروى عنه: «أن أول ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند»([7])، وعنه أيضا قال: قال علي رضي الله عنه: «أطيب ريح في الأرض الهند أهبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنة»([8])، وروى الحاكم أيضا في مستدركه عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري([9]) قال: «إن الله لـما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة، وعلمه صنعة كل شيء، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تغير وتلك لا تغير»([10]).اهـ.

وهذه الأحاديث كلها ضد قول عفيف طبارة ومن قلده لأن في بعضها أن الله زود آدم عند خروجه من الجنة من ثمار الجنة، لكنها بعد أن نزلت إلى الأرض تغيرت، وثمار الجنة لا تتغير. وفي هذا أبين البيان على فساد قول إن آدم عليه السلام خلق في الأرض في مكان فيه بستان، ثم أخرج من هذا المكان إلى غيره من أرضنا هذه من أرض الدنيا، وكذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن القدر الذي عاشه آدم عليه السلام في الجنة كمقدار ما بين العصر إلى غروب الشمس لا يمكن حمله على حساب الوقت المعهود في الدنيا بما بين العصر إلى غروب الشمس إلا على تلك الأيام الستة التي كل يوم منها قدر ألف سنة، فإن ما بين العصر والغروب بالنسبة إلى تلك الأيام وقت واسع بالنسبة إلى الوقت المعروف في الدنيا.

ثم إنه لو كانت الجنة التي كان فيها آدم عليه السلام في الأرض لكان ذلك الموضع معروفا يتناقله البشر من ذلك الوقت إلى هذه الساعة، لكنه لا توجد أرض بهذه الصفة، ولكان مقصدا يزوره كل طوائف البشر.

وحديث إن ثمار الجنة لا تتغير صححه الحاكم والذهبي([11])، وأي أرض في الدنيا لا تتغير ثمارها، وحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أيضا صححه الحاكم.

[1])) عفيف عبد الفتاح طبارة، معاصر ولد في بيروت سنة 1923، ونشأ في أسرة بيروتية متوسطة الحال بمنطقة طريق الجديدة. له كتب انحرف فيها عن شريعة الله ككتابه المسمى: (مع الأنبياء في القرآن الكريم)، وغيرها من الكتب التي خالف فيها صريح الأحاديث الصحيحة، وهذا دليل عدم ممارسته الفقه على أهل المعرفة ولا الحديث ولا التفسير.اهـ. التحذير الشرعي الواجب، الهرري، (ص94، 95).

[2])) الكتاب المسمى مع الأنبياء في القرآن الكريم، طبارة، (ص39).

[3])) الموطأ، مالك، باب: ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة، (1/108)، رقم 241. صحيح البخاري، البخاري، كتاب الأنبياء، باب: خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، (4/159). صحيح مسلم، مسلم، كتاب الجمعة، باب: فضل يوم الجمعة (3/6)، رقم 2013. سنن الترمذي، الترمذي، فضل يوم الجمعة، (2/359) رقم 488. سنن النسائي، النسائي، باب: ذكر فضل يوم الجمعة، (3/89)، رقم 1373. مسند أحمد، أحمد، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (2/401)، رقم 9196.

[4])) الأبلة: مدينة إلى جنب البصرة. لسان العرب، ابن منظور، مادة: (أ ب ل)، (3/11).

[5])) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، (1/12). تاريخ الأمم والملوك، الطبري، (1/79).

[6])) المستدرك، الحاكم، (2/591)، رقم 3993.

[7])) المستدرك، الحاكم، (2/591)، رقم 3994.

[8])) المستدرك، الحاكم، (2/592)، رقم 3995.

[9])) أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، كوفي عثمان عالم ثقة، حدث عن أبيه وعن أبي هريرة وابن عباس وجابر بن سمرة، وحدث عنه أبو عمران الجوني وأبو جمرة الضبعي وحجاج ابن أرطاة ويونس بن أبي إسحاق وآخرون. ولاه الحجاج قضاء الكوفة، وعاش بعد أخيه أبي بردة قليلا. الأعلام، الزركلي، (5/7).

[10])) المستدرك، الحاكم، (2/592)، رقم 3996.

[11])) المستدرك، الحاكم، (2/592)، ووافقه الذهبي في التلخيص.