قال شيخ الإسلام شيخنا الشيخ المحدث عبد الله الهرريّ رضي الله عنه: «من المفاسد التي انتشرت بين بعض العوام ما درج عليه بعض قُرَّاء المولد النبويّ الشريف وبعض المؤذنين وغيرهم من قولهم: «إن محمدًا أوّل المخلوقات»، وما ذاك إلا لانتشار حديث جابر الموضوع بينهم وهو: «أوَّل ما خلق الله نور نبيك يا جابر» وفي ما يلي نورد ردَّنا بالأدلة العقلية والنقلية الشافية، فنقول: هذا الحديث موضوع لا أصل له ومعناه مخالف للقرآن الكريم وللحديث الصحيح الثابت.
أمَّا مخالفته للقرآن ففي قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30].
وأما مخالفته للحديث فقد روى البخاريّ والبيهقيّ من حديث عمران بن الحُصين أن أناسًا من أهل اليمن أتوا إلى رسول الله ﷺ فقالوا: جئناك يا رسول الله لنتفقه في الدين فأنبئنا عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض»([1])، فهذا نص صريح في أنّ أول خلق الله الماء والعرش، فإن أهل اليمن كانوا قد سألوه عن بدء العالم، فأجابهم وأفادهم رسول الله ﷺ بأهمّ مما سألوا عنه، فقوله: «كان الله»، أي: في الأزل، وقوله: «ولم يكن شيء غيره»، أي: أنه لا أزليّ سواه، لأنه في الأزل لم يكن ماء ولا هواء ولا نور ولا مكان ولا ظلام، وقوله: «وكان عرشه على الماء»، أي: وجد عرشه على الماء، وبوجود الماء وجد الزمان والمكان، أما قبل ذلك لم يكن زمان ولا مكان. فيعلم من هذا أن الماء والعرش هما أول المخلوقات، والعرش سرير كبير له أربعة قوائم، يحمله أربعة من الملائكة، خلقه الله إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته.
[1])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27]. (4/128، 129)، رقم 3191. ونصّ الحديث: «عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: دخلت على النبيّ ﷺ وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» قالوا: «قد بشرتنا فأعطنا» مرتين. ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم» قالوا: قد قبلنا يا رسول الله. قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر؟ قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض» فنادى منادٍ: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقتُ، فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها».اهـ. الأسماء والصفات، البيهقيّ، (1/364).