الخميس مارس 28, 2024

العبادةُ أشرفُ الخصالِ: وقالَ بعضُهم: لَمَّا كانتِ العبادةُ أشرفَ الخصالِ والتسمي بها أشرفَ الخُطَطِ سَمَّى نبيَّه عبدًا ([1]) اهـ. فقدْ وردَ أنَّه لَمَّا وصلَ النبيُّ محمَّدٌ صلواتُ اللهِ عليهِ إلى الدرجاتِ العاليةِ والمراتبِ الرفيعةِ أوحى اللهُ تعالى إليهِ: ((يَاْ مُحَمَّدُ بِمَ أُشَرِّفُكَ؟ قَالَ: رَبِّ بَأَنْ تَنْسُبَنِي إِلَى نَفْسِكَ بِالْعُبُوْدِيَّةِ))([2]) فأنزلَ اللهُ فيهِ: ﱡﭐ   ([3]).

وللهِ درُّ القاضي عياضٍ المالكيِّ حيثُ قالَ: (الوافر)

وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًــا وَتِـيـــهًا

 

وَكِـدْتُ بِأَخْمَصِـــي أَطَـــأُ الثُّرَيَّـــا

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي

 

وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيًّــــا([4])

ثُمَّ إنَّ أولَ ما نطقَ بهِ عيسى عليهِ السلامُ وهوَ في المهدِ هوَ اعترافُه بالعبوديةِ، ﭧﭐﭨ ﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﲁ([5]) وقولُه هذا إقرارٌ منهُ بالعبوديةِ للهِ ربِّ العالمينَ.

         هذا وقد يَخْلِطُ البعضُ بينَ معنى العبادةِ السالفِ الذكرِ وبين التوسلِ بالنبيِّ ([6])، معَ أنه لا خَلْطَ بينهما عند ذوي العقولِ السليمةِ لأنَّ التوسلَ بالنبيِّ أو بغيرِه مِنَ الأنبياءِ أو بالأولياءِ والصالحينَ إنما هو مِن بابِ الأخذِ بالأسبابِ، ولا ضرَرَ في دينِ اللهِ مِنَ الأخذِ بالأسبابِ معَ اعتقادِ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو خالقُ المضارِّ والمنافعِ والأسبابِ والمسبَّبَاتِ وسائرِ ما يدخلُ في الوجودِ، فضلًا عن ورودِ مئاتِ الأدلةِ مِن آياتٍ وأحاديثَ وأقوالٍ مِن علماءِ المذاهبِ الأربعةِ وغيرِهم سلفًا وخلفًا في إثباتِ ذلك فأقولُ وباللهِ التوفيقُ:

        اعلمْ أنَّه لا دليلَ حقيقيٌّ يدلُّ على عدمِ جوازِ التوسلِ بالأنبياءِ والأولياءِ في حالِ الغَيبةِ أو بعدَ وفاتِهم بدعوى أنَّ ذلكَ عبادةٌ لغيرِ الله، لأنَّه ليسَ عبادةً لغيرِ اللهِ مجردُ النداءِ لحيٍّ أو مَيْتٍ، ولا مجردُ الاستغاثةِ بغيرِ اللهِ، ولا مجردُ قصدِ قبرِ نبيٍّ أو وليٍّ للتبرُّكِ، ولا مجردُ طلبِ ما لم تجْرِ به العادةُ بين الناسِ، ولا مجردُ صيغةِ الاستغاثةِ بغيرِ اللهِ تعالى، أي ليسَ ذلك شِرْكًا، لأنه لا يَنْطبِقُ عليه تعريفُ العبادةِ عند اللغويينَ، لأنَّ العبادةَ عندهم الطاعةُ معَ الخضوعِ.

       وأما معنى التوسلِ فهوَ: طلبُ حصولِ منفعَةٍ أوِ اندفاعِ مضرَّةٍ من اللهِ بذكرِ اسمِ نبيٍّ أو وليٍّ إكرامًا للمتوسَّلِ بهِ ([7]). قال ابنُ الأَثيرِ: الوسيلةُ هي في الأصْلِ ما يُتَوَصَّلُ به إلى الشيءِ ويُتَقرَّبُ به وجمعُها وسائِلُ يُقالُ: وسَلَ إليه وسيلةً وتوسَّلَ، والمرادُ به في الحديثِ القربُ من اللهِ تعالى ([8]). اهـ  فمجرَّدُ التوسُّلِ والاستغاثةِ بغيرِ اللهِ ليس شركًا وكذلك ليس مجرَّدُ التذللِ لمخلوقٍ عبادةً لغيرِ اللهِ وإلا لكَفَرَ كلُّ من يتذلَّلُ للملوكِ والعظماءِ ([9])، وقد ثبتَ أن معاذَ بنَ جبلٍ  عندما قَدِمَ من الشَّامِ سَجَدَ لرسولِ اللهِ ﷺ، فقالَ الرسولُ ﷺ: ((مَا هَذَا؟)) فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي رأيتُ أهلَ الشامِ يسجدونَ لبَطَارِقَتِهم وأساقِفَتِهم وأنتَ أولَى بذلكَ فقالَ: ((لا تَفْعَلْ، لَوْ كُنْتُ ءَامُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا))([10]) ولم يقلْ لهُ رسولُ اللهِ ﷺ كَفَرْتَ، ولا قالَ لهُ أَشْرَكْتَ معَ أنَّ سجودَه للنبيِّ ﷺ مظهرٌ كبيرٌ مِن مظاهِرِ التذللِ، فهؤلاءِ الذين يُكفِّرونَ الشخصَ لأنَّه قصدَ قبرَ الرسولِ أو غيرِه مِن الأولياءِ للتبركِ قدْ جَهِلُوا معنى العبادَةِ وخالفُوا ما عليه المسلمونَ، لأنَّ المسلمينَ سلفًا وخلفًا لم يزالوا يزورونَ قبرَ النبيِّ ﷺ، وليس معنى الزيارةِ للتبركِ أنَّ الرسولَ يخلُقُ لهم البركَةَ، بلِ المعنى أنَّهم يَرْجُونَ أنْ يخْلُقَ اللهُ لهمُ البركةَ بزيارتِهم لقبرِه الشريفِ ﷺ.

وأخرجَ الطبرانيُّ ([11]) في معجميهِ الكبيرِ ([12]) والصغيرِ ([13]) عن عثمانَ بنِ حنيفٍ  أنَّ رجلًا كان يختلفُ إلى عثمانَ بنِ عفانَ  في حاجةٍ له، فكان عثمانُ لا يلتفِتُ إليه ولا ينظرُ في حاجتِه ([14])، فلقِيَ عثمانَ بنَ حنيفٍ  فشكى إليهِ ذلكَ فقالَ: ائتِ الميضأةَ فتوضأْ ثم صلِّ ركعتينِ ثُمَّ قُلْ: “اللهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ وأتَوَجَّهُ إليكَ بنبينَا محمدٍ نبيِّ الرَّحْمَةِ، يا محمدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِتُقْضَى لي حَاجَتِي ” وتذكرُ حاجتَك، ورُحْ حتى أروحَ معك، فانطلَقَ الرجلُ فصنَعَ ما قال عثمانُ له، ثم أتى عثمانَ بنَ عفَّان ، فجاءَ البوَّابُ فأخذَه بيدِه فأدخلَه على عثمانَ بنِ عفّان فأجلسَه على الطِّنْفِسَةِ ([15]) فقال: ما حاجتُك؟ فذكرَ له حاجتَه فقضاها له، ثم قالَ له: ما ذكرتُ حاجتَك حتى كانت هذه الساعة، وقالَ له: ما كانَ لكَ حاجةٌ فأْتِنَا، ثم إنَّ الرجُلَ خرجَ مِن عندِه فلقيَ عثمانَ بنَ حُنيفٍ  فقالَ لهُ: جزاكَ اللهُ خيرًا ما كانَ ينظرُ في حاجتي ولا يلتفِتُ حتى كلَّمتَه فِيَّ، فقالَ عثمانُ بنُ حنيفٍ: واللهِ ما كلّمتُه ولكنْ شهدتُ رسولَ اللهِ ﷺ وقد أتاهُ ضريرٌ فشكَا إليهِ ذهابَ بصرِه، فقالَ لهُ النبيُّ : ((أَوَتَصْبِرْ))؟ فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنَّه ليسَ لي قائدٌ وقدْ شقَّ عليَّ، فقالَ لهُ النبيُّ : ((ائتِ الِميضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ادْعُ بِهَذِهِ الدَعَوَاتِ)) قالَ عثمانُ بنُ حنيفٍ : فواللهِ ما تفرَّقْنا ولا طالَ بنا الحديثُ حتى دخلَ علينا الرجلُ كأنَّه لم يكن بهِ ضُرٌّ قطُّ.اهـ قالَ الطبرانيُّ: والحديثُ صحيحٌ([16]).اهـ

        ففيه دليلٌ على جوازِ التوسَّلَ بالنبيِّ ﷺ في غيرِ حضرتِه كمَا فعلَ الأعمى، فقد ذهبَ إلى الميضأَةِ فتوضَّأَ وصلَّى ودعا باللفظِ الذي علَّمَه رسولُ اللهِ ﷺ، ثم دخلَ على النبيِّ ﷺ والنبيُّ لم يفارقْ مجلِسَه لقولِ راوي الحديثِ عثمانَ بنِ حنيفٍ : فواللهِ ما تفرَّقنا ولا طالَ بنا المجلسُ حتى دخلَ علينا الرجلُ كأنَّه لم يكنْ بهِ ضُرٌّ قطُّ.اهـ وفي الحديثِ أيضًا بشقِّه الآخَرِ الموقوفِ على الصحابيِّ الجليلِ عثمانَ بنِ حنيفٍ جوازُ التوسلِ بالنبيِّ ﷺ بعد وفاتِه، وفيه أيضًا جوازُ نداءِ النبيِّ ﷺ بقولِ “يا محمدُ ” مِن بابِ السببِ.

       فإن قيلَ: إنَّ الطبرانيَّ لم يصححْ بقولِهِ: “والحديثُ صحيحٌ” إلَّا الأصلَ وهو ما حصلَ بين النبيِّ ﷺ والأعمى ويسمَّى مرفوعًا، وأما ما حَصلَ بينَ عثمانَ بنِ حنيفٍ وذلك الرجلِ فلا يُسمَّى حديثًا لأنَّه حَصَلَ بعد النبيِّ ﷺ وإنما يُسمَّى موقوفًا.

فالجوابُ: أنَّ علماءَ الحديثِ يُطلقونَ الحديثَ على المرفوعِ والموقوفِ، وقد نَصَّ على ذلكَ غيرُ واحدٍ منهم كابنِ حجرٍ العسقلانيِّ([17]) ([18]) وابنِ الصلاحِ([19]) ([20]).

       ومِنَ الدليلِ على أنَّ مجرَّدَ الاستغاثَةِ بغيرِ اللهِ ليسَ شركًا ما أخرجَهُ البزَّارُ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ  عنْ رسولِ اللهِ ﷺ قالَ: ((إِنَّ للهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِيْنَ فِي الأَرْضِ سِوَىْ الحَفَظَة يَكْتُبُونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: أَعِيْنُوْا عِبَادَ اللهِ))([21]). قالَ الحافظُ الهيثميُّ([22]) رواه الطبرانيُّ ورجالُهُ ثقاتٌ” اهـ وحسَّنهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ  في أمالِيِّه مرفوعًا – أي أنَّه مِنْ قولِ الرسولِ ﷺ- وأخرجَه الحافظُ البيهقيُّ موقوفًا على ابنِ عباسٍ  بلفظِ: ((إِنَّ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ مَلائِكَةً سِوَى الْحَفَظَةِ يَكْتُبُونَ مَا سَقَطَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ بِأَرْضٍ فَلاةٍ فَلْيُنَادِ: أَعِينُوا عِبَادَ الله يَرْحَمْكُمُ اللهُ تَعَالَى)) ([23]). والروايةُ الأولى تُقّوِّي ما وردَ بمعناها في بعضِ الرواياتِ التي في إسنادِها ضعفٌ، وقدْ تقرَّرَ عندَ علماءِ الحديثِ أنَّ الحديثَ الضعيفَ يُعملُ بهِ في فضائلِ الأعمالِ والدعواتِ والسيرِ والتفسيرِ، كما ذكرَ الحافظُ النوويُّ ([24]).

     ومن الدليلِ على جوازِ التوسلِ بالأنبياءِ والصالحينَ حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ  الذي حسَّنهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ وغيرُه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ((اللهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هذا فَإِننِي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلاَ بَطَرًا، وَلا رِيَاءً وَلاَ سُمْعَةً خَرَجْتُ اتقَاءَ سَخَطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنَ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَكَّلَ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَأَقْبَلَ اللهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ([25]) حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهِ)) ([26]).

وروى البخاريُّ عن عبدِ الرحمنِ بنِ سعدٍ قالَ: ((خَدِرَتْ رجلُ ابنِ عُمَرَ  فقَالَ لهُ رجلٌ: اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ، فَذَهَبَ خَدَرُ رِجْلِهِ))([27]).

جوازُ التوسلِ بالأعمالِ الصَّالحةِ يُثْبتُ جوازَ التوسلِ بالذَّواتِ الفاضِلَةِ:

        ومما يدلُّ على جوازِ التوسلِ أيضًا ما صحَّ عنْ أبي عَبْد الرَّحْمَنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ ابْنِ الْخطَّابِ رضي الله عنهما قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نفر مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنَ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ تَعَالَى بِصَالِحِ أَعْمَالكُمْ ، قالَ رجلٌ مِنهُمْ: اللهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لَا أَغبِقُ([28]) قبْلهَما أَهْلًا وَلَا مالًا فَنَأَى([29]) بي طَلَبُ الشَّجَرِ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْتُ لَهُمَا غبُوقَهمَا([30]) فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ فَكَرِهْت أَنْ أُوقِظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِي أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ([31]) عِنْدَ قَدَمَيَّ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ([32]) فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة، فانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ)) ([33]) الحديثَ، فإذا كانَ التوسلُ بالعملِ الصالحِ جائزًا كما في الحديثِ السابقِ الذِكرِ فكيفَ لا يصحُّ بالذواتِ الفاضلةِ كذواتِ الأنبياءِ.

وأنقلُ فيما يلي مقالاتٍ مِن علماءِ المذاهِبِ الأربعةِ في تأييدِ ما ذكرتُ قبلُ:

مِنَ المالِكِيَّةِ : قالَ ابنُ الحاج المالكيُّ المعروفُ بإنكارِهِ للبدعِ في كتابِهِ المدْخلِ ما نصُّه: فالتوسلُ بهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ هوَ محلُّ حَطِّ أحمالِ الأوزارِ وأثقالِ الذنوبِ والخطايا، لأَنَّ بركةَ شفاعتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وعِظَمَها عندَ ربِّهِ لا يتعاظَمُها ذنبٌ إذ إنها أعظمُ مِن الجميعِ، فليستبشرْ مَن زارَهُ ويلجأْ إلى اللهِ تعالى بشفاعةِ نبيِّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ مَن لم يزُرْه، اللهمَّ لا تحرمْنا مِن شفاعتِهِ بحرمتِه عندك ءامينَ يا ربَّ العالمينَ. ومَن اعتقَدَ خلافَ هذا فهو المحرومُ ألم يسمعْ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ:     ﲪﲫ([34]) فَمَنْ جاءَهُ ووقفَ ببابِه وتوسَّلَ به وجد اللهَ توابًا رحيمًا لأَنَّ اللهَ عز وجل منزَّهٌ عن خُلْفِ الميعادِ، وقد وعدَ سبحانَه وتعالى بقَبُولِ التوبةِ لمن جاءه ووقفَ ببابِه وسألَهُ واستغفَرَ ربَّهُ، فهذا لا يَشُكُّ فيه ولا يرتابُ إلا جاحدٌ للدينِ معانِدٌ لله ولرسولِه ﷺ نعوذُ باللهِ من الحِرمانِ([35]) انتهى كلامُ ابنِ الحاج.

مِنَ الحَنَابِلَةِ: ذكر المرداويُّ الحنبليُّ في كتابِ الإنصافِ تحتَ عنوانِ “فوائدُ” ما نصُّه: ومنها (أي ومن الفوائدِ) يجوزُ التوسُّلُ بالرجلِ الصالحِ على الصحيحِ مِنَ المذهَبِ وقيل يُستحبُّ. وقدْ قالَ الإمامُ أحمدُ  للمروَذِيِّ: يَتوسَّلُ -أي الداعي عند القَحْطِ وقلةِ المطرِ أو انقطاعِه -بالنبيِّ ﷺ في دعائِه ([36])اهـ.

وفي كتابِ إتحافِ السَّادةِ المتَّقينَ بشرحِ إحياءِ علومِ الدينِ ما نصُّه: “وكانَ صَفْوانُ بنُ سُلَيمٍ المدنيُّ أبو عبدِ اللهِ وقيل أبو الحارثِ القُرَشِيُّ الزُهْرِيُّ الفقيهُ العابدُ، وأبوه سُليمٌ مولى حُميدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ ، قال أحمدُ بنُ حنبلٍ : هو يُستسقَى بحديثِه ويَنزِلُ القَطْرُ من السماءِ بذكرِهِ وقال مَرَّةً: هو ثقةٌ مِن خِيارِ عبادِ اللهِ الصالحينَ قالَ الوَاقِديُّ وغيرُه: ماتَ سنةَ اثنتينِ وثلاثينَ ومائة عنِ اثنتينِ وسبعينَ سنةً ([37])اهـ

مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: في فتاوى شمسِ الدينِ الرَّمْلِيِّ ما نصُّه: سُئِلَ عما يقعُ مِن العامَّةِ مِن قولِهم عندَ الشدائدِ: يا شيخُ فلانُ، يا رسولَ الله ونحوِ ذلك مِن الاستغاثَةِ بالأنبياءِ والمرسلينَ والأولياءِ والعلماءِ والصَّالحينَ فهلْ ذلكَ جائِزٌ أم لا؟ وهل للرسلِ والأنبياءِ والأولياءِ والصَّالحينَ والمشايخِ إغاثَةٌ بعد موتِهم؟ وماذَا يُرَجِّحُ ذلك؟

فأجابَ: بأَنَّ الاستغاثةَ بالأنبياءِ والمرسلينَ والأولياءِ والعلماءِ والصالحينَ جائزةٌ، وللرسلِ والأنبياءِ والأولياءِ والصالحينَ إغاثةٌ بعدَ موتِهم، لأنَّ معجزةَ الأنبياءِ وكراماتِ الأولياءِ لا تنقطِعُ بموتِهم، أما الأنبياءُ فلأنَّهم أحياءٌ في قبورِهم يُصَلُّونَ كما وردتْ بهِ الأخبارُ، وتكونُ الإغاثةُ منهم معجزةً لهم، وأما الأولياءُ فهي كرامةٌ لهم فإِنَّ أهلَ الحقِّ على أنَّه يقَعُ مِنَ الأولياءِ بقصْدٍ وبغيرِ قصدٍ أمورٌ خارقةٌ للعادَةِ يُجريها اللهُ تعالى بسبَبِهم ([38]) اهـ.

مِنَ الحَنَفِيَّةِ: قالَ نورُ الدينِ مُلَّا عليٌّ القاري ما نَصُّه: قالَ شيخُ مشايخِنا علَّامَةُ العلماءِ المتبَحِّرينَ شمسُ الدينِ بنُ الجَزَرِيِّ([39]) في مقدمةِ شرحِهِ للمَصابيحِ: إنِّي زرتُ قبرَهُ بنيسابورَ (يعني مسلمَ بنَ الحجاجِ القشيريَّ ) وقرأتُ بعضَ الصحيحِ على سبيلِ التَّيمُنِ والتَّبرُّكِ عندَ قبرِه، ورأيتُ ءاثارَ البركةِ ورجاءَ الإجابةِ في تُرْبَتِهِ ([40])اهـ.



 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج1 ص231.([1])

 التفسير الكبير للرازي ج 20 ص 297.([2])

 سورة الإسراء / 1.([3])

([4]) حاشية القليوبي وعميرة على شرح العلامة جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للنووي.اهـ ج 1 ص 7.

سورة مريم / 30. ([5])

([6]) وخلطهم هذا أدى بهم إلى تكفير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها واستحلال دماءهم.

([7]) قال الرازي: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير والجمع الوسيل و الوسائل، و التوسيل والتوسل واحد يقال وسل فلان إلى ربه وسيلة بالتشديد و تَوَسَّل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل.اهـ مختار الصحاح للرازي باب الواو (وسل).

النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير باب الواو مع السين (وسل). ([8])

([9]) أليس الواحد منا يتذلل لوالديه من باب الاحترام وهو فعل ممدوح شرعا قال تعالى: ﭐﱡﭐﲢ  ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲮ سورة الإسراء / 24، فلو كان مجرد التذلل شركا لما أمرنا الله به لوالدينا.

الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (6/186-187)، سنن ابن ماجهْ: كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة. ([10])

([11]) وقد أخرج هذا الحديث نحوٌ من خمسين حافظا ومحدثا وفقيها من علماء الأمة المحمدية، ونص على صحته أو نقل تصحيحه أكثر من خمسة عشر، أذكر ممن رواه أو صححه: الإمام أحمد في مسنده ج 5 ص 128، النسائي في السنن الكبرى ج 6 ص 169، الحاكم في مستدركه على الصحيحين ج 1 ص 700، المنذري في الترغيب والترهيب ج 1 ص 272، الهيثمي في مجمع الزوائد ج 2 ص 565، وغيرهم الكثير.

المعجم الكبير ج9 ص30. ([12])

المعجم الصغير ص201-202. ([13])

([14])  لأنه كان ينساها أو أنه ينشغل وليس تكبرا، ويبين هذا المعنى قوله له في تتمة الحديث: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة.

 ([15]) قال ابن الأثير: البساطُ الذي له خَمْل رَقيق، وجمعُه طَنَافِس.اهـ النهاية في غريب الحديث باب الطاء مع النون.

([16])  المعجم الكبير للطبراني ج9 ص17- 18، والمعجم الصغير ص 201- 202.

 ([17]) قال السيوطي: شيخ الإسلام وإمام الحفاظ في زمانه شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي الكناني العسقلاني ثم المصري الشافعي ولد سنة 773هـ  فطلب الحديث من سنة 794هـ  ولازم شيخه الحافظ أبا الفضل زين الدين العراقي وبرع في الحديث وأملى أكثر من ألف مجلس توفي سنة 852هـ اهـ  طبقات الحفاظ للسيوطي ج1 ص 552.

تدريب الراوي للسيوطي ج1 ص42. ([18])

  ([19]) ابْن الصّلاح الإِمَام الْحَافِظ أَبُو عَمْرو صَاحب كتاب عُلُوم الحَدِيث درس بالصلاحية ثمَّ قدم دمشق وكان أحد فضلاء عصره فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه حسن الِاعْتِقَاد مَاتَ سنة 643هـ. اهـ طبقات الحفاظ للسيوطي ص503.

مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ص23. ([20])

كشف الأستار عن زوائد البزار ج 4 ص 34. ([21])

مجمع الزوائد ج 10 ص 132. ([22])

شعب الإيمان للبيهقي ج 1 ص 445. ([23])

 ([24]) قال النووي: الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء.اهـ المجموع للنووي ج 3 ص 128 .

أي رضي الله عنه. ([25])

نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار ج1 ص 168. ([26])

([27]) الأدب المفرد للبخاري باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله ص 324، الأذكار للنووي ج1 ص305.

 أي كنت لا أقدم في شرب الماء. ([28])

 أي بَعُدَ. ([29])

الغبوق: الطعام الذي يكون في النصف الأخير من النهار كالذي يؤكل العصر. ([30])

يصيحون من الجوع. ([31])

أي ذاتك لا لغرض آخر دنيوي، ونقول أيضا عملت كذا لوجه الله أي طلبا للأجر من الله. ([32])

([33]) صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

سورة النساء / 64. ([34])

المدخل لابن الحاج المالكي ج1-ص260/259. ([35])

الإنصاف للمرداوي ج2 ص456. ([36])

إتحاف السادة المتقين ج10 ص130. ([37])

فتاوى الرملي بهامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي ج4/ص382. ([38])

([39])  أحمد بن محمد  أبو بكر ابن الجزري القرشي الشافعيّ مقرئ دمشقي المولد والوفاة. أخذ عن أبيه وغيره وسمع القراءات الاثنتي عشرة وتصدر للتدريس، ومات بعد أبيه المتوفى سنة 833 بقليل .اهـ الأعلام ج 1 ص 227.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري ج 1 ص 19. ([40]