الـمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ الَّتِي تَقُمُّ الـمَسْجِدَ
عن أبي هريرة أن امرأةً سوداء كانت تقم المسجد – أو شابًّا -، ففقدها رسول الله ﷺ فسأل عنها – أو عنه – فقالوا: مات. قال: «أَفَلَا كُنْتُمْ ءاذَنْتُمُونِي». قال: فكأنهم صغروا أمرها – أو أمره، فقال: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ». فدلوه فصلى عليها ثم قال: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتي عَلَيْهِمْ»([1]). ويقدم هذا الحديث النبوي الشريف الصورة المشرقة للتطبيق العملي الأمثل، وإظهار التكريم والتقدير من الرسول الأعظم المبعوث رحمة للعالمين ﷺ لامرأة سوداء فقيرة كانت تقمُّ المسجد وتعتني بنظافته، مما استدعى الوفاء بحقها والثناء عليها وزيارة قبرها والدعاء لها وتنوير قبرها بصلاته عليها، وبذلك يعطي الرسول المربي ﷺ درسًا تربويًا عمليًّا لكل قائدٍ ومسوؤلٍ وإلى كل مسلمٍ ومسلمةٍ في احترام الضعفاء والمساكين، وتقدير جهودهم، والتعبير عن الوفاء بحقوقهم، وتكريمهم في حياتهم وبعد مماتهم، وعدم الاقتصار في التكريم على طبقات اجتماعية رفيعة ولأغراض دنيوية زائفة وإهمال الطبقات الدنيا من هذا التكريم استخفافًا بمهماتهم واحتقاراً لمكانتهم وتجاوزًا لحقوقهم بدوافع التكبر والامتهان.
وقد ذكَّرنا رسول الله مرارًا بالمكانة الخاصة التي يحتلها الضعفاء عند ربهم يوم القيامة، فعن حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ([2]) جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ»([3]).
[1])) صحيح مسلم، مسلم، كتاب الجنائز، باب: الصلاة على القبر، (3/56)، رقم الحديث: 2259.
[2])) العُتُلَ: الجافي الشديد الخصومة بالباطل، وقيل الجافي: الفظ الغليظ.
[3])) صحيح البخاري، البخاري، سورة التفسير، سورة القلم، (4/1870)، رقم الحديث: 4634.