الجمعة مارس 29, 2024

العارف بالله الشيخ أحمد الرفاعي


ترجمته:
هو السيد الشريف مرشد الإسلام صاحب منقبة تقبيل يد الرسول الأمين، سيدنا أبو العباس الشيخ أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه ابن السيد السلطان علي أبي الحسن دفين بغداد ابن السيد يحيى المغربي ابن السيد الثابت ابن السيد الحازم ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد أبي المكارم رفاعة الحسن المكي ابن السيد المهدي ابن السيد محمد أبي القاسم ابن السيد الحسن ابن السيد الحسين أحمد ابن السيد موسى الثاني ابن الإمام إبراهيم المرتضى ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الشهيد المظلوم الحسين السبط ابن الإمام علم الإسلام زوج البتول أم الحسنين عليها السلام سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي عنه.

وقد ثبتت نسبته من جهة أمه أيضًا إلى سيدنا الحسين ابن فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ويتصل نسبه بأمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه من جهة جده الإمام جعفر الصادق لأن أم الإمام جعفر الصادق هي فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ولد رضي الله عنه سنة خمسمائة واثني عشرة للهجرة في العراق في البطائح، والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة، وفي السابعة من عمره توفي أبوه في بغداد، فكفله خاله الشيخ الزاهد القدوة منصور البطائحي وقد رباه تربية دينية وأحسن تربيته.

والإمام الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية، وهذه إحدى الطرق التي أحدثها أكابر الأولياء كالجيلاني والنقشبندي وغيرهم رضوان الله عليهم، وهي من البدع الحسنة وإن شذ بعض المنتسبين إليها فهذا لا يقدح في الأصل.

نشأته العلمية ومشايخه:
نشأ الإمام الرفاعي منذ طفولته نشأة علمية وأخذ في الانكباب على العلوم الشرعية، فقد درس القرءان العظيم وترتيله على الشيخ عبد السميع الحربوني في قريته وله من العمر سبع سنين. وانتقل مع خاله ووالدته وإخوته إلى بلدة “نهر دفلي” من قرى واسط في العراق وأدخله خاله على الإمام الفقيه الشيخ أبي الفضل علي الواسطي رضي الله عنه وكان مقرئًا ومحدثًا وواعظًا عالي الشأن. فتولى هذا الإمام أمره وقام بتربيته وتأديبه وتعليمه، فجدّ السيد أحمد الرفاعي في الدرس والتحصيل للعلوم الشرعية حتى برع في العلوم النقلية والعقلية، وأحرز قصب السبق على أقرانه وكان الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه يلازم دروس العلم ومجالس العلماء، فقد كان يلازم درس خاله الشيخ أبي بكر أحد علماء زمانه كما كان يتردد على حلقة خاله الشيخ منصور البطائحي، وتلقى بعض العلوم على الشيخ عبد الملك الحربني، وحفظ رضي الله عنه “كتاب التنبيه” في الفقه الشافعي للإمام أبي إسحاق الشيرازي وقام بشرحه شرحًا عظيمًا، وأمضى رضي الله عنه أوقاته في تحصيل العلوم الشرعية على أنواعها وشمر للطاعة وجدّ في العبادة حتى أفاض الله عليه من لدنه علمًا خاصًا حتى صار عالمًا وفقيهًا شافعيًا وعالمًا ربانيًا رجع مشايخه إليه وتأدّب مؤدبوه بين يديه.

وكان الشيخ الجليل أبو الفضل علي محدث واسط وشيخها قد أجاز الإمام أحمد الرفاعي وهو في العشرين من عمره إجازة عامة بجميع علوم الشريعة والطريقة وأعظم شأنه ولقبه “بأبي العلمين” أي الظاهر والباطن، لما أفاض الله عليه من علوم كثيرة حتى انعقد الإجماع في حياة مشايخه واتفقت كلمتهم على عظيم شانه ورفعة قدره.

وفي الثامن والعشرين من عمر الإمام أحمد الرفاعي الكبير عهد إليه خاله الشيخ منصور بمشيخة الشيوخ ومشيخة الأروقة المنسوبة إليه وامره بالإقامة في أم عبيدة برواق جده لأمه الشيخ يحيى النجاري والد الشيخ منصور الذي تولى كفالته وتعليمه منذ طفولته.

مناقب الإمام الرفاعي:
أثنى عليه الإمام أبو القاسم عبد الكريم الرافعي إمام الشافعية المعروف بوفور العلم والزهد والكرامة، قال رحمه الله في كتابه “سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين” في الثناء على الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه ما نصه: “حدثني الشيخ أبو شجاع الشافعي فيما رواه قائلاً: كان الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه علمًا شامخًا وجبلاً راسخًا وعالمًا جليلاً محدثًا فقيهًا مفسرًا ذا روايات عالية وإجازات رفيعات قارئًا مُجوّدًا حافظًا مُجيدًا حجة متمكنًا في الدين سهلاً على المسلمين، صعبًا على الضالين، هينًا لينًا هشًا بشًا لين العريكة، حسن الخلق، كريم الخُلق، حلو المكالمة لطيف المعاشرة لا يمله جليسه، ولا ينصرف عن مجالسه إلا لعبادة، حمولاً للأذى، وفيًا إذا عاهد، صبورًا على المكاره، متواضعًا من غير ذلة، كاظمًا للغيظ من غير حقد، أعرف أهل عصره بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بها، بحرًا من بحار الشرع، سيفًا من سيوف الله، وارثًا أخلاق جده رسول الله صلى الله عليه وسلم” اهـ.

وقال الرافعي أيضًا: “وقال لي شيخنا عمر الفاروثي أخبرني الشيخ بدر الأنصاري عن الشيخ الإمام منصور البطائحي الرباني قال: “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قبل ولادة ابن أختي الشيخ أحمد الرفاعي بأربعين يومًا في الرؤيا فقال لي: يا منصور أُبشرك أن الله يعطي أختك بعد أربعين يومًا ولدًا يكون اسمه أحمد الرفاعي، مثلما أنا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء، وحين يكبر خذه إلى الشيخ علي القارئ الواسطي وأعطه له كي يربيه لأن ذلك الرجل عزيز عند الله ولا تغفل عنه، فقلت: الامر أمركم يا رسول الله عليك الصلاة والسلام. وكان الأمر كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الرافعي أيضًا: “أخبرني الفقيه العالم الكبير أبو زكريا يحيى ابن الشيخ الصالح يوسف العسقلاني الحنبلي قال: كنت في أم عبيدة زائرًا عند السيد أحمد الرفاعي وفي رواقه وحوله من الزائرين أكثر من مائة ألف إنسان، فيهم من الامراء والعلماء والشيوخ والعامة، وقد احتفل بإطعامهم وإكرامهم وحسن البشر لهم كل على حاله، وكان يصعد الكرسي بعد الظهر فيعظ الناس، والناس حلقًا حلقًا حوله. فصعد الكرسي ظهر خميس، وفي مجلسه وعاظ واسط وجم غفير من علماء العراق وأكابر القوم فبادره قوم بأسئلة من التفسير وءاخرون بأسئلة من الحديث وجماعة من الفقه وجماعة من الخلاف وجماعة من الأصول وجماعة من علوم أخر، فأجاب عن مائتي سؤال من علوم شتى ولن يتغير حاله حال الجواب ولا ظهر عليه أثر الحدة، فأخذتني الغيرة من سائليه فقمت وقلت: أما كفاكم هذا والله لو سألتموه عن كل علم دُوِّن لأجابكم بإذن الله بلا تكلف، فتبسم وقال: دعهم يا أبا زكريا فليسألوني قبل أن يفقدوني فإن الدنيا زوال والله محوّل الأحوال. فبكى الناس وتلاطم المجلس بأهله وعلا الضجيج ومات في المجلس خمسة رجال وأسلم من الصابئين والنصارى واليهود ثمانية ءالاف رجل أو أكثر وتاب أربعون ألف رجل”.

قال الرافعي أيضًا: “أخبرني الشيخ العدل أبو موسى الحدادي قال أخبرني الشيخ أبو محمد جمال الدين الخطيب أن بنتًا في الحدادية يقال لها فاطمة، كانت أمها لا يولد لها ولد، فنذرت إن رزقها الله ولدًا أن تجعله ما دام حيًا في خدمة من يَرِد الحدادية من فقراء سيدنا الشيخ أحمد الرفاعي، فبعد مدة يسيرة قدَّر الله فحملت، فلما وضعت وأتت بالمولود إذا هي بنت حدباء فلما كبرت وءان أوان مشيها إذا بها عرجاء، ثم سقط شعر رأسها لعاهة، ففي يوم من الأيام حضر السيد أحمد الكبير رضي الله عنه الحدادية فاستقبله أهلها، والعرجاء فاطمة بين الناس مع النساء وبنات الحدادية يستهزئن بها، فلما أقبلت على سيدنا الشيخ أحمد قالت: أي سيدي أنت شيخي وشيخ والدتي وذخري أشكو إليك ما أنا فيه لعل الله ببركة ولايتك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعافيني مما أنا فيه فقد زهقت [تعبت] روحي من استهزاء بنات الحدادية فأخذته الشفقة عليه وبكى رحمة لحالها ثم ناداها: أدني مني. فدنت منه فمسح بيده المباركة على رأسها وظهرها ورجليها فنبت بإذن الله شعرها وذهب احديدابها وتقومت رجلاها وحسن حالها”.

كرامته بتقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الرافعي في كتابه الذي ألفه في الثناء على الإمام الرفاعي فسماه “سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين” ما نصه: “أخبرني شيخنا الإمام الحجة القدوة أبو الفرج عمر الفاروثي الواسطي قال: حج سيدنا وشيخنا السيد أحمد الرفاعي عام خمس وخمسين وخمسمائة فلما وصل إلى المدينة وتشرف بزيارة جده عليه الصلاة والسلام وقف تجاه حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ووقفنا خلف ظهره فقال: السلام عليك يا جدي فقال له عليه أفضل صلوات الله: وعليك السلام يا ولدي، فتواجد لهذه النغمة [أي لحسن الصوت] وقال منشدًا:

في حالة البعد روحي كنت أرسلها *** تُقبّل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت *** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

فمدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة من قبره الكريم فقبلها في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل، والناس ينظرون يد النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه، وكان فيمن حضر الشيخ حياة بن قيس الحراني والشيخ عبد القادر الجيلي والشيخ عدي الشامي وشاهدوا ذلك هم وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين” اهـ.

والرافعي المذكور وصفه التاج السبكي في “طبقات الشافعية” بقوله: “كان الإمام الرافعي متضلعًا في علوم الشريعة تفسيرًا وحديثًا وأصولاً مترفعًا على أبناء جنسه في زمانه نقلاً وبحثًا وإرشادًا وتحصيلاً. وأما الفقه فهو فيه عمدة المحققين وأستاذ المصنفين، كأنما كان الفقه ميتًا فأحياه وأنشره وأقام عماده بعدما أماته الجهل فأقبره”.

وكذلك ترجمه [أي الرافعي] صاحبُ مختصر تلخيص الأسدي في طبقات الشافعية وأثنى عليه ثناءً عظيمًا.

وقد روى هذه الحادثة المشهورة الجلال السيوطي في رسالته التي ألفها في الثناء على السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه سماها “الشرف المحتم فيما منَّ الله به على وليد السيد أحمد الرفاعي من تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم” قال ما نصه: “حدثنا شيخنا شيخ الإسلام الشيخ كمال الدين إمام الكاملية عن شيخ مشايخنا الإمام العلامة الهمام الشيخ شمس الدين الجزري عن شيخه الإمام الشيخ زين الدين المراغى عن شيخ الشيوخ البطل المحدُ الواعظ الفقيه المفسر الإمام القدوة الحجة الشيخ عز الدين أحمد الفاروثي الواسطي عن أبيه الأستاذ الأصيل العلامة الجليل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم الفاروثي عن أبيه إمام الفقهاء والمحدثين وشيخ أكابر الفقراء “الصوفية” والعلماء العاملين الشيخ عز الدين عمر أبي الفرج الفاروثي الواسطي قُدّست أسرارهم أجمعين قال: “كنت مع شيخنا ومَفْزعنا [ملجئنا] وسيدنا أبي العباس القطب الغوث الجامع الشيخ أحمد الرفاعي الحسيني رضي الله عنه عام خمس وخمسين وخمسمائة، العام الذي قدر الله له فيه الحج، فلما وصل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف تجاه حجرة النبي عليه الصلاة والسلام وقال على رءوس الأشهاد: السلام عليك يا جدي، فقال له عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام يا ولدي، سمع ذلك كل من في المسجد النبوي فتواجد سيدنا السيد أحمد وأرعد واصفر لونه وجثا على ركبتيه ثم قام وبكى وأنّ طويلاً وقال يه جداه:

في حالة البعد روحي كنت أرسلها *** تُقَبّلُ الارض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت *** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

فمدَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة العطرة من قبره الأزهر المكرم فقبلها في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل، والناس ينظرون اليد الشريفة، وكان في المسجد مع الحجاج الشيخ حياة بن قيس الحراني والشيخ عبد القادر الجيلي المقيم ببغداد والشيخ خميس والشيخ عدي بن مسافر الشامي وغيرهم نفعنا الله بعلومهم وشرفنا معهم برؤية اليد المحمدية الزكية، وفي يومها لبس الشيخ حياة بن قيس الحارني خرقة السيد أحمد الكبير واندرج في سلك أصحابه”.

ومن ثم ساق السيوطي إسناد هذه القصة من عدة طرق أخر ثم قال: “ومن المعلوم أن هذه المنقبة المباركة بلغت بين المسلمين مبلغ التواتر وعلت أسانيدها وصحت رواياتها واتفق رواتها، وإنكارها من شوائب النفاق معاذ الله. ثم ذكر ردًا على سؤال: هل يعني ذلك أن الرفاعي دخل في تعداد الصحابة لرؤيته يد النبي صلى الله عليه وسلم وكذا الزوار؟ فأجاب: والأصح عدم الدخول. وبهذا قال السخاوي وغيره لأن الحجة استمرار حياته عليه الصلاة والسلام وهذه الحياة أخروية ليست بدنيوية لا تتعلق بها أحكام الدنيا”.

كما أن اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء بعد وفاتهم في الأقصى ليلة الإسراء لا يعني دخولهم في تعداد الصحابة.

والمعلوم أن السيوطي هذا أجيز بالإفتاء والتدريس حتى بلغ أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعًا واحدًا وخمسين، وصنّف المصنفات الكثيرة حتى بلغت ما يقارب خمسمائة مؤلف فاشتهرت مؤلفاته في أقطار الأرض فتأمل.

زهده وتواضعه:
كان الإمام أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه متواضعًا في نفسه خافضًا جناحه لإخوانه غير مترفع وغير متكبر عليهم، وروي عنه أنه قال: “سلكت كل الطرق الموصلة فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الافتقار والذل والانكسار”. فقيل له: يا سيدي فكيف يكون. قال: “تعظم أمر الله، وتشفق على خلق الله وتقتدي بسنة سيدك رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وكان رضي الله عنه يخدم نفسه، ويخصف نعله، ويجمع الحطب بنفسه ويشده بحبل ويحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين وأصحاب الحاجات، ويقضي حاجات المحتاجين ويقدم للعميان نعالهم ويقودهم إذا لقي منهم أناسًا إلى محل مطلوبهم، وكان رضي الله عنه يمشي إلى المجذومين والزمنى ويغسل ثيابهم ويحمل لهم الطعام، ويأكل معهم ويجالسهم ويسألهم الدعاء، وكان يعود المرضى وإذا سمع بمريض في قرية ولو على بعد يمضي إليه ويعوده. وكان شفيقًا على خلق الله يرأف باليتيم. ويبكي لحال الفقراء ويفرح لفرحهم، وكان يتواضع كل التواضع للفقراء.

وقد قال مشايخ أهل عصره: “كل ما حصل لابن الرفاعي من المقامات إنما هو من كثرة شفقته على الخلق وذل نفسه رضي الله عنه”. وكان رضي الله عنه يعظم العلماء والفقهاء ويأمر بتعظيمهم واحترامهم ويقول: “هؤلاء أركان الأمة وقادتها”.

فضل الرفاعية:
ثم إن ما عُرف عن أتباع الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه من دخول الأفران الحامية ورقود بعضهم في بعض جوانب الفرن والخباز يخبز في الجانب الآخر، ودخولهم النار العظيمة ونحو ذلك فإنها ليست أحوالاً شيطانية كما يقول نفاة التوسل وابن تيمية الحراني بل هي أحوال سامية.

وقد ثبت أن إبراهيم الخليل عليه السلام ما أثرت فيه تلك النار العظيمة وهي معجزة له، والقاعدة أن كل معجزة لنبي صح أن تكون كرامة لولي إلا ما كان من خصائص النبوة، وهذا أبو مسلم الخولاني اشتهر عنه أنه رماه الأسود العنسي المتنبي في النار ثلاث مرات فلم تؤثر فيه وهذه كرامة له. ثم بسبب مشايخ الرفاعية أسلم السلطان أحمد بن هولاكو ملك التتار.

واعلم يا أخي المسلم أن ابن الملقن ذكر في أواخر كتابه “طبقات الأولياء” قصيدة في مدح الإمام الرفاعي والرفاعية فقال:

إن الرفاعيين أصحاب الوفا *** والجود للعافي المُلِمِّ المزْملي
كم فيهم من عارف ذي همة *** أو صادق عن عزمه لم يفشلِ

ومن مزايا هذه الطريقة على غيرها مكافحة عقيدة الوحدة وعقيدة الحلول أكثر من غيرهم من أهل الطرق. وقد أخذ أهلها ذلك عن شيخ الطريقة الشيخ أحمد الرفاعي ثم اتبعه كل خلفاء طريقته إلى هذا العصر، فلهم بذلك فضل على غيرهم لأن هاتين العقيدتين من أخبث العقائد الكفرية. ثم إن الإمام الرفاعي رضي الله عنه لم يقتصر على إنكار اعتقادهما بل ينكر اللفظ بهما ولو من غير اعتقاد معنى الحلول والوحدة.

الإمام الرفاعي يحارب التشبيه:
قال الإمام أبو القاسم الرافعي رحمه الله عن الإمام الرفاعي أنه قال في الحلاج: “ما أراه رجلاً عارفًا ما أراه شرب ما أراه سمع إلا رنة أو طنينًا فأخذه الوهم من حال إلى حال من ازداد قربًا ولم يزدد خوفًا فهو ممكور يذكرون عنه أنه قال أنا الحق، أخطأ بوهمه لو كان على الحق ما قال أنا الحق”.

وقال الإمام الرفاعي رضي الله عنه: “لفظتان ثلمتان في الدين [أي ثغرة في الدين، هدم للدين] القول بالوَحدة والشطح المجاوز والشطح المجاوز حدَّ التحدث بالنعمة” فقوله هذا صريح في أن القول بالوحدة المطلقة مهلك لصاحبه لأن هذه الفرقة تعتقد أن هذا العالم هو الله.

وقال الإمام الرافعي رحمه الله: “وكتب رضي الله عنه [أي الإمام الرفاعي] كتابًا إلى الشيخ الاجلّ عبد السميع الهاشمي الواسطي قدس الله سره يوصيه به قال فيه: إياك والقول بالوحدة التي خاض بها بعض المتصوفة، وإياك والشطح”.

وقال أحمد الرفاعية ممن كان في أوائل القرن الرابع عشر الهجري وهو الشيخ العالم أبو الهدى الصيادي رحمه الله في رسالة له ما نصه: “تنبيه: من قال: “أنا الله” أو “لا موجود إلا الله” أو “ما في الوجود إلا الله” أو “هو الكل” فإن كان في عقله حُكِمَ بردته”.


تلاميذه والمنتسبون إليه بالطريقة:
كثُر تلاميذ الإمام أحمد الرفاعي الكبير في حياته وبعد مماته حتى قال ابن المهذب في كتابه “عجائب واسط”: بلغ عدد خلفاء السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وخلفائهم مائة وثمانين ألفًا حال حياته، ومن عظيم فضل الله على السيد الجليل أحمد الرفاعي أنه لم يكن في بلاد المسلمين مدينة أو بليدة أو قطر تخلو ربوعه وزواياه من محبيه وتلامذته العارفين المرضيين.

وكان غالب الأقطاب المشهورين في الأقطار الإسلامية ينتهون إليه من طريق الخرقة على الغالب لذلك لُقب الإمام أحمد رضي الله عنه بشيخ الطرائق وأستاذ الجماعة والشيخ الكبير إلى ءاخر ما هنالك من الألقاب.

ومن الذين ينتمون إليه: الشيخ الحافظ عز الدين الفاروثي، والشيخ أحمد البدوي، والعارف بالله أبو الحسن الشاذلي، والشيخ نجم الدين الأصفهاني شيخ الإمام الدسوقي، والشيخ أحمد علوان اليماني، والحافظ جلال الدين السيوطي، والشيخ عقيل المنبجي، والشيخ علي الخواص، وغيرهم كثيرون من الاقطاب والعلماء ومشايخ الطرق.

كتبه ومؤلفاته:
للسيد الإمام أحمد الرفاعي مؤلفات كثيرة أكثرها فقد في موقعة التتار، ومما وصل إلينا من كتبه: “حالة أهل الحقيقة مع الله” و”الصراط المستقيم” و”كتاب الحكم شرح التنبيه [فقه شافعي]” و”البرهان المؤيد” و”معاني بسم الله الرحمن الرحيم” و”تفسير سورة القدر” و”البهجة” و”النظام الخاص لأهل الاختصاص” و”المجالس المحمدية” و”الطريق إلى الله”.

وفاته رضي الله عنه:
عندما بلغ الإمام أحمد الرفاعي السادسة والستين من عمره مرض بداء البطن [الإسهال الشديد] وبقي رضي الله عنه مريضًا أكثر من شهر، وكان مع خطورة مرضه يتحمل الآلام الشديدة بدون تأوه أو شكوى، مستمرًا وثابتًا على تأدية الطاعات والعبادات التي اعتاد عليها قدر استطاعته إلى أن وافته المنية يوم الخميس الثاني عشر من شهر جمادى الأولى سنة خمسمائة وثماني وسبعين هجرية، ودفن في قبة جده لأمه الشيخ يحيى النجاري في بلدة أم عبيدة، وكان يومًا مهيبًا. رحم الله الإمام أحمد الرفاعي وأعلى مقامه في الجنة وأمدنا بأمداده وثبتنا على طريقته الشريفة.