العقيــدة
الحمد لله ثم الحمد الله ، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد ، احمده تعالى وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا . والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقرة أعيننا أحمد بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه سراجًا وهاجًا وقمرًا منيرًا فهدى الله به الأمّة وكشف به عنها الغمّة وبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله .
أما بعد عباد الله ، فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العليّ العظيم فاتقوه . واعلموا أنّ الله تعالى يقول في القرءان الكريم : {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} .
أيها الأحبة الكرام ، لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالثبات على الإيمان حتى الموت ، لأنّ بذلك النجاة من الخلود الأبدي في النار ، لأنّ من مات على عقيدة فاسدة مخالفة لدين الله أو وقع في كفرية واحدة ومات قبل الرجوع عنها فهذا مآله نار جهنم خالدًا فيها، لا ينقطع في الآخرة عنه العذاب إلى ما لا نهاية وما هو بخارج من النار كما أخبر سبحانه وتعالى في القرءان الكريم بقوله: {إنّ الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيرًا خالدين فيها أبدًا لا يجدون وليًا ولا نصيرًا} .
فالثبات على عقيدة أهل الحقِّ أهل السنّة والجماعة هو السبيل للنجاة في الآخرة ، لأنّ الإيمان بالله ورسوله هو الأصل الذي لا تصحّ الأعمال بدونه .
ومعنى الإيمان بالله هو أن يعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا بأنّ الله تعالى موجود لا شكّ في وجوده ولا أحد يستحقّ أن يُعبد أي أن يُتذلل له نهاية التذلل إلا الله ، لأنّ الله تعالى هو خالق العالم بأسره، هو الذي خلقنا وهو الذي يحفظ علينا وجودنا إلى الوقت الذي شاءه . ولا خالق لشىء من الأشياء إلا الله كما قال تعالى: {هل من خالق غير الله} .
ومن أصول الإيمان أيضًا أن يعتقد المسلم أنّ الله لا يشبه شيئًا من الموجودات، لا يشبه الإنسان ولا النبات ولا الجمادات ولا الملائكة ولا الجنّ ، ولا يشبه الهواء ولا الروح ، لا يشبه العوالم الكثيفة ولا العوالم اللطيفة .
ويجب اعتقاد أن الله ليس جسمًا، لأنه خالق الأجسام وخالق الأشياء كلها فلا يشبه شيئًا من خلقه .
ويجب على الإنسان أن يعتقد ان الله تبارك وتعالى كان قبل كل شىء، كان قبل السماوات والأرض ، وقبل الشمس والقمر والنجوم ، وقبل الظلمات والنور ، كان في الأزل وحده لأنه وحده الموجود الذي لا بداية لوجوده وكل ما سواه حدث بخلقه تعالى . فهو تعالى موجود لا يشبه شيئًا من العوالم ، لذلك قال الله تعالى : {ليس كمثله شىء} . هذا معنى الإيمان بالله تعالى .
أما الإيمان برسول الله ، فمعناه أن يعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا لا يخالطه شكّ بأنّ محمّدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله صادق في كل ما جاء به، وأنّ كل ما جاء به صحيح حقّ عدل ، ما جاء بشىء فيه ظلم ولا بشىء بخلاف الحكمة، بل كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّ وصدق وحكمة وعدل .
هذا معنى الإيمان بمحمد ، فمن اعتقد هذا صار مؤمنًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ءامن بالله ورسوله وثبت على ذلك إلى الممات فهذا لا بد أن يدخل الجنة وإن سبق له دخول النار بسبب المعاصي ، فالإيمان هو السبيل للنجاة من الخلود الأبديّ في النار .
وليُعلم أيها الأحبة أن معرفة أمور الإيمان طريق الخلاص لا يكون إلا بالعلم ، علم أهل السنّة الذي يؤخذ بالتلقي كما قال عليه الصلاة والسلام: “يا أيها الناس تعلّموا فإنما العلم بالتعلّم والفقه بالتفقّه فمن يرد الله به خيرًا يفقه في الدين “ . رواه الطبراني .
فهذا الحديث فيه حثّ على التعلم ، لأن العلم لا يؤخذ بقراءة الكتب، فكم من أناس اعتمدوا على المطالعة من غير تلقٍ ففهموا ما يعارض دين الله تبارك وتعالى فضلّوا وأضلّوا . وقد قال الله تبارك وتعالى : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} .
فالله تعالى أمرنا في القرءان الكريم وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام بطلب العلم ، لذلك فقد وردت أحاديث كثيرة تبين أهمية طلب علم الدين وأن ذلك يكون بالتلقي في مجالس أهل العلم الذين يعلّمون الحقّ وما يوافق كتاب الله وسنّة نبيه ، وهناك أحاديث كثيرة تبين أهمية التعليم أيضًا لأن الإنسان إذا تعلم الحق فمطلوب أن يعلمه للناس . فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي: “نضّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها” .
فهذا الحديث فيه أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لمن يسمع حديثه فيعيه ثم لا يغيّره ولا يبدّله ثم يبلّغه غيره بنضرة الوجه أي بحسن وجهه يوم القيامة أي بالسلامة من الكآبة التي تحصل من أهوال يوم القيامة ، لأن يوم القيامة يوم الأهوال العظام والشدائد الجسام لذلك ربنا تبارك وتعالى قال: {مالك يوم الدين} .
هو الله تعالى مالك الدنيا والآخرة ، مالك كل شىء فإنما قال: {مالك يوم الدين} ليفهمنا عظم أمور ذلك اليوم ، الأمور التي تجري في الدنيا من الأهوال هي كلا شىء بالنسبة للأهوال التي تحصل يوم القيامة ، أي أن الشدائد التي تحصل ذلك اليوم أشدّ وأعظم من الشدائد التي تحصل في الدنيا ، فكل مصائب الدنيا كلا شىء بالنسبة لمصائب الآخرة وشدائد الآخرة . فالرسول دعا لمن تعلّم علم لدين بالتلقي وعلّمه غيره بأن يكون وجهه نضرًا حسنًا في ذلك اليوم العظيم .
وقد بيّن النبي أيضًا في أحاديث كثيرة عظيم ثواب حضور مجالس العلم : منها قوله عليه الصلاة والسلام: “ما من مسلم يأتي المسجد ليس له همّة إلا أن يتعلّم أو يعلّم إلا كان له أجر حجة وعمرة تامّتين” .
وقد روى مسلم حديثًا: ” إن لله ملائكة سيّارة فُضُلا يتتبّعون مجالس الذكر فأينما وجدوها قعدوا معهم وحفّ بعضهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء” . وفي نهاية الحديث: “يقول الله عز وجل قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا” قال : (أي النبي) فيقولون (أي الملائكة) : يا ربِّ فيهم عبدٌ فلان خطاء إنما مر فجلس معهم ، فيقول الله عزل وجل: وله غفرت هم القوم لا يشقى جليسهم” .
فنسأل الله أن يثبتنا على الحقِّ ويعلّمنا ما جهلنا وينفعنا بما علّمنا ويزيدنا علمًا .
هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.