الجمعة مارس 29, 2024
      • الفصل الأول: مخالفة الألباني لعقيدة أهل السنة والجماعة

        • الألباني يشذُّ عن أهل السُّنَّة بقوله الله بذاته في جهةٍ فوقَ العرش:

        ينقل الألباني عن بعض المشبهة مقرًّا له قوله([1]): «من قال عن الله: يُرى لا في جهة، فليراجع عقله، فإما أن يكون مكابرًا لعقله أو في عقله شيء، وإلا فإذا قال: يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوق ولا تحته، رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة»، وقال الألباني([2]): «إن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم فليس هناك إلا الله وحده».اهـ. وقال زورًا وبهتانًا([3]): «الآيات القرءانية والأحاديث النبوية والآثار السلفية متفقة كلها على أن الله تعالى فوق عرشه بذاته».اهـ.

        وقال الألباني([4]): «بالغ – أي: الذهبي – في إنكار لفظة «بذاته» على جمع ممن قال: «هو تعالى فوق عرشه بذاته» لعدم ورودها عن السلف… وهذه اللفظة «بذاته» وإن كانت عندي معقولة المعنى، وأنه لا بأس من ذكرها للتوضيح، فهي كاللفظة الأخرى التي كثر ورودها في عقيدة السلف، وهي لفظة «بائن» في قولهم: «هو تعالى على عرشه بائن من خلقه».اهـ. ثم قال([5]): «ومن هذا العرض يتبيّن أن هاتين اللفظتين «بذاته» و«بائن» لم تكونا معروفتين في عهد الصحابة».اهـ.

        الرَّدُّ:

        نقل الألباني عن المجسم مقرًّا قوله: «فليراجع عقله» فيه التسليم لحكم العقل وأنه به يعرف ما يجب لله وما يستحيل في حقه وما يليق به وما لا يليق، وفي قوله: «فإما أن يكون مكابرًا لعقله أو في عقله شيء» رد صحة الاعتقاد إلى صحيح العقل، وأن العقل شاهد للشرع، فإذا كان الأمر كذلك فليعلم هؤلاء المجسّمة أن الشرع لا يأتي إلا بمجوَّزات العقل، ولا يأتي بما هو مستحيل عقلًا، فالقول بأن الله تعالى في جهة فوق العرش هو مستحيل عقلًا، لأن في ذلك تشبيهًا لله بخلقه؛ ولا يغرنك تهويل المجسم بأن نفي الجهة عن الله مكابرة للعقل! حيث إن العقل الصحيح ينفي الجهة عن الله، وتقرَّر في الشرع أنه لا يجوز قياس الخالق على المخلوق.

        ومن الأدلة العقلية على بطلان قولهم هذا ما أورده الشيخ أبو سعيد المتولي الشافعي في كتابه «الغنية في أصول الدين»([6]) على المجسمة المثبتين الجهة لله فقال: «لو كان ـ أي: الله ـ في جهة، وقدرنا شخصًا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة، واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق، لا يخلو إما أن يصل إليه وقتًا ما أو لا يصل إليه. فإن قالوا: لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع، لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه، يدل على أنه ليس بموجود، فإن قالوا: يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضًا، ويلزم من ذلك كفران: أحدهما قِدم العالَم، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع، والثاني إثبات الولد والزوجة على ما قالت النصارى، لأن الذي يقطع المسافة ويصعد إلى فوق يجوز أن يكون امرأة تتصل به، وكل ذلك كفر وضلال، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا».اهـ.

        وأما زعم الألباني أن الآيات والأحاديث والآثار السلفية متفقة كلها على أن الله تعالى فوق عرشه بذاته، فكذب وافتراء على الله والرسول وعلى علماء السلف، والسؤال هو: أين قال الله والرسول وأهل السُّنَّة من السلف: إن الله بذاته فوق عرشه؟ وقد فضحه الله تعالى فأظهر كذبه في مقالته ذاتها بقوله: «لعدم ورودها عن السلف»، وبقوله: «هاتان اللفظتان «بذاته»، و«بائن» لم تكونا معروفتين في عهد الصحابة»، فلينظر المنصف إلى تناقضه بإثباته ثم نفيه هذا اللفظ!

        ومن السلف المنزّهين لله عن الجهة الإمام أبو جعفر الطحاوي الذي قال في العقيدة التي ألّفها لبيان عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة([7]): «لا تحويه – أي: الله – الجهات الست كسائر المبتدعات».اهـ. أي: أن الله تعالى منزه عن الجهة؛ لأن في ذلك نسبة المكان والحد لله وتوابعهما من الحركة والسكون ونحو ذلك مما هو من صفات المخلوقات، فالألباني بكلامه الأول يكون اتهم أهل السُّنَّة والجماعة بأنهم لا عقل لهم، وحكم على نفسه أنه شذ عن مذهبهم، والرسول قال: «عليكم بالجماعةِ، وإياكم والفُرقةَ، فإنَّ الشيطانَ معَ الواحدِ، وهو من الاثنينِ أبعدُ، فمَن أراد بُحبوحةَ الجنةِ فلْيلزمِ الجماعةَ» رواه الترمذي([8])، وقال: «ثلاثٌ لا يُغلُ عليهنَّ قلبُ مسلم: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولُزومُ الجماعةِ، فإنَّ دعوتَهم تُحيطُ مَن وراءَهم»، رواه ابن حبان وصححه([9])؛ فالألباني لا يرتدع بكلام الطحاوي ولا بكلام أهل السُّنَّة قاطبة، ولا يرده إجماع الأمة فيدَّعي أن الله فوق العرش بذاته، والعياذ بالله تعالى.

        وأما زعم الألباني أنه ليس فوق العرش شيء من المخلوقات فهذا دليل جهله بالحديث وعلومه، رغم ادعائه أنه اشتغل بهذا العلم سنين عديدة، فقد روى البخاري ومسلم([10]) عن رسول الله أنه قال: «لـمّا قضى اللهُ الخلقَ كتبَ في كتابِه فهو عندَه فوق العرشِ: إنّ رحمتي غلبَت غضبي»، وفي رواية عند مسلم([11]): «فهو موضوعٌ عندَه»، وفي رواية عند ابن حبّان([12]) بلفظ: «وهو مرفوعٌ فوق العرشِ». وقد ذكر الحافظ ابن حجر عند شرحه([13]) لهذا الحديث أنه لا مانع من أن يكون فوق العرش مكان، وروى الحافظ النسائي في سننه الكبرى([14]): «فهو عندَه على العرشِ». وهذا صريح في أن فوقية هذا الكتاب هي الفوقية المتبادرة، فاندفع ما يقال إن «فوق» في حديث البخاري بمعنى تحت، ويبطل هذه الدعوى قول بعض أهل الأثر: إن اللوح المحفوظ فوق العرش، مقابل قول الآخرين: إنه تحت العرش. وهذا الحديث فيه رد على الألباني وعلى كل من ينفي وجود مخلوق فوق العرش، وفيه أيضًا دليل على أن فوق العرش مكانًا، فلو كان الله متحيزًا في جهة فوق العرش لكان له أمثال وأبعاد، طول وعرض وعمق، ومن كان كذلك كان محدَثًا محتاجًا لمن حدَّه بذلك الطول وبذلك العرض والعمق.

        ويكفي في الرد عليه قول الله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [سورة الرعد: 8]، ومعناه: أن الله خلق كل شيء على مقدار، أي على كمية وكيفية مخصوصة، فالعرش له كمية، وحبة الخردل له كمية، فالمعنى المفهوم من هذه الآية أن الله الذي خلق كل شيء على كمية أي حجم وشكل مخصوص، لا يجوز أن يكون ذا حجم كبير أو وسط أو صغير، ومعلوم أن الجالس على شيء له حجم، إمّا بقدر ما جلس عليه أو أقل منه أو أوسع منه، فلما لم يجز على الله الحجم لم يجز عليه الجلوس، والموجود المتحيّز في مكان له مقدار، والمقدار صفة المخلوق، فالإنسان له مقدار أي حجم وشكل مخصوص والملائكة كذلك، والعرش والشمس وكل فرد من أفراد النجوم كذلك، وكذلك الحجم الصغير كحجم حبة الخردل، فالله تعالى هو الذي خصَّص هذه الأشياء بحجم وشكل مخصوص، وقد أفهمنا الله بقوله: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [سورة الرعد: 8] أن هذا وصف الخَلق، وأمّا الله الخالق فلا يجوز أن يتصف بصفات المخلوقين، فلا يجوز على الله التحيز في المكان، ولا يجوز وصفه بالحركة ولا السكون ولا الهيئة ولا الصورة ولا التغيُّر، هذا الدليل من القرءان.

        أما الدليل من الحديث وأقوال علماء أهل السُّنَّة من السلف والخلف فما رواه البخاري والبيهقي بالإسناد الصحيح([15]) أن رسول الله قال: «كان اللهُ ولم يكنْ شيءٌ غيرُهُ».

        قال الحافظ البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات» ما نصّه([16]): «استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي : «أنت الظاهرُ فليس فوقَك شيءٌ، وأنت الباطنُ فليس دونَك شيءٌ»، وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان».اهـ. وهذا الحديث فيه أيضًا الرد على القائلين بالجهة في حقه تعالى. وقال الإمام علي رضي الله عنه ([17]): «كان – أي: الله – ولا مكان وهو الآن على ما كان».اهـ.

        فكما صح وجود الله تعالى عقلًا بلا جهة قبل خلق الأماكن والجهات، فكذلك يصح وجوده عقلًا بعد خلق الأماكن بلا مكان وجهة، وهذا لا يكون نفيًا لوجوده تعالى.

        وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي ذكر أنها عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة([18]): «تعالى – يعني: الله – عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات».اهـ.

        وممن نقل إجماع المسلمين، سلفهم وخلفهم، على أن الله موجود بلا مكان، الإمام النحرير أبو منصور البغدادي، الذي قال في كتابه «الفرق بين الفرق» ما نصّه([19]): «وأجمعوا – أي: أهل السُّنَّة والجماعة – على أنه تعالى لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان».اهـ.

        وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني في كتابه «الإرشاد» ما نصّه([20]): «مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات».اهـ.

        وأما رفع الأيدي عند الدعاء إلى السماء فلا يدل على أن الله متحيز في جهة فوق، كما أن حديث مسلم([21]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء» لا يدل على أن الله في جهة تحت، فلا حجة في هذا ولا في ذاك لإثبات جهة تحت أو فوق لله تعالى؛ بل الله تعالى منزه عن الجهات كلها.

        نقل الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي عن الإمام القشيري([22]): «والذي يدحض شبههم – أي: شبه المشبهة – أن يقال لهم: قبل أن يخلق [اللهُ] العالم أو المكان هل كان موجودًا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقولوا: بلى، فيلزمهم لو صح قولهم: «لا يُعلم موجود إلا في مكان» أحد أمرين: إما أن يقولوا: المكان والعرش والعالم قديم – يعني: لا بداية لوجودها – وإما أن يقولوا: الرب محدَث [مخلوق]، وهذا مآل الجهلة الحشوية، [قال أهل الحقّ:] ليس القديم بالمحدَث والـمُحدَثُ بالقديم».اهـ.

        وقد قال الحافظ النووي الشافعي في شرح صحيح مسلم([23]) ما نصّه: «قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة، فقيههم ومحدّثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم، أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ} [سورة الملك: 16] ونحوه ليست على ظاهرها؛ بل متأوّلة عند جميعهم».اهـ. يعني: تأويلًا إجماليًّا أو تأويلًا تفصيليًّا.

        وكذا قال المفسرون من أهل السُّنَّة كالإمام فخر الدين الرازي في تفسيره([24]) وأبي حيان الأندلسي في تفسيره([25]) وأبي السعود في تفسيره([26])، والقرطبي في تفسيره([27]) وغيرهم، وعبارة القرطبي: «{ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ} [سورة الملك: 16] قال ابن عباس: ءأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه»، ثم قال: «وقيل: هو إشارة إلى الملائكة، وقيل: إلى جبريل، وهو الـمَلَك الموكل بالعذاب. قلت: ويحتمل أن يكون المعنى: ءأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون».اهـ.

        فبعد هذا يقال للألباني وجماعته: أنتم تعتقدون أن الله جسم متحيّز فوق العرش، له مقدار عندكم، وهو أنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر أو بقدر العرش ويزيد.

        ولو قال لكم عابد الشمس: كيف تقولون: معبودي الذي هو الشمس لا يجوز أن يكون إلـٰهًا؟! مع أنه موجود مشَاهدٌ لنا ولكم، وكثير النفع، ينفع البشر والشَّجر والنبات والهواء ويطيّب الماء، وضَوْؤه يعُمُّ نفعُه البشر، وأما معبودُكم الذي هو جسم تخيلتموه فوق العرش لم تشاهدوه ولا نحن شاهدناه ولا شاهدنا له منفعة، فغاية ما تحتجّون به إيراد بعض الآيات القرءانية، فيقول لكم عابد الشمس: «أنا لا أؤمن بكتابكم، أعطوني دليلًا عقليًّا» فهل عندكم من جواب يقطعه؟ كلا، أما نحن أهل السُّنَّة الأشاعرة والماتريدية فنقول لعابد الشمس: معبودك هذا له حجم وشكل مخصوص، فهو محتاج لمن أوجده على هذا الحجم وعلى هذا الشكل، ومعبودنا موجود ليس ذا حجم ولا شكل فلا يحتاج لمن يخصّصه بحجم وشكل، بخلاف الشمس، فهو الذي أوجد الشمس على حجمها وشكلها المخصوص وهو الذي يستحق أن يكون إلـٰه العالم، لأنه لا يشبه شيئًا من العالم، ويقال أيضًا: أنواع العالم العلوي والسفلي لها حجم وشكل مخصوص فعلى قولكم يكون لله أمثال لا تحصى، فتبيّن أنكم مخالفون لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، فكلمة شيء تشمل كل ما دخل في الوجود، من علوي وسفلي وكثيف ولطيف، فالآية نصٌّ على أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من هؤلاء، أي: لا يكون مثل العالم حجمًا كثيفًا ولا حجمًا لطيفًا ولا متحيّزًا في جهة من الجهات، ولم يقل الله تعالى: ليس كمثله البشر، ولا قال: ليس كمثله الملائكة، ولا قال: ليس كمثله الشمس؛ بل عمَّم فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، قال شيخنا العلامة المحدث عبد الله الهرري المعروف بالحبشي رحمه الله نما نصّه([28]): «والنَّكرة عند أهل اللغة إذا وقعت في حيّز النَّفي فهي للعموم، فمعنى الآية ليس كمثله تعالى شيء من الأشياء على الإطلاق بلا استثناء» .اهـ. وهذا معروف عند أهل البلاغة والبيان. أما أنتم فقد جعلتم الله حجمًا في جهة تلي العرش، وهي جهة فوق، وجعلتم له أعضاء فشبهتموه بخلقه، ولم يبق لكم إلا أن تقولوا: إنه إنسان، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

        ثم الألباني وجماعته الذين يسمون أنفسهم «السلفية» خالفوا السلف فقالوا: الله بذاته فوق العرش، ثم ابتكروا تقسيمًا مبتدعًا فقالوا: الجهة العدمية، وهي فوق العرش، ليخدعوا الناس، ولينشروا بدعتهم الضالة بإثبات الجهة لله، فكيف يكون سلفيًّا من يخالف السلف في الاعتقاد؟! ثمَّ من أين جاؤوا بهذا اللفظ «الجهة العدمية»؟ هل السلف استعملا هذا اللفظ؟

        • الألباني يزعم أن الله محيط بالعالم كما أن الكرة تحيط بما في داخلها:

        قال الألباني في كتابه المسمّى «صحيح الترغيب والترهيب»([29]): «فائدة هامة: «اعلم أن قوله في هذا الحديث: «فإن اللهَ قِبَلَ وَجْهِه» وفي الحديث الذي قبله: «فإن الله تعالى بين أيديكم في صلاتِكم» لا ينافي كونه تعالى على عرشه فوق مخلوقاته كلها، كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسُّنَّة وءاثار الصحابة والسلف الصالح  ورزقنا الاقتداء بهم، فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله، وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله تعالى؛ بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه، فإن كُل خط يخرج من المركز إلى المحيط فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه، وإذا كان عالي المخلوقات يستقبل سافلها المحاط بها بوجه من جميع الجهات والجوانب، فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط، وهو محيط ولا يحاط به؟ وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية كالحموية والواسطية».اهـ.

        الرَّدُّ:

        الألباني يدَّعي أن الله يحيط بالعالم من جميع الجهات بالذات لا بالعلم، لا كما هو معتقد المسلمين سلفهم وخلفهم، ولاحظ إحالته القارئ إلى كتب ابن تيمية، لأن مثل هذا التجسيم لا يوجد في كتب أهل السُّنَّة، إنما هو في مؤلفات المجسمة كابن تيمية والوهابية الذين تابعوه على تجسيمه، فهم كالظل له.

        فهذا مما وافق به الألبانيُّ في العقيدة ابنَ تيمية، حيث زعم بأن الله تعالى محيط بالعالم من جميع الجهات، كما أن الحقَّة([30]) تحيط بما في ضمنها، ولم يقل بها أحد لا من أهل السُّنَّة، ولا الذين سبقوه من المشبهة، فكيف جمع بين هذا وبين قوله: إن الله بذاته فوق العرش؟! وفي هذا تناقض لا يخفى، وهذا ضد عقيدة طائفته الوهابية المشبهة المجسمة الذين قالوا: «إن الله فوق العرش فقط»، فهذه من مفرداته التي انفرد بها عن طائفته، وهذا نشأ من سوء فهمه لقوله تعالى: {وَكَانَ اللهُ بكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا} [سورة النساء: 126]، ومعنى الآية: أن الله محيط بكل شيء علمًا([31])، فهذا الرجل من شدة تهوره يناقض نفسه وهو لا يدري، فماذا تقول فيه طائفته وقد أثبت عقيدةً ضد عقيدتهم؟ هل تتبرأ منه أو تسكت له مداهنة؟ لأن طائفته الوهابية تعتبره قدوة وزعيمًا كبيرًا؛ بل تعتبره مجدد العصر لهم. فقد شبه الألباني الله تعالى بالحُقَّة التي تحيط بما فيها من جميع الجهات، فجعله تحت العالم وفوق العالم وعن شمال العالم وعن يمين العالم وأمام العالم وخلف العالم، ولم يقل بذلك مسلم قط ولا كافر قبله.

        • الألباني يثبت لله معيَّةً ذاتية مع عباده:

        يثبت الألباني لله تعالى معيَّة ذاتية مع عباده مع قوله: إن الله فوق العرش بذاته، بقوله: إن الله محيط بالعالم إحاطة ذاتية([32])، أي: أنه تعالى فوق العالم وتحت العالم وعلى يمين العالم وعلى يسار العالم بذاته.

        الرَّدُّ:

        كيف ساغ في عقله الجمع بين هذه التناقضات، فهل هذا كلام يقوله عاقل فضلًا عن أن يقوله عالِـمٌ؟!

        فماذا تقول له فرقته لو اطلعوا على هاتين المقالتين؟ أي القول بالمعية الذاتية مع عباده المتقين، والقول بأنه محيط بالعالم إحاطة ذاتية، وهم القائلون بأن من لم يعتقد أن الله فوق العرش بذاته كافر – وَكَذَبوا – أيكفّرونه أو يسكتون عنه مداهنة لأنه يوافقهم في أكثر عقائدهم؟

        ثم إن في فتاوى هذا الرجل مقالات بشعة خبيثة تمجُّها أسماع المؤمنين وكل من يفرق بين الحق والباطل.

        انظروا إلى قول هذا الرجل: إن الله فوق العرش بذاته كما يقول أتباعه وإلى قوله: إن الله محيط بالعالم من جميع النواحي، وقوله: إن الله محيط بالعالم من جميع النواحي، وقوله: إنه ينزل من فوق إلى السماء الدنيا بذاته. عن فساد أفهامهم أدّى بهم إلى أن جعلوا النصوص القرءانية والحديثية متناقضة، حيث جعلوا الآيات التي ظواهرها أن الله في جهة فوق، وأنه يتحرك ويسكن وأن له أعضاء، محمولة على ظواهرها، فاعتقدوا أن الله جسمٌ يتحرك ويسكن كما أن أجسام المخلوقات كذلك، وأما أهل العدل أهل السُّنَّة فلم يحملوا هذه النصوص على ظواهرها؛ بل ردوا الجميع إلى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، وترى المشبهة المجسمة يسمون أهل السُّنَّة لهذا التأويل معطّلة، فكيف استجازوا القول المشهور عندهم «التأويل تعطيل»، ولم يدروا أن هذا ينطبق عليهم وليس على أهل السُّنَّة، فالمشكل الأساس بزعمهم مع أهل السُّنَّة والجماعة، أن أهل السُّنَّة والجماعة أرجعوا تأويل تلك الآيات والأحاديث المتشابهات إلى ءاية {لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ} [الشورى: 11] تنزيهًا لتلك الآيات والأحاديث من التناقض.

        • الألباني يزعم أن نفي الجهات عن الله هو نفي لوجوده:

        قال الألباني في كتابه المسمّى «مختصر العلو»([33]): «أراد بعضهم تنزيه الله عن المكان فوقعوا فيما هو شر منه، ألا وهو التعطيل المطلق المستلزم نفي وجوده تعالى أصلًا، فقالوا: الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلًا ولا منفصلًا عنه».اهـ.

        الرَّدُّ:

        أراد الألباني بقوله: «بعضهم» أهل السُّنَّة والجماعة الذين هم الأشاعرة والماتريدية، ووَصْفُه لهم بأنهم وقعوا في الشر والتعطيل دليلُ فساد معتقد هذا الرجل وأنه ليس من أهل السُّنَّة، فلو كان عنده فهم سليم لعقيدة أهل الحق لما أصدر هذا الحكم الجائر على أهل السُّنَّة، لكنه مشبّه مجسّم قلّد ابن تيمية المجسم الذي ادعى أن الله تعالى ليس داخل العالم؛ بل هو خارج العالم، فقد قال ابن تيمية في «الرسالة التدمرية» ما نصّه([34]): «وليس في الكتاب والسُّنَّة وصف له بأنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباينه ولا مداخله».اهـ. وقال ابن تيمية في تفسير سورة الأعلى ما نصّه([35]): «والجهمية الذين يقولون: ليس هو داخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه البتة، هم أقرب إلى التعطيل والعدم».اهـ. وقال ابن تيمية في موضع ءاخر منه ما نصّه([36]): «وإن قيل: إنه لا داخل العالم ولا خارجه كان ذلك تعطيلًا له، فهو منزه عن هذا».اهـ.

        الله تعالى نفى عن نفسه المماثلة لشيء بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، أطلق نفي مماثلة شيء من الخلق له، ولم يخص شيئًا دون شيء، فبناءً على ذلك نقول: لو كان الله تعالى متصلًا بشيء من الخلق لكان له أمثال لا تحصى، ولو كان منفصلًا عن شيء من المخلوقات لكان له أمثال لا تحصى، ولو كان متحركًا لكان له أمثال، ولو كان ساكنًا لكان له أمثال لا تحصى، ولو كان ساكنًا وقتًا ومتحركًا وقتًا لكان له أمثال لا تحصى، ولو كان له حد أي كمية لكان له أمثال لا تحصى، فأفهمنا الله تعالى بهذه الآية أنه منزه عن هذه الأوصاف.

        فإن قيل: لو كانت هذه الأوصاف منتفية عن الله لم يكن موجودًا، فالجواب: ليس من شرط الوجود أن يمكننا تصوره، ففي المخلوق ما لا يمكن تصوره، وهو الوقت الذي لم يكن فيه نور ولا ظلام، والإيمان بذلك واجب لقول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [سورة الأنعام: 1]، أي: أوجد الظلمات والنور بعد أن كانا معدومين، وذلك أن أول المخلوقات الماء والعرش ثم القلم واللوح بدليل حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن سيدنا محمدًا عليه الصلاة والسلام قال: «كان اللهُ ولم يكن شيءٌ غيرُه، وكان عرشُه على الماءِ، وكتَب في الذكر كلَّ شيءٍ»([37]) والذّكر هو اللوح المحفوظ. وقوله عليه الصلاة والسلام: «أولُ [أولية نسبية] ما خلقَ اللهُ تعالى القلمُ، فقال له: اكتُبْ، فقال: وما أكتبُ؟ فجَرى القلمُ بما كانَ وما يكونُ»([38]).

        فنعلم من الحديثين أن النور والظلام لم يكونا قبل الأربعة (الماء والعرش والقلم واللوح)، إنما وجدا بعدها، ولا يمكن لأحد أن يتصور هيئة وقت ليس فيه نور ولا ظلام، وإنما يتصور العقل وقتًا يوجد فيه أحدُهما دون الآخر. نقول كذلك يصح وجود الله تعالى مع انتفاء هذه الأوصاف كلها عنه، فمن هنا قال أئمة أهل السُّنَّة، كالإمام أحمد بن حنبل والإمام ذي النون المصري وغيرهما: «مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك».اهـ. روى ذلك ابن عساكر في تاريخه([39]) عن الإمام ذي النون المصري، ورواه عن الإمام أحمد بن حنبل أبو الفضل التميمي([40]) في كتابه «اعتقاد الإمام المبَجّل أحمد بن حنبل».

        وفي معناه قول ابن عباس رضي الله عنه: «تفكروا في خلق الله، ولا تفكّروا في ذات الله».اهـ. رواه البيهقي في كتاب «الأسماء والصفات» بإسناد جيد([41])، لأنه لا يمكن تصوير الله في النفس، ونصَّ على ذلك جماعة من علماء المذاهب الأربعة، فمن الشافعية الإمام الجليل أبو سعيد المتولي أحد أصحاب الوجوه في مذهب الشافعي، وهم الطبقة التي تلي الإمام الشافعي، ثم النووي وابن حجر الهيتمي وغيرهما على ذلك، ومن المالكية سيدي أبو عبد الله محمد جلال والعالم محمد بن أحمد ميّارة وغيرهما، ومنهم من الحنفية أبو المعين النسفي والعالم الشهير محمود بن محمد القونوي شارح العقيدة الطحاوية وغيرهما؛ بل ذلك يفهم من قول الطحاوي: «تعالى – يعني: الله – عن الحدود والغايات»([42]).اهـ. لأن الشيء الذي لا كمية له لا يصح في حقه الاتصال والانفصال، ومن الحنابلة الحافظ أبو الفرج عبد الرحمـٰن بن الجوزي وغيره؛ بل قول الطحاوي المذكور – وهو نقلٌ عن السلف كلّهم – فيه تنزيه الله عن الاتصال والانفصال لنقله عنهم نفي الحد عن الله، والحد هو الكمية، أي: الجِرْمُ وهو الذي يُسَمَّى جوهرًا في اصطلاح علماء التوحيد، وهو أصغر كمية وأصغر جرم لا يقبل الانقسام، وهو في نهاية القِلّة بحيث لا يقبل الانقسام، سُمّي جوهرًا لأنه أصل الجسم، والجوهر في اللغة الأصل، كما قال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي([43])، ويقال في اصطلاحهم لما زاد على ذلك جسم، ومن ليس له كمية لا يوصف بالاتصال والانفصال؛ فإذا تقرر هذا فلا يهولنَّكُم قولُ المشبهة: إن القولَ بأن الله موجود من غير أن يكون متّصلًا بالعالم ولا منفصلًا عنه ولا داخله ولا خارجه نفي لوجود الله، فيقال لهم: هذه شبهة بنيتموها على أصل غير صحيح، وهو أنكم جعلتم شرط الوجود أن يكون الشيء له اتصال أو انفصال وأن يكون داخل العالم أو خارجه، فالمشبهة يعترفون أن الله كان موجودًا قبل العالم، قال أهل السُّنَّة: كذلك بعد أن خلق العالم هو موجود كما كان، لا داخل العالم ولا خارجه، فبهذا تكون قد بَطلَت شبهتهم وتموِيْهُهُم.

        وقد نقل ابن تيمية([44]) عن بعض رؤوس المشبهة وهو عثمان بن سعيد الدارمي أن شرط الحي الحركة مستحسنًا له غير مستنكر، ويكفي قوله الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] في تنزيه الله عن الاتصال بالعالم والانفصال عنه والكون داخله أو خارجه، وذلك لأن العالم جوهر وعرض، والجوهر إما جرم كثيف وإما جرم لطيف، والأول: كالإنسان والجمادات، والثاني: كالنور والظلام والريح، والعَرض صفات الجوهر كالحركة والسكون، ولو كان الله تعالى جوهرًا يتحيز كالإنسان لكان له أمثال، وكذلك لو كان متصلًا أو منفصلًا لكان له أمثال في خلقه، ولو كان داخل العالم لكان مَحويًّا بالعالم ومظروفًا، وذلك يقتضي إثبات الكمية لله تعالى، ولو كان كذلك لكان له أمثال في خلقه، ولو كان خارج العالم لكان محاذيًا للعالم بقدر العالم أو أصغر أو أكبر منه، وذلك يقتضي تقدير ذات الله ويؤدي إلى إثبات الجزء له تعالى، وذلك ينافي الأزلية والقِدم، والله تبارك وتعالى هو الذي جعل خلقه على مقادير مختلفة، ولو كان له مقدار لكان له أمثال في خلقه.

        وقد نص الإمام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمـٰن بن الجوزي الحنبلي على نفي التحيز في المكان والاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق عن الله تعالى، فقال في كتابه «دفع شبه التشبيه»([45]) يحكي قولَ المجَسّم الحنبلي ابن الزَّاغوني: «وقد ثبت أن الأماكن ليست في ذاته ولا ذاته فيها، فثبت انفصاله عنها، ولا بد من شيء يحصل به الفصل، فلما قال {اسْتَوَى} [سورة طه: 5] علمنا اختصاصه بتلك الجهة، قال [أي: ابن الزَّاغوني]: ولا بد أن يكون لذاته نهايةٌ وغاية يعلمها. قلتُ [أي: ابن الجوزي]: هذا رجلٌ لا يدري ما يقول، لأنه إذا قَدّر غايةً وفصلًا بين الخالق والمخلوق، فقد حدده وأقره بأنه جسم، وهو يقول في كتابه: إنه ليس بجوهر، لأن الجوهر ما يتحيز ثم يثبت له مكانًا يتحيز فيه.

        قلت [ابن الجوزي]: وهذا كلام جهل من قائله، وتشبيه محض، فما عرف هذا الشيخ [المشبه] ما يجب للخالق وما يستحيل عليه، فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والأجسام التي لا بد لها من حيز والتحت والفوق إنما يكون فيما يُقابَل ويحاذَى، ومن ضرورة المحاذِي أن يكون أكبر من المحاذَى أو أصغر أو مثله، وأن هذا ومثله إنما يكون في الأجسام، وكلّ ما يحاذِي الأجسام يجوز أن يمسها، وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها فهو حادث، إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها للمباينة والمماسَّة، فإذا أجازوا هذا عليه قالوا بجواز حدوثه، وإن منعوا هذا عليه لم يبق لنا طريق لإثبات حدث الجواهر، ومتى قدّرناه مستغنيًا عن المحل ومحتاجًا إلى الحيز، ثم قلنا: إما أن يكونا متجاورين أو متباينين، كان ذلك محالًا، فإن التجاور والتباينَ من لوازم التّحيز في المتحيّزات.

        وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم المتحيّز، والحقُّ  لا يوصف بالتحيز، لأنه إن كان متحيزًا لم يخل إما أن يكون ساكنًا في حيّزه أو متحركًا عنه، ولا يجوز أن يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق، وما جاورَ أو باين فقد تناهى ذاتًا، والمتناهي إذا خصّ بمقدار استدعى مخصصًا، وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخلٍ في العالم وليس بخارج منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات، وهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختصّ بالأجرام.

        وأما قولهم: خلق الأماكن لا في ذاته فثبت انفصاله عنها، قلنا: ذاته تعالى لا يَقبل أن يُخلَق فيه شيء ولا أن يحل فيه شيء… وقد حملهم الحسُّ على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم: إنما ذكَر الاستواء على العرش لأنه أقرب الموجودات إليه، وهذا جهل أيضًا، لأن قرب المسافة لا يتصور إلا في جسم… ويَعِزُّ علينا كيف يُنْسبُ هذا القائل إلى مذهبنا [مذهب الحنابلة]، واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَملُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [سورة فاطر: 10]، وبقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [سورة الأنعام: 18]، وجعلوا ذلك فوقية حسية، ونسوا أن الفوقية الحسية إنها تكون لجسم أو جوهر، وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال: فلان فوق فلان، ثم إنه كما قال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [سورة الحديد: 4]، فمن حملها على العلم حمل خصمُه الاستواء على القهر… وذهبت طائفة إلى أن الله تعالى على عرشه وقد ملأهُ، والأشْبَه أنه مماس للعرش، والكرسي موضِعُ قدميه([46]). قلت [ابن الجوزي]: المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية» انتهى كلام ابن الجوزي الحنبلي ولقد أجاد وشفى وكفى رحمه الله تعالى.

        وقال الإمام المحدّث الفقيه الشافعي أبو منصور البغدادي([47]) الذي وصفه الحافظ ابن حجر بأنه الإمام الكبير إمام أصحابنا – أي: الشافعية – وهو من جملة مشايخ البيهقي: «وأجمعَ أصحابنا على إحالة القول بأنه في مكان أو في كل مكان، ولم يجيزوا عليه مماسة ولا ملاقاة بوجه من الوجوه، ولكن اختلفت عباراتهم في ذلك، فقال أبو الحسن الأشعري: إن الله تعالى لا يجوز أن يقال: إنه في مكان، ولا يقال: إنه مباين للعالم، ولا إنه في جوفِ العالم، لأن قولنا: إنه في العالم يقتضي أن يكون محدودًا متناهيًا، وقولنا: إنه مباينٌ له وخارج عنه يقتضي أن يكون بينه وبين العالم مسافة، والمسافة مكان، وقد أطلقنا القول بأنه غير مماس لمكان».اهـ.

        وقد ذكر الفقيه يوسف الأردبيلي الشافعي([48]) أن من أثبت لله الاتصال أو الانفصال فهو كافر.

        وقال العلامة محمد بن أحمد المشهور بميّارة المالكي([49]) في كتابه «الدر الثمين» ما نصّه: «مسألة: سئل الإمام العالم أبو عبد الله سيدي محمد بن جلال: هل يقال: المولى تبارك وتعالى لا داخلَ العالم ولا خارجَ العالم؟ فأجاب السائلَ: هكذا نسمعه من بعض شيوخنا، واعترضه بعضهم بأن هذا رفع للنقيضين، وقال بعض فقهائنا في هذه المسألة: هو الكل أي الذي قام به كل شيء وزعم أنه للإمام الغزالي، وأجاب بعضهم: أن هذا السؤال معضِل ولا يجوز السؤال عنه، وزعم أن ابن مِقْلاش هكذا أجاب عنه في شرحه على الرسالة، فأجاب: بأنّا نقول ذلك ونجزم به ونعتقد أنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، والعجز عن الإدراك إدْراك لقيام الدلائل الواضحة على ذلك عقلًا ونقلًا، أما النقل فالكتاب والسُّنَّة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الشورى: 11]، فلو كان في العالم أو خارجًا عنه لكان مُماثلًا، وبيان الملازمة واضح، أما في الأول فلأنه إن كان فيه صار من جنسه فيجب له ما وجب له، وأما الثاني فلأنه إن كان خارجًا لزم إما اتصاله وإما انفصاله، وانفصاله إما بمسافة متناهية أو غير متناهية، وذلك كله يؤدي لافتقاره إلى مخصِّص، وأما السُّنَّة فقوله : «كان اللهُ ولا شيءَ معه»([50]).

        وأما الإجماع فأجمع أهل الحق قاطبة على أن الله تعالى لا جهة له فلا فوق له ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف.

        وأما العقل فقد اتضح لك اتضاحًا كليًّا مما مر في بيان الملازمة في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، والاعتراض بأنه رفع للنقيضين ساقط، لأن التناقض إنما يعتبر حيث يتصف المحل بأحد النقيضين ويتواردان عليه، وأما حيث لا يصح تواردهما على المحل ولا يمكن الاتصاف بأحدهما فلا تناقض، كما يقال مثلًا: الحائط لا أعمى ولا بصير فلا تناقض لصدق النقيضين فيه لعدم قبوله لهما على البدلية، وكما يقال في البارئ أيضًا: لا فوق ولا تحت، وقس على ذلك. وقول من قال: إنه الكل زاعمًا أنه للغزالي فقضية تنحو منحة الفلسفة أخذ بها بعض أدعياء التصوف، وذلك بعيد من اللفظ، وما أجاب به بعضهم أنه معضل لا يجوز السؤال عنه، ليس كما زعم، لوضوح الدليل على ذلك، وإن صح ذلك عن ابن مقلاش فلا يلتفت إليه في هذا، لعدم إتقانه طريق المتكلمين، إذ كثير من الفقهاء ليس له خبرة به فضلًا عن إتقانه».اهـ.

        وقال النووي الشافعي([51]) ما نصّه: «وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر، سواء صدر عن اعتقاد أو عنادٍ أو استهزاء، هذا قول جملي، وأما التفصيل فقال المتولي: من اعتقد قدم العالم، أو حدوث الصانع، أو نفي ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالـمًا قادرًا، أو أثبت ما هو منفيٌّ عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرًا».اهـ.

        وممن قال بنفي الانفصال والاتصال بالعالم عن الله تعالى الغزالي، قال ابن حجر الهيتمي الشافعي([52]) في كتابه «الإعلام بقواطع الإسلام» في شرح كلام للغزالي ونصّه: «ومن ثم قال الغزالي معناه: أن مصححَ الاتصال والانفصال الجسميةُ والتحيز، وهو محالٌ – على البارئ – فانفك عن الضدين، كما أن الجمادَ لا هو عالم ولا جاهل، لأن مُصَحّحَ العلم هو الحياة، فإذا انتفتِ الحياة انتفى الضدان».اهـ.

        وقال الشيخ أبو المعين ميمون بن محمد النسَفي الحنفي لسان المتكلمين في تبصرةِ الأدلة([53]) في رد قولِ المشبهة: إنه تعالى لما كان موجودًا، إما أن يكون داخل العالم، وإما أن يكون خارج العالم، وليسَ بداخل العالم فكان خارجًا منه، وهذا يوجبُ كونَه بجهة منه، قال: «والجوابُ عن هذا الكلام على نحو ما أجبنا عن الشبهة المتقدمة أنّ الموصوف بالدخول والخروج هو الجسمُ المتَبعّضُ المتجزئ، فأما ما لا تبعض له ولا تجزؤ فلا يُوصف بكونهِ داخلًا ولا خارجًا».اهـ.

        ثم قال([54]) في إبطال قول المشبهة: لما كان الله تعالى موجودًا إما أن يكون مُماسًّا للعالم أو مباينًا عنه، وأيّهما كان ففيه إثباتُ الجهة، إذ ما ذُكرَ من وَصف الجسم، وقد قامت الدّلالةُ على بطلانِ كونهِ جسمًا، ألا ترى أن العَرَض لا يوصف بكونِه مُماسًّا للجوهر ولا مباينًا له، قال: «وهذا كله لبيان أن ما يزعمون ليس من لواحِق الوجودِ؛ بل هو من لواحِقِ التبعُّضِ والتجزؤ والتناهي، وهي كلُّها محالٌ على القديم تعالى».اهـ.

        يعني: أنه ليس من شرط الموجودِ كونُ غيره مماسًّا له أو مُباينًا أو متصلًا بغيره أو منفصلًا عنه أو داخلًا فيه أو خارجًا عنه، إنما هذا من شرط التبعيض والتجزؤ والتناهي، وذلك كله محالٌ على القديم تعالى.

        وقال العلامة البياضي الحنفي في «إشارات المرام»([55]) ممزوجًا بالمتن ما نصّه: «ما أشار إليه «وقال في «الفقه الأبسط»: كان الله تعالى ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخلق، وكان ولم يكن أين»، أي: مكان، «ولا خلق ولا شيء، وَهُوَ خَالِقُ كُلّ شيء»، مُوجِد له بعد العدم، فلا يكون شيء من المكان والجهة قديمًا؛ وفيه إشارات:

        الأولى: الاستدلال بأنه تعالى لو كان في مكان وجهة لزم قدمهما، وأن يكون تعالى جسمًا، لأن المكان هو الفراغ الذي يشغله الجسم، والجهة اسم لمنتهى مأخذ الإشارة ومقصد المتحرك، فلا يكونان إلا للجسم والجسماني، وكل ذلك مستحيل كما مر بيانه، وإليه أشار بقوله: «كان ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء، وهو خالق كل شيء». وبطل ما ظنه ابن تيمية منهم من قدم العرش كما في شرح العضدية.

        الثانية: الجواب بأن لا يكون البارئ تعالى – داخل العالم – لامتناع أن يكون الخالق داخلًا في الأشياء المخلوقة، ولا خارجًا عنه بأن يكون في جهة منه، لوجوده تعالى قبل خلق المخلوقات وتحقق الأمكنة والجهات، وإليه أشار بقوله: هو خالق كل شيء، وهو خروج عن الموهوم دون المعقول.

        الثالثة: الجواب بأن كون القائم بنفسه هو المتحيز بالذات غير مسلّم؛ بل هو المستغني عن محل يقوم به، كما في «شرح المواقف»، وإليه لوح بقوله: كان الله ولا مكان».اهـ.

        ثم قال: «السادس: ما أشار إليه بقوله فيه: «وأنه تعالى يدعى من أعلى» للإشارة إلى ما هو وصف للمدعوّ تعالى من نعوت الجلال وصفات الكبرياء والألوهية والاستغناء «لا من أسفل، لأن الأسفل»، أي: الإشارة إليه «ليس من وصف الربوبية والألوهية» والكبرياء والفوقية بالاستيلاء «في شيء» فأشار إلى الجواب بأن رفع الأيدي عند الدعاء إلى جهة السماء ليس لكونه تعالى فوق السمـٰوات العلى؛ بل لكونها قِبلة الدعاء، إذ منها يتوقع الخيرات ويستنزل البركات لقوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعُدُونَ} [سورة الذاريات: 22] مع الإشارة إلى اتصافه تعالى بنعوت الجلال وصفات الكبرياء وكونه تعالى فوق عباده بالقهر والاستيلاء، وإلى الجواب بمنع حمل ما ورد في الآيات والأحاديث على الاستقرار والتمكن، ومنع رفع الأيدي لاعتقاده؛ بل كل ذلك بالمعنى الذي ذكرنا ههنا، وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء، ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء، كما أشار إليه بقوله فيه «وعليه»، أي: يخرّج على أنه يدعى من أعلى، ويوصف بنعوت الجلال وصفات الكبرياء «ما روي في الحديث أن رجلًا» وهو عمرو بن الشريد كما رواه أبو هريرة، وعبد الله ابن رواحة، كما بيّنه الإمام في مسنده بتخريج الحارثي وطلحة والبلخي والخوارزمي «أتى إلى النبي بأمَة سوداء فقال: وجب عليّ عتق رقبة مؤمنة» قال: إن أمي هلكت، وأمرت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة، ولا أملك إلا هذه، وهي جارية سوداء أعجمية لا تدري ما الصلاة، أفتجزيني هذه؟ عما لزم بالوصية كما في مصنف الحافظ عبد الرزاق، وليس في الروايات الصحيحة أنها كانت خرساء، كما قيل، «فقال لها النبي : «أمؤمنةٌ أنتِ؟» قالت: نعم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «أينَ اللهُ؟» سائلًا عن المنزلة والعلوّ على العباد علوّ القهر والغلبة، ومشيرًا أنه إذا دعاه العباد استقبلوا السماء دون ظاهره من الجهة»، ثم قال: «فأشارت إلى السماء» إشارة إلى أعلى المنازل، كما يقال: فلان في السماء، أي: رفيع القدر جدًّا، كما في «التقديس» للرازي، «فقال: اعتقْها فإنها مؤمنةٌ».اهـ.

        ثم قال: «فأشار إلى الجواب بأن السؤال والتقرير لا يدلان على المكان بالجهة، لمنع البراهين اليقينية عن حقيقة الأينية».اهـ. ثم قال البياضي([56]): «فقال فيه «فمن قال: لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فهو كافر»، لكونه قائلًا باختصاص البارئ بجهة وحيز، وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاج محدَث بالضرورة، فهو قول بالنقص الصريح في حقه تعالى «كذا من قال: إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض» لاستلزامه القول باختصاصه تعالى بالجهة والحيز والنقص الصريح في شأنه، سيما في القول بالكون في الأرض ونفي العلوّ عنه تعالى؛ بل نفي ذات الإلـٰه المنزه عن التحيز ومشابهة الأشياء».اهـ.

        ثم قال البياضي: «الثانية: إكفار من أطلق التشبيه والتحيز، وإليه أشار بالحكم المذكور لمن أطلقه، واختاره الإمام الأشعري فقال في «النوادر»: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به، كما في «شرح الإرشاد» لأبي قاسم الأنصاري، وفي الخلاصة: أن المشبّه إذا قال: له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر».اهـ. ثم قال: «الرابعة: الرد على من أنكر إكفار المشبه مطلقًا ذهابًا إلى أن القائل بأنه جسم غالط فيه غير كافر([57])، لأنه لا يطَّرد قوله بموجبه كما اختاره الباقلاني كما في «شرح الإرشاد»، واختاره الآمدي في الأبكار، فقال في «خاتمته»: إنما يلزم التكفير أن لو قال: إنه جسم كالأجسام، وليس كذلك؛ بل ناقض كلامه في فصل التنزيه منه، ومن المنائح [الكلام الذي هو العطايا]، حيث قال فيه: ومن وصفه تعالى بكونه جسمًا، منهم من قال: إنه جسم، أي: موجود لا كالأجسام، كبعض الكرّامية، ومنهم من قال: إنه على صورة شاب أمرد، ومنهم من قال: على صورة شيخ أشمط، وكل ذلك كفر وجهل بالرب ونسبة للنقص الصريح إليه، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا». انتهى كلام البياضي.

        قال الحافظ ابن حجر في «شرح البخاري»([58]) ما نصّه: «فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السُّنَّة من الخلف أن الله منزه عن الحركة والتحول والحلول، ليس كمثله شيء».اهـ.

        وقال الإمام أبو القاسم الأنصاري النيسابوري شارح كتاب «الإرشاد» للإمام الحرمين([59]) بعد كلام في الاستدلال على نفي التحيز في الجهة عن الله تعالى ما نصّه: «ثم نقول سبيل التوصل إلى درك المعلومات الأدلة دون الأوهام، ورُب أمر يتوصل العقل إلى ثبوته مع تقاعد الوهم عنه، وكيف يدرك العقل موجودًا يحاذى العرش مع استحالة أن يكون مثل العرش في القدر أو دونه أو أكبر منه، وهذا حكم كل مختص بجهة. ثم نقول: الجوهر الفرد([60]) لا يتصور في الوهم وهو معقول بالدليل، وكذلك الوقت الواحد والأزل والأبد، وكذلك الروح عند من يقول إنه جسم، ومن أراد تصوير الأرض والسماء مثلًا في نفسه فلا يتصور له إلا بعضها، وكذلك تصوير ما لا نهاية له من معلومات الله تعالى ومقدوراته، فإذا زالت الأوهام عن كثير من الموجودات، فكيف يُطْلَبُ بها القديم سبحانه الذي لا تشبهه المخلوقات فهو سبحانه لا يتصور في الوهم، فإنه لا يتصور صورةً ولا يُتَقَدَّرُ إلا مُقَدَّرٌ، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [سورة الشورى: 11]، ومن لا مثل له لا يتمثل في الوهم، فمن عرفه عرفه بنعت جلاله بأدلة العقول، وهي الأفعال الدالة عليه وعلى صفاته، وقد قيل في قوله تعالى: {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [سورة النجم: 42]: إليه انتهى فكر من تفكَّر، هذا قول أُبيّ بن كعب وعبد الرحمـٰن ابن زياد بن أنْعُم، وروى أُبيّ بن كعب عن النبي : «لا فِكْرَةَ في الربِّ»([61]) وروى أنس أن النبي قال: «إذا ذُكر اللهُ تعالى فانتهُوا»([62])، وقال: «تفكَّروا في الخلْقِ، ولا تتفكَّروا في الخالقِ»([63]).

        فإن قيل: كيف يعقل موجود قائم بالنفس ليس بداخل العالم ولا خارج منه؟ قلنا: عرفتم استحالة ذلك ضرورةً أم دلالةً، وقد أوضحنا معنى مباينته بالنفس، وهكذا الجواب عن قولهم: خلق الله العالم في نفسه أم مباينًا عنه؟ قلنا: خلقه على مقدار نفسه أو أكبر منه أو أصغر أو فوق نفسه أو تحته؟ [أي: على مقتضى كلامكم] ثم نقول: حروف الظروف إنما تستعمل في الأجرام المحدودة([64]) وكذلك الدخول والخروج من هذا القبيل وكذلك المماسة والمباينة، وقد أجبنا عن المباينة. فإن قالوا: كيف يُرى بالأبصار من لا يتحيز ولا يقوم بالمتحيز؟ قلنا: الرؤية عندنا لا تقتضي جهة ولا مقابلة، وإنما تقتضي تعيين المرئي، وبهذا يتميز عن العلم، فإن العلم يتعلق بالمعدوم وبالمعلوم على الجملة تقديرًا، وكذلك لا تقتضي اتصال شعاع بالمرئي، فهي كالعلم أو في معناه. فإن قيل: ألستم تقولون الإدراك يقتضي نفس المدرَك. قلنا: لا يقتضي تعينه ولا تحديده. فإن قالوا: كيف يُدرك وجود الإلـٰه سبحانه؟ قلنا: لا كيفية للأزلي ولا حيث لهُ، وكذلك لا كيفية لصفاته، ولا سبيل لنا اليوم إلى الإخبار عن كيفية إدراكه ولا إلى العلم بكيفية إدراكه، وكما أن الأَكْمَه (المولود أعمى) الذي لا يبصر الألوان إذا سئل عن الميْز بين السواد والبياض والإخبار عن كيفيتهما فلا جواب له، كذلك نعلم أن من لا جهة له لا يشار إليه بالجهة. فإن قالوا: من أبصر شيئًا يمكنه التمييز بين رؤيته لنفسه وبين رؤيته ما يراه، فإذا رأيتم الإلـٰه سبحانه كيف تميزون بين المرئيين، قلنا: من لا جهة له لا يشار إليه بالجهة، ومن لا مثل له لا إيضاح له بالمثال، ومن لا أَشْكَال له فلا إِشْكَالَ فيه. ثم نقول لهم: أنتم إذا رأيتم الإلـٰه كيف تميّزون بينه وبين العرش، وهو دونه سبحانه بالرؤية، أتميّزون بينهما بالشكل والصورة أم باللون والهيئة، ومن أصلكم أن المرئي شرطُه أن يكون في مقابلة الرائي، وكيف يَرى القديم سبحانه نفسَه، وكيف يَرى الكائنات مع استتار بعضها ببعض فلا يَرى على هذا الأصل بطون الأشياء، وهذا خلاف ما عليه المسلمون، وإذا كان العرش دونه فلا يَحجبه عنّا حالة الرؤية»([65]). انتهى كلام شارح كتاب «الإرشاد» للأنصاري.

        وقال الآمدي في «غاية المرام»([66]) ما نصّه: «فالواجب أن يقال: إنه إنْ أُريد بالاتصال والانفصال قيام أحدهما بذات الآخر وامتناع القيام فلا محالة أن البارئ والعالم كل واحد منهما منفصل عن الآخر بهذا الاعتبار، وهو مما لا يوجب كون كل واحد منهما في جهة من الآخر، مع امتناع قبولية كل واحد منهما لها أو امتناع قبولية أحدهما، ومع امتناع تلك القبولية فلا تلزم الجهة. وإن أُريد بالاتصال ما يلازمه الاتحاد في الحيز والجهة، وبالانفصال ما يلازمه الاختلاف فيهما ووقوع البعد والامتداد بينهما، فذلك إنما يلزم على البارئ تعالى أن لو كان قابلًا للتحيز والجهة، وإلا فإن لم يكن قابلًا فلا مانع من خلوه عنهما معًا. فإن راموا إثبات الجهة بالانفصال والاتصال، والخصم لا يسلم ذلك إلا فيما هو قابل للجهة، أفضى ذلك إلى الدور، ولا محيص عنه. وليس لهذا مثال إلا ما لو قال القائل: وجود شيء ليس هو عالم ولا جاهل محال، فيقلا: إنما هو محال فيما هو قابل لهما، وكذا في كل ما هو قابل لأَحد نقيضين، فإن خلوه عنهما محال، أَما وجود ما لا يقبل ولا لواحد منهما فخلوه عنهما ليس بمحال. وذلك كما في الحجر وغيره من الجمادات، وبهذا يندفع ما ذكروه من الخيال الآخر أيضًا.

        وعدم التخيل لموجود هو لا داخل العالم ولا خارجه على نحو تخيل الصور الجزئية مع كونه معلومًا بالبرهان وواجبًا التصديق به غير مضر، إِذ ليس ما وجب التصديق به بالبرهان يكون حاصلًا في الخيال، وإلا لما صح القول بوجود الصفات غير المحسوسة كالعلم والقدرة والإرادة ونحوها لعدم حصولها في الخيال، وامتناع وقوعها في المثال، وما قيل من أن حيث الصفات لا يكون إلا حيث الذات فذلك إِنما هو لِما كان من الصفات له حيث وجهة، إِذ يستحيل أَن تكون الصفات في جهة وحيث، إلا وهي في جهة ما قامت به من الذات، ولا يتصور وقوع الجهة للصفات دون الذات، وأما ما لا حيث له من الصفات فلا جهة له، وعند ذلك فلزوم الجهة والحيث لذات واجب الوجود بالنظر إلى حيث صفاته مع امتناع قبولها للحيث محال».اهـ.

        • الألباني يعتقد في الله التجسيم في مسألة النزول:

        قال الألباني الـمُجَسّم في كتابه المسمّى «مختصر العلوّ» ما نصّه([67]): «النزول نزول حقيقي كما يليق بجلاله وكماله، وهو صفة فعل لله تعالى».اهـ. وقال أيضًا في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الصحيحة» ما نصّه([68]): «فنزوله حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين، وكذلك دنوّه تعالى دنوّ حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته… فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو، فكن على علم بذلك حتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم، وتجد تفصيل هذا الإجمال وتحقيق القول في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبخاصة منها «مجموعة الفتاوى»، فراجع مثلًا (ج5/464 – 478)، وقد أورد الحديث ـ يعني: حديث الدنو – فيها (ص373) واستدل به على نزوله تعالى بذاته عشية عرفة».اهـ.

        الرَّدُّ:

        لقد صرّح الألبانيُّ عن عقيدته في مسألة النزول حيث وافق ابن تيمية في تجسيمه وتشبيهه لله بخلقه، وما قوله مؤيّدًا وموافقًا لما نقله عن ابن تيمية وهو: «نزوله تعالى بذاته عشية عرفة» إلا شاهد على سوء اعتقاده في الله تعالى، وهل النزول بالذات إلا بالحركة والانتقال، لذلك ترى الحافظ ابن الجوزي الحنبلي يرد على المجسّمة الذين نسبوا أنفسهم إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وهو بريء منهم، وهم شرّ سلَف لابن تيمية وأتباعه، وعبارة ابن الجوزي في تشنيعه على من قال من المجسمة بنزول الله بذاته هي([69]): «وهذا الكلام في ذاته تعالى بمقتضى الحسّ كما يتكلم في الأجسام».اهـ. وقال الشيخ بدر الدين بن جماعة في كتابه «إيضاح الدليل» ما نصّه([70]): «لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كلَّه، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئًا فشيئًا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلًا ونهارًا من قوم إلى قوم وعوده إلى العرش في كل لحظة – على قولهم – ونزوله فيها إلى سماء الدنيا، ولا يقول ذلك ذو لبّ وتحصيل».اهـ.

        وأما قول الألباني: «على ما يليق بالله» تمويه على الناس وتدليس لأنه لا يتماشى مع موافقته لقول ابن تيمية: إن نزول الله بالذات، فكأن الألبانيَّ يقول نشبّه الله تشبيهًا يليق به، وسلفه في ذلك قول المجسمة: الله جسم لا كالأجسام، فهم سواء في التشبيه والتجسيم، فلا يجتمع التنزيه مع التشبيه ولا الإيمان مع الكفر، فالحذر الحذر من أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، تعرف منهم وتُنكر، دعاة على أبواب جهنم، من استجاب لهم قذفوه فيها.

        فمعنى النزول الوارد في الحديث على ما قاله بعض العلماء: نزول رحمة([71])، لا نزول نقلة([72])، وقال بعضهم: ينزل الملَكُ بأمر ربّه. وأما النزول الانتقال والحركة من مكان لآخر فهذا لا يليق بالله.

         

        • الألباني يشذّ في مسألة كلام الله:

        ها هو الألباني يصرح باعتقاد ليس له سلف فيه إلا الكرامية والمشبهة، وهما فرقتان من الفرق الضالة التي انحرفت عن عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، فيقول في كتابه المسمّى «مختصر العلو»([73]) بأن الله متكلم بصوت وحرف، ونص عبارته: «لأن الحنابلة يعتقدون أن القرءان بحرف وصوت، كما بينته هناك وهو الحق، خلافًا للأشاعرة وغيرهم».اهـ.

        ثم نقل الألباني في شرحه على الطحاوية([74]) عن ابن أبي العز المجسم، ما نصّه: «وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسُّنَّة».اهـ.

        الرَّدُّ:

        ما هذا الكلام إلا امتداد لعقيدة التشبيه التي يحملها الألباني وينسبها بغير وجه حق إلى أئمة الحديث وإلى أهل السُّنَّة والجماعة، وهم بريئون من هذه العقيدة الكفرية، شأنه في ذلك شأن متبوعه أحمد ابن تيمية الحراني.

        لا يستطيع الألباني ولا أحد من الوهابية أن يثبتوا نقلًا صحيحًا عن أحد من أئمة الحديث والسُّنَّة المعتبرين في ما نسبوه إليهم زورًا، فإن عقيدة السلف كما قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في «الفقه الأكبر»([75]) عن كلام الله: «ويتكلم لا ككلامنا، نحن نتكلم بالآلات والحروف، والله تعالى يتكلم بلا ءالة ولا حروف».اهـ.

        وقال العز بن عبد السلام([76]) ما نصّه: «فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحرف ولا صوت، ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادًا في الألواح والأوراق شكلًا ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق؛ بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور من أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته»، إلى أن قال: «فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد أو رسم من أشكال المداد».اهـ. وهذا هو عين الرد على الألباني وجماعته الوهابية المجسمة، لأنهم قالوا: إن الله يتكلم بالحروف التي يتكلم بها البشر، أي: على زعمهم عندما قال الله في القرءان الكريم: {كٓهيعٓصٓ} [سورة مريم: 1] فالله عندهم متكلم بالكاف والهاء والياء والعين والصاد، وهذا عين كلام البشر فما جوابهم عن ذلك؟!

        وفي كتاب «نجم المهتدي ورجم المعتدي» للفخر بن المعلم القرشي المزيد من الفتاوى التي تبطل عقيدة هؤلاء المشبهة، فمن أراد مزيد التأكد فليرجع إليه([77]).

        وعلى هذا علماء الإسلام كالحافظ البيهقي الأشعري وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من الشافعية، وأبي المعين النسفي والقونوي وغيرهما من الحنفية، والقاضي عياض اليحصبي والمفسّر محمد القرطبي من المالكية، والحافظ ابن الجوزي وغيره من فضلاء الحنابلة.

        فَليُعلم أن هؤلاء المشبهة يعتقدون ويصرحون في كتبهم أن الله متكلم بكلام هو حروف وأصوات متعددة يحدث في ذاته ثم ينقطع، ثم يحدث ثم ينقطع، والعياذ بالله تعالى، وهذا ضلال مبين مخالف لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]. أما أهل السُّنَّة قاطبة فيعتقدون أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفًا وصوتًا ولغةً، فالله تعالى موجودٌ متكلم سميع بصير قادر عالم قبل وجود الخلق، فهو موصوف بصفة الكلام قبل وجود الحرف والصوت واللغات.

        واعلم أن القرءان الكريم له إطلاقان: يطلق ويراد به صفة الله القائمة بذاته، أي: الثابتة له، فهو على هذا المعنى ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً وليس بمبتدإ ولا مختتم، فالحروف متعاقبة، فحين يقول القارئ: «بسم الله الرحمـٰن الرحيم» نطق القارئ بالباء ثم السين وهكذا، ولا شك أن هذا الناطق مخلوق كما أن نطقه بالحروف المتعاقبة مخلوق أيضًا، ولا يجوز ذلك على الله.

        ويطلق القرءان ويراد به اللفظ المنزل على سيدنا محمد ، فهذا اللفظ المكتوب في المصاحف المقروء بالألسنة، المحفوظ في الصدور، الذي هو باللغة العربية، لا يشك عاقل أنه مخلوق، ومع ذلك فهو ليس من تأليف مَلَك ولا بشر. ومن الدليل على أن اللفظ المنزل مخلوق قول الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [سورة التكوير: 19]، أي: أن هذا القرءان لمقروء رسول كريم هو جبريل ، ولا يجوز أن تكون قراءة جبريل أزلية، وكذلك قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [سورة التوبة: 6] يدل على أن كلام الله يطلق ويراد به اللفظ المنزل المخلوق، لأن الكافر في الدنيا لا يسمع كلام الله الذي هو الصفة القائمة بذات الله.

        ولا يطلق القول بأن القرءان مخلوق، ولو مع إرادة اللفظ المنزل، حتى لا يُتوهم من ذلك أن كلام الله الذي هو صفة ذاته مخلوق؛ بل يقال في مقام التعليم: القرءان إن أريد به اللفظ المنزل فهو مخلوق، وإن أريد به الكلام الذاتي فهو أزلي ليس بحرف ولا صوت. ومن أصرح الأدلة على أن كلام الله بمعنى الصفة القائمة بذات الله ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغة قوله : «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمُه ربُّه ليس بينَه وبينَه ترجمانٌ» رواه البخاري([78])، فالله تعالى هو يحاسب جميع الخلق بنفسه فيُسمع الكافر والمؤمن كلامه الذاتي، فيفهم العباد منه السؤال عن نياتهم وأفعالهم وأقوالهم، والله قال في القرءان الكريم: {ثُمَّ رُدّوا إِلَى اللَّـهِ مَولاهُمُ الحَقِّ أَلا لَهُ الحُكمُ وَهُوَ أَسرَعُ الحاسِبينَ} [سورة الأنعام: 62]، فلو كان حساب الله تعالى لعباده بتكليمه لهم بحرف وصوت ولغة لأخذ الحساب وقتًا طويلًا وَلَمَا كان الله أسرع الحاسبين كما قال؛ بل كان أبطأ الحاسبين؛ لأن الخلق كثير، وإبليس وحده عاش ءالافًا من السنين، والله أعلم كم سيعيش بعد، ويأجوج ومأجوج الكفار ورد في الحديث أن كل البشر بالنسبة لهم كواحد من ألف، فلو كان حساب هؤلاء بالسؤال بالحرف والصوت لكان حساب العباد يحتاج لوقت طويل، والله يفرغ من حساب العباد في لحظة قصيرة في جزء من موقف من مواقف القيامة الخمسين، فتبيّن للعاقل أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغة.

        • الألباني يُلْحِدُ في أسماء الله وصفاته فيصف الله بالعصمة:

        قال الألباني: «والعصمة لله وحده»، وقال أيضًا([79]): «لا عصمة إلا لله وحده».اهـ.

        الرَّدُّ:

        يردد الألباني هذه العبارة في مواضع عديدة من كتبه([80])، وهي عبارة عوام الناس، وليست من عبارات العلماء. إذ لا يجوز أن يقال في الله تعالى: «معصوم» أو «لا عصمة إلا لله وحده» أو «له العصمة» أو «لا عصمة إلا لله ولرسوله» ونحو ذلك من العبارات التي لا يجوز أن يوصف الله بها، لأن العصمة إنما يوصف بها من يمكن أن يتأتى منه الخطأ أو المخالفة، والمعصوم من عصمه الله ولا عصمة إلا بالله، كما ورد في الحديث الذي رواه البزار([81]) في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت عند النبيّ فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال رسول الله : «تدري ما تفسيرُها؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «لا حولَ عن معصيةِ الله إلا بعصمةِ الله، ولا قوةَ على طاعةِ الله إلى بعونِ الله».

        وفي كتب اللغة العصمة: المنعة، قال محمد الرازي في «مختار الصحاح»([82]): «العِصْمة: الـمَنْعُ، يُقال: عَصَمَه الطعام، أي: مَنَعَه من الجوع، والعِصمة أيضًا الحفظ… واعتصم بالله، أي: امتنع بلُطفه من المعصية».اهـ.

        وقال الفيومي في «المصباح المنير»([83]): «عصمة الله من المكروه بعصمه… حفظه ووقاه، واعتصمتُ بالله امتنعت به، والاسم العِصمة».اهـ.

        وفي «النهاية»([84]) لابن الأثير: «العِصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامي».اهـ.

        وقال الراغب الأصفهاني في «مفردات ألفاظ القرءان»([85]): «وعصمة الأنبياء: حفظه إياهم أولًا بما خصَّهم به من صفاء الجوهر ثم بما أَوْلَاهُمْ من الفضائل الجسمية: ثم بالنصرة وبتثبّت أقدامهم ثم بإنزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق، قال تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [سورة المائدة: 67]».اهـ.

        ومن هذا يتبيّن أن العصمة إنما تكون من الله لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ومن شاء الله أن يعصمه من الوقوع في المعاصي، فالله تعالى هو الذي يعصم أنبياءه ورسله ويحفظهم من الوقوع في الكفر والكبائر وصغائر الخسة وكلّ ما لا يليق بهم، فالله تعالى هو الذي يعصِمُ، والمعصوم كالرسل والأنبياء، وبهذا يتضح أن العصمة لا تقع على الله، وإنما تقع من الله على من عصمه من عباده، فمن قال: «لله العصمة» وأمثالها فقد وصف الله بما لا يجوز وصفه به، لأن معناها فاسد إذا أطلقت على الله، فعلى زعم قائلها مَن يَعصم الله سبحانه؟ ومم يُعصم سبحانه؟ وما الذي كان يمكن أن يقع منه سبحانه حتى عُصم منه؟ سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم، والصوابُ أن يقال: الله منزّه عن كلّ ما لا يليق به تبارك وتعالى.

        ومن هذا الذي أسلفناه تتجلى لك شناعة هذا التعبير، وفحش خطئه، وشدة محظوريته، وأنه لا يليق بالله تعالى، ولا يفيد تعظيمًا ولا تبجيلًا.

        ثم قول الألباني: «لا عصمة إلا لله وحده» يفيد – إضافة إلى فساد اللفظ ومعناه – نفي العصمة عن الأنبياء والرسل وسلبها عنهم عليهم الصلاة والسلام.

        • الألباني يَكذب على رسول الله :

        قال الألباني في كتابه «التوسل» ما نصّه([86]): «ثمة أمر يجب تبيانه، وهو أن النبيّ وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها، وذلك لغرض مهم إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه أن النبيّ بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك وصرفهم عنه، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله تعالى وأجدى، وهذا ما يدل عليه الحديث الآتي: عن عبد الرحمـٰن بن أبي قراد رضي الله عنه أنّ النبيّ توضأ يومًا فجعل أصحابه يتمسحون بوَضوئه، فقال لهم النبيّ : «ما يحملكم على هذا؟» قالوا: حب الله ورسوله، فقال النبيّ : «من سرَّه أن يُحبَّ اللهَ ورسولَه، أو يُحبَّه اللهُ ورسولُه، فليصدقْ حديثَه إذا حدّث، وليؤدِّ أمانتَه إذا اؤتُمن، وليحسنْ جوارَ مَن جاورَه»». انتهى كلام الألباني بحروفه.

        الرَّدُّ:

        • نسب هذا الرجل إلى النبيّ ما هو بريء منه جزمًا وقطعًا، لأنه عليه الصلاة والسلام أرشد الصحابة ورغّبهم في التبرك بآثاره في حجة الوداع التي ما عاش بعدها إلا نحو ثمانين يومًا، أي: كان ترغيبه لهم في ءاخر أيامه عليه الصلاة والسلام، فعندما حلق شعره وزّعه بنفسه بين بعض أصحابه، وأعطى بعضًا لأبي طلحة ليوزعه على سائرهم، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
        • استدلال الألباني بالحديث غريب عجيب لم يسبقه إليه أحد من قبل من أهل الحديث والعلم والفهم السليم، وليس له دليل عقلي معتبر ولا دليل نقلي ثابت على ما ادعاه، وليس فيه ما زعمه؛ بل الألباني بنى حكمًا على ما توهّمه بوهمه الفاسد، وما بُني على فاسد فهو فاسد، فقد جعل مفهوم الحديث مخالفًا لمنطوقه، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يرغِّبهم بترك التبرك؛ بل ذكر لهم بعض صفات حبيب الله.

        أما الأدلة الداحضة لزعمه وافترائه على النبي الدالة على جواز التبرك والتمسح بآثاره في حال حياته وبعد مماته فكثيرة، لا سيما ما حصل بعد غزوة الحديبية وبعد وفاته .

        روى البخاري([87]) ومسلم([88]) واللفظ له من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لـمّا رمى رسولُ الله الجمرة، ونحر نسكه، وحلَق، ناول الحالقَ شِقّه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إيّاه، ثم ناوله الشّقّ الأيسر فقال: «احلِقْ» فحلقه فأعطاه أبا طلحة الأنصاري فقال: «اقسِمْهُ بين الناسِ»، وفي رواية لمسلم من حديث أنس أيضًا: «فقَسَمَ شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلّاق وإلى الجانب الأيسر فحلقه فأعطاه أم سليم»، وفي رواية لمسلم عن أنس: «فوزّعه الشَّعَرة والشَّعَرَتَيْن بين الناس، ثم قال([89]) بالأيسر، فصنع به مثل ذلك ثم قال: «ههنا أبو طلحة» فدفعه إلى أبي طلحة». فهذا الحديث صريح بأن الرسول ما قسم شعره بين الناس إلا ليتبركوا به في حياته وبعد وفاته، وهذا حصل في حجة الوداع قبل وفاة النبيّ بنحو ثمانين يومًا.

        فاتضح أن الألباني ليس له إلمام بالحديث، وإن زعم أنه محدّث!

        ومن أدلة جواز التبرك بآثار النبيّ بعد وفاته ما أخرجه مسلم في صحيحه([90]) عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قال: «أخرجت إليَّ (أي: أسماء) جبّة طَيَالِسَةً كسرَوانية لها لِبْنَة ديباج وفَرْجَيْها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قُبضَتْ، فلمّا قُبضت قبضتُها، وكان النبيّ يلبَسُه فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها».

        فلو كان الصحابة  فهموا من رسول الله ترك التبرك بآثاره، ما كانوا يتسابقون إلى التبرك بهذه الآثار، ولنا على ما ذكرناه أدلة كثيرة تجدها في كتاب صريح البيان([91]) لشيخنا العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله تعالى.

        فظهر أن الألباني لا علمَ له بالسُّنَّة، وإن زعم أنه أمضى عشرات السنين في خدمة السُّنَّة، وظهر أن ما نسبه إلى النبيّ لا أصل له بل هذا تزوير وغش وخداع وتلبيس على المسلمين، فالحديث المذكور آنفًا من قِبَل الألباني ليس فيه أي دليل على ما قال، ولم يقل بمقولته أحد من شرَّاح هذا الحديث؛ فالحذر الحذر.

        والألباني بهذا خالف علماء الحديث والفقهاء والعبَّاد في تحريمه التبرك بالأنبياء والأولياء، وكلُّ المحدّثين المتقدمين والمتأخرين على جواز ذلك، يرون ذلك عملًا حسنًا عندما يترجمون للمحدّثين فكثيرًا ما يذكرون: «وقبره هناك يزار ويتبرك به»، وقد يكتبون «وتجاب الدعوة عنده»، فكتب علماء الحديث التي ألفوها في طبقات المحدثين طافحة بذلك. وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن التبرك بمس قبر النبي ومنبره تقربًا إلى الله. لا بأس، يعني: جائزًا، نقل ذلك عنه ابنه عبد الله في كتاب «العلل ومعرفة الرجال»([92]). وهذا عمل المسلمين علمائهم وفقهائهم من غير خلاف في استحسان ذلك حتى جاء ابن تيمية الذي توفي في القرن الثامن الهجري فحرَّم ذلك وجعله شركًا([93]) فتبعه الألباني وطائفته.

        • الألباني يخالف أهل السُّنَّة والجماعة في مسألة التأويل:

        تهجَّم الألباني على علماء الخلف وجَمع من علماء السلف لتأوُّلِهم ما تشابه من ءايات القرءان والحديث، فقال ما نصّه([94]): «ونحن نعتقد أن كثيرًا من المؤولة ليسوا زنادقة، لكن في الحقيقة أنهم يقولون قولة الزنادقة».اهـ. وقال([95]): «التأويل هو عين التعطيل».اهـ.

         

        الرَّدُّ:

        علماء السلف والخلف أوَّلوا، فالألباني ليس مع السلف ولا مع الخلف، فهذا كأنه اعتراف منه بالخروج من الملة، أليس أوّل هو وجماعته المشبهة قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْربُ فأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [سورة البقرة: 115] فظاهر هذه الآية يوهم أن الله محيط بالأرض، بحيث يكون المصلي متوجهًا إلى ذات الله، ولكن ليس هذا المعنى المراد منها، أليس أنت وجماعتك أولتم قوله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم : {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سورة الصافات: 99]؟ أليس إبراهيم كان في العراق وذهب إلى فلسطين؟ أليس أوَّلتم هذه الآية ولم تأخذوا بظاهرها الذي يوهم أن الله متحيز في أرض فلسطين؟ وأين الألباني وجماعته من حديث مسلم([96]): «ما تصدقَ أحدٌ بصدقةٍ من طيّبٍ ولا يَقبلُ اللهُ إلا الطيبَ([97])، إلا أخذَها الرحمـٰنُ بيمينِهِ([98]) وإن كانت تمرةً فتربو في كفِّ الرحمـٰنِ». أليس ظاهر هذا الحديث أن المتصدق إذا تصدق وقعت صدقته في يد الله؟ أليس أوَّلتم هذا؟ أم حملتموه على الظَّاهر فتكونون جعلتم يد الله تحت المتصدّق؟!

        فإن قلتم: هذا الحديث والآيات التي ظواهرها أن الله في غير جهة فوق نؤولها، وأما الآيات التي ظواهرها أنه متحيز في جهة فوق فنعتقدها ولا نؤولها. يقول أهل السُّنَّة: هذا تحكُّم (أي: دعوى بلا دليل)؛ بل الدليل العقلي والنقلي يدلان على وجوب ترك حمل هذه الآيات وما كان على نحو هذا الحديث على ظواهرها، وإلا لتناقضت هذه الآيات مع قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، والقرءان منزه عن التناقض، والذي أوقعهم في هذا هو أنهم لا يؤمنون بوجود موجود ليس في جهة ومكان وليس حجمًا مخصوصًا، فمن أين صح لهم معرفة الله وهم على هذه الحال؟!

        أما أهل السُّنَّة والجماعة فقد أوَّلوا هذه وهذه، ووفّقوا بين ءاية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، وبين تلك الآيات، فإن الآيات والأحاديث منها ما هو محكم، ومنها ما هو متشابه، وقد ردّوا المتشابه بقسميه القسم الذي يدل ظاهره أن الله متحيز في جهة فوق، والقسم الذي يدل على أنه متحيز في جهة تحت، إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11].

        وأما حديث([99]): «كان اللهُ ولم يكنْ شيءٌ غيرُه» فهو دال دلالة صريحة على أن الله موجود بلا مكان، لأن المكان غير الله. فتبيّن أن مذهب الألباني وجماعته التحكُّم، ومذهب أهل السُّنَّة الاعتدال وترك التعطيل؛ بل الألباني وجماعته عطّلوا قسمًا من الآيات والأحاديث وجعلوها وراء ظهورهم، كأنهم لم يسمعوها أو يروها.

        فالحاصل: أن المتشابه من الكتاب والسُّنَّة قسمان قسم يوهم ظاهره أن الله في جهة فوق متحيز وأن له أعضاء وحركة وسكونًا، وقسم ظاهره أن الله متحيز في جهة تحت، فعَمَد أهل السُّنَّة إلى تأويل القسمين وردّهما إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، وقوله: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص: 4] عملًا بقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [سورة ءال عمران: 7]، لما وصف سبحانه المحكمات بأنها أم الكتاب ردّ أهل السُّنَّة القسمين من المتشابه إلى المحكمات، وهنَّ أم الكتاب أي أصل الكتاب.

        أما الألباني وطائفته المشبهة فقد حملوا قسمًا من المتشابه على الظاهر وألغوا القسم الآخر، فكأنهم جعلوا القسم الآخر مما لا يلتفت إليه، والقرءان كله حق وصحيح، ثم إنهم جعلوا لله أعضاء وحَدًّا ومقدارًا حملًا للآيات التي ظواهرها ذلك على الظاهر فجعلوا لله أمثالًا، وخالفوا قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [سورة الرعد: 8]، والعالم لطيفه وكثيفه له مقدار فجعلوا الخالق مثل خلقه، فالعرش له مقدار، أي: حد يعلمه الله والشمس لها مقدار، أي: حد يعلمه الله، والنور والظلام لهما مقدار يعلمه الله، وجعلوا لله مقدارًا فقالوا: الله بقدر العرش، وقال بعضهم: ليس بقدر العرش؛ بل بقدر بعض العرش، فأهل السُّنَّة المباينون لهم هم الأمة، هم مئات الملايين اليوم وهم الأشاعرة والماتريدية، وأما الألباني وطائفته المشبهة فهم شرذمة قليلة، فلا عبرة بمخالفتهم.

        والآيات المحكمة: هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهًا واحدًا، أو ما عُرف بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص: 4]، وقولِهِ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [سورة مريم: 65].

        وأما المتشابه: فهو ما لم تتضح دلالته، أو يحتمل أكثر من وجه، واحتيج إلى النظر لحمله على الوجه المطابق، كقوله تعالى: {الرَّحْمـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه: 5].

        وأما قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} [سورة ءال عمران: 7] يحتمل أن يكون ابتداءً، ويحتمل أن يكون معطوفًا على لفظ الجلالة، فعلى الأول: المراد بالمتشابه ما استأثر الله بعلمه كوجبة القيامة وخروج الدجال ونحو ذلك، فإنه لا يعلم متى وقوع ذلك أحد إلا الله؛ وعلى الثاني: المراد بالمتشابه ما لم تتضح دلالته من الآيات أو يحتمل أوجهًا عديدة من حيث اللغة مع الحاجة إلى إعمال الفكر ليحمل على الوجه المطابق كآية {الرَّحْمـٰن عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه: 5]؛ فعلى هذا القول يكون الراسخون في العلم داخلين في الاستثناء، ويؤيد هذا ما رواه مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «أنا ممن يعلم تأويله»([100]).اهـ.

        قال القشيري في «التذكرة الشرقية»([101]): «وأما قول الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ} [سورة ءال عمران: 7] إنما يريد به وقت قيام الساعة، فإن المشركين سألوا النبي عن الساعة أيان مرساها ومتى وقوعها؟ فالمتشابه إشارة إلى علم الغيب، فليس يعلم عواقب الأمور إلا الله تعالى ولهذا قال: {هَلْ يَنظرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [سورة الأعراف: 53]، أي: هل ينظرون إلا قيام الساعة. وكيف يسوغ لقائل أن يقول: في كتاب الله تعالى ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفته ولا يعلم تأويله إلا الله، أليس هذا من أعظم القدح في النبوات؟ وأن النبي ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالى؟ ودعا الخلق إلى عِلْم ما لا يعْلَمُ، أليس الله يقول: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [سورة الشعراء: 195] فإذًا على زعمهم يجب أن يقولوا كذب حيث قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [سورة الشعراء: 195] إذ لم يكن معلومًا عندهم، وإلا فأين هذا البيان؛ وإذا كان بلغة العرب فكيف يُدَّعَى أنه مما لا تعلمه العربُ لَـمَّا كان ذلك الشيء عربيًّا، فما قولٌ في مقالٍ مآله إلى تكذيب الرب سبحانه؟!

        ثم كان النبي يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى، فلو كان في كلامه وفيما يلقيه إلى أمته شيء لا يعلم تأويله إلا الله تعالى، لكان للقوم أن يقولوا: بيّن لنا أوَّلًا من تدعونا إليه وما الذي تقول، فإن الإيمان بما لا يعلم أصله غيرُ مُتأَتٍّ ونسبة النبي إلى أنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل أمر عظيم لا يتخيله مسلم، فإن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف، والغرض أن يستبين من معه مُسْكَةٌ من العقل أن قول من يقول: «استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها، واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها، والقَدَم صفة ذاتية لا يعقل معناها» تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل؛ وقد وضح الحق لذي عينين.

        وليت شعري هذا الذي ينكر التأويل يَطَّرِدُ هذا الإنكار في كل شيء وفي كل ءاية أم يقنع بترك التأويل في صفات الله تعالى؟ فإن امتنع من التأويل أصلًا فقد أبطل الشريعة والعلوم، إذ ما من ءاية وخبر [متشابهان] إلا ويحتاج إلى تأويل وتصرف في الكلام – إلا ما كان نحو قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة الأنعام: 101] – لأن ثَمَّ أشياء لا بدَّ من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيها إلا الملاحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع، والاعتقاد لهذا يؤدي إلى إبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع. وإن قال: يجوز التأويل على الجملة إلا فيما يتعلق بالله وبصفاته فلا تأويل فيه، فهذا مصير منه إلى أنَّ ما يتعلق بغير الله تعالى يجب أن يعلم وما يتعلق بالصانع وصفاته يجب التقاصي عنه، وهذا لا يرضى به مسلم؛ وسرُّ الأمر أن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير أنهم يُدَلّسون ويقولون: له يد لا كالأيدي وقدم لا كالأقدام واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا. فليقل المحقق: هذا كلام لا بد من استبيان([102])، قولكم: «نجري الأمر على الظاهر ولا يعقل معناه» تناقض، إن أجريت على الظاهر فظاهر الساق في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [سورة القلم: 42] هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ، فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاء فهو الكفر، وإن لم يمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر؟ ألست قد تركتَ الظاهر وعلمت تقدس الربّ تعالى عما يوهم الظاهر؟ فكيف يكون أخذًا بالظاهر؟ وإن قال الخصم: هذه الظواهر لا معنى لها أصلًا، فهو حكم بأنها ملغاة، وما كان في إبلاغها إلينا فائدة وهي هدَر، وهذا محال.

        وفي لغة العرب ما شئت من التجوز والتوسع في الخطاب، وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد، فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية، ومن أحاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق، وقد [قُرِئَ] {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في الْعلْمِ} [سورة ءال عمران: 7] فكأنه قال: والراسخون في العلم أيضًا يعلمونه ويقولون ءامنا به. فإن الإيمان بالشيء إنما يتصور بعد العلم، أما ما لا يعلم فالإيمان به غير متأت، ولهذا قال ابن عباس: «أنا من الراسخين في العلم»».اهـ.

        فتبيّن أن قول من يقول إن التأويل غير جائز خبط وجهل، وهو محجوج بقوله لابن عباس: «اللَّهُمَّ علِّمْه الحكمةَ وتأويلَ الكتابِ»([103]).

        هذا وقد شدّد الحافظ ابن الجوزي الفقيه الحنبلي في كتابه «المجالس» النكيرَ والتشنيع على من يمنع التأويل ووسَّع القول في ذلك، فمما ورد فيه([104]): «وكيف يمكن أن يقال: إن السلف ما استعملوا التأويل، وقد ورد في الصحيح عن سيد الكونين أنه قدّم له ابن عباس رضي الله عنهما وَضوءه فقال: «مَن فعلَ هذا؟» فقال: قلت: أنا يا رسول الله، فقال: «اللَّهُمَّ فقِّهْه في الدينِ وعلِّمْه التأويلَ»، فلا يخلو إما أن يكون الرسول أراد أن يدعو له أو عليه، فلا بدَّ أن تقول: أراد الدعاء له لا دعاءً عليه، ولو كان التأويل محظورًا لكان هذا دعاءً عليه لا له. ثم أقول: لا يخلو إما أن تقول: إن دعاء الرسول ليس مستجابًا فليس بصحيح، وإن قلت إنه مستجاب فقد تركت مذهبك وبَطَل قولك: إنهم ما كانوا يقولون بالتأويل، وكيف والله يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في الْعلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ} [سورة ءال عمران: 7] وقال: {الٓـــــــمٓ} [سورة البقرة: 1] أنا الله أعلم، و{كٓهيعٓصٓ} [سورة مريم: 1] الكاف من كافي، والهاء من هادي، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، إلى غير ذلك من المتشابه».اهـ.

        • ثبوت التأويل التفصيلي عن السلف:

        التأويل التفصيلي – وإن كان عادة أكثر الخلف – ثبت أيضًا عن غير واحد من أئمة السلف وأكابرهم، كابن عباس رضي الله عنهما وأبي موسى الأشعري رضي الله عنه من الصحابة، ومجاهد تلميذ ابن عباس من التابعين، والإمام أحمد ممن جاء بعدهم، وكذلك البخاري وغيره.

        أما ابن عباس فقد قال الحافظ ابن حجر في «شرح البخاري»([105]): «وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [سورة القلم: 42] قال: عن شدة من الأمر، والعرب تقول: قامت الحرب على ساق إذا اشتدت، ومنه: [الرمل]

        قد سَنّ أصحابُك ضربَ الأعناقْ

         

        وقامتِ الحربُ بنا على ساقْ

        وجاء عن أبي موسى الأشعري في تفسيرها: عن نور عظيم، قال ابن فورك: معناه ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف، وقال الـمُهَلَّب: كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة، وقال الخطابي([106]): تهيَّب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق، ومعنى قول ابن عباس أن الله يكشف عن قدرته([107]) التي تظهر بها الشدة، وأسند البيهقي([108]) الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن، وزاد: إذا خفي عليكم شيء من القرءان فابتغوه من الشعر، وذكر الرجز المشار إليه، وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد: [الرجز]

        في سَنَةٍ قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا».اهـ.

        وأما مجاهد فقد قال الحافظ البيهقي([109]): «وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الحسن ابن علي بن عفان، ثنا أبو أسامة، عن النضر، عن مجاهد في قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [سورة البقرة: 115] قال: قِبلة الله، فأينما كنت في شرق أو غرب فلا توجهن إلا إليها».اهـ.

        وأما الإمام أحمد فقد روى البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم، عن أبي عمرو بن السماك، عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأوَّل قول الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [سورة الفجر: 22] أنه جاء ثوابه، ثم قال البيهقي: «وهذا إسناد لا غبار عليه».اهـ. نقل ذلك ابن كثير في تاريخه([110]).

        وقال البيهقي في «مناقب أحمد»([111]): «أنبأنا الحاكم، قال: حدَّثنا أبو عمرو بن السماك، قال: حدَّثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت عمي أبا عبد الله ـ يعني: أحمد رضي الله عنه – يقول: احتجوا عليَّ يومئذٍ – يعني: يوم نُوْظرَ في دار أمير المؤمنين – فقالوا: تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك، فقلت لهم: إنما هو الثواب، قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [سورة الفجر: 22] إنما تأتي قدرته، وإنما القرءان أمثال ومواعظ.

        [قال البيهقي:] وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السُّنَّة انتقالًا من مكان إلى مكان، كمجيء ذوات الأجسام ونزولها، وإنما هو عبارة عن ظهور ءايات قدرته، فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان، فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذٍ فعبَّر عن إظهاره إياها بمجيئه». انتهى كلام البيهقي.

        وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه ما كان يحمل ءايات الصفات وأحاديث الصفات التي توهم أن الله متحيّز في مكان أو أن له حركة وسكونًا وانتقالًا من علو إلى سفل على ظواهرها، كما يحملها ابن تيمية وأتباعه المشبهة كوهابية العصر، فيثبتون اعتقادًا التحيز لله في المكان والجسمية، ويقولون لفظًا ما يموّهون به على الناس ليظن بهم أنهم منزهون لله عن مشابهة المخلوق، فتارة يقولون: بلا كيف كما قالت الأئمة، وتارة يقولون: على ما يليق بالله. أقول: لو كان الإمام أحمد رضي الله عنه يعتقد في الله الحركة والسكون والانتقال لترك الآية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو إلى سفل كمجيء الملائكة، وما فاه بهذا التأويل.

        وقد روى البيهقي في «الأسماء والصفات»([112]) عن أبي الحسن المقرئ قال: «أنا أبو عمرو الصفار، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو الحسن الميموني قال: خرج إليَّ يومًا أبو عبد الله أحمد بن حنبل فقال: ادخل، فدخلت منزله فقلت: أخبرني عما كنت فيه مع القوم وبأيّ شيء كانوا يحتجون عليك؟ قال: بأشياء من القرءان يتأولونها ويفسّرونها، هم احتجوا بقوله: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ} [سورة الأنبياء: 2] قال: قلت: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو الـمُحْدَثُ لا الذكر نفسه هو الـمُحْدَثُ. قلت [البيهقي]: والذي يدل على صحة تأويل أحمد بن حنبل رحمه الله ما حدَّثنا أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل عن عبد الله – هو ابن مسعود – رضي الله عنه قال: «أتيت رسول الله فسلمت عليه فلم يرد عليَّ فأخذني ما قَدُمَ وما حَدَث، فقلت: يا رسول الله، أحدث فيَّ شيء؟ فقال رسول الله : «إن الله تعالى يُحْدِثُ لنبيِّه مِن أمرِه ما شاء، وإنَّ مما أَحدث ألَّا تكلَّموا في الصلاةِ».اهـ.

        نقل الزرقاني([113]) عن أبي بكر بن العربي أنه قال في حديث([114]): «ينزلُ ربُّنا»: «النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته؛ بل ذلك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه. فالنزول حسيّ صفة الـمَلَكِ المبعوث بذلك، أو معنوي بمعنى لم يفعل ثم فعل، فسمّى ذلك نزولًا عن مرتبة إلى مرتبة، فهي عربية صحيحة».اهـ.

        قال الحافظ ابن حجر في «شرح البخاري»([115]): «وقال ابن العربي: حكي عن المبتدعة ردّ هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قوم تأويلها وبه أقول. فأما قوله: «ينزل» فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته؛ بل ذلك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه، والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني، فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الـمَلَك المبعوث بذلك، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمّى ذلك نزولًا عن مرتبة إلى مرتبة، فهي عربية صحيحة.اهـ. والحاصل: أنه تأوَّله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الـمَلَك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطّف بالداعين والإجابة لهم ونحوه». انتهى كلام الحافظ، وكذا حكي([116]) عن مالك أنه أوَّله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال: فعل الـمَلِك كذا أي أتباعه بأمره.

        وورد التأويل أيضًا عن الإمام سفيان الثوري رضي الله عنه وهو من السلف الصالح، فقد روى الحافظ البيهقي أيضًا([117]) عن أبي عبد الرحمـٰن محمد بن الحسين السلمي، قال: «أنا أبو الحسن محمد بن محمود المروزي الفقيه، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ، ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدَّثني سعيد بن نوح، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، ثنا عبد الله بن موسى الضبي، ثنا معدان العابد قال: سألت سفيان الثوري عن قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [سورة الحديد: 4] قال: علمه».اهـ.

        وقد ورد التأويل التفصيلي أيضًا عن الإمام البخاري، فقد قال في صحيحه([118]) عند قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88] قال البخاري: «إلا ملكه، ويقال: إلا ما أُريد به وجهُ الله».اهـ.

        وثَبَتَ أيضًا([119]) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلًا أتى النبي فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء فقال رسول الله : «من يضمُّ» أو: «يضيفُ هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله ، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئتي طعامك، وأصبحي سراجك، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يُريانِه أنهما يأكلان، فباتا طاويين([120])، فلما أصبح غدا إلى رسول الله فقال: «ضَحِكَ اللهُ الليلةَ» أو: «عَجِبَ مِن فعالِكما». فأنزل {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: 9].

        قال الحافظ ابن حجر([121]): «ونسبة الضحك والتعجُّب إلى الله مجازية، والمراد بهما الرضا بنصيعهما».اهـ.

        وأوّل البخاري الضحك الوارد في الحديث بالرحمة، نقل ذلك عنه الخطابي([122]) فقال: «وقد تأوَّل البخاري الضحك في موضع ءاخر على معنى الرحمة وهو قريب، وتأويله على معنى الرضا أقرب»([123]).اهـ.

        ونلزم المشبهة بالتأويل الذي لا يستطيعون التهرب منه بما ورد في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [سورة الفرقان: 45، 46]، أي: تقلّص الظل يسيرًا يسيرًا، فماذا يقولون في قوله تعالى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا} هل يحملون هذه الآية على ظاهرها فيزعمون أن الله هنا على الأرض أم يؤولونها؟ هذه الآية قاصمة لظهورهم. اللَّهُمَّ ثبتنا على عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وأحينا عليها وأمتنا عليها.

        خلاصة ما يتعلق بمسألة التأويل أن يقال: هناك مسلكان كل منهما صحيح: الأول: مسلك السلف، وهم أهل القرون الثلاثة الأولى، أي: الغالب عليهم، فإنهم يؤولونها تأويلًا إجماليًّا بالإيمان بها واعتقاد أن لها معنى يليق بجلال الله وعظمته بلا تعيين؛ بل ردّوا تلك الآيات إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11].

        الثاني: مسلك الخلف وبعض الأئمة من السلف: وهم يؤولونها تفصيلًا بتعيين معانٍ لها مما تقتضيه لغة العرب ولا يحملونها على ظواهرها أيضًا كأغلب السلف، ولا بأس بسلوكه ولا سيما عند الخوف من تزلزل العقيدة حفظًا من التشبيه.

        قال ابن دقيق العيد([124]): «نقول في الصفات المشكلة إنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأوَّلها نظرنا فإن كان تأويله قريبًا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيدًا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه».اهـ.

         

        • الألباني ينكر تأويل البخاري:

        أنكر الألباني([125]) تأويل البخاري لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88]، أي: إلا ملكه فقال الألباني([126]) أيضًا عن هذه التأويل: «هذا لا يقوله مسلم مؤمن».اهـ. وذكر أنه ليس في البخاري مثل هذا التأويل الذي هو عين التعطيل ثم قال ما نصّه ([127]): «ننزه الإمام البخاري أن يؤول هذه الآية وهو إمام في الحديث وفي الصفات وهو سلفي العقيدة والحمد لله».اهـ.

        الرَّدُّ:

        الألباني بهذا يكون كفَّر من أوَّل هذه الآية بهذا التأويل فيكون بهذا حكم على الحافظ البخاري رضي الله عنه بالكفر؛ لأن نُسَخ البخاري كلها متفقة على هذا ولا يستطيع أحدٌ أن ثبت نسخة خالية عن هذا التأويل لكنه كابر هربًا مما يتوقعه، فمثله كمثل من أراد أن يغطي الشمس بكفه في يوم صحو رابعة النهار. ثم ليس هذا التأويل مما انفرد به البخاري بل أوَّل([128]) الإمام المجتهد سفيان الثوري رضي الله عنه هذه الآية: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88] بقوله: «ما أريد به وجهه».اهـ.

        ثم إن تأويل البخاري([129]) لهذه الآية ثابت عنه، فقد قال في أول سورة القصص ما نصّه: «{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88] إلا ملكه، ويقال: إلا ما أريد به وجه الله».اهـ. فإنكار الألباني لذلك دليل جهل الألباني بهذه الروايات فكيف يدعي أصحابه بأنه حافظ محدث؟ سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.

        وأما قوله بأن هذا التأويل لا يقوله مسلم مؤمن؛ لأنه على زعمه يكون من أهل التعطيل الضالين، فماذا يقول عن البخاري بعد ثبوت ذلك عنه، هل يرميه بالتعطيل([130])؟

        أما تخجلون – يا نفاة التأويل – من إطلاق هذا القول «التأويل تعطيل» وقد أوَّلتم كل ءاية ظاهرها يوهمُ أن الله في الأرض وكذلك كل حديث. فقد أوَّلتم قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْربُ فأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [سورة البقرة: 115]، وأولتم قول الله تعالى إخبارًا عن سيدنا إبراهيم : {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سورة الصافات: 99] فلم تأخذوا بظاهره، وأولتم حديث البخاري([131]): «وما يزالُ عبدي يتقربُ إليَّ بالنوافلِ حتى أحبَّهُ فإذا أحببْتُهُ كنتُ سمعَهُ الذي يسمعُ به وبصرَهُ الذي يُبصرُ بهِ ويدَهُ التي يبطشُ بها ورجلَهُ التي يمشي بها»([132]) فلم تأخذوا بظاهره، وأولتم حديث([133]): «ما تصدقَ أحدٌ بصدقةٍ من طيبٍ، ولا يقبلُ الله إلا الطيبَ، إلا أخذها الرحمـٰن بيمينِهِ وإن كانت تمرةً فتربو في كفِّ الرحمـٰن»، فلم تأخذوا بظاهر هذا الحديث أن يد المتصدق فوق يد الله، أما قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [سورة الفتح: 10]، فقد حملتموه على الظاهر، فما هذا التناقض؟!

        • الألباني يدّعي أنه يشترط للوقوع في الكفر أن يعتقد الكافر الكفر في قلبه لا مجرد قوله بلسانه:

        مما خالف به ناصر الدين الألباني كلامَ أهل السُّنَّة والجماعة قوله([134]): «ولم تلاحظ أن هذا يستحيل أن يكون الكفر العملي خروجًا عن الملة، إلا إذا كان الكفر قد انعقد في قلب الكافر عملًا».اهـ.

        الرَّدُّ:

        هذا من ضلالات الألباني التي خرج بها عن إجماع أهل السُّنَّة والجماعة، حيث إنه شرط أن يقارن الكفرَ الفعلي والقولي الاعتقادُ، وهذا معناه إلغاء حكم ءاية الإكراه بأن الله تعالى استثنى المكره، فشرط في الحكم عليه بالكفر أن يكون شارحًا صدره، أي: معتقدًا لكفره هذا، وناصر الألباني جعل هذا عامًّا في المكره وغيره، وهو بهذا خالف الآية وخالف إجماع علماء الإسلام، فإنهم صرحوا في المذاهب الأربعة وغيرها من المذاهب المعتبرة بأن الكفر ثلاثة أقسام، أي: أن كل قسم كفر بمفرده، من غير أن ينضاف إليه الآخر، قالوا كفر قولي وكفر فعلي وكفر اعتقادي، فخالف الألباني علماء الإسلام فحصر الكفر في الاعتقاد، فمعنى ذلك لا كفر إلا ما قارنه الاعتقاد، وأما ءاية الإكراه فقد ورد فيها ما يبيّن هذا المعنى الذي ذكرناه، والدليل على ذلك ما ذكره الفقيه المحدث ابن أمير الحاج تلميذ الحافظ ابن حجر في كتابه «التقرير والتحبير»([135]) قال ما نصّه: «ثم مما يدل على هذه الجملة ما روى إسحاق بن راهويه وعبد الرزاق وأبو نعيم والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي وذكر ءالهتهم بخير، فلما أتى النبي قال: «ما وراءك» قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت ءالهتهم بخير، قال: «فكيف تجدُ قلبَك»؟ قال: مطمئنًّا بالإيمان، قال: «فإن عادُوا فعُدْ»، وقال ابن عبد البر [كان مجسّمًا لله والعياذ بالله]: أجمع أهل التفسير على أن قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] نزلت في عمار».اهـ.

        وقال الإمام الحافظ المجتهد ابن المنذر في «الإشراف»([136]) ما نصّه: «قال الله {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] نزلت في عمار وغيره قال لهم كلمة أعجبتهم تقيَّةً فاشتد على عمار الذي كان تكلم به، فقال رسول الله : «كيف كان قلبُك حين قلتَ الذي قلتَ؟ أكان منشرحًا بالذي قلت أم لا؟»، فأنزل الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] الآية».اهـ.

        وقال الحافظ ابن حجر في «شرح البخاري»([137]) ما نصّه: «وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] قال: أخبر الله أن من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله، وأما من أُكره بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه فلا حجر عليه، إن الله إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم، قلت وعلى هذا فالاستثناء مقدَّم من قوله: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ} [سورة النحل: 106] كأنه قيل: «فعليهم غضب من الله إلا من أكره»؛ لأن الكفر يكون بالقول والفعل من غير اعتقاد، وقد يكون باعتقاد فاستثنى الأول وهو المكره». انتهى كلام الحافظ. فقد بان وظهر خروج الألباني عن حكم هذه الآية والتفصيل الذي تضمنته، لأنه جعل كلَّ من تكلم بالكفر أو يكفر بالفعل في حكم المكره حيث اشترط للحكم عليه بالكفر الاعتقاد وفارق بذلك المسلمين حتى فرقته الوهابية؛ وإليكم نص أحدهم وهو عبد المنعم مصطفى حليمة، حيث ردَّ على ما ادعاه من أن شاتم الله أو الرسول لا يراه ردة على الإطلاق، فقال ما نصّه([138]): «هو كافر مرتد على الإطلاق، بهذا نطقت أدلة الكتاب والسُّنَّة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعي تابعيهم من أئمة العلم والدين، لم يشذ عنهم إلا من كان في الإيمان مرجئًا أو جهميًّا».اهـ.

        فالاعتقاد هو شرح الصدر، لأن الاعتقاد هو عقد القلب على شيء، والآية المذكورة لـمَّا نفت الحكم بالكفر عن هذا المكره أثبتته في غيره بلا شرح الصدر، بمجرد النطق أو الفعل، من غير أن يقال إنه اعتقاد، فأفادت الآية حكمين، الحكمّ المذكور على المكره، والحكمَ على غير المكره، بقول الكفر أو فعل الكفر من غير أن يقترن بهما اعتقاد، فالألباني عطّل حكم الآية، وخالف علماء الإسلام، سلفهم وخلفهم، بما فيهم من الخلفاء والسلاطين والحكام، فليس هناك خليفة من الخلفاء أو سلطان من سلاطين المسلمين أو حاكم من حكامهم الشرعيين أتى بمرتد فقال له: هل كنت شارحًا صدرك؟ وهذا البخاري قد روى في صحيحه([139]) أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قدم على أبي موسى رضي الله عنه، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس، أيّم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل، قال: إنما جيء به لذلك فانزِلْ، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل ثم نزل، فهل يسأل معاذ ابن جبل رضي الله عنه: هل سألته هل كان شارحًا صدره بكفره الذي كفره أم لا؟ فإن ما ادعاه الألباني شرعٌ أحدثه من بنات أفكاره، فما أشد ولعه بالخلاف والتفرد عن العلماء! وأما سبق اللسان إلى الكفر بدون إرادة فهذا كغير الموجود، أي: كأنه لم يحصل.

        وأما احتجاج الألباني بحديث نباش القبور([140]) الذي كان أوصى أولاده بأن يحرقوه إذا مات ويذروا رماده في يوم ريح شديدة، وقال لهم: «لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا» وقال: «لعلي أَضَلُّ الله»، فاحتجاجه بهذا باطل مردود، لأن هذا الرجل خرج منه هذا الكلام ليس عن شك في قدرة الله عليه، وإنما كان الرجل في حال دهشة فتلجلج لسانه فنطق بلا إرادة، مثل الرجل الذي ورد في «صحيح مسلم»([141]) أنه أَضَلَّ ناقتَه وكان عليها طعامه وشرابه، فنزل تحت شجرة فنام ثم استيقظ فلم يجدها، ثم نام ثم استيقظ فوجدها قائمة عنده فقال من شدة الفرح: اللَّهُمَّ أنت عبدي وأنا ربك، قال رسول الله : «أخطأ من شدةِ الفرحِ»، وهذا حاله كحال هذا لأن شدة الحزن والكرب قد تسبب النطق بالكلام بشيء قبيح بدون إرادة، كما أن شدة الفرح كفرح هذا الرجل قد تسبب ذلك، هذا هو الصحيح في توجيه حديث هذا الرجل الذي أوصى أن يُحرق إذا مات، قال الحافظ ابن الجوزي([142]): «جحده صفة القدرة كفر اتفاقًا».اهـ. فقد ضلَّ من قال بهذه المقالة؛ لأن من خصائص الإسلام الإيمان بأن الله قادر على كل شيء، كما أن من خصائص الإسلام أن الله عالم بكل شيء، فكيف يصح الإسلام لمن شك في قدرة الله على كل شيء أو علم الله بكل شيء؟ لا يصح.

        وأما الاجتهاد بنوع من التأويل فإنما يكون عذرًا في ترك تكفير فاعله، بشرط ألا يكون في القطعيات، لأنه لا يقبل التأويل في القطعيات([143])، ككفر ابن سينا في قوله بأزلية العالم وكان منتسبًا إلى الإسلام، فكفَّره العلماء في قوله هذا ولم يعذروه، فلم يقولوا: هذا تأوَّل بالاجتهاد فهو معذور لا يكفَّر؛ كما كفَّره ابن تيمية، وهو موافِقُهُ في هذه الكفرية، لا فرق بينه وبين ابن سينا إلا أن ابن سينا يقول: العالم قديم بمادته وصورته، وابن تيمية يقول العالم: قديم بجنسه لا بأفراده، ولزم من قوله هذا قدم الأفراد، لأن الجنس والنوع لا وجود لهما إلا في ضمن الأفراد، ولذلك قال الحافظ السبكي: «إن ابن تيمية قال: لم يزل مع الله مخلوق»، ولا يشك ذو فهم في لزوم هذا من قول ابن تيمية: العالم قديم بنوعه، فكذَّب ابن تيمية قول الله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ} [سورة الحديد: 3]، أي: لا أوَّل أولية مطلقة إلا الله، وذلك كذَّب حديث البخاري([144]): «كان اللهُ ولم يكن شيءٌ غيرُه» لأن نوع العالم وأفراده غير الله، كما أن المكان والجهات غير الله، وكذَّب حديث([145]) كان اللهُ قبلَ كلِّ شيءٍ»، ولفظ شيء يشمل النوع والأفراد، ومع هذا الكفر الذي صرح به في عدة من كتبه يسمونه «شيخ الإسلام» من باب العصبية الاعتقادية، لأنهم وجدوه زعيمهم الأول في تكفير المتوسلين بالأنبياء والأولياء، وتكفير زوَّار القبور بقصد التبرك بالأنبياء والأولياء.

        ومن الأمور التي خرج بها الألباني من دائرة الحق ما ذكره في فتاويه، ونص عبارته([146]): «ذلك لأن المسلم حقًّا قد يخفى عليه حكم ما فيقع في الكفر المخرج عن الملة، لكن هو لا يدري ولا يشعر، ولذلك فلا يجوز أن نحكم على مسلم بعينه أنه كفر، ولو كان وقع في الكفر – كفر ردة – إلا بعد إقامة الحجة عليه».اهـ.

        فهذا فيه رد وإبطال لحكم شرع الله تعالى، وهو أن المسلم إذا تكلم بكلمة كفرية أو فعل فعلًا كفريًّا، كسب الله وسب رسوله أو سجود للصنم أو للشمس بإرادة منه، ولو من غير اعتقاد وانشراح صدر كفَر، وهو مجمع عليه عند العلماء.

        وأما احتجاج الألباني في بعض كلامه بآية {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [سورة الإسراء: 15] فهو احتجاج بالآية في غير محلها، لأن هذه الآية تعني أن من لم يسمع بدعوة الأنبياء غير مكلف([147])؛ كالصبي فلا يُجرى عليهما قلم السيئات. فقد تبيّن أن هذا من جملة تحريفات الألباني لكتاب الله، ولم يدر الألباني الفرق بين المشرك الذي بلغته دعوة نبي فعاند فأصرَّ على شركه، وبين المشرك الذي لم تبلغه دعوة نبي من الأنبياء حتى مات وهو على هذا الحال، فأين هذا مما ادَّعاه الألباني أن المسلم إذا تكلم بكلمة الكفر أو فعل فعلًا كفريًّا لا يحكم عليه بالكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه؟!

        ومما يشهد على الألباني إلغاء ءاية الإكراه قوله في فتاويه ما نصّه([148]): «نحن نبني قاعدة ونستريح، الكفر المخرج عن الملة يتعلق بالقلب لا يتعلق باللسان».اهـ. وهذا من أصرح ما وقفت عليه من تحريف حكم الشرع في حكم من ارتد عن الدين بالقول أو بالفعل، وقوله هذا لم يقله قبله مسلم، فهو بهذه المقالة ألغى الاستثناء الذي في الآية {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة النحل: 106]، والقاعدة أن حكم المستثنى يختلف عن المستثنى منه، وهو جَعَلَ الاستثناء عدمًا بجعله حكم المستثنى والمستثنى منه واحدًا. فعلى موجب قوله كان ينبغي أن تكون الآية هكذا: من كفر بالله من بعد إيمانه من غير اعتقاد وشرح صدر ليس عليه غضب من الله، أي: ليس عليه عقوبة، فعلى دين هذا الرجل الذي اخترعه لنفسه يقول الرجل ما شاء من سبّ الله وسب الرسول وسب الإسلامي وسب القرءان ويسجد للصنم والشمس وهو غير مكره؛ بل باختياره، ثم يقول: «أنا ما انشرح قلبي بهذا الكلام الذي قلته، وبالفعل الذي فعلته»، فيخلَّى سبيله من غير اعتراض عليه عند حكام الشريعة وغيرهم، ويتزوج المسلمات ويرث من أقاربه المسلمين، ما أعظم هذا الفساد!

        كما قال الألباني في فتاويه([149]): «ثم هناك القول الذي يذكره بعض الفقهاء المتأخرين أنه إذا كان هناك مائة شهادة في الإنسان تسع وتسعون أنه كفر في ما فعل أو في ما قال، وواحد يقول: لا، هذا ليس كفرًا، هذا فسق فقط».اهـ.

        الجواب: المعروف بين الفقهاء في كتبهم أنه إذا كان للكلمة وجه واحد لترك التكفير ووجوه تقتضي التكفير، يأخذ المفتي بالقول بترك التكفير، إلا أن يُبيّن قائلها أنه أراد الوجه الكفريَّ، وهذا محله الكلمات التي لها معنيان أو أكثر من معنيين، بعض تلك المعاني كفر، وبعضها ليس كفرًا، كقول القائل: «هذا خير من الله»، فهذه الكلمة تحتمل معنيين، أحدهما: هذا خير، أي: نعمة من الله، والآخر: هذا أفضل من الله، فالأول شيء يوافق الشرع، والثاني كفر بالاتفاق، وليس مراد الفقهاء أنه إذا قال الشخص كلمة معناها صريح في الكفر ليس لها إلا هذا المعنى، وكان يفهم معناها، ثم اختلف الناس في أمره، فقال بعضهم: كفر وقال بعضهم: لم يكفر، ليس هذا محل المسألة التي قالها الفقهاء، ويا للعجب ما أجرأ هذا الرجل على الافتراء على العلماء! ولا يوجد لكلام الألباني مستند واحد من كتاب لحنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي فيه ما يدَّعيه. ولم يصح هذا الكلام لا عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ولا عن الإمام مالك رضي الله عنه.

        ثم الألباني خالف قوله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18]، وخالف قول رسول الله ([150]): «وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم – أو على مناخرِهم – إلا حصائدُ ألسنتِهم»؛ لأن فيه محاسبة العبد بما يتلفَّظ به من غير النظر إلى الاعتقاد، فعند الألباني حكم الآية والحديث ملغى لا اعتبار له.

        • الألباني يتخبَّط في مسألة التوسل والاستغاثة:

        عمد الألباني إلى تقليد ابن تيمية في مسألة تحريم([151]) التوسل والاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، فجعل الاستغاثة بغير الله شركًا([152]) فقال([153]): «وبهذا البيان يَنسدّ طريق من طرق الضلال المبين على المشركين وأمثالهم من الضالين الذين يستغيثون بالأولياء والصالحين ويدعونهم من دون الله».اهـ. وقال أيضًا في مقدمته على كتاب «الكلم الطيب»([154]) لابن تيمية ما نصّه: «كلمة أخيرة، وبعد فلعل تضمن الكتاب لتلك الأحاديث الضعيفة مع السكوت عنها، وفيها ما يبدو أنها منافية للتوحيد، والمؤلف حامل رايته، كحديث المناداة بـ«يا محمد» مما حمل بعض الأفاضل على الكتابة إلي يسألني: هل صحَّت نسبة الكتاب إلى ابن تيمية».اهـ.

        الرَّدُّ:

        الألباني يشكّك بنسبة الكتاب لابن تيمية، لأن كتاب ابن تيمية «الكلم الطيب» فيه رواية ما يضادّ ويناقض عقيدة الألباني والوهابية، وفيه رواية البخاري في «الأدب المفرد»([155]) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه خدِرت رجله فقيل له: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: يا محمد، فكأنما نشط من عقال، وروى البخاري([156]) عن رسول الله أنه قال: «إنَّ الشمسَ تدنو يومَ القيامةِ حتى يبلغَ العرقُ نصفَ الأذنِ، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدمَ ثم بموسى ثم بمحمدٍ»، والتوسل والاستغاثة بمعنى واحد، كما قال الحافظ المجتهد المتكلم الأصولي الفقيه اللغوي النحوي تقي الدين السبكي([157]).

        ومما يدل على ذلك أن حديث الشفاعة روي بلفظين، رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما بهذا اللفظ، ورواه أيضًا عن أنس رضي الله عنه بلفظ الاستشفاع، ونصّه([158]): «فاشفعْ لنا عندَ ربِّنا»، فهاتان الروايتان يؤخذ منهما أن الاستغاثة توسل والتوسل استغاثة.

        ومن أدلة التوسل ما رواه الحافظ الطبراني([159]) في معجمه الكبير والصغير، واللفظ للصغير، عن عثمان بن حُنَيْف رضي الله عنه: أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف، فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلّ ركعتين ثم قل: «اللَّهُمَّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّنا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي تعالى ليقضي لي حاجتي»، وتذكر حاجتك، ورُح إليّ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال عثمان له، ثم أتى عثمان بن عفان، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال له: ما كان لك من حاجة فَائْتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت([160]) حتى كلمته فيَّ، فقال عثمان بن حنيف: والله، ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله وقد أتاه ضرير فشككا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي : «أو تصبرُ؟» فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد وقد شقَّ عليَّ، فقال له النبي : «ائتِ الميضأةَ فتوضأ ثم صلِّ ركعتينِ ثم ادعُ بهذه الدعواتِ». قال عثمان بن حنيف: فوالله، ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط. قال الطبراني([161]): «والحديث صحيح».اهـ. ففي هذا الحديث الصحيح دليل على جواز التوسل بالنبي في حياته بغير حضوره وبعد وفاته.

        ومن أدلة الاستغاثة بالنبي ما رواه الحافظ البيهقي([162]) أيضًا بإسناد صحيح عن مالك الدار – وكان خازن عمر رضي الله عنه – قال: «أصاب الناس قحط في زمان عمر فجاء رجل إلى قبر النبي فقال: يا رسول الله استسقِ لأمَّتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله في المنام فقال: ائت عمر فأقرئه مني السلام، وأخبره أنهم يسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبر عمر فقال: «يا ربّ ما ءالوا إلا ما عجزت([163])»».اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحارث المزني الصحابي، فهذا الصحابيُّ قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر رضي الله عنه ولا غيره.

        وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([164]) ما نصّه: «وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمَّان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائتِ عمر، الحديث. وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة».اهـ.

        ولما لم يستطع الألباني إثبات ضعف هذا الأثر عمد إلى الادّعاء أن الحافظ ابن حجر ضعَّفه([165])، مع أن الحافظ صرَّح بصحة سنده كما سبق ذكر ذلك في كتابه «فتح الباري»، وهذا دليل أيضًا على أن الألباني لا يوثَق بنقله، ولا برأيه الذي يحرف الحقائق والوقائع نصرةً لرأيه.

        ثم إن الاستغاثة بالرسول بعد موته عند الألباني شرك وكفر فماذا يقول في زعيمه ابن تيمية الذي أورد في كتابه الذي سمَّاه «الكلم الطيب»، أي: أن كل ما فيه شيء حسن، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما خدرت رجله – أي: أصابها مرض الخدر الذي هو شبه فالج في الرّجل وهو معروف عند الأطباء – فقال له رجل: اذكر أحبَّ الناس إليك فَقال: يا محمد، فكأنما نشط من عقال.

        وكتاب ابن تيمية هذا توجد منه نسخ خطية، وطبع عدة طبعات في مصر وغيرها، فموجب قوله بتكفير المستغيث برسول الله بعد موته تكفير ابن تيمية، حيث إنه استحسن هذا، ومن استحسن الكفر فهو كافر، ومن دلَّ إلى الكفر فهو كافر، فهل يعترف بكفر ابن تيمية؛ لأنه استحسن هذه الاستغاثة كما يكفّر المستغيثين بالرسول بعد وفاته على الإطلاق أم يستثنيه؟! أم ماذا يفعل؟! فإن قال: لا أكفّر ابن تيمية لاستحسانه ذلك لأنه زعيمنا، قيل له: إذًا أنت تتحكَّم تطبق على الناس ما لا تطبقه على زعيمك، فقد أشبهت في هذا اليهود الذين كانوا بدَّلوا حكم التوراة في الرجل الزاني المحصن، كانوا يرجمون الزاني المحصن إن كان من الوضعاء، ولا يرجمونه إن كان من أشرافهم. وقد اعترف الألباني (مع أنه شَكَّك) بأن هذا الكتاب من مؤلفات ابن تيمية كما عرف الناس سواه؛ لأن مترجميه ذكروا ذلك في عداد مؤلفاته، فأين المهرب؟!

        ثم ماذا يقول الألباني فيما ذكره الحافظ الخطيب البغدادي([166]) بسنده إلى عبد الواحد بن ءادم يقول: «رأيت النبي في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع، فسلمت عليه فردَّ عليَّ السلام، فقلت: وما وقوفك ههنا يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد ابن إسماعيل» – يعني: البخاري – إلى ءاخر ما تقدم. وقال القسطلاني([167]): «لما ظهر أمره بعد وفاته، خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة، وقال أبو علي الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي، قدم علينا «بلنسية» [في الأندلس سابقًا، وفي شرق إسبانيا اليوم: فالنسيا] عام أربعة وستين وأربعمائة، قال: فقحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام، فاستسقى الناس مرارًا فلم يسقوا، فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند وقال له: إني رأيت رأيًا أعرضه عليك، قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام البخاري فتستسقي عنده، فعسى الله أن يسقينا، فقال القاضي: نِعْمَ ما رأيت! فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه، فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير، أدام الناس من أجله «بخرتنك» [قرية من قرى سمرقند، وفي أوزبكستان اليوم] سبعة أيام ونحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته».اهـ.

         

        • الألباني يعدّ النبي ضالًّا كما يعدّ المتوسلين بالأنبياء والأولياء ضالين:

        من مقالات الألباني الـمُخرجة من الدين قوله في فتاويه([168]) ما نصّه: «أنا أقول هؤلاء – يعني: المتوسلين بالأولياء والصالحين – ولا أتورع من أن أسميهم باسمهم هؤلاء ضالون عن الحق، ولا إشكال في إطلاق هذا التعبير إسلاميًّا حين أقول إنهم ضالون عن الحق فإن الله تعالى أطلق على نبيّه  أنه حينما كان قبل نزول الوحي عليه يقول: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [سورة الضحى: 7]».اهـ.

        ففي هذا الكلام جعل الألباني الرسول ضالًّا كضلال من حكم عليهم هذا الرجل من علماء الإسلام وعوامهم، لتوسلهم بالأنبياء والأولياء، وهذا عنده شرك، فحكم على الرسول بما حكم به على علماء المسلمين وعوامهم لضلالهم وكفرهم كما زعم، فهذا طعن في الرسول صريح، ومن طعن في الرسول فقد أجمع علماء الإسلام على كفره، فهذا دليل على أنه لا يحترم الأنبياء، لأنه انتقص أفضلهم وأكرمهم على الله، وهو نبينا محمد ، فبعد تنقيصه للرسول يهون عليه تنقيص من سواه كائنًا من كان. هذا مبلغ اعتقاد هذا الرجل، فإنه جعل نفسه حاكمًا على كل من سواه من غير تفريق بين النبي وبين أفراد أمته.

        وليس معنى الآية ما زعمه الألباني، إنما من معانيها عند أهل التفسير أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن ينزل عليه الوحي كان لا يعلم تفاصيل أحكام الشريعة، إنما عرف تفاصيل أحكام الشريعة بعد أن أنزل الله عليه الوحي([169]).

        وهذه الآية مثل ءاية: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإيمَانُ} [سورة الشورى: 52]، أي: قبل أن نعلمك بالوحي لا تدري ما هو القرءان وما تفاصيل الإيمان([170])، وليس معناه أنك يا محمد كنت كافرًا فهديناك إلى الإسلام والإيمان، فإذا كان هذا الرجل يتجرأ على الطعن في الرسول ، فلا يستغرب إذا تجرأ على غيره من الأكابر في الدين كالصحابة ومن جاء بعدهم، فإنه ساوى الرسول بالضالين الكافرين. فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل نزول الوحي عليه كان عارفًا بربه مؤمنًا به أنه لا يستحق أحدٌ غيرُه أن يُعبَدَ، حتى أكرمه الله بالوحي فأعطاه الله تعالى من علم أحكام الإيمان وأمور الآخرة فجعله أعلم الأولين والآخرين بأمور الدين أتم صلاة وسلام عليه وعلى ءاله وذريته وصلى وسلَّم على جميع أخوانه من النبيين.

        فإذا كان الألباني تجرأ على ذكر سيدنا محمد في عداد الضالين، ويعني هذا الرجل بالضالين الذين ألحق الرسول بهم من هم مشركون عنده، لأن التوسل بالأنبياء والأولياء شرك عنده وعند طائفته، فكيف يُشبه سيدنا محمدًا بهؤلاء لمجرد أن الله تعالى قال في حقه : {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [سورة الضحى: 7]. والتوسل بالأنبياء والأولياء أجمع عليه المسلمون سلفهم وخلفهم، لم يخالف في هذا إلا ابن تيمية، ثم هؤلاء – أعني: الألباني وجماعته المشبهة – قلَّدوه، فالمسلمون مع اختلاف طبقاتهم في الفضل في الدين كانوا متوسلين بالأنبياء والأولياء وإن كان هذا الأمر عند هذا الألباني كفرًا، ولن يستطيع أحد إثبات منع التوسل بالأنبياء والأولياء عن عالم معتبر قبل ابن تيمية الذي تفرَّد بمنع ذلك بغير وجه حقّ.

        ولو عبَّر الألباني عما في نفسه لقال بعبارة صريحة: «لا يوجد مسلمون سوى طائفتنا الوهابية»، كما قال زعيمهم السابق محمد بن عبد الوهاب: «من دخل في دعوتنا فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن لم يدخل في دعوتنا فهو كافر مباح الدم»، وقد نقل ذلك خلق منهم العالم الجليل الشيخ أحمد بن زيني دحلان المكي والشيخ محمد بن عبد الله النجدي مفتي الحنابلة في مكة المكرمة المتوفَّى في أواخر القرن الثالث عشر في كتابه([171]) «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» فقال في زعيمهم هذا: إنه يُكفِر من خالف رأيه ويستحل قتله. وأفعال أتباعه تشهد بذلك.

        • الألباني يدّعي أنه لا يجوز الزيادة في التلبية على تلبية رسول الله وأن هذا بدعة:

        من بدع هذا الألباني التي شوش بها على المسلمين حكمه على أفعالٍ أحدثها العلماء الأخيار من السلف والخلف، وكذلك اعتباره الزيادة في التلبية على تلبية رسول الله أنها بدعة([172]).

        الرَّدُّ:

        هذه الزيادات التي أقرها العلماء موافقة لكتاب الله وسُنَّة رسوله غير مخالفة، وهي داخلة تحت قوله : «مَن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَن عمل بها بعدَه من غير أن ينقصَ من أجورِهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً كان عليه وزرُها ووزرُ من عمل بها من بعدِه من غير أن ينقصَ من أوزارِهم شيءٌ» رواه مسلم([173])، وكذلك تحت الحديث الصحيح الموقوف، وهو قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح».اهـ. حسَّنه الحافظ ابن حجر في «الأمالي»([174]). وذلك مثل عمل المولد في شهر ربيع الأول، واستعمال السبحة للذكر، والطرق التي أحدثها العلماء الأولياء الأبرار، كالطريقة القادرية والطريقة الرفاعية، وصيغة التلبية التي أحدثها سيدنا عمر رضي الله عنه.

        لقد كانت تلبية رسول الله : «لبيكَ اللَّهُمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمة لكَ والـمُلْكَ لا شريكَ لكَ» فأحدث عمر: «لبيك اللَّهُمَّ لبيك، لبيك وسعديك والخيرُ في يديك، لبيك والرغباءُ إليك والعمل»، وزاد ابن عمر رضي الله عنهما في التشهد: «وحده لا شريك له» قال: «أنا زدتها». أما تلبية عمر رضي الله عنه التي زادها على تلبية الرسول فقد رواها مسلم([175])، أما زيادة ابن عمر رضي الله عنهما في تشهد الصلاة: «وحده لا شريك له» فأخرجها أبو داود([176]).

        وأحدث العلماء من السلف والخلف كتابه «ص» عند كتابة اسم محمد، وكُتُبُ الرسول التي أملاها على الصحابة التي كتبها إلى الملوك ليدعوهم إلى الإسلام كهرقل خالية عن ذلك، فلم يُمْلِ الرسول عليهم إلا اسمه، ففي «صحيح البخاري» صورة كتابه ولفظه: «بسم الله الرحمـٰن الرحيمِ منْ محمدٍ عبدِ اللهِ ورسولِهِ إلى هرقلَ عظيمِ الرومِ. سلامٌ على من اتبعَ الهدى، أما بعدُ؛ فإني أدعوكَ بدعايةِ الإسلامِ، أسلِمْ تسلَمْ» الحديث([177])، وهذه الكتابة سُنَّة حسنة أحدثها العلماء مما لم يفعله الرسول وقبلها أهل السُّنَّة وغيرهم، حتى المشبهة جماعة الألباني في مؤلفاتهم عند كتابة اسم الرسول يكتبون ، ومن ذلك ما ذكره المحدّثون في كتب مصطلح الحديث([178]) أنه يستحب للمحدث المملي في مجلس الإملاء أن يبدأ بقراءة شيء من القرءان والحمد لله والصلاة والسلام على النبي ثم يقول المستملي للمملي: «مَن ذكرتَ رحمك الله»، وهذا لم يكن في عهد الرسول ولا فيما بعده إلى زمان طويل، فالعجب من هذا الرجل وجماعته الوهابية، حيث ينكرون بعض ما أحدثه علماء الإسلام مما ذكرت ونحوه، محتجين بأن الرسول لم يفعله وهم موافقون في بعض ذلك؛ بل يفعلونه ويحرمون على الناس بعضًا تحكمًا بلا دليل، فإن كان عندهم كل ما لم يفعله الرسول ولا رغب في فعله حرامًا فليحرموا كتابة «» عقب كتابة اسم «محمد»، وليحرموا أيضًا تلبية عمر رضي الله عنه التي لم ينكرها عليه أحد من الصحابة وغيرهم، وليحرموا على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله: «وأنا زدتها»، أي: كلمة «وحده لا شريك له»، وليحرموا على المحدّثين ما استحسنوه لمجلس إملاء الحديث مما سبق ذكره ءانفًا.

        ومن أراد زيادة بيان وتفصيل في تقسيم البدعة فليراجع كتاب شيخنا الحافظ المحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله «صريح البيان»([179]) فإن فيه تفاصيل من المهم الاطلاع عليها.

        • الألباني يزعم أن صلاة المؤذن على النبي جهرًا وسرًّا عقب الأذان بدعة ضلالة يستحق صاحبها النار:

        قال الألباني([180]): «بدعة جهر المؤذن بالصلاة عليه عقب الأذان بدعة اتفاقًا».اهـ. وقال في كتابه المسمّى «تمام المنّة»([181]) ما نصّه: «قوله([182]): «الجهر بالصلاة والسلام على الرسول محدث مكروه»، قلت [أي: الألباني]: مفهومه أن الإسرار بها سُنَّة، فأين الدليل على ذلك؟ فإن قيل: هو قوله : «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَما يقولُ ثم صلُّوا عليَّ»([183])، فالجواب: إن الخطاب فيه للسامعين المأجورين بإجابة المؤذن، ولا يدخل فيه المؤذن نفسه، وإلا لزم القول بأنه يجيب أيضًا نفسه بنفسه، وهذا لا قائل به، والقول به بدعة في الدين. فإن قيل: فهل يمنع المؤذن من الصلاة عليه سرًّا؟ قلت [أي: الألباني]: «لا يمنع مطلقًا، وإنما يمنع من أن يلتزمها عقب الأذان خشية الزيادة فيه، وأن يلحق به ما ليس منه ويسوي بين من نص عليه وهو السامع، ومن لم ينص عليه وهو المؤذن، وكل ذلك لا يجوز القول به، فليتأمل».اهـ.

         

        الرَّدُّ:

        • الجهرُ بالصلاة على النبيّ بعد الأذان لا يخالف الشرع، وقد استحسنه العلماء، وحدث هذا بعد سنة سبعمائة هجرية، وكانوا قبل ذلك لا يجهرون بها.

        قال الحافظ السيوطي في «الوسائل في مسامرة الأوائل»([184]) ما نصّه: «أول ما زيد «الصلاة والسلام» بعد كل أذان في المنارة في زمن السلطان المنصور حاجِي بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي، وذلك في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وكان حدث قبل ذلك في أيام السلطان صلاح الدين بن أيوب أن يقال في كل ليلة قبل أذان الفجر بمصر والشام: «السلام على رسول الله»، واستمر ذلك إلى سنة سبع وستين وسبعمائة، فزيد بأمر المحتسب صلاح الدين البَرَلُّسي أن يقال: «الصلاة والسلام عليك يا رسول الله»، ثم جعل في عقب كل أذان سنة إحدى وتسعين».اهـ.

        قال الحطاب المالكي في كتابه «مواهب الجليل» ما نصّه: «وقال السخاوي في «القول البديع»([185]): أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله عقب الأذان للفرائض الخمس إلى الصبح والجمعة فإنهم يقدمون ذلك قبل الأذان، وإلا المغرب فلا يفعلونه لضيق وقتها، وكان ابتداء حدوثه في أيام الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وبأمره وذكر بعضهم أن أمر الصلاح بن أيوب بذلك كان في أذان العشاء ليلة الجمعة، ثم إن بعض الفقراء [المتصوفة] زعم أنه رأى رسولَ الله وأمره أن يقول للمحتسب أن يأمر المؤذنين أن يصلّوا عليه عقب كل أذان، فَسُرَّ المحتسب بهذه الرؤيا، فأمر بذلك واستمر إلى يومنا هذا. وقد اختلف في ذلك هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع؟ واستدلّ للأول بقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [سورة الحج: 77]، ومعلوم أن الصلاة والسلام من أجلّ القرب، لا سيما وقد تواترت الأخبار على الحثّ على ذلك مع ما جاء في فضل الدعاء عقبه والثلث الأخير وقرب الفجر، والصواب أنه بدعة حسنة، وفاعله بحسب نيّته».اهـ.

        ويكفي في إثبات كون الجهر بالصلاة على النبي بدعة مستحبة عقب الأذان قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَما يقولُ ثم صلُّوا عليَّ»([186]) وقوله عليه الصلاة والسلام: «من ذُكِرْتُ عنده فليصلِّ عليَّ» رواه أبو يعلى وغيره([187]) عن أنس، وفي لفظ له([188]) أيضًا: «من ذكَرني فليصلِّ عليَّ»، فيؤخذ من ذلك أن المؤذن والمستمع مطلوب منهما الصلاة على النبي ، وهذا يحصل بالسّر والجهر. فإن قال قائل: لم ينقل عن مؤذني رسول الله أنهم جهروا بالصَّلاة عليه، قلنا: لم يقل النبي لا تصلّوا عليّ إلا سرًّا، وليس كل ما لم يفعل عند رسول الله حرامًا أو مكروهًا، إنما الأمر في ذلك، يتوقف على ورود نهي بنص أو استنباط من مجتهد من المجتهدين، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ممن جاء بعدهم من المجتهدين، الذين هم مستوفو الشروط، كالحافظ ابن المنذر وابن جرير ممن لهم القياس أي قياس ما لم يرد فيه نص على ما ورد فيه نصٌ والجهر بالصلاة على النبي عقب الأذان توارد عليه المسلمون منذ قرون، فاعتبروه العلماء من محدثين وفقهاء بدعة مستحبّة منهم الحافظ السخاوي والحافظ السيوطي كما تقدم. فعند فرقة هذا الرجل الوهابية حرام على المؤذن أن يصلي جهرًا على النبي ، حتى غلا بعضهم في ذلك فقال في الذي صلى على النبي عقب الأذان جهرًا: «هذا مثل الذي ينكح أمه» والعياذ بالله.

        ونقل الشيخ أحمد بن زيني دحلان([189]) رحمه الله عن زعيم الوهابية محمد بن عبد الوهاب، أنه أتي برجل مؤذن أعمى صلى على النبي عقب الأذان جهرًا، فأمر بقتله، فقتل. وهذه الحادثة التي قال فيها الوهابية للذي صلى على النبي جهرًا عقب الأذان: «هذا مثل الذي ينكح أمه»، يعرفها الرجال الكبار من محلة أهل جامع الدقاق بدمشق من محلة الميدان، فكيف يدعي هؤلاء الإسلامَ وقد ساووا بين من يصلي على النبي جهرًا عقب الأذان وبين الزنى بالأم؟!

         

         

        • قول الألباني: «مفهومه أن الإسرار به سُنَّة، فأين الدليل؟».

        أين دليل الألباني على المنع، لا سيما أنه وجماعته لا يقبلون حكمًا شرعيًّا إلا بنص، فأين النص على منعه المؤذن من الإسرار بالصلاة على النبيّ ؟ وأما حديث: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَما يقولُ ثم صلُّوا عليَّ»([190]) فهو حجة على الألباني، لأن المؤذن من جملة السامعين، ولذلك استدل العلماء بهذا الحديث على جواز ما نفاه الألباني، قال الحافظ الفقيه النووي الشافعي في كتابه «المجموع» بعد أن ذكر الحديث ما نصّه([191]): «قال أصحابنا([192]) يستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغ أذانه هذه الأذكار المذكورة من الصلاة على رسول الله وسؤال الوسيلة، ويستحب لسامعه أن يتابعه في ألفاظ الأذان ويقول عند الحيعلتين [حي على الصلاة حي على الفلاح]: لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا فرغ من متابعته استحب له أيضًا أن يقول هذه الأذكار المذكورة كلها».اهـ.

        وقال النفراوي المالكي في «الفواكه الدواني» ما نصّه([193]): «يستحب للمؤذن والسامع أن يصلي ويسلم على النبيّ بعد فراغه، ثم يقول عقب الصلاة والسلام: اللَّهُمَّ ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ءات محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته».اهـ.

        • قول الألباني: «ولا يدخل فيه المؤذن نفسه، وإلا لزم القول بأنه يجيب أيضًا نفسه بنفسه، ولا قائل به».

        على عكس ما قال الألباني فقد قال به جمع من الحنابلة، وهو المذهب المنصوص عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، كما ذكروا في كتبهم، ففي كتاب «الإنصاف» للمرداوي الحنبلي ما نصّه([194]): «يدخل في قوله: «ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول» المؤذن نفسه، وهو المذهب المنصوص عن أحمد، فيجيب نفسه خفية. وعليه الجمهور، فإن في قوله: «ويستحب لمن سمع المؤذن» لفظٌ من ألفاظ العموم، وهو قوله: «من» وقيل: لا يجيب نفسه، ويحتمله كلام المصنّف وغيره، وحُكيَ رواية عن أحمد، قال ابن رجب في القاعدة السبعين: هذا الأرجح».اهـ. فمقتضى قول الألباني أن الإمام أحمد وجماعته بدعيون لأن قول المرداوي: «المنصوص عن أحمد»، أي: نص عليه الإمام أحمد، وقوله: «وعليه الجمهور»، أي: جمهور الحنابلة، وعليه فقد قال الألباني قولًا يؤدي إلى تبديع إمام جليل عالم ورع فقيه مجتهدٍ، أعني: الإمام أحمد رضي الله عنه، نسأل الله السلامة.

        ثم وقفت على كلام للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي يحكي عن ابن القاسم نحو مقالة الإمام أحمد وجمهور الحنابلة، ونصّه([195]): «قوله: «لسامعه» يفيد أنه لا يَحكي أذان نفسه، ويحتمل أنه يحكيه، لأنه سمع نفسه، وفي «الذخيرة»([196]) عن ابن القاسم في «المدوّنة» أنه إذا انتهى المؤذن لآخر الأذان يحكيه إن شاء.اهـ. فلا يحكي أذان نفسه قبل فراغه، لما فيه من الفصل، وإنما يحكيه بعد الفراغ».اهـ. وذكر مثله الشيخ محمد عليش المالكي في كتابه «منح الجليل»([197])، وابن القاسم أحد فقهاء المالكية المشهورين صاحب المدوّنة وراوية الموطأ، لا يدانيه الألباني في الفقه، شتان بين مشرق ومغرب.

        تنبيه: يؤخذ من كلام المرداوي أن المؤذن أيضًا يصلي على النبي ، لأنه داخل في جملة السامعين.

        • قول الألباني: «فهل يمنع المؤذن من الصلاة عليه سرًّا؟ قلت [أي: الألباني]: يمنع من أن يلتزمتها عقب الأذان خشية الزيادة فيه وكل ذلك لا يجوز القول به».اهـ.

        ليس لهذا المنع دليل شرعيّ، وإنما هو اتباع للهوى، ومخالفة لقول النبي : «من ذكرني فليصلِّ عليَّ»([198])، فما أتى به الألباني هو البدعة، والخشية التي ذكرها من أوهامه وخياله وإلا لـمُـنع المصلون من قول ءامين بعد قراءة الإمام الفاتحة في صلاتهم الجهرية ولكنه – أي: التأمين – سنة المصطفى القائل: «إذا أمّن الإمامُ فأمّنوا» رواه البخاري([199]).

        وأعجب من ذلك أنه حرَّم على أهل السُّنَّة أن يقولوا بجواز التزام المؤذن الصلاة على النبيّ جهرًا، وعلل ذلك بزعمه أن المؤذن والسامع له سواء، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم، إنما الحرام على الألباني أن يحلل ويحرّم بغير علم، انظروا إلى هذا الرجل الذي حُرِمَ بركة الصلاة على رسول الله ، كيف منع المؤذن من الصلاة على النبي ليس جهرًا فقط؛ بل سرًّا والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «من ذكرني فليصلِّ عليَّ» فالمؤذن الذي التزم الصلاة على رسول الله سرًّا أو جهرًا هو الموافق لهديه وسنته عليه الصلاة والسلام، ومن منعه وحرَّم عليه ذلك فهو على البدعة والضلال والشذوذ وهو الذي حُرِم الفهم.

        تنبيه: قد يقول بعض هؤلاء إن حديث مسلم([200]): «مَنْ سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عملَ بها بعدَهُ» خاص بإحياء سُنَّة فعلها الرسول ، لأن سبب الحديث أن أناسًا مجتابي النّمار [«كلّ شَمْلة مُخَطَّطَة من مآزِرِ الأعراب فهي نَمِرَة، وجمعها نِمار، كأنها أُخذت من لون النَّمِر لِما فيها من السواد والبياض»] من شدة البؤس فرقوا أوساط نمارهم فأدخلوها على رؤوسهم فتغير وجه رسول الله ، فأمر الرسول بالتصدق، فَجُمِعَ لهم، فسُرّ رسول الله فقال هذا الحديث، فلا تدخل تحته هذه الأشياء من علم المولد والطريقة وأشباههما.

        فالجواب: أن دعواهم هذه باطلة مخالفة للقاعدة الأصولية([201]): «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، فلو كان الأمر كما يقولون لانسد باب القياس، لأن القياس إلحاق ما لم يُنصَّ عليه بما نُص عليه لشَبَهٍ بينهما، وعلى هذا يدور عمل الأئمة المجتهدين.

        فالألباني يقول في عمل المولد وطرق أهل الله من قادرية ورفاعية وغيرهما وجهر المؤذن بالصلاة على النبي عقب الأذان: إنها بدعة ضلالة، ويحتج في ذلك بزعمه بالحديث المشهور: «وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» رواه أبو داود([202]) وينكر عموم حديث: «من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً» ويقول: إن هذا الحديث مخصوص بإحياء ما فعله الرسول وينكر عموه لكل ما أحدث، من غير أن يكون مخالفًا للكتاب والسُّنَّة.

        • الألباني يزعم أن أصغر بدعة محرَّمة:

        قال الألباني ما نصّه([203]): «يجب أن نعلم أنّ أصغر بدعة يأتي الرجل بها في الدّين هي محرّمة، بعد تبين كونها بدعة، فليس في البدع كما يتوهم البعض ما هو في رتبة المكروه فقط، كيف ورسول الله يقول: «كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ»، أي: صاحبها».اهـ.

        الرَّدُّ:

        يحضرني قول بعض أهل العلم: «لو سكت من لا يعلم لاسترحنا»، ذكره ابن عساكر في تاريخه([204]) ثم عقبه بقوله: «وأنا أقول: لو كان له من يردعه ويكفّه ويمنعه ويقبضه ويقدعه([205]) ويسكته قهرًا ويصمته قسرًا، أو كان من يصرفه عن شنيع الجهالات وبديع الضلالات بالتأديب والقصب والتثريب والتبكيت والتأنيب، لرجونا أن يُعفي الناس بذلك عما ينالهم من الضرر أو كثير من جهته، وإلى الله المشتكى وهو المستعان على كل حادثة وبلوى».اهـ.

        وقد خالف الألباني بقوله هذا عبد الله بن عمر الصحابي الجليل رضي الله عنهما، ففي «فتح الباري» للحافظ ابن حجر ما نصّه([206]): «وقد جاء عنه – أي: عن ابن عمر رضي الله عنهما – الجزم بكونها محدثة – أي: صلاة الضحى – فروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا»، وسيأتي في أول أبواب العمرة([207]) من وجه ءاخر عن مجاهد قال: «دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة، إذا ناس يصلون الضحى فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة»، وروى ابن أبي شيبة([208]) بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى، فقال: «بدعة ونعمت البدعة». وروى عبد الرزاق([209]) بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبّحها، وما أحدث الناس شيئًا أحبّ إليّ منها».اهـ.

        وقال والده أيضًا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (وهو ثاني الخلفاء الراشدين) حين جمع الناس على صلاة التراويح بعد أن كانوا يصلّونها متفرقين: «نِعمَ البدعة هذه».اهـ ([210]).

        وابتدع خُبيب بن عدي رضي الله عنه بدعة حسنة، ألا وهي صلاة ركعتين عندما أسره الكفار وقدّموه للقتل، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «فكان أوّلَ مَن سنّ الركعتين عند القتل هو»([211])، أي: خُبيب رضي الله عنه.

        وقد أحدث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه (وهو ثالث الخلفاء الراشدين المهديين) زيادة أذان ثان يوم الجمعة، كما في «صحيح البخاري»([212]). وللإمام الشافعي الفقيه المجتهد رحمه الله تعالى كلام نفيس في تقسيم البدعة إلى بدعتين محمودة ومذمومة، فقد روى الحافظ البيهقي بإسناده في كتابه «مناقب الشافعي»([213]) عن الشافعي قال: «المحدَثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سُنَّة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة».اهـ. ومن جواهر الكلم قول الشافعي أيضًا: «البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السُّنَّة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم».اهـ. ذكره الحافظ في «فتح الباري»([214]).

        وأما حديث([215]): «وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ»، فلفظه عام ومعناه مخصوص بدليل حديث: «مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منهُ فهو رَدٌّ» رواه البخاري([216])، ومسلم([217])، ورواه مسلم([218]) بلفظ ءاخر وهو: «مَن عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ»، فأفهم رسولُ الله بقوله: «ما ليس منه» أن المحدَث إنما يكون ردًّا، أي: مردودًا إذا كان على خلاف الشريعة، وأن المحدَث الموافق للشريعة ليس مردودًا.

        وبدليل حديث: «مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَن عمل بها بعدَه من غير أن ينقصَ من أجورِهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً كان عليه وزرُها ووزرُ من عمل بها من بعدِه من غيرِ أن ينقصَ من أوزارِهم شيءٌ» رواه مسلم([219]).

        وفي «شرح النووي لصحيح مسلم»([220]) ما نصّه: «قوله: «وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» هذا عامّ مخصوص، والمراد به غالب البدع»، ثم قسّم البدعة إلى خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرّمة ومكروهة ومباحة، وقال([221]): «فإذا عُرِفَ ما ذكرته عُلِم أنّ الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح: «نعمت البدعة»، ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قوله: «كلَّ بدعةٍ» مؤكدًا بكل؛ بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الأحقاف: 25]».اهـ.

        ومعناه تدمر الريح كلّ شيء مرت عليه من رجال عادٍ وأمولهم.

        • الألباني يقول بغفران بعض الشرك في الآخرة:

        من كفريات الألباني قوله في فتاويه ما نصّه([222]): «{إنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء: 48] ليست الآية على عمومها وشمولها، فبعض الشرك يغفر».اهـ.

        الرَّدُّ:

        الله تبارك وتعالى لم يذكر الاستثناء في هذه الآية كما استثنى في ءاية المكره، فالله تعالى يقول: {إنَّ اللهَّ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء: 48]، وسيدنا محمد يقول: «إنَّ اللهَ لَيغفرُ لعبدِه ما لم يقع الحجابُ» قيل: وما يقع الحجاب يا رسول الله؟ قال: «أن تموتَ النفسُ وهي مشركةٌ»([223])، والألباني يعارض هذين النصين الصريحين فيقول: إن الله يغفر بعض الشرك، ومعلوم عند المسلمين أن أعظم حقوق الله تعالى على عباده هو توحيده تعالى وأن لا يشرك به شيء، لأن الشرك هو أكبر ذنب يقترفه العبد، وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

        إن الألباني بقوله هذا ردَّ نص كتاب الله تعالى، وقد أجمع الفقهاء على أن رد النصوص كفر.

        ثم إن الألباني لم يكتف بذلك؛ بل وضع قاعدة لم يقلها عالم ولا عامي قبله، وهي قوله في فتاويه ما نصّه([224]): «كل كافر مشرك وكل مشرك كافر».اهـ. وهذا يرده القرءان والإجماع، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [سورة البينة: 6] قسَّم الله تعالى الكفر إلى قسمين: كفر إشراك، وكفر غير إشراك، فما أعظم هذه الفضيحة! إنما الشرك بإجماع المسلمين عبادة غير الله([225])، أي: يتذلل العبد لغير الله غاية التذلل.

        وهذه كُتُبُ علماء المسلمين، سلفهم وخلفهم، صريحة في أنَّ كلَّ مشرك كافر، وليس بالضرورة كل كافر مشركًا، فالكفر أنواع، منه ما هو تكذيب، ومنه ما هو جحود، ومنه ما هو إشراك، ومنه ما هو تشبيه.

        • الألباني ينكر تسمية ملك الموت عزرائيل:

        مما يدل على جهل الألباني بما أجمعت عليه الأمة وعدم اطلاعه، أنه ينكر تسمية ملك الموت بعزرائيل، حيث يقول([226]): «تسميته بعزرائيل كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له، وإنما هو من الإسرائيليات».

        الرَّدُّ:

        جانب الألبانيُّ الحقَّ بزعمه هذا، فقد نقل القاضي عياض([227]) الإجماع على أن اسم ملك الموت عزرائيل، وهذا الإجماع وحده كافٍ، لأن الأمة معصومة عن الخطأ في إجماعها، قال أبو مسعود البدري رضي الله عنه: «وعليكم بالجماعة، فإن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة».اهـ. وهذا موقوف صحيح الإسناد كما قال الحافظ ابن حجر([228])، وذكر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي ملك الموت باسم عزرائيل في بعض مؤلفاته([229])، وكذلك عددٌ لا يُحْصى من المفسّرين والفقهاء.

        فـإذا كان هذا الألباني لا يعرف ما اجتمعت عليه الأمة، ويقول عن أمـر مجمـع عليه: إنه مـن الإسـرائيليات، فيجب إزالة كتبـه التي فيها العبث بالدين، لئلا يفتن بها العوام، وأنت يا أخي المسلم اسمع كلام سـيدنا علي بن أبـي طالب رضي الله عنه حيث قـال([230]): «الناس ثلاثة عالـم رباني، ومتعلم على سـبيل النجاة، وهمج رعـاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح».اهـ. فاحذر أن تكون من النوع الثالث.

        • الألباني يطعن بأهل السُّنَّة والجماعة الأشاعرة والماتريدية:

        لقد سلك الألباني طريقًا شائكًا لنصرة معتقده، وللفت الأنظار إليه، والتمويه على العوام، فتهجم على أهل السُّنَّة والجماعة ورماهم بالكفر، فقد ذكر([231]) أن الأشاعرة اليوم كلهم كفار وأغلب الماتريدية إن لم يكونوا كلهم، ومن راجع فتاويه وجد الطعن في أكثر من موضع بالأشاعرة والماتريدية.

        وقال في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الصحيحة» ما نصّه([232]): «فإن ما أنا فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم «تقريب السُّنَّة بين يدي الأمة»، الذي يشغلني عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل وكتب ومجلات من بعض أعداء السُّنَّة من المتمذهبة والأشاعرة والمتصوفة وغيرهم».اهـ.

        وقال الألباني أيضًا في كتابه المسمّى «صحيح الترغيب والترهيب» عند حديث: «إنَّ اللهَ تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ»([233]) ما نصّه([234]): «هذا النزول حقيقي كما يليق بجلاله وكماله، وهو صفة فعل لله تعالى، فإياك أن تتأوله كما يفعل الخلف فتضلّ».اهـ.

         

         

        الرَّدُّ:

        من وصف علماء أهل السُّنَّة من الخلف بالضلال فهو الضال المضلّ، إذ كيف يكون ضالًّا من تأوَّل حديث النزول على ما يوافق اللغة والشريعة، لقد اجترأ الألباني على أئمة المسلمين وهداة المؤمنين، وضلل طائفة علماء الخلف من أهل السُّنَّة، وهم الكثرة الساحقة من المفسرين والفقهاء والمحدّثين واللغويين وعلماء أصول الدين وغيرهم، الذين نصروا الدين واشتغلوا بالرد على أهل البدع والأهواء والملحدين، وصانوا عقيدة أهل الحق بالكشف عن شبهات المبتدعة وإبطالها، فعاداهم أهلُ الفرق المبتدعة كالألباني وجماعته الوهابية، فهم لهم شبه بالقدرية الفرقة الضالة الذين ذمّوا أهل السُّنَّة لأنهم قالوا: كل شيء بقدر، والوهابية المجسمة قالوا عن أهل السُّنَّة: معطّلة، لأنهم تأوّلوا المتشابه من الآيات والأحاديث.

         فعـداء الألباني وجماعته للأشـاعرة ظاهر ليس فيـه خفاء، وقد صرّح بتضليل أشـخاص معينين كمـا فعل مع ابن الحـاج المالكي صاحب المدخل، حيث قال فيه: «إنه في نفسه مخرّف، لا يعتمد عليه في التوحيد والعقيدة»([235]).اهـ.

        فالطاعنون بالأشاعرة والماتريدية يفعلون ذلك لكونهم يميلون إلى التجسيم والتشبيه، أو لجهلهم بحقيقة هؤلاء القوم أو لمرض ءاخر في قلوبهم، فالوهابية ومنهم الألباني وجماعته من الصنف الأول، حملوا العلو في حق الله على العلو الحسّي، فزعموا أن الله متحيز فوق العرش، وزعموا أن النزول هو النزول الحسّي بحركة وانتقال، وأن الاستواء على العرش هو الجلوس، وأن لله حدًّا، وأن له قَدمًا جارحة يضعها في النار، وغير ذلك من التجسيم، بينما الأشاعرة والماتريدية نزّهوا الله عما يعتقده هؤلاء المجسمة، وتأوّلوا المتشابه من الصفات على ما يليق بالله تعالى، فلم يُعجب هؤلاء المبتدعة هذا المسلك، فلذلك وجَّهوا سهامهم نحو أهل السُّنَّة والجماعة الأشاعرة والماتريدية المنزهين لله عن صفات المخلوقين؛ ولخلوّ عقيدتهم مما يعتقده هؤلاء المشبهة الذين سعوا في إبطال هذا الدّين، وراموا هدم قواعد المسلمين، وهيهات هيهات، وقد وعد الله للحق نصره وظهوره، وللباطل محقه وثبوره.

        وقد رد محدّث المغرب الشيخ عبد الله الغماري على من تعرّض للأشاعرة بالقدح والذم فقال ما نصه([236]): «إنهم – يعني: الأشاعرة – من خيار المسلمين وفضلائهم، وقفوا في وجوه المعتزلة وغيرهم من الطوائف الضالّة، واعتقدوا ما جاء في السُّنَّة من سؤال القبر وعذابه والشفاعة والصراط والحوض والميزان وخروج عصاة المؤمنين من النار، وأنه لا يجب على الله صلاح ولا أصلح، وأنه تعالى منزه عن كل نقص، موصوف بكل كمال([237]). وصرح أبو الحسن الأشعري في الكتاب المنسوب إليه المسمّى «مقالات الإسلاميين» أنه يصف الله تعالى بما جاء في القرءان وما رواه الثقات عن رسول الله بلا تكييف ولا تشبيه، وما نُقل عنه من أقاويل ضالة مكذوب عليه، كما بينه الحافظ ابن عساكر في كتاب «تبيين كذب المفتري فيما ينسب إلى أبي الحسن الأشعري»، وهو مهم نفيس ينبغي الوقوف عليه.

        نعم، أوَّل متأخرو الأشعرية ظواهر الآيات والأحاديث التي جاءت في الاستواء والعلو والمعية، مع اعتراف زعمائهم بأن التفويض أسلم وأكمل، والذي دعاهم إلى تأويل تلك الظواهر أسباب:

        أحدها: أن المتقدمين كابن المبارك وأحمد والترمذي أولوا ظواهر المعية بأنها معية علم، وذكروا لها شواهد من كلام العرب.

        وهذا يُؤْذِنُ بأن تأويل ما يشكل من الظواهر سائغ، ولا شك أن ظواهر الاستواء والعلو مشكل، فتناولوه بالتأويل دفعًا للإشكال، فتخصيصهم بالذم حيف واضح.

        ثانيها: أن المشكلة من المثبتين هي إسرافهم في إثباتها حتى شبهوا الله بخلقه فأثبتوا له المكان وهو العرش، وأنه ينزل منه بحركة إلى السماء الدنيا، وإذا نزل خلا منه العرش، وأنه يقعد على الكرسي لفصل القضاء يوم القيامة، ويدع مقدار أربع أصابع بجانبه يقعد عليها النبي ، إلى غير ذلك من الطامات التي تجدها في كتاب «الرد على بشر المريسي» للدارمي، وكتاب «التوحيد» لابن خزيمة، وكتاب «الأربعين» لأبي إسماعيل الهروي، و«النونية» لابن القيم، وقال الهروي المذكور مغرقًا في التشبيه: «أنا ألتزم بكل ما ورد في حق الله من العين واليد والرِجل والقَدم ما عدا اللحية والعورة فإنهما لم تردا».اهـ.. ونقل ابن تيمية في تقرير الاستواء بالمعنى المعهود عن المجسم عثمان الدارمي مستحسنًا ومقرًّا له قوله([238]): «إنه الله تعالى لو شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم».اهـ. نعوذ بالله من مقت القلوب.

        وهذه شناعات مخزية، تحاماها الأشعرية بالتأويل السائغ المستمد من كلام العرب في شعرهم ونثرهم، فقاموا بواجب تنزيه الله عن التشبيه بخلقه، وهو عمل يثابون عليه عند الله تعالى.

        لكن المشبهة والمجسمة لم يعجبهم هذا المسلك من الأشعرية، فناصبوهم العداء، وسعوا في أذيتهم، ورموهم بالكفر والضلال، حتى إن الهروي قال في كتابه المسمّى «ذم الكلام»: «إن ذبائح الأشعرية لا تحل».اهـ. وكان ابن تيمية يسميهم معطِّلة (بكسر الطاء المشددة)، وكذلك تلميذه ابن القيم، ويسميهم المعتزلَةُ «مُجْبِرَة»([239]) (بضم الميم وسكون الجيم وكسر الموحدة)، وما عاداهم أهل الضلال إلا لكونهم على الحق.

        ثالثها: المحافظة على عقول العامة من أن يتسرب إليها تشبيه أو تجسيم إذا سمعوا تلك الظواهر، وقد تسرب ذلك إلى ابن تيمية وأمثاله مع ما عندهم من العلم، فما بالك بالعامي الذي ليس عنده من العلم والقواعد ما يحمي عقله وفكره من أن ينزلق في هذه المهاوي المهلكة؟!

        وإذا قيل: الواجب أن تبقى ظواهر الاستواء والعلو والمعية كما هي من غير تأويل، ويعتقد معناها من غير تكييف ولا تمثيل.

        قلنا: هذا غير متيسر، لأن التشبيه يسبق إلى الأذهان ويطغى عليها. فلننظر المتقدمين الذين تمسكوا بظواهر الاستواء والعلو بدون تكييف ولا تشبيه، كيف صرح بعضهم بأن الله فوق عرشه بائن من خلقه يفصله عنهم العرش والكرسي والسمـٰوات، وأن له حدًّا، وهذا هو التشبيه عينه. وكذلك ظواهر المعية إذا أُبقيت على حالها لا بد أن يتسرب إلى الأذهان تحيز الخالق واتحاده مع الخلق، على أن القرءان أرشد إلى تأويل المعية بذكر العلم معها، اقرأ الآيات {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [سورة ق: 16]، {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [سورة الحديد: 4]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} [سورة المجادلة: 7] ففي هذه الآيات إشارة واضحة إلى أن المعية علمية، وقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـكِن لَّا تُبْصِرُونَ} [سورة الواقعة: 85] يراد به ملَكُ الموت وأعوانه، بدليل قوله سبحانه: {حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الـمَوتُ تَوَفَّتهُ رُسُلُنا وَهُم لا يُفَرِّطونَ} [سورة الأنعام: 61].

        والمقصود: أن التأويل سلكه كل من السلف والخلف بلا استثناء، ولم يختص به الأشعرية.

        تنبيه: قال الإمام ابن دقيق العيد: «إن كان التأويل من المجاز البيّن الشائع فالحق سلوكه من غير توقف، وإن كان من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمر فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية، والأمر فيها ليس بالخطير بالنسبة للفريقين».اهـ. وهذه قاعدة نفيسة يستفاد منها أن التأويل لا يذم إلا إذا كان بعيدًا شاذًّا، ينبو عنه ظاهر اللفظ، أو ينافيه الأسلوب والسياق، وفيما عدا ذلك فهو دائر بين الوجوب والجواز». انتهى كلام الغماري.

        ووصف الشيخ تاج الدين السبكي الأشاعرة بأنهم على عقيدة واحدة فقال ما نصه([240]): «وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة، ولله الحمد، في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السُّنَّة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السُّنَّة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورَعاع من الحنابلة لحقوا بالتجسيم، وبرَّأ الله المالكية، فلم نر مالكيًّا إلا أشعريًا عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقَّاها علماء المذاهب بالقبول، ورضوها عقيدة».اهـ.

        وأفتى القاضي أبو الوليد بن رشد المالكي الجد المتوفى سنة 520هـ، وهو صاحب كتاب «البيان والتحصيل» بأن من سب الأشاعرة فهو مبتدع يستتاب؛ وإليك صورة السؤال والجواب:

        «ما يقول الفقيه القاضي الأجل الأوحد أبو الوليد، وصل الله توفيقه وتسديده، ونهج إلى كل صالحة طريقه، في الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأبي إسحاق الأسفراييني، وأبي بكر الباقلاني، وأبي بكر ابن فورك، وأبي المعالي، وأبي الوليد الباجي، ونظرائهم، ممن ينتحل علم الكلام ويتكلم في أصول الديانات، ويصنّف للرد على أهل الأهواء، أهم أئمة رشاد وهداية أم هم قادة حيرة وعماية؟ وما تقول في قوم يسبونهم وينتقصونهم ويسبون كل من ينتمي إلى علم الأشعرية ويكفرونهم ويتبرَّؤون منهم وينحرفون بالولاية عنهم ويعتقدون أنهم على ضلالة وخائضون في جهالة؟ فماذا يقال لهم ويصنع بهم ويعتقد فيهم؟ أيتركون على أهوائهم أم يكف عن غلوائهم؟ وهل ذلك جرحة في أديانهم ودخل في إيمانهم؟ وهل تجوز الصلاة وراءهم أم لا؟ بيّن لنا مقدار الأئمة المذكورين ومحلّهم من الدين، وأفصح لنا عن حال المنتقص لهم والمنحَرف عنهم وحال المتولي لهم والمحب فيهم، مجملًا مفصلًا، ومأجورًا إن شاء الله تعالى.

        فأجابه ابن رشد – رحمه الله -: تصفحت – عصمنا الله وإياك – سؤالك هذا ووقفت عليه، وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وممن يجب بهم الاقتداء، لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة وأوضحوا المشكلات، وبيّنوا ما يجب أن

        يدان به من المعتقدات، فهم بمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة، لعلمهم بالله تعالى وما يجب له وما يجوز عليه وما ينتفي عنه، إذ لا تعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول. فمن الواجب أن يعترف بفضائلهم، ويقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى رسول الله بقوله: «يحملُ هذا العلمَ من كل خلفٍ عُدُولُهُ، ينفونَ عنه تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ»([241]). فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة إلا غبي جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل، ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [سورة الأحزاب: 58]، فيجب أن يبصّر الجاهل منهم ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسهلًا ببدعة، فإن تاب وإلا ضرب أبدًا حتى يتوب، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ([242]) المتهم في اعتقاده من ضربه إياه حتى قال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء، وإن كنت تريد قتلي فأجهز عليّ، فخلى سبيله([243]). واللهَ أسألُهُ العصمة والتوفيق برحمته، قاله محمد بن رشد». انتهى الجواب.

        فإذا عرفت موقف علماء الأمة ممن يسب الأشاعرة، عرفت مكانة الوهابية عند العلماء ونصيبهم من العلم، فلا تغتر أيها القارئ بمن يثني على الوهابية، ويحث على الإقبال على مجالسهم، وأنه لا فرق بينهم وبين أهل السُّنَّة ونحو ذلك من الكلام الذي فيه غش للمسلمين، فالحذر الحذر.

        وأسال هل كان الألباني يعرف الفرق بين الأشاعرة والماتريدية من جهة، وبين المعتزلة من جهة أخرى؟ ألم يسمع أن الحافظ ابن عساكر أخرج في كتاب «تبيين كذب المفتري»([244]) والحاكم في «المستدرك»([245]) أنه لما نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة المائدة: 54] أشار النبي إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: «هم قومُ هذا».

        قال القشيري: «فأتباع أبي الحسن الأشعري من قومه، لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع»، قاله القرطبي([246])، وقال الحافظ البيهقي: «وذلك لما وجد فيه من الفضيلة الجليلة والمرتبة الشريفة للإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، فهو من قوم أبي موسى وأولاده الذين أوتوا العلم ورزقوا الفهم مخصوصًا من بينهم لتقوية السُّنَّة وقمع البدعة بإظهار الحجة ورد الشُّبَه».اهـ. ذكره ابن عساكر([247]). وروى الإمام البخاري([248]) أن النبي قال عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وقومه: «هم مني وأنا منهم»، ونحن نحمد الله تعالى على هذه العقيدة السُّنية التي نحن عليها، والتي كان عليها رسول الله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، والتي مدح الرسول معتنقها، فقد روى الإمام أحمد والحاكم([249]) بسند صحيح: «لتفتحنَّ القسطنطينيةُ، فلنعمَ الأميرُ أميرُها، ولنعمَ الجيشُ ذلك الجيشُ»، ولقد فتحت القسطنطينية بعد ثمانمائة عام، فتحها السلطان محمد الفاتح رحمه الله، وكان سنيًّا ماتريديًّا، يعتقد أن الله موجود بلا مكان، ويحب الصوفية الصادقين، ويتوسل بالنبي وبالأولياء، وكان له شيخ صوفي من المحققين بالتصوف، كان يتوجه بإشاراته، وشمل جيشه تزكية الرسول لهم، وكانوا كذلك أشاعرة وماتريدية، وعلى هذا الاعتقاد مئات الملايين من المسلمين سلفًا وخلفًا في الشرق والغرب، تدريسًا وتعليمًا، ويشهد بذلك الواقع المشاهد، ويكفي لبيان حقيَّة هذا كون الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان على هذه العقيدة، فممن تبعهم بإحسان هؤلاء الحفاظ الذين هم رؤوس أهل الحديث: الحافظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثم الحافظ العَلَم المشهور أبو بكر البيهقي، ثم الحافظ الذي وصف بأنه أفضل المحدثين بالشام في زمانه ابن عساكر، كان كل واحد من هؤلاء عَلَمًا في الحديث في زمانه، والحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني، فمن حقق عرف أن الأشاعرة فرسان ميادين العلم والحديث، وفرسان ميادين الجهاد، ويكفي أن منهم مجدد القرن الرابع الهجري الإمام أبا الطيب سهل بن محمد، وأبا الحسن الباهلي، وأبا بكر بن فورك، وهو أحد شيوخ البيهقي في الحديث، وأبا بكر الباقلاني، وأبا إسحاق الأسفراييني، والحافظ أبا نعيم الأصبهاني، والقاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ أبا محمد الجويني، وابنه أبا المعالي إمام الحرمين، والحافظ الدارقطني، والحافظ الخطيب البغدادي، والأستاذ العالم المحدّث أبا القاسم القشيري، وابنه أبا نصر، والشيخ أبا إسحاق الشيرازي، ونصرًا المقدسي، والغزالي، والفراوي، وأبا الوفاء بن عقيل الحنبلي، والحافظ الفقيه الحنفي عبد الرزاق الطّبَسي، وقاضي القضاة الدامغاني الحنفي، وأبا الوليد الباجي المالكي، وابن الدبيثي، والإمام المحدث المفسّر الفقيه الصوفي عَلَم الزهاد السيد أحمد الرفاعي، والحافظ ابن السمعاني، والحافظ القاضي عياضًا، والحافظ السِّلَفي، والحافظ الفقيه النووي، والفقيه المفسّر الأصولي فخر الدين الرازي، والعز بن عبد السلام، وأبا عمرو بن الحاجب المالكي، والحافظ ابن دقيق العيد، وعلاء الدين الباجي، والحافظ الفقيه اللغوي المجتهد علي بن عبد الكافي السبكي الذي قال فيه الذهبي: [الوافر]

        شيوخُ العصرِ أحفظُهمْ جميعًا

         

        وأخطبُهمْ وأقضاهُمْ عليُّ

        والحافظ العلائي، والحافظ زين الدين العراقي وابنه الحافظ ولي الدين، والشيخ زكريا الأنصاري، وابن الملقن، والقاضي الجليل ابن فرحون المالكي، وأبا الفتح الشهرستاني، والإمام أبا بكر الشاشي القَفَّال، وأبا علي الدقاق النيسابوري، والحاكم النيسابوري صاحب المستدرك، وخاتمة الحفاظ الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي، ومن أهل القرن المنصرم عبد الله الغماري، وغيرهم من أئمة الدين كثير لا يحصيهم إلا الله. ومنهم الوزير المشهور نظام الملك والسلطان العادل العالم المجاهد صلاح الدين الأيوبي طارد الصليبيين من القدس رحمه الله، فإنه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنائر قبل أذان الفجر، وأن تُعلَّم المنظومة في العقيدة الأشعرية التي ألَّفها له ابن هبة الله البرمكي للأطفال في الكتاتيب، ومنها هذان البيتان: [الرجز]

        وصانعُ العالـمِ لا يحويهِ
        قدْ كانَ مَوْجودًا ولا مكانَا

         

        قُطْرٌ تعالى اللّهُ عن تشبيهِ
        وحُكْمُهُ الآنَ على ما كانَا

        وليس مرادنا بما ذكرنا إحصاء الأشاعرة، فمن يحصي عدد نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء إلا الله تعالى؟ ومثلهم في العقيدة الحقة الماتريدية أتباع إمام أهل السُّنَّة أبي منصور الماتريدي رضي الله عنه.

        فالأشاعرة والماتريدية هم أهل السُّنَّة والجماعة الفرقة الناجية، والفريقان متفقان في أصول العقيدة لا اختلاف بينهم، وإنما اختلفوا في بعض الفروع التي لا تؤدي إلى التبديع والتضليل، وقد حصل ذلك بين بعض الصحابة، فإن عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما كان ينفيان رؤية الرسول لربه ليلة المعراج، وأنس وابن عباس رضي الله عنهما كانا يثبتانها، ولم يمنع ذلك كون كلّ منهم على سُنَّة رسول الله ، مع اعتقاد أن الله لا يسكن الأماكن ولا يشبه شيئًا.

        ففي الفريقين الأشاعرة والماتريدية تحقق حديث رسول الله : «سالت ربي لأمتي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدةً، سألتُه أن لا يُكفرَ أمتي جملةً فأعطانيها» رواه الحافظ ابن أبي حاتم، كما قال الحافظ ابن حجر في «شرح البخاري»([250])، فيستحيل أن يضلّ جمهور أمة محمد وإنما الضلال فيمن خالفهم كالوهابية المشبهة، وبأي فضيلة يشهد لكم التاريخ يا مشبهة، أنتم الفرقة الذين قال الرسول فيهم: «يقتلونَ أهلَ الإسلام، ويدعونَ أهلَ الأوثانِ» وهو من جملة أحاديث البخاري([251])، هذا الوصف هو الذي يشهد به التاريخ عليكم.

        ويكفي الأشاعرة فضلًا أن أغلب حفاظ الحديث هم أشاعرة، ويعلم ذلك من تتبع طبقات الحفاظ.

        • الألباني يدعو إلى هدم ءاثار الرسول :

        يدعو الألباني([252]) لهدم القبة الخضراء وإلى إخراج قبر النبي إلى خارج المسجد.

        الرَّدُّ:

        هذا الكلام لا يصدر إلا من رجل قلبه مُلئ بالضغينة والبغضاء على رسول الله ، وعقيدة التشبيه التي في صدره سودت قلبه حتى جعلته يقول ما يقول فيجهّل المسلمين الذين يذهبون لزيارة قبره منذ قرون، ويرون القبة الخضراء مستحسنين لها على هذا الشكل، فمستحيل أن يسكت كل الذين مضوا في هذه القرون على باطل، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح».اهـ. حسَّن الحافظ ابن حجر إسناده([253])، فمن أين جاء الألباني بمثل هذا الكلام؟!

        ثم هذا الرجل ينطبق عليه ما اتفق عليه العلماء، وهو أن من قال قولًا يؤدي إلى تضليل المسلمين فهو كافر، فهذا الرجل تنطبق عليه هذه القاعدة، فهو داخل تحتها؛ لأنه ضلل المسلمين، لأن وجود قبر الرسول وصاحبيه رضي الله عنهما هو على هذا الوضع، أي: كون القبور الثلاثة مكتنفة بالمسجد من جميع جوانبها في أيام أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فالألباني يكون ضلل هذا الخليفة الراشد ومن جاء بعده من خلفاء المسلمين، فيكفيه هذا خزيًا وضلالًا، فكيف سوَّلت له نفسه أن يكون أهل ألف وثلاثمائة سنة من أمة محمد على ضلال ويكون هو المخالف لهم على هدى؟! وقد سبق له أنه طلب أيام الملك سعود أن يهدم هذا الوضع القائم، ويجعل القبور الثلاثة منفردة عن المسجد، فلم يوافقه الملك سعود.

        تكميل: لا يجوز تسمية الوهابية سلفية، لأنهم ليسوا من السلف ولا من الخلف، فالسلف هنا هم أهل السُّنَّة والجماعة الذين كانوا من أهل القرون الثلاثة، ويدخل فيهم من وُلد في القرن الثالث وعاش إلى القرن الرابع كالإمام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى، فكيف يصح تسميتهم سلفية وهم ضلّلوا الأمة بتكفيرهم للمتوسلين بالأنبياء والأولياء بعد موتهم أو في حياتهم في غير حضورهم، وكيف يجوز تسميتهم سلفية وهم ينكرون كَوْن قبر الرسول وقبر سيدنا أبي بكر وقبر سيدنا عمر رضي الله عنهما ضمن المسجد النبوي، وهذا أمر رضيه المسلمون سلفهم وخلفهم، فإن المسجد لما وسّع في زمن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه صارت القبور الثلاثة مكتنفة بالمسجد، وصار المسجد محيطًا بالقبور الثلاثة من الجهات الأربعة، وبعض المتقدمين من الوهابية والمتأخرين يرون إزالة القبور الثلاثة عن وضعها القائم الآن بوضع جدار محيط بالقبور الثلاثة من أول المسجد إلى ءاخره من الجهتين، وهم سمّوا أنفسهم سلفية لإيهام الناس أنهم مقتدون بالسَّلف، وهيهات هيهات، فكيف يسمون سلفية وهم يضللون الأمة، لأن الأمّة على استحسان الوضع القائم هناك، منذ أيام الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى يومنا هذا، لم ينكر ذلك مسلم عالم أو عامّيّ.

        وأما احتجاج بعض هذه الفرقة من الألباني وبعض من سبقه لإنكار وضع القبور الثلاثة بعد التوسيع الذي صارت به القبور الثلاثة مكتنفة بالمسجد من جميع نواحيها بالحديث المشهور([254]): «لعن اللهُ اليهودَ والنصارى اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ» فلا يلتفت إليه، لأن القبور الثلاثة غير بارزة؛ بل مستورة ضمن بيت الرسول الذي توفي فيه، فتبيّن أنه لا يُنكر الصلاة إلى القبر إذا كان القبر مستورًا غير بارز، كما دلَّ على ذلك قول عائشة رضي الله عنها راوية الحديث المذكور: «ولولا ذلك لأبرزوا قبره»([255])، تعني: أن النهي المذكور لا يشمل من يصلي إلى قبرٍ مستور غير بارز، فلا كراهة في صلاة من يصلي خلف القبور الثلاثة، كما لا كراهة في صلاة من يصلي في الروضة وجزء المسجد الذي عن يسار القبور الثلاثة ومن يصلي أمام القبور الثلاثة، ولم ينكر ذلك أحد من المسلمين قبل هذه الفرقة المشوّشة، فقد ذكرت الحنابلة([256]) أن الصلاة إلى القبور لا تحرم؛ بل هي مكروهة إذا كانت بلا حائل، أما إذا كان حائل فلا تكره الصلاة، والوهابية يدَّعون أنهم حنابلة، وما أكثر ما يخالفون الإمام أحمد رضي الله عنه في الأصول والفروع.

        وكلك حديث([257]): «لا تُصلُّوا إلى القبورِ» لا يدخل فيه من يصلي خلف القبور الثلاثة من التوسعة، وفي حديث الإسراء الذي رواه الصحابي المشهور شداد بن أوس رضي الله عنه أن جبريل في أثناء سيرهما قال للرسول حين انتهيا إلى الطور: انزل هنا فصلّ فنزل فصلى، ثم لما انتهيا إلى بيت لحم حيث ولد عيسى  قال له: انزل فصلّ، فهذا دليل على أن الصلاة في المواضع المباركة مستحبة شرعًان وهذا الحديث رواه البيهقي وصحَّحه([258]). فلا يجوز الإنكار على من يصلي وراء قبر غير بارز، كما تظن هذه الفرقة، ومصيبة هذه الفرقة أنهم يحملون النصوص الشرعية في غير مواضعها كما كانت الخوارج تفعل ذلك، فإنهم حملوا قول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [سورة الأنعام: 57] على إنكار موافقة عليّ على تحكيم الحكمين، فأدَّى بهم جهلهم لمعنى القرءان إلى تكفير سيدنا عليّ رضي الله عنه، وأكثر استدلالات هذه الفرقة الوهابية لآرائهم التي يخالفون بها الأمة ناشئ من جهلهم بمعاني النصوص.

        فالنصيحة الواجبة على المسلمين تقضي بالتحذير من الألباني ومن مؤلفاته ومن أتباعه الذين قلَّدوه في التجرؤ على تصحيح الحديث وتضعيفه، وهو وأتباعه الذين قلدوه بعيدون من أهلية ذلك بُعدَ الأرض من السماء، فإنه ليس فيهم شخص واحد يحفظ عشرة أحاديث بأسانيدها، وإنما التصحيح والتضعيف حق أولئك الذين يحفظون الآلاف المؤلَّفة من الأحاديث بأسانيدها ويعرفون أحوال رجالها عن ظهر قلب، فقد جمع بعض الحفاظ لرواة حديث واحد مائةً وثمانين طريقًا متفرعةً عن الحسن البصري الذي هو تابعي الحديث، فالألباني وأتباعه بالنسبة إلى الحفاظ الذين لهم حق التصحيح والتضعيف كنسبة سير النملة بالنسبة إلى سير الطير المسرع، فليعرف هؤلاء وأمثالهم حالهم، وليرجعوا إلى كلام أهل التصحيح والتضعيف.

         

        • الألباني يتلاعب بالدّين، ومذهبه أن من اجتهد فخالف الإجماع فله أجر:

        قال الألباني في معرض الدفاع عن ابن تيمية حين زعم فناء النار ما نصه([259]): «أسوأ ما يمكن أن يقال إنه [يقصد قول ابن تيمية] خطأ مغفور لهما [يقصد ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية] بإذن الله تعالى، لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما، ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ».اهـ.

        الرَّدُّ:

        مِنْ خطر الألباني وجماعته على الأمة الإسلامية أنهم يحللون ويحرمون على حسب ما تهواه نفوسهم، ويتبعون غير سبيل المؤمنين، ويزعمون الاجتهاد، وهم دعاة للفساد والإفساد، ويقولون: نحن مصلحون، ويضلّون ويزعمون أنهم الهداة، ويهدمون ويدَّعون أنهم البناة ويفتون بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان؛ بل هي من وساوس الشيطان، ويعملون على إضاعة الثقة بالدين والعلماء، لتميل الناس إليهم، ليلقوا إلى أسماعهم الأباطيل والكفر، ويسمّون أنفسهم سُنّيينَ وسلفيين ومُصلحين ومجددين ومجتهدين، وفي الحقيقة تجمعهم كراهة أئمة المذاهب الأربعة وعداوتهم لهم، ولقد قيل: [الخفيف]

        ليسَ فِيهمْ إلى جهولٌ ولكنْ
        هل سمعتم يومًا بغيرِ بصيرٍ
        يَزْعمون الإصلاحَ للدينِ فاعجَبْ
        كمْ جهولٍ منهم يَعيبُ سفاهًا
        وكثيرٌ يقولُ: نحنُ رجالٌ
        كيفَ هلْ يستوي ظلامٌ ونورٌ

         

        قدْ رأَوْا أنْ يُعَلّمُوا العالمينا
        قائدٍ في الطريقِ للمُبْصِرينا
        لشياطينَ يُصلحونَ الدينا
        وضلالًا أئمةَ الـمُسلِمِيْنا
        مثلُ مَنْ كانَ، ساءَ ما يحكمُونا
        وخبيثٌ وطيبٌ أفْتُونا

        ثم زاد الألباني في دفاعه عن هذه المقولة التي خرق ابنُ تيمية بها الإجماع فقال([260]): «فهل من العدل في شيء أن يتخذوا شيخ الإسلام [يقصد ابن تيمية] غرضًا للتكفير والتضليل لقوله هذا ونحوه من الأقاويل».اهـ. يقصد قوله بفناء النار وانتهاء عذاب المشركين الذين حاربوا الرسول وكفروا بالله وبرسله وكتبه، فانتبه للخطر الجسيم والضرر الكبير الذي يبثه أدعياء العلم تحت ستار العلم.

        • إن قول ابن تيمية بفناء النار وانتهاء عذابها هو كفر مخرج من الدين، كما صرَّح بذلك العلماء، أذكر منهم قول القاضي عياض المالكي في كتابه «الشفا»([261]): «من دافع نص الكتاب أو السُّنَّة المقطوع بها المحمول على ظاهره فهو كافر بالإجماع».اهـ. والمسألة هذه من هذا القبيل، أي: ردّ النصوص القطعية بأن النار لا تفنى ولا ينتهي عذابها، وسيأتي اعتراف الألباني بذلك. وقال ابن الهمام الحنفي في كتابه «التقرير والتحبير» ما نصّه([262]): «لا خلاف في تكفير المخالف في ضروريات الإسلام من حدوث العالم وحشر الأجساد وإثبات العلم بالجزئيات، وإن كان من أهل القِبلة المواظب طول العمر على الطاعات [أي: صورة يفعل صُوَر الطاعات]». فلا تغتر بعد ذلك بتمويه الوهابية أتباع ابن تيمية بأنه ذاع صيته وانتشرت مؤلفاته وغير ذلك، فالعبرة بالاعتقاد الموافق للشرع، فإن إبليس أشهر منه، وهو كافر يُضلّ الناس بوساوسه، كما يضل ابن تيمية وأتباعه الناسَ بآرائهم الكفرية المخالفة والمعارضة والمناقضة للشريعة الإسلامية.

        وقال تقي الدين السبكي الشافعي في رسالته «الاعتبار ببقاء الجنة والنار» التي رد فيها على ابن قيم الجوزية لقوله بفناء النار، مثل شيخه ابن تيمية ما نصّه([263]): «إن اعتقاد المسلمين أن الجنّة والنار لا تفنيان، وقد نقل أبو محمد ابن حزم الإجماع على ذلك، وأن من خالفه كافر بإجماع، ولا شك في ذلك، فإنه معلوم من الدين بالضرورة، وتواردت الأدلة عليه».اهـ.

        • قول الألباني: «إنه خطأ مغفور لهما لأنه صدر عن اجتهاد».اهـ. مخالف لاتفاق العلماء على أن النصوص الصريحة لا يدخلها الاجتهاد، فقد قال الإمام المجتهد أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر: «إذا جاء الخبر ارتفع النظر».اهـ. ومعناه: إذا ورد نص صريح في القرءان والحديث الثابت بطل الاجتهاد والرأي.

        وقال الإمام المجتهد الشافعي في كتابه «الرسالة»([264]): «قال: فما القياس؟ أهو الاجتهاد أم هما مفترقان؟ قلت [القائل هو الشافعي]: هما اسمان لمعنًى واحدٍ».اهـ. وقال أيضًا([265]): «لا يحل القياس والخبر موجود».اهـ.

        وقد سلّم الألباني بذلك فقال بتحريم الاجتهاد مع وجود النص، ثم خالف هنا كما ترى دفاعًا عن زعيمه ابن تيمية، ونصّ عبارته في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الضعيفة الموضوعة»([266]):

        «ومن المعلوم أنه لا قياس ولا اجتهاد في مورد النص».اهـ. وقال فيه أيضًا([267]): «لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسُّنَّة».اهـ. وقال أيضًا في مقدمته على كتاب «رفع الأستار» ما نصّه([268]): «الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار».اهـ. وقال فيه أيضًا([269]): «تلك الدلالة القاطعة وقالا [يقصد ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية] ما لم يقل أحد قبلهما».اهـ. وقال فيه أيضًا([270]): «أجمع العلماء على خلافه».اهـ. أي: على خلاف ما قالا، وقال فيه أيضًا([271]): «تأوّل [يقصد ابن تيمية] النصوص القاطعة فخرج عما عليه أهل السُّنَّة والجماعة».اهـ.

        انظر أيها القارئ إلى قوله: «لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص»، وإلى قوله: «لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما، ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ». انظر كيف يحرّم الإقدام على فعل ثم يجعل من فعله مثابًا مأجورًا، ولم يكتف بذلك بل انتصر له وادَّعى شرعيته فأورد حديثًا في غير موضعه، وهو حديث([272]): «إذا حكم الحاكمُ فاجتهدَ» انظروا القرَّاء كيف يتلاعب بالأحاديث ويجعلها تابعة لرأيه لأجل دفاعه عن ابن تيمية، فهذا الحديث وارد في غير النصوص الصريحة التي لا اجتهاد فيها كما ذكرتُ سابقًا، ثم استدلاله بهذا الحديث على مُدَّعاه دليل جهله بأصول الفقه أولًا، وغشه وتلبيسه على الناس ثانيًا، لأن علماء الأصول([273]) وغيرهم اتفقوا على أنه لا اجتهاد في مورد النص، فلا يوردون الحديث في ما ورد به الخبر الصريح أو ما أجمع عليه المجتهدون، وأمّا ما تلبيسه على الناس فإنه سلّم وأقرَّ بأنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود نص من الكتاب والسُّنَّة. فكيف يحتج بهذا الحديث على جواز الاجتهاد في مسائل فيها نص من القرءان والحديث؟!

        • الألباني يزعم أنه يجوز الاجتهاد في أصول العقيدة:

        خرج الألباني عما أجمع عليه العلماء فقال([274]): «بطلان الخرافة التي يطلقها اليوم كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين وفيهم بعض من يجلون شيخ الإسلام ابن تيمية أن الخلاف في الفروع وليس في الأصول».اهـ.

        الرَّدُّ:

        على مقتضى كلامه يجوز أن يجتهد الشخص فيقول بأن الجنة تفنى، وأن العالم أزلي، وأن لله زوجة وولدًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، أو أن الرسول كان يحصل منه الزنى وشرب الخمر، وكل ذلك كفر والعياذ بالله، وغير ذلك مما يخالف العقيدة، وإذا ما أُنكِرَ على هذا القائل يقول بأني اجتهدت ولي أجر الاجتهاد على زعمه، انظروا إلى مقالة الألباني الذي فتح بابًا واسعًا من أبواب الكفر، يلتمس العذر لمن كفر بالله وبما جاء عن الله، ولمن كفر بالرسول وبما جاء به الرسول ، فعلى مقتضى كلامه لا يوجد مرتد على وجه الأرض، لأنهم كلهم سيقولون بمقالة هذا المبتدع الذي شذ بها عن الأمة الإسلامية وضلّ وأضلَ من أخذ بفتواه.

        لقد أغلق الألباني باب الردة وفتح باب الكفر على مصراعيه بهذه المقالة الباطلة. وقد يتساءل البعض لماذا تجرّأ على إصدار هذه الفتوى التي تشجع المبتدعة على التمادي في الضلال، وتتيح لنفسه وأتباعه وغيرهم الكفر بالقرءان والسُّنَّة تحت ستار الاجتهاد؟! والجواب: هو أن الذي حرّكه حب الدفاع عن ابن تيمية المجسم الذي زرعت كتبه وفتاويه في قلب الألباني وجماعته الوهابية بذور الفتنة والفساد والانحراف عن منهج أهل السُّنَّة والجماعة فغرست في نفوسهم حبَّ التشبيه والنفور من التنزيه وحب المبتدعة وكراهية أهل السُّنَّة، الأشاعرة والماتريدية؛ بل وكراهية الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فلا يسمع وهّابيٌّ مؤذنًا سنيًّا يصلي على النبي بعد الأذان جهرًا إلا ويبادر إلى الإنكار عليه وشتمه ونسبة بدعة الضلالة إليه، لأنه يحب الرسول ويحب الصلاة عليه، والسؤال هو: ما الذي اقترفه هذا السُّنّيُّ إلا أنه عمل بقوله عليه الصلاة والسلام: «من ذكرني فليصلِّ عليّ»([275])؛ بل ويبادرون إلى تبديع من رأوه يحمل سبحة يَذْكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل ويصلي على نبيّه ، لزعمهم أنها بدعة سيئة لم تكن زمن النبي ، فهؤلاء شأنهم الحكم على أهل السُّنَّة الأشاعرة والماتريدية بالتضليل([276])، ولم يشربوا إلا حب ابن تيمية فاقتدوا به فأُشْربوا الكفر والبدعة فضلوا وأضلوا، نسأل الله السلامة.

        وإليك أيها القارئ بعض ما ورد عن العلماء في تزييف وبطلان هذه المقالة الفاسدة وتكفير من خالف أمرًا قطعيًّا من أمور الشريعة المعلومة من الدّين بالضرورة:

        قال الفقيه الشافعي تقي الدين السبكي([277])، وهو ممن قيل ببلوغه درجة الاجتهاد([278]): «إن إنكار القطعي كفر، ولا يشترط أن يعلم ذلك المنكر قطعيته ثم ينكر فيكون بذلك كافرًا على ما يتوهمه الخائلون([279])؛ بل يشترط قطعيته في الواقع».اهـ.

        وفي كتاب «فتح الباري»([280]): «وقد حكى عياض وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم، فقال ابن دقيق العيد: وقع هنا من يدعي الحِذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة، فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر، لأنه من قبيل مخالفة الإجماع، وتمسك بقولنا: إن منكر الإجماع لا يكفَّر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواترًا عن صاحب الشرع، قال: وهو تمسكٌ ساقط، إمّا عن عمى في البصرة أو تعام، لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل».اهـ.

        فإن قيل: قال شمس الدين الرملي([281]) عند شرح قول النووي: «الردة قطع الإسلام بنية أو قول كفر» ما نصّه: «فلا أثر لسبق لسان أو إكراه واجتهاد وحكاية كفر». فالجواب: ما قاله الـمُحشّي([282])، أي: صاحب الحاشية نور الدين علي الشَّبْرامَلّسي على شرح الرملي المسمّى «نهاية المحتاج»: «قوله (واجتهاد)، أي: لا مطلقًا كما هو ظاهر لما سيأتي من نحو كفر القائلين بقِدم العالَم مع أنه بالاجتهاد والاستدلال».اهـ. وتابعه على ذلك الـمُحشّي الآخر على الرملي أحمد بن عبد الرزاق المعروف بالمغربي الرشيدي فقال([283]): «قوله (واجتهاد)، أي: فيما لم يقم الدليل القاطع على خلافه، بدليل كفر نحو القائلين بقِدم العالَم مع أنه بالاجتهاد».اهـ.

        ومن هنا يُعلم أنه ليس كل متأول أو مجتهد يمنع عنه تأويلُه التكفيرَ، فمن اجتهد في القطعيات فأخطأ لا يعذر، فقول ابن تيمية: بأن العالم أزلي بجنسيه، أي: لم يتقدم الله جنسَ العالم بالوجود بل قال: وهذا كمال لله، ذكر هذا في كتاب «شرح حديث عمران بن الحصين»([284])، وقوله: بأنّ النار تفنى وينتهي عذابها([285]) لا يخلصه من الكفر، ولو زعم أنه اجتهد أو ادّعى أحد له ذلك، وتابعه في مقولته الثانية وأيّده تلميذه ابن قيم الجوزية([286])، فالذي يعتقد أن كل متأوّل يُعذَر مهما كان تأوُّله فقد عطَّل الشريعة.

        • الألباني يحرّم مدحَ النبيّ مُطلقًا:

        أورد الألباني في كتابه «التوسل» حديث: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبدُه فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه»([287])، ثم قال([288]): «إنَّ للإطراء المنهي عنه في الحديث معنيين اثنين، أولهما: مطلق المدح، وثانيهما: المدح المجاوز للحد، وعلى هذا فيمكن أن يكون المراد من الحديث النهي عن مدحه مطلقًا».اهـ. ثم قال([289]): «إن أعظم مدح له أن نقول فيه ما قال ربنا تعالى: إنه عبدٌ لَهُ ورسولٌ».اهـ. ثم قال([290]): «ولعل الأرجح في الحديث المعنى الأول، لأمرين اثنين: أولهما: تمام الحديث، وهو قوله : «فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه»، أي: اكتفوا بما وصفني به الله تعالى من اختياري عبدًا له ورسوله، وثانيهما: ما عقد بعض أئمة الحديث من الترجمة فأورده الإمام الترمذي([291]) مثلًا تحت عنوان: «باب تواضع النبيّ » فحمل الحديث على النهي عن المدح المطلق هو الذي ينسجم مع معنى التواضع ويأتلف معه».اهـ.

        الرَّدُّ:

        لم يزل العلماء في شِعْرِهم ونثرهم وخطاباتهم ومؤلفاتهم يمدحون النبيّ بعظيم قدره عند ربه ومنزلته وما خصه الله به في الدَّارين من كرامته، قال القاضي عياض في «الشفا»([292]): «لا خلاف أنه أكرم البشر، وسيد ولد ءادم، وأفضل الناس منزلة عند الله وأعلاهم درجة واقربهم زُلْفى»، ثم ساق أحاديث فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه والاصطفاء ورفعة الذّكر والتفضيل وسيادة ولد ءادم وما خصَّه به في الدنيا من مزايا الرتب وبركة اسمه الطيّب. هذا دأب الفقهاء والمحدثين والمفسرين واللغويين وغيرهم، فدلَّ إجماعهم ذلك على جواز مدحه وأنه ليس بمنهي عنه كما زعم هذا الرجل الذي خالف من سبقه.

        وأما الحديث الذي ذكره فليس فيه دليل على ما ادّعاه، لأن شرّاح الحديث وغيرهم حملوه على وصفه بما ليس فيه، ولم يوردوه في النهي عن مدحه ، فقد قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([293]) «قوله (لا تطروني) بضم أوله، والإطراء المدح بالباطل، تقول: أطريت فلانًا مدحته فأفرطت في مدحه».اهـ. ومثله قال القسطلاني([294])، والعيني([295])، وزكريا الأنصاري([296])، والبغوي([297]) وغيرهم، كالذين ألّفوا في غريب الحديث كابن الأثير فإنه قال([298]): «لا تطروني: الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه».اهـ. وبذلك قال ابن الجوزي([299]) والقاضي عياض([300]).

        ويؤيد ما قلناه من جواز مدحه الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه([301]) والطبراني في «المعجم الصغير»([302]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيّ مرّ ببعض المدينة فإذا هو بجوارٍ يضربن بدفّهِنّ ويتغنين ويقلنَ: [الرجز]

        نحنُ جوارٍ من بني النَّجَّارِ

         

        يا حبَّذا محمدٌ من جَارِ

        فقال النبيّ : «اللهُ يعلمُ إني لأحبُّكنَّ».

        قال الحافظ البوصيري([303]): «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».اهـ.

        وهناك حديث ءاخر رواه أحمد([304]) وابن حبان في صحيحه([305]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الحبشة يزفنون([306]) بين يدي رسول الله ويرقصون يقولون: محمَّدٌ عبدٌ صالح، فقال رسول الله : «ما يقولون؟»، قالوا: يقولون: محمد عبد صالح.

        ولهذا الحديث شاهد صحيح رواه النّسائي في «السنن الكبرى»([307]) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمـٰن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبيّ قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي([308]): «يا حميراءُ([309])، أتحبّينَ أن تنظري إليهم؟» فقلت: نعم، فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذٍ: أبا القاسم طيبًا». قال الحافظ ابن حجر([310]): «إسناده صحيح».اهـ. فهذه الأحاديث دليل على جواز مدح النبي والثناء عليه، هم كانوا فرحين مسرورين بمدح النبيّ السيّد العظيم، وقد ملئت قلوبهم حُبًّا وشوقًا له عليه الصلاة والسلام، أما هؤلاء الذين لم تدخل قلوبهم محبة النبيّ الكريم فتراهم ينهون عن مدحه مطلقًا؛ بل يحرّمون على المؤذنين الصلاة عليه بعد الأذان ولو سرًّا، كما فعل الألباني الذي جهل سُنَّة المصطفى عليه الصلاة والسلام رغم ادعائه أنه من البارزين في علم الحديث، ولله درّ الإمام الشافعي رحمه الله القائل([311]): «من سام نفسَه فوق ما يساوي ردّه الله تعالى إلى قيمته».اهـ.

        وأما ترجيح الألباني لأن يكون معنى الحديث النهي عن مدح النبيّ مطلقًا، محتجًا بأن تمام الحديث هو: «فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه» فهو لم يفقه هذا الحديث، لأنه ليس من فرسان هذا الميدان، لقلة بضاعته في فهم النصوص، قال الإمام المجتهد الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه «الرسالة»([312]): «ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله وجهة العلم بَعدَ الكتابِ والسُّنَّة والإجماع والآثار وما وصفتُ من القياس عليها، ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها وهي العلم بأحكام كتاب الله فرضه وأدبه وناسخه ومنسوخه وعامّه وخاصّه وإرشاده».اهـ. ثم قال([313]): «ولا يكون لأحدٍ أن يقيس حتى يكون عالمًا بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب» وقال رضي الله عنه ([314]): «ومن كان عالـمًا بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة، فليس له أن يقول أيضًا بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني، وكذلك لو كان حافظًا مقصّر العقل أو مقصّرًا عن علم لسان العرب لم يكن له أن يقيس من قِبَلِ نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس».اهـ. فإذا كان هذا الذي وصفه الشافعي بالعلم والحفظ إلا أنه غير عالم بحقيقة المعاني أو مقصر العقل أو مقصرًا عن علم لسان العرب لم يَحِلَّ له أن يقيس ويتكلم في شرع الله تعالى بالتحليل والتحريم، فما بالك بالألبانيّ الذي عُدمت فيه الأوصاف التي ذكرها الشافعي رضي الله عنه، فجهل هذه العلوم، فلا يعرف الفقه ولا اللغة ولا المعاني ولا الحديث ولا التوحيد وغيرها من الفنون، فكيف يؤخذ ويُعمل برأيه ويجعل قدوة؟!

        عَوْدٌ إلى بيان معنى الحديث فقد قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([315]): «قال ابن الجوزي: … وإنما سبب النهي فيما يظهر ما وقع في حديث معاذ بن جبل لما استأذن في السجود له فامتنع ونهاه، فكأنه خشي أن يبالغ غيره بما فوق ذلك فبادر إلى النهي تأكيدًا للأمر.

        وقال ابن التين: معنى قوله: «لا تطروني» لا تمدحوني كمدح النصارى حتى غلا بعضهم في عيسى فجعله إلـٰهًا مع الله، وبعضهم ادّعى أنه هو الله، وبعضهم ابن الله، ثم أردف النهي بقوله: «أنا عبدُ اللهِ»». انتهى كلام الحافظ ابن حجر.

        وعبارة ابن الجوزي رحمه الله ذكرها في كتابه «كشف المشكل من حديث الصحيحين»([316]) وفيها مما لم يذكره الحافظ، وتمامها: «قوله: (لا تطروني) الإطراء الإفراط في المدح، والمراد به هنا المدح الباطل، والذين أطروا عيسى ادّعوا أنه ولد الله، تعالى الله عن ذلك واتخذوه إلـٰهًا، ولذلك قال: ولكن قولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه».اهـ.

        فظهر بذلك مناسبة قوله عليه الصلاة والسلام: «فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه» فأراد أن يبُيّن لهم أنه عبدٌ مخلوق لله أرسله لهداية الناس، وأن العبد لا يجوز وصفه بصفات الربوبية والألوهية، فخشية أن يقع أحدهم في المحظور بادر عليه الصلاة والسلام إلى النهي عن مدحه بالباطل، هذا معنى الحديث وليس معناه كما زعم الألباني، لا تمدحوني مطلقًا ولو كان المدح لا يخالف الشرع ولا يصل به المرء إلى الغلو، هذا معنى قوله مطلقًا.

        ثم افترى على الإمام الترمذي لتأييد رأيه الفاسد، فزعم أن الترمذي حمل الحديث على النهي المطلق، وهذه فِرية بلا دليل، وإيراد الترمذي للحديث في باب تواضع النبي لا يفيد النهي، لا تلميحًا ولا تصريحًا ولا تعريضًا لا من قريب ولا من بعيد، فأي كلام يفيد ما نسبه الألباني له؟ فالألباني تخيل أمرًا لا أساس له، ثم بنى عليه حكمًا فاسدًا، فهل كلمة التواضع تعني النهي؟ هذا شيء جديد أدخله الألباني على العربية لا تعرفه العرب في لغتها، فعنده أن التواضع في الملبس، يعني: لا يجوز أن تلبس الثياب الفاخرة، والتواضع في المأكل والمشرَب معناه عنده لا يجوز أن تأكل المآكل والمشارب اللذيذة! والتواضع مع الفقراء معناه عنده لا يجوز أن تجلس مع الأغنياء! فالحذَرَ الحذرَ من صحبة هؤلاء الوهابية أو الأخذ برأيهم الذي خالفوا به ما قاله أهلُ السُّنَّة والجماعة، فإنهم يقودونك إلى الهلاك.

        • الألباني يزعم أن النبيّ لا يسمع في قبره الصّلاة عليه ولا غيرها:

        قال الألباني في كتابه المسمّى «تحذير الساجد» ما نصّه([317]): «قوله (تبلغني) هذا الحديث وغيره مما تقدم صريح في أنه عليه الصلاة والسلام لا يسمع صلاة المصلين عليه، فمن زعم أن النبيّ يسمعها فقد كذب عليه، فكيف حال من يزعم أنه يسمع غيرها؟!».اهـ.

        الرَّدُّ:

        لا مانع شرعًا ولا عقلًا من أن يسمع النبي كلام من يصلي عليه وهو في القبر، فالنبي حيٌّ ح الله بعد موته، كما ثبت من حديث أنس عن رسول الله أنه قال: «الأنبياءُ أحياءٌ في قبورهم يُصلّونَ» صحّحه البيهقي في جزء حياة الأنبياء([318])، وأورده الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([319]) على أنه ثابت، وذلك لما التزمه أن ما يذكره من الأحاديث شرحًا أو تتمة لحديث في متن البخاري فهو صحيح أو حسن، ذكر ذلك في مقدمة الفتح([320])، ولأنّه ثبت حديث: «ما مِن رجلٍ مسلمٍ يمرُّ بقبرِ أخيهِ المؤمنِ كان يعرفُه في الدنيا فيُسلِّمُ عليه، إلا عرفه وردَّ عليه السلامَ» صحّحه الحافظ عبد الحقّ الإِشبيلي([321]).

        وأما الدليل على صحة سماع الغائب الحي خطابَ من يناديه من بعيد فقصةُ عمر رضي الله عنه في ندائه جيشه الذي بأرض العجم بقوله: يا ساريةُ الجبل الجبلَ فسمعه سارية بن زُنَيم، وكان سارية قائد الجيش، فانحاز بجيشه إلى الجبل فانتصروا، صححها الحافظ الدّمياطي في جزء ألّفه لهذه القصة، ووافقه الحافظ السيوطي على ذلك، وحسنها الحافظ ابن حجر في «الإصابة»([322]) وأوردها الحافظ الزبيدي في «شرح القاموس»([323])، وقد أفرد القطب الحلبي لطرقه جزءًا، ووثّق رجال هذه الطرق([324]).

        ومن الدليل على صحة سماع الغائب نداء البعيد ما رواه الفاكهي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قام إبراهيم على الحجر فقال: يا أيّها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الآباء وأرحام النساء، فأجابه من ءامن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللَّهُمَّ لبيك»، صحّحه الحافظ ابن حجر([325]).

        وهذا الذي ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما مما لا يقال بالرأي بل يُقال بالتوقيف، وهو مما عرف وانتشر عند المفسرين لمعنى قول الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [سورة الحج: 27]، فما ابعد عن الحق من يقول من هؤلاء نفاة التوسل عن الأنبياء والأولياء بعد موتهم إنهم كالجماد، وقد بلغ بعضهم في الإفراط والتفريط إلى أن قال: النبي لا ينفع بعد موته، ومنهم من يقول لقاصد زيارة الرسول : ما تفعل بالعظم الرميم، حمانا الله تعالى من صنيع هؤلاء الذين ضلّ سعيُهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، يزعمون أنهم بهذا يكونون أقوى من غيرهم في توحيد الله، وكفاهم خزيًا اعتقادهم في الرسول أنه عظم رميم لم يبق له إحساس ولا شعور.

        وفي الألفاظ الواردة في السلام على أهل القبور، والتي علّمها الرسول لأصحابه، دلالة على سماع اله القبور لسلام الزائرين، وذلك في نحو قول الزائر: «السلامُ عليكُم يا أهلَ القبورِ، يغفرُ اللهُ لنا ولكم، أنتم سَلَفُنا ونحنُ بالأثرِ»([326]) أخرجه الترمذي، وما ورد في «صحيح مسلم» بلفظ: «السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ»([327]) إلى ءاخره، فلولا صحة سماع الميت لم يكن لهذا الخطاب معنى.

        ولا حجة في استدلال نفاة التوسّل بقول الله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [سورة فاطر: 22] فإنه مؤول لا يحمل على الظاهر توفيقًا بينه وبين ما ورد من الأحاديث التي ذكرناها، والمراد به تشبيه الكفار بمن في القبور في عدم انتفاعهم بكلامه وهم أحياء([328]).

        ومما يؤيد صحة سماع الموتى ما رواه البخاري([329]) أن رسول الله قام على القليب([330]) – قليب بدر – وفيه قتلى المشركين، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء ءابائهم: «يا فلانُ ابنَ فلانٍ ويا فلانُ ابنَ فلانٍ»، قال: «فإنا قد وجدْنا ما وعدنا ربُّنا حقًّا، فهل وجدتُم ما وعد ربُّكم حقًّا([331])». قال فقال عمر: يا رسول الله، ما تُكلمُ من أجساد لا أرواح بها، فقال رسول الله : «والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، ما أنتم بأسمعَ لِما أقولُ منهم». وروى البخاري أيضًا عن أنس رضي الله عنه عن النبي([332]) : «إنَّ العبدَ إذا وُضع في قبرِه وتولَّى عنه أصحابُه وإنه ليسمعُ قرعَ نعالِهم». فيقال للنفاة: النبيّ أفهم منكم ومن سائر الخلق بمعاني كتاب الله، فبعد هذا لا يُلتفت لكلام الألباني.

        وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([333]): «وإذا ثبت أنهم – يعني الأنبياء عليهم السلام – أحياء من حيث النقل، فإنه يقويه من حيث النظر، كون الشهداء أحياء بنص القرءان، والأنبياء أفضل من الشهداء، ومن شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود([334]) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه وقال فيه: «وصلُّوا عليّ فإنَّ صلاتَكم تبلُغُني حيثُ كنتُم» سنده صحيح، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب بسند جيد: «من صلّى عليّ عند قبري سمعتُه ومن صلّى عليّ نائيًا بُلِّغتُه»».اهـ.

        فقوله : «سمعتُه» صريح في أنه يسمع من يصلّي عليه ويدحض مزاعم الألباني ومَنْ وافقه، ثم قوله : «تبلغُني» ليس فيه نفي سماع النبي لمن صلّى عليه، ولا يعارض قوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى عليّ عند قبري سمعتُه».

        وكذلك يؤيد صحة سماع الموتى للأحياء حديث الطبراني([335]) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله فقال: «إذا مات أحدٌ من إخوانِكم فسوَّيتُم الترابَ على قبرِه فليقم أحدُكم على رأسِ قبرِه ثم ليقلْ: يا فلانُ ابنَ فلانةَ، فإنه يسمعُه ولا يجيبُ، ثم يقولُ: يا فلانُ ابنَ فلانةَ، فإنه يستوي قاعدًا ثم يقولُ: يا فلانُ ابنَ فلانةَ، فإنه يقولُ: أرشدْنا يرحمْك الله، ولكن لا تشعرونَ»، قال الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير»([336]): «وإسناده صالح، وقد قوّاه الضياء في أحكامه».اهـ.

        وعلى هذا المعتَقد كان الصحابة ، يعتقدون أن النبيّ حيٌّ في قبره يسمع، ولذا لـمّا جاء الصحابي بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه إلى قبر رسول الله خاطبه متوسلًا ومستغيثًا به بقوله: «يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا»، ولم ينكر عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا غيره، فلولا أنه كان يعتقد سماع نداء من يناديه ما كان خاطبه بهذا الخطاب، ولا كان خليفة رسول الله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقره على ذلك، وهذا الأثر إسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([337])، وابن كثير في «البداية والنهاية»([338]).

         

        • الألباني يزعم أن الموتى لا يسمعون:

        قال الألباني([339]): «لا يوجد دليل في الكتاب والسُّنَّة على أن الموتى يسمعون؛ بل ظواهر النصوص تدل على أنهم لا يسمعون كقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [سورة فاطر: 22]، وقوله لأصحابه وهم في المسجد: «أكثروا علي من الصلاةِ يومَ الجمعةِ، فإنَّ صلاتَكم تبلغُني» فلم يقل: أسمعها، وإنما تبلّغه الملائكة. وأما قوله : «إذا وُضع العبدُ في قبرِه وتلوى وذهب أصحابُه حتى إنه ليسمعُ قرعَ نعالِهم، أتاه ملكان فيُقعدانِه فيقولانِ له» الحديث رواه البخاري، فليس فيه إلا السماع في حالة إعادة الروح إليه ليجيب على سؤال الملكين، ونحوه قوله لعمر حينما سأله عن مناداته لأهل قليب بدر: «ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم» هو خاص أيضًا بأهل القليب».اهـ.

        الرَّدُّ:

        يضاف إلى ما سبق ذكره عند الرد على نفي الألباني لسماع النبي في قبره أن الصحابي بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه جاء إلى قبر النبي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أصاب الناس قحط وخاطب الرسول بقوله: «يا رسول الله، استسق لأمَّتك فإنهم قد هلكوا». يقول مالك الدار – وهو راوي الحديث -: «فأتاه رسول الله في المنام فقال: ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس([340])، فأتى الرجلُ عمرَ فقال: يا ربّ، ما ءالوا إلا ما عجزت».اهـ. رواه البيهقي في «دلائل النبوة»([341]) وابن كثير في «البداية والنهاية»([342]) وقال عَقِبَهُ: «هذا إسناد صحيح»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»([343])، وعزاه الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري»([344]) لابن أبي شيبة وصحَّحَ إسناده. قال الحافظ الفقيه تقي الدين السبكي في كتابه «شفاء السقام»([345]): «ومحل الاستشهاد من هذا الأثر طلبه الاستسقاء من النبيّ بعد موته في مدة البرزخ، ولا مانع من ذلك، فإن دعاء النبيّ لربه تعالى في هذه الحالة غير ممتنع».اهـ. فلولا أن الصحابي يعتقد بحياة النبيّ في قبره وسماع من يأتيه مسلّمًا عليه ومخاطبًا لما خاطبه بقوله: «يا رسول الله، استسق لأمّتك»، ثم هذا الصحابي لـمّا أخبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما حصل منه لم ينكر عليه ولا نهره ولا قال له: أنت أشركت بإتيانك قبر الرسول متوسلًا به، ولا قال له: النبي لا يسمع في قبره من يناديه، فهذا يدل على أن سيدنا عمر رضي الله عنه يرى جواز ما فعله الصحابي، وأن النبيّ يسمع خلافًا لما ينسبونه لعمر رضي الله عنه، فتمسك بهذا الأثر ولا تلتفت إلى تشويشات نفاة التوسل.

        وأما قول الألباني: «فإنه قال: «فإن صلاتَكم تبلغُني» فلم يقل: أسمعها»، فليس فيه دليل على نفي السماع الذي زعمه الألباني، وأي مانع شرعي وعقلي من سماع النبي لكلام من يناديه؛ بل في كلامه حجة عليه، لأنه أثبت سماع النبي لكلام الملائكة الذين يبلغونه من يصلي عليه، فالذي يسمع يكون حيًّا أم ميتًا؟!

        وأما ما زعم الألباني أن سماع أهل القليب لكلام النبي خاصٌّ بهم فهو ادّعاء لا دليل له عليه إلا الهوى، وقد اتّفق الأصوليون على هذه القاعدة: «لا خصوصية إلا بدليل». فأين دليل الخصوصية الذي ادّعاه؟!

         

         

        [1]() العقيدة الطحاوية، شرح وتعليق الألباني (ص27).

        [2]() الألباني، الكتاب المسمّى مختصر العلو (ص72).

        [3]() الألباني، الكتاب المسمّى مختصر العلو (ص51).

        [4]() الألباني، الكتاب المسمّى مختصر العلو (ص18).

        [5]() الألباني، الكتاب المسمّى مختصر العلو (ص18).

        [6]() أبو سعيد المتولي، الغنية في أصول الدين (ص74، 75).

        [7]() عبد الله الهرري، إظهار العقيدة السنية شرح العقيدة الطحاوية (ص343).

        [8]() أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب: ما جاء في لزوم الجماعة (4/465).

        [9]() الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (2/35).

        [10]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (3/1166). وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (8/95).

        [11]() صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (8/95).

        [12]() الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (8/5).

        [13]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (6/291).

        [14]() النسائي، السنن الكبرى (6/240).

        [15]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (3/1166)، والبيهقي، الأسماء والصفات (ص375).

        [16]() البيهقي، الأسماء والصفات (ص400).

        [17]() أبو منصور البغدادي، الفرق بين الفرق (ص333).

        [18]() عبد الله الهرري، إظهار العقيدة السنية شرح العقيدة الطحاوية (ص343).

        [19]() أبو منصور البغدادي، الفرق بين الفرق (ص333).

        [20]() عبد الملك الجويني إمام الحرمين، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (ص58).

        [21]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء (3/24).

        [22]() محمد مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين (2/109).

        [23]() النووي، شرح صحيح مسلم (5/24).

        [24]() فخر الدين الرازي، تفسير الرازي (30/99).

        [25]() أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط (10/226).

        [26]() أبو السعود، تفسير أبي السعود (9/7).

        [27]() القرطبي، الجامع لأحكام القرءان (18/215).

        [28]() عبد الله الهرري، الدليل القويم على الصراط المستقيم (ص169).

        [29]() الألباني، الكتاب المسمّى صحيح الترغيب والترهيب (1/116)، وهذه عقيدة ابن تيمية أيضًا ذكرها في رسالته المسماة عرش الرحمـٰن، وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل والمسائل (4/126 – 129).

        [30]() الحُقة: وعاء من خشب: (الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ص1130).

        [31]() تفسير القرطبي (5/402)، تفسير الطبري (7/530).

        [32]() الألباني، فتاوى الألباني (ص343).

        [33]() الألباني، الكتاب المسمّى مختصر العُلُوّ (ص122).

        [34]() ابن تيمية، الرسالة التدمرية (ص53).

        [35]() ابن تيمية، الكتاب المسمّى مجموعة تفسير ست سور (ص20).

        [36]() ابن تيمية، الكتاب المسمّى مجموعة تفسير ست سور (ص290).

        [37]() تقدم تخريجه.

        [38]() رواه الطيالسي بنحوه في مسنده (ص79).

        [39]() ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (17/404).

        [40]() أبو الفضل التميمي، اعتقاد الإمام أحمد (ص116).

        [41]() البيهقي، الأسماء والصفات (ص420)، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/383): «سنده جيد».اهـ.

        [42]() عبد الله الهرري، إظهار العقيدة السنية شرح العقيدة الطحاوية (ص186).

        [43]() محمد مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين (2/99).

        [44]() ابن تيمية، الكتاب المسمّى موافقة صريح المعقول (1/210، و2/26).

        [45]() ابن الجوزي، دفع شبه التشبيه (ص129).

        [46]() المنسوب لأبي الحسن الأشعري، الكتاب المسمّى مقالات الإسلاميين (ص210، 211) ما نصّه: «وقال هشام بن الحكم: إن ربه في مكان دون مكان، وإن مكانه هو العرش، وإنه مماس للعرش، وإن العرش قد حواه وحده، وقال بعض أصحابه: إن البارئ قد ملأ العرش وإنه مماس والعياذ بالله من التشبيه.

        [47]() أبو منصور البغدادي، تفسير الأسماء والصفات (ص151)، مخطوط.

        [48]() يوسف الأردبيلي، الأنوار لأعمال الأبرار (2/481).

        [49]() محمد بن أحمد ميّارة المالكي، الدر الثمين (ص24، 25).

        [50]() تقدَّم تخريجه بلفظ: «كانَ اللهُ ولمْ يكنْ شيءٌ غيرُهُ».

        [51]() النووي، روضة الطالبين (10/64).

        [52]() ابن حجر الهيتمي، الإعلام بقواطع الإسلام بهامش الزواجر (2/43، 44).

        [53]() أبو المعين ميمون بن محمد النسفي، تبصرة الأدلة (1/176، 177).

        [54]() أبو المعين ميمون بن محمد النسفي، تبصرة الأدلة (1/177).

        [55]() البياضي، إشارات المرام (ص197، 198).

        [56]() البياضي، إشارات المرام (ص199، 200).

        [57]() يكفر الذي ينسب الجسم لله، والعياذ بالله، حيث أثبت الحجم لله، لأن هذا مما لا يُعذر فيه الجاهل في حق الله.

        [58]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (7/124).

        [59]() أبو القاسم الأنصاري، شرح الإرشاد (ق/58، 59)، مخطوط.

        [60]() الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لتناهيه في القلة، وسمي جوهرًا لأن الجسم يتركب من جوهرين فردين فأكثر.

        [61]() الدارقطني، الغرائب والأفراد، انظر: أطراف الغرائب والأفراد للمقدسي (1/397).

        [62]() ابن عدي، الكامل (3/357).

        [63]() أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء (6/67).

        [64]() أي: على وجه الحقيقة، وإن استُعملت على وجه المجاز فإنه تُحمل على ذلك كقوله تعالى: {أَفِي اللهِ شَكٌّ} [سورة إبراهيم: 10]، أو يكون مراد المؤلف أن حروف الظروف لا تستعمل على معنى الظرفية في حق الله تعالى، إنما تستعمل على هذا المعنى في حق الأجرام.

        [65]() أي: وإذا كان العرش تحته بالجهة على زعمكم، فكيف لا يحجبه عنا حالة الرؤية؟ مع اشتراطكم المقابلة بين الرائي والمرئي، ومع كون الجنة تحت العرش الذي هو سقفها، وهو أوسع منها كما هو معلوم.

        [66]() الآمدي، غاية المرام في علم الكلام (ص199، 200).

        [67]() الألباني، الكتاب المسمّى مختصر العلو (ص7 و156 و285).

        [68]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/108، 109، رقم 2551).

        [69]() ابن الجوزي، دفع شبه التشبيه (ص141).

        [70]() بدر الدين ابن جماعة، إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل (ص164).

        [71]() البيهقي، السنن الكبرى (3/3).

        [72]() البيهقي، الاعتقاد (ص72).

        [73]() الألباني، الكتاب المسمّى مختصر العلو (ص7 و156 و285).

        [74]() العقيدة الطحاوية، شرح وتعليق الألباني (ص25).

        [75]() ملا علي القاري، شرح الفقه الأكبر (ص58).

        [76]() تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى (8/519).

        [77]() ابن المعلم القرشي، نجم المهتدي، ورجم المعتدي (ص559)، مخطوط.

        [78]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إلَى رَبِّهَا نَاظِرةٌ} (6/2709).

        [79]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/775).

        [80]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/175، 270، 308، 310، 387)، الكلم الطيب لابن تيمية، تعليق الألباني (ص13)، الألباني، الكتاب المسمّى إرواء الغليل (4/318).

        [81]() أخرجه البزار في مسنده (5/374)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/99): «رواه البزار بإسنادين أحدهما منقطع، وفيه عبد الله بن خراش، والغالب عليه الضعف والآخر متصل حسن».اهـ.

        [82]() الرازي، مختار الصحاح (ص183، 184).

        [83]() الفيومي، المصباح المنير (2/414).

        [84]() ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/249).

        [85]() الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرءان (ص570).

        [86]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه وأحكامه (ص162).

        [87]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب: الماء الذي يغسل به الإنسان (1/75).

        [88]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب: بيان أن السُّنَّة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق (4/82).

        [89]() أي: فَعل.

        [90]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء (6/139).

        [91]() عبد الله الهرري، صريح البيان في الرد على من خالف القرءان (ص296 وما بعدها).

        [92]() أحمد بن حنبل، العلل ومعرفة الرجال (2/492).

        [93]() البهوتي، كشاف القناع (2/68) عن ابن تيمية.

        [94]() الألباني، فتاوى الألباني (ص522، 523).

        [95]() الألباني، فتاوى الألباني (ص522، 523).

        [96]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (3/85).

        [97]() أي: الحلال (النووي، شرح صحيح مسلم، 7/98).

        [98]() قال النووي: «قال المازري: قد ذكرنا استحالة الجارحة على الله ، وأن هذا الحديث وشبهه إنما عبّر على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا، فكنّى هنا عن قبول الصدقة بأخذها في الكف، وعن تضعيف أجرها بالتربية».اهـ. (النووي، شرح صحيح مسلم، 7/98).

        [99]() تقدم تخريجه.

        [100]() السيوطي، الدر المنثور (2/152)، ابن الجوزي، زاد المسير (1/354).

        [101]() محمد مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين (2/110).

        [102]() كذا في الأصل، ووجه الكلام لا بد من استبيانه.

        [103]() أخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، فضل ابن عباس رضي الله عنهما (1/58).

        [104]() ابن الجوزي، كتاب المجالس (ص13).

        [105]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (13/428).

        [106]() البيهقي، الأسماء والصفات (2/183).

        [107]() أي: عن ءاثار قدرته تبارك وتعالى.

        [108]() البيهقي، الأسماء والصفات (2/184).

        [109]() البيهقي، الأسماء والصفات (2/107).

        [110]() ابن كثير، البداية والنهاية (10/327).

        [111]() البيهقي، مناقب أحمد، تعليق: الزاهد الكوثري على السيف الصقيل للإمام السبكي (ص120، 121).

        [112]() البيهقي، الأسماء والصفات (ص572، 573).

        [113]() شرح الزرقاني على الموطأ (2/218)، وشرح الترمذي المسمّى عارضة الأحوذي، أبو بكر بن العربي (2/236).

        [114]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب: الدعاء في الصلاة من ءاخر الليل (1/384).

        [115]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (3/30).

        [116]() شرح الزرقاني على الموطأ (2/46).

        [117]() البيهقي، الأسماء والصفات (2/341).

        [118]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: تفسير سورة القصص، في فاتحته (4/1787).

        [119]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب: قول الله : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (3/1382).

        [120]() الطوى: الجوع (الرازي، مختار الصحاح، ص403).

        [121]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (7/120).

        [122]() البيهقي، الأسماء والصفات (ص402).

        [123]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (6/40).

        [124]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (13/383).

        [125]() الألباني، فتاوى الألباني (ص523).

        [126]() الألباني، فتاوى الألباني (ص523).

        [127]() الألباني، فتاوى الألباني (ص523).

        [128]() أخرجه البخاري في شعب الإيمان (5/350).

        [129]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: سورة القصص (3/1382)، وابن حجر العسقلاني، فتح الباري (8/505).

        [130]() حصل من شخص وهابي قيل له: البخاري أوَّل فقال في صحيحه في تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88]: إلا ملكه، فقال الوهابي: البخاريُّ في إيمانه شك. فبعد هذا يظهر للمتأمل شدة بغض الوهابية لأهل الحق أهل = السُّنَّة والجماعة وازدرائهم بالأئمة الكبار. وقد كفَّروا الحافظين النووي وابن حجر العسقلاني، كما في كتاب من تأليف محمد بن صالح العثيمين، سمَّاه لقاء الباب المفتوح.

        [131]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب: التواضع (5/2384).

        [132]() هذا الحديث معناه: أحفظ له سمعَه وبصرَه ويده ورجله، أو: أعطيه قوة غريبة في سمعه وبصره ويده ورجله.

        [133]() تقدّم تخريجه.

        [134]() عبد المنعم مصطفى حليمة، الكتاب المسمّى الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت (ص114 – 116).

        [135]() ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير (2/147).

        [136]() ابن المنذر، الإشراف (8/62).

        [137]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (12/312، 313).

        [138]() عبد المنعم مصطفى حليمة، الكتاب المسمّى الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت (ص22).

        [139]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب: بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع (4/157).

        [140]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ} [سورة الفتح: 15] (6/2725)، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه [أي: ءاثار رحمته أكثر من ءاثار غضبه] (6/2725). ورد لفظ «لعلّي أضلُّ الله» عند ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (20/244).

        [141]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب: في الحض على التوبة والفرح بها (8/93).

        [142]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (6/523).

        [143]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (12/202)، محمد أنور الكشميري، إكفار الملحدين في ضروريات الدين (ص33)، حاشية الشَّبْرامَلّسي على نهاية المحتاج (7/414)، وحاشية المغربي الرشيدي على نهاية المحتاج (7/414).

        [144]() تقدم تخريجه.

        [145]() مسند أحمد (33/108).

        [146]() الألباني، فتاوى الألباني (ص267).

        [147]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (3/247).

        [148]() الألباني، فتاوى الألباني (ص284).

        [149]() الألباني، فتاوى الألباني (ص269).

        [150]() أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الإيمان، باب: ما جاء في حرمة الصلاة، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».اهـ. (6/166).

        [151]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه وأحكامه (ص42، 49، 64).

        [152]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه وأحكامه (ص23).

        [153]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/285 – 286).

        [154]() الكلم الطيب لابن تيمية، تعليق الألباني (ص16).

        [155]() البخاري، الأدب المفرد (ص335).

        [156]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: من سأل الناس تكثُّرًا (2/536).

        [157]() تقي الدين السبكي، شفاء السقام (171، 183 – 184).

        [158]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب: من انتظر حتى تدفن (8/116).

        [159]() الطبراني، المعجم الكبير (9/30، 31)، الطبراني، المعجم الصغير (1/306).

        [160]() في المعجم الكبير: يلتفت إليَّ.

        [161]() الطبراني، المعجم الصغير (1/306).

        [162]() البيهقي، دلائل النبوة (7/47)، وابن كثير، البداية والنهاية (7/91، 92).

        [163]() أي: لا أقصّر إلا ما عجزت عنه، أي: سأفعل ما في وسعي لخدمة الأمة.

        [164]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/495 – 496).

        [165]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه، وأحكامه (ص13).

        [166]() الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (2/34).

        [167]() القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/67).

        [168]() الألباني، فتاوى الألباني (ص432).

        [169]() ابن الجوزي، زاد المسير (9/158)، أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط (8/481).

        [170]() ابن الجوزي، زاد المسير (7/298، 299).

        [171]() محمد بن عبد الله النجدي، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة (ص275، 276).

        [172]() الألباني، فتاوى الألباني (ص318).

        [173]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة (3/86).

        [174]() ابن حجر العسقلاني، موافقة الخبر الخبر (2/435).

        [175]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب: التلبية وصفتها ووقتها (4/7).

        [176]() أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب: التشهد (1/367).

        [177]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي (1/7).

        [178]() التقريب للنووي مع شرحه التدريب للسيوطي (ص577، 578).

        [179]() عبد الله الهرري، صريح البيان في الرد على من خالف القرءان (ص324).

        [180]() فضل الصلاة على النبي  لإسماعيل القاضي، تعليق الألباني (ص52).

        [181]() الألباني، الكتاب المسمى تمام المنّة في التعليق على فقه السُّنَّة (ص158).

        [182]() أي: قول سيد سابق في كتابه المسمّى فقه السُّنَّة، وعبارته: «الجهر بالصلاة والسلام على الرسول  عقب الأذان غير مشروع؛ بل هو محدث مكروه».اهـ. والعياذ بالله.

        [183]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي  ثم يسال الله له الوسيلة (2/4).

        [184]() السيوطي، الوسائل في مسامرة الأوائل (ص23، 24).

        [185]() الحطاب المالكي، مواهب الجليل (1/430)، والسخاوي، القول البديع (ص192، 193).

        [186]() تقدم تخريجه.

        [187]() أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/76)، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (1/137): «رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح».اهـ. والطبراني في المعجم الأوسط (3/228 و5/284)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/163): «رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح».اهـ. وابن السُّنّي في علم اليوم والليلة (ص335)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص65).

        [188]() مسند أبي يعلى (6/354)، والضياء المقدسي، الأحاديث المختارة (4/395).

        [189]() أحمد بن زيني دحلان، الدرر السنية في الرد على الوهابية (ص44).

        [190]() تقدم تخريجه.

        [191]() النووي، المجموع (3/117).

        [192]() يعني: فقهاء الشافعية.

        [193]() النفراوي المالكي، الفواكه الدواني (1/202، 203).

        [194]() المرداوي الحنبلي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/426).

        [195]() محمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/196).

        [196]() هو كتاب الذخيرة في الفقه المالكي لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي (ت684هـ).

        [197]() محمد عليش المالكي، منح الجليل شرح مختصر خليل (1/202).

        [198]() تقدم تخريجه.

        [199]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب: جهر الإمام بالتأمين (1/270).

        [200]() تقدم تخريجه.

        [201]() ابن السبكي، الأشباه والنظائر (2/134).

        [202]() أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: في لزوم السُّنَّة (4/329).

        [203]() الألباني، الكتاب المسمّى حجة النبيّ  (ص103).

        [204]() ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (23/280).

        [205]() القَدْع: الكفُّ والمنع (ابن منظور، لسان العرب، 8/260).

        [206]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (3/52).

        [207]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العمرة، باب: كم اعتمر النبيُّ  (2/630).

        [208]() مصنّف ابن أبي شيبة (2/172).

        [209]() مصنّف عبد الرزاق (3/78، 79).

        [210])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح: باب: فضل من قام رمضان (2/707).

        [211])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع ورِعل وذكوان وبئر معونة (4/1499).

        [212]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب: الأذان يوم الجمعة (1/309).

        [213]() البيهقي، مناقب الشافعي (1/468، 469).

        [214]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (13/253).

        [215]() تقدم تخريجه.

        [216])) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2/959).

        [217])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور (5/132).

        [218])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور (5/132).

        [219])) تقدم تخريجه.

        [220]() النووي، شرح صحيح مسلم (6/154).

        [221]() النووي، شرح صحيح مسلم (6/155).

        [222]() الألباني، فتاوى الألباني (ص350، 351).

        [223]() رواه أحمد في مسنده (5/174).

        [224]() الألباني، فتاوى الألباني (ص351).

        [225]() القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/282، 283).

        [226]() العقيدة الطحاوية، شرح وتعليق الألباني (ص84).

        [227]() القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/303).

        [228]() ابن حجر العسقلاني، موافقة الخبر الخبر (1/115).

        [229]() ابن الجوزي، زاد المسير (8/28).

        [230]() أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء (1/79، 80).

        [231]() شريط بصوته يوزع في مدينة فاس وغيرها، وهو موجود عندنا لمن طلبه.

        [232]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/675، رقم 2786).

        [233]() الترمذي، سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب: الرياء والسمعة (4/591).

        [234]() الألباني، الكتاب المسمّى صحيح الترغيب والترهيب (1/14).

        [235]() الألباني، الكتاب المسمّى حجّة النبي  (ص138).

        [236]() عبد الله الغمار، رفع الإشكال عن مسألة المحال (ص28 – 32).

        [237]() أي بكل كمال يليق به تبارك وتعالى.

        [238]() ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية (1/568).

        [239]() المجبرة: هم الجبرية الذين يقولون: إن الله أجبر العباد على أفعالهم، أي: أكرههم (محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس، 3/82).

        [240]() تاج الدين السبكي، معيد النعم ومبيد النقم (ص62).

        [241]() أخرجه الخطيب البغدادي بسنده عن أبي هريرة في كتاب شرف أصحاب الحديث (ص28 الحديث رقم 52).

        [242]() صبيغ العراقي: هو الذي بعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب لما رءاه يسأل عن متشابه القرءان بين الأجناد. وهو الذي قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرءان، فأرسل إليه عمر، وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر، فضربه حتى دمي رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي. ثم نفاه إلى البصرة. راجع الحديث عنه في سنن الدارمي: المقدمة، باب: من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع (1/54).

        [243]() سنن الدارمي: المقدمة، باب: من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع (1/54).

        [244]() ابن عساكر، تبيين كذب المفتري (ص49 و50 و63 و64).

        [245]() أخرجه الحاكم في المستدرك (2/313) وصححه ووافقه الذهبي بتعليقه في تلخيصه.

        [246]() القرطبي، الجامع لأحكام القرءان (6/220).

        [247]() ابن عساكر، تبيين كذب المفتري (ص50).

        [248]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب: قدوم الأشعريين وأهل اليمن (4/1539).

        [249]() مسند أحمد (4/335)، المستدرك للحاكم (4/424).

        [250]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (8/293).

        [251]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَإِلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} (3/1219).

        [252]() الألباني، الكتاب المسمّى تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص68، 69).

        [253]() ابن حجر العسقلاني، موافقة الخبر الخبر (2/435).

        [254]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (1/446).

        [255]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (1/446).

        [256]() منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع (1/294).

        [257]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه (3/62).

        [258]() البيهقي، دلائل النبوة (2/355).

        [259]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص32).

        [260]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بناء النار (ص30).

        [261]() القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/282).

        [262]() ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير (3/318).

        [263]() تقي الدين السبكي، الاعتبار ببقاء الجنة والنار (ص61).

        [264]() الشافعي، الرسالة (ص477).

        [265]() الشافعي، الرسالة (ص599).

        [266]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/240 رقم 843).

        [267]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/289 رقم 881).

        [268]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص21).

        [269]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص21).

        [270]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص36).

        [271]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص44)

        [272]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (6/2676).

        [273]() الشافعي، الرسالة (ص599).

        [274]() مقدمة الألباني لكتاب رفع الأستار لإبطال القائلين بفناء النار للصنعاني (ص47).

        [275]() تقدم تخريجه.

        [276]() محمد صالح العثيمين، لقاء الباب المفتوح (ص40 – 43) وهو من أركان الداعين للعقيدة الوهابية.

        [277]() محمد أنور شاه الكشميري، إكفار الملحدين (ص33).

        [278]() وصفه بالاجتهاد السيوطي في بغية الوعاة (2/176).

        [279]() أي: الظانون.

        [280]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (12/202).

        [281]() شمس الدين الرملي، نهاية المحتاج (7/414).

        [282]() حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج المطبوعة بذيل نهاية المحتاج (7/414).

        [283]() حاشية المغربي الرشيدي على نهاية المحتاج المطبوعة بذيل حاشية الشبراملسي (7/414).

        [284]() ابن تيمية، الكتاب المسمّى شرح حديث عمران بن الحصين (ص193)، ابن تيمية، مجموع الفتاوى (18/239).

        [285]() ابن قيم الجوزية، حادي الأرواح (ص579 و582).

        [286]() ابن قيم الجوزية، حادي الأرواح (ص579 و582).

        [287]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} (3/1271).

        [288]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه وأحكامه (ص88).

        [289]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه وأحكامه (ص89).

        [290]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه وأحكامه (ص89).

        [291]() الترمذي، الشمائل المحمدية (ص271).

        [292]() القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/165).

        [293]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (6/490).

        [294]() القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/455).

        [295]() العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (16/37).

        [296]() زكريا الأنصاري، تحفة الباري بشرح صحيح البخاري (4/121).

        [297]() البغوي، شرح السُّنَّة (13/246).

        [298]() ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/123).

        [299]() ابن الجوزي، غريب الحديث (1/30 و2/33).

        [300]() القاضي عياض، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/319).

        [301]() سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، باب: الغناء والدف (1899).

        [302]() الطبراني، المعجم الصغير (1/63).

        [303]() البوصيري، مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (1/334).

        [304]() مسند أحمد (3/152).

        [305]() أخرجه ابن حبان في صحيحه، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الحظر والإباحة، باب: اللعب واللهو (7/545).

        [306]() «يرقصون» (ابن حجر العسقلاني، فتح الباري 2/444)، والمراد الرقص الذي هو جائز في شرع الله، وليس الرقص المحرّم.

        [307]() النسائي، السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب: إباحة الرجل لزوجته النظر إلى اللعب (5/307).

        [308]() أي: قال النبيّ  لعائشة رضي الله عنها.

        [309]() حُميراء: تصغير الحمراء، يريد البيضاء (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر 1/438).

        [310]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (2/444).

        [311]() البيهقي، مناقب الشافعي (2/199).

        [312]() الشافعي، الرسالة (ص508).

        [313]() البيهقي، مناقب الشافعي (2/199).

        [314]() الشافعي، الرسالة (ص510).

        [315]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (12/149).

        [316]() ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين (ص43).

        [317]() الألباني، الكتاب المسمّى تحذير الساجد (ص97).

        [318]() البيهقي، حياة الأنبياء بعد وفاتهم (رقم15).

        [319]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (6/487).

        [320]() ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص4).

        [321]() محمد مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين (10/365)، والمناوي، فيض القدير (5/487)، وعبد الحق الإشبيلي، العاقبة (ص118).

        [322]() ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة (2/2)، ابن الأثير، أسد الغابة (2/244).

        [323]() محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس، فصل السين من باب الواو والياء.

        [324]() القطب الحلبي، كشف الخفا (2/515).

        [325]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (3/406).

        [326]() أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الجنائز، باب: ما يقول الرجل إذا دخل المقابر (3/369).

        [327]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (3/63).

        [328]() تفسير البغوي (4/523).

        [329]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي: باب: قتل أبي جهل (4/1461).

        [330]() القليب: البئر التي لم تعلو (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر 4/98).

        [331]() هم لم يجيبوه، وإنما سألَهم ليزدادوا خِزياً.

        [332]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في عذاب القبر (4/1461).

        [333]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (6/488).

        [334]() أخرجه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب: زيارة القبور (2/169).

        [335]() الطبراني، المعجم الكبير (8/249).

        [336]() ابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير (2/135).

        [337]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/495).

        [338]() ابن كثير، البداية والنهاية (7/74).

        [339]() الألباني، الكتاب المسمّى صحيح الترغيب والترهيب (1/14).

        [340]() أي: بالاجتهاد بالسعي لخدمة المسلمين.

        [341]() البيهقي، دلائل النبوة (1/445).

        [342]() ابن كثير، البداية والنهاية (7/91، 92).

        [343]() ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (44/345 و56/489).

        [344]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/495، 496).

        [345]() تقي الدين السبكي، شفاء السقام في زيارة خير الأنام (ص174).