إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونشكُرُهُ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، هوَ الواحدُ الذي لا شريكَ لهُ في الألوهِيّةِ ، هوَ الأحدُ الذي لا يَقْبَلَ الانقسامَ عقلاً لأنّهُ ليسَ جسمًا ولا يوصَفُ بصفاتِ الجسْمِ ، هوَ الصمّدُ المستغْني عنْ كلِّ ما سواهُ، المفتقرُ إليهِ كلُّ ما عدَاهُ ولم يكنْ لَهُ كُفُوًا أحدٍ ، ليسَ لهُ شبيهٌ وليسَ لهُ مثيلٌ . وأشهدُ أنّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ ، بلّغَ الرسالَةَ وأدّى الأمانَةَ ونصَحَ الأمّةَ ، فجزاهُ اللهُ عنّا خيرَ ما جزَى نبيًّا منْ أنبيائِهِ ، صلّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلَى كلِّ رسولٍ أرسلَهُ .
أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصيكُمْ ونفسِي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحكمِ كتابِهِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} .
إخوة الإيمانِ ، إنّ مِمّا أثبَتَهُ الشّرْعُ الشريفُ الإصابةُ بالعينِ ، فقدْ قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : “العينُ حقٌّ” الحديثُ . والقرءانُ أيضًا أثبتَ الإصابةَ بالعينِ، بقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ العظيمِ: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} القلم/51.
أيْ أنّ الكفارَ يا محمّدُ يكادونَ أنْ يُصيبوكَ أيْ يضرّوكَ بأعيُنِهِمْ لكنّ اللهَ يحفظُكَ .
وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ : “العينُ حقٌّ يحضرُها الشيطانُ وحَسَدُ بني ءادمَ” . رواه البزار.
فقدْ حصلَ في أيامِ النبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ أنّ اثنينِ منْ أصحابِهِ خرجَا معَهُ في سَفَرِهِ معَ أصحابِهِ فتجَرّدَ أحدُهُما منْ ثيابِهِ أيْ مما سوى العوْرَةِ لِيَغْتَسِلَ منْ ماءِ المطرِ المتَجَمِّعِ بينَ الصخورِ، فرفيقُهُ لَمّا نَظَرَ إلى بياضِ جسمِهِ وحُسْنِ منظَرِهِ قالَ: واللهِ ما رأيتُ كاليومَ ولا جلدَ عذراءَ أي بنتًا عذراءَ أيْ ما رأيتُ مثلَ هذا الجسَدِ في الحلاوَةِ والحسْنِ . فالذي كانَ يغتَسِلُ وتجرّدَ منْ ثيابِهِ وقعَ على الأرضِ في الحالِ ، فأُخبِرَ الرسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ بذلكَ فغضِبَ وقالَ: “لأيِّ شىءٍ أحدُكُمْ يضرُّ أخاهُ ؟ لماذا لَمْ يُبَرِّكْ عليهِ ؟” . أيْ لماذا لَمْ يقلْ : اللهمَّ باركْ فيهِ ولا تَضُرَّهُ ؟ أوْ نحوِ ذلكَ.
ثُمَ الرسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ دعا لَهُ فتعافى وقامَ كأنّهُ لَمْ يكنْ بِهِ شىءٌ. فالشخصَ لَمّا يُعْجَبُ بشىءٍ بجمالِ شخصٍ ، بجمالِ عينَيْهِ أوْ يدِهِ أوْ نشاطِهِ في المشيِ فيتكلّمُ يَخْلُقُ اللهُ الضرَرَ في الشخصِ المنظورِ اليهِ تلكَ النظرة الخبيثة لأنّ الإصابةَ بالعينِ لا تحصُلُ إلا منْ نظرةِ حَسَدٍ . أما النظرةُ البريئةُ فلا يَحصلُ منها الإصابةُ بالعينِ ، والشيطانُ أيضًا تلكَ الساعةَ يلاحِظُ أنّ هذا الإنسانَ ضَرَبَ هذا الإنسانَ بعينِهِ فيُصيبُ ذلكَ الإنسانَ فيزدادُ الضرَرُ في هذا الشخصِ الذي أصيبَ بالعينِ كما دلَّ على ذلكَ قولُهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: “العينُ حقٌّ يحضٌرٌها الشيطانٌ وحَسَدُ بني ءادمَ “ .
أمّا لوْ قالَ الشخصُ عندَ النظرِ إلى الشىءِ الذي يُعجِبُهُ: “اللهمّ باركْ فيهِ ولا تَضُرَّهُ” ونحو ذلكَ فلا يحصُلُ بعينِهِ ضَرَرٌ للشخصِ ، يكونُ حَصّنَ ذلكَ الإنسانَ حتى لا يَنْضَرَّ بعينِهِ .
وروى الحاكِمُ أنّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ قالَ : ” مَنْ وَجَدَ في نَفْسِهِ أوْ مالِهِ أوْ ولدِهِ ما يُعْجِبُهُ فلْيَدْعُ بالبرَكَةِ فإنَّ العينَ حقٌّ “ .
فيفهم من هذا الحديث أيضًا أن الشخص قد يصيب نفسه بالعين إذا نظر إلى نفسه نظرة العجب والكبر وتكلم عن نفسه على هذا الوجه.
وعلامة العين أن الإنسان قد يكون بحالة الصحة لا يشكو شيئا فإذا به يصاب على الفور بسخونة أو وجع العين وقد يعمى كما حصل للقارىء المشهور الشيخ محمد رفعت المصري صاحب الصوت الجميل فقد قيل إنه في صغره كان يمشي مع أبيه فأعجب رجل بحسن عينيه فقال هذا كأولاد الملوك، فمن هناك أصيب حتى عمي وبقي عمره أعمى ، وأناس صاروا مفلوجين من إصابة العين ، وأناس ركبتهم السخونة إلى غير ذلك من أشكال وألوان من الأمراض وكلها سببها العين .
وقد روى سيدنا علي رضي الله عنه أن الحسن والحسين عليهما السلام أصيبا بالعين فمرضا فاكتأب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمّا أصابهما، فجاءه جبريل فقال له: “يا محمد إني أراك مكتئبا” فقال : “إن الحسن والحسين مصابان” فقال له: “عوذهما” فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بِمَ أعوذهما؟” فقال له جبريل: “قل: “اللهمَّ ذا السلطانِ العظيمِ والمنِّ القديمِ ذا الرحمةِ الكريمِ وليَّ الكلماتِ التامّاتِ والدعواتِ المستجاباتِ عافِ حسنًا وحسينًا من أنفس الجن وأعين الإنس” فرقاهما رسول الله بما علمه جبريل من هذا التعويذ فقاما يلعبان ما بهما شىء .
فإن قرأ الشخص هذا الدعاء لنفسه يقول “عافني” وإن كان الذي أصيب بالعين ولده أو زوجته فليقلْ عاف فلانا أو فلانة. فقد روي عن سيدنا عليّ رضي الله عنه أنه قال: “عَوِّذوا بهؤلاءِ الكلماتِ أنفسَكُمْ ونساءكُمْ وأولادَكُم “ . رواه البيهقي.
وهذا التعويذ الذي علمه جبريل لرسول الله فيه ثواب ، وإذا حصّن الشخص نفسه به ينفعه بإذن الله حتى قبل أن يصاب بالعين. “اللهمَّ ذا السلطانِ العظيمِ والمنِّ القديمِ ذا الرحمةِ الكريمِ وليَّ الكلماتِ التامّاتِ والدعواتِ المستجاباتِ عافِني منْ أنفسِ الجنِّ وأعينِ الإنسِ “ .
وفي الختام إخوة الإيمان، أذكركم بعقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يحصل ضرر ولا نفع إلا بخلق الله ، إلا بمشيئة الله، ثم الذي لا يصدق بوجود الإصابة بالعين فهو فاسق لكن لا نكفره إلا أن يكون إنكاره على وجه العناد للشرع ، أي علم أنّ هذا من الشرع أي ثبت في الشرع ومع ذلك أنكره .
اللهم احفظ علينا ديننا الذي جعلته عصمة أمرنا ، اللهمّ ذا السلطان العظيم والمنِّ القديم ذا الرحمة الكريم وليّ الكلمات التامّات والدعوات المستجابات عافنا من أنفس الجن وأعين الإنس يا أرحم الراحمين.
هذا وأستغفرُ الله لي ولكُم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.