” العِفّـةُ “
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ ولا ندّ له وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم. يقول الله تعالى في القرءان العظيم : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَءاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ( سورة الأحزاب ءاية 32-33)
الطهارة، العفة، نظافة الأخلاق، حفظ الفروج والجوارح، توفيق من الله تعالى ، فالموفق من وفقه الله ، ومن يتقِ الله هو البطل.
فمن الخلق من عُصم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة وهم ساداتنا الأنبياء عليهم الصلاة وأتم السلام، ويحفظ الله بعضًا غير الأنبياء من بعض الآثام وطهّرهم منها وسمى ذلك تطهيرًا كزوجات النبي خديجة وعائشة وغيرهما رضي الله عنهنّ أذهب عنهنّ الرجس ومع ذلك أمرهنّ بأمور تساعد على العفة مع أنهنّ حفظن من الفاحشة، قال تعالى : {ولا تخضعن بالقول} أي لا تحدِّثن الرجال بطريقة تؤدي إلى ما حرمه الله.
فالعفة إخوة الإيمان مأمور بها الرجال والنساء، مأمور بها المتزوج وغير المتزوج، فهناك ءاداب حثنا عليها الشرع تساعدك على أن تكون من الحافظين لنفسك وأهل بيتك من الرذائل وما يؤدي إلى الفحشاء، ومن ذلك أن لا تخرج المرأة من بيتها إلا لضرورة. فقد قال عليه الصلاة والسلام: “أقرب ما تكون المرأة من وجه ربِّها (أي طاعة ربها) إذا كانت في قعر بيتها” . وقال تعالى لنساء النبي : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } .
فقد أمرن زوجات النبي أن لا يخزجن من بيوتهن إلا لضرورة، فَفِتن الدنيا كثيرة ونستعين بالطاعة لنحفظ أنفسنا منها. فقد قال عليه الصلاة والسلام: “من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فليصم”، ويقول تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللهُ مِن فَضْلِهِ} . (الآية . النور/33)
فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم الشخص الغير قادر على نفقات الزواج بالصيام فبهذا تخف شهوته.
فاحفظ بصرك مما حرّم الله فإن كثرة النظر تغرس في القلب التعلق ولا تكثر من الجلوس في مجالس النساء من غير حاجة شرعية وأمر بناتك وزوجتك بلبس الملابس الواسعة الفضفاضة ولا يخرجن متزيِّنات بل المرأة تتزين لزوجها، فإذا كل واحد منا حصّن نفسه وأهله ومنعهم من الشبهات وما يؤدي إلى الشبهات لخفّت الشبهات وقلّت الفحشاء. يقول ربنا: {ذلك وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} . الآية . سورة الحج ءاية/ 30)
من قلة الاستعداد للآخرة اليوم النساء يكثرن الخروج خارج البلد لغير حاجة، هذا هوى، ومن اتبع الهوى هوى، يرغبن في الخروج إلى خارج البلد، لو منعن أنفسهنّ يكون خيرًا لهنّ عند الله. إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدي” .
فماذا يكون الخروج الذي اعتدنه النساء اليوم لمجرد التنَزه، لمجرد العادة وإعطاء النفس هواها، فهذا خلاف الأولى ، فالصلاة في مسجد الرسول ثوابها يضاعف إلى خمس مائة ألف صلاة مع هذا رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء أن لا يخرجن للصلاة في مسجده وأن يصلين في بيوتهنّ ، فضّل الصلاة في بيوتهنّ على الصلاة في مسجده. فعلى النساء أن يرحمن الشباب وعلى أهاليهن أن يتقوا الله فيهنّ ، عليهنّ أن يحاسبن أنفسهنّ ، عادات كثيرة سرت بين المسلمين وهي قبيحة وهذا من قلة التفكير في الآخرة، فالقبر أمامنا، القبر بيت الوحدة، القبر بيت الوحشة، القبر بيت الدود، القبر بيت الظلمة، ما يفكِّرن في هذا؟ يقول الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} . الآية . سورة النور 30/31) .
فاغضض بصرك أيها المسلم واحفظ يدك ورجلك وقلبك من مقدمات الزنا وسائر ما حرّم الله، ولا تقل هذه صغيرة فإن اجتناب معصية واحدة أفضل عند الله من ألف حسنة، وكن على ذكرٍ أن الجبال من الحصى الصغيرة.
يروى أن رجلاً كان يعبد الله على جهل اتخذ صومعة على رأس جبل فأراد الشيطان فتنته فأُتي له بامرأة لعلاجها وبُني لها صومعة في كعب الوادي ليهتم بها فصار يقف على رأس الجبل ويناديها من أعلى يا فلانة تحتاجين شيئًا؟ فأتاه الشيطان ذات بوم. انظروا كيف بدأ، أتاه فقال له لِمَ تكلِّمها من أعلى ؟ انزل إليها، فنَزل ثم جاءه بعد مدة وقال له إن رآك الناس ماذا يقولون ادخل وكلّمها في الداخل . وقد قال عليه الصلاة والسلام: “لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما” . فاختلى بها ثم زنا بها فحملت فخاف الفضيحة فأتاه الشيطان وقال له اقتلها فقتلها ثم جاء إخوتها فسألوه عنها فقال لهم: مرضت فماتت فدفنتها، صدّقوه لأن ظاهره كان حسن الحال ، ولكن الشيطان ما تركه واقعًا في هذا فقط بل أراد إخراجه من دين الله والعياذ بالله فأتى إخوتها في المنام وأراهم أنها ماتت قتلاً فلما استيقظوا وحفروا حيث رأوا في المنام فرأوا أختهم مقتولة ويظهر فيها ءاثار حمل فذهبوا إلى هذا العابد الجاهل وهدّدوه بالقتل ليعترف فظهر له الشيطان وقال له أنا أخلصّك منهم بشرط، قال ما هو؟ قال أن تسجد لي (والعياذ بالله) فلما همّ بالسجود ظنوه يريد الهروب فقطعوا رأسه ومات كافرًا والعياذ بالله تعالى.
فالمعصية قد تجر إلى ما هو أكبر وبعض المعاصي من شؤمها قد يُختم لفاعلها بالكفر والعياذ بالله . فطهِّروا أنفسكم واحفظوها وعوِّدوها العفة.
ونسأل الله تعالى السلامة دنيا وءاخرة
وأستغفر الله لي ولكم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.