الخميس نوفمبر 21, 2024

الطَّهَارَةُ وَالصَّلاةُ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ وَمَوَاقِيتِهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (فَمِنَ الْوَاجِبِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ)

   الشَّرْحُ أَنَّهُ لا صَلاةَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ هَؤُلاءِ الْخَمْسِ فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ نَوَافِلَ الصَّلَوَاتِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ وَغَيْرِهِمَا فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» فَمَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَ شَرِيعَتِي وَهُوَ كَارِهٌ طَرِيقَتِي الَّتِي جِئْتُ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا صَلاةَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ هَؤُلاءِ الْخَمْسِ وَأَنَّهُ لا مُؤَاخَذَةَ عَلَى الشَّخْصِ بِتَرْكِ النَّوَافِلِ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ حَدِيثُ  طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ثَائِرَ(الرَّأْسِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فَقَالَ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ» ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فَعَلَّمَهُ شَرَائِعَ الإِسْلامِ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالنُّبُوَّةِ لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلا أَنْقُصُ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ» أَيْ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنَ النَّوَافِلِ وَلا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَّمَهُ مَا هُوَ فَرْضٌ وَمَا هُوَ حَرَامٌ.

   وَإِذَا عُلِمَ هَذَا ظَهَرَ بُطْلانُ مَا شَاعَ عِنْدَ بَعْضِ الْعَوَامِّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّ الرَّسُولَ قَالَ مَنْ لَمْ يُصلِّ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّهُ قَالَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ سُنَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ قِطْعَةُ لَحْمٍ وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّهُ قَالَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ سُنَّتِي لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي يُرِيدُونَ بِهِ النَّوَافِلَ فَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَلالٌ وَلا يَنْفَعُهُمْ قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ حَثَّ النَّاسِ عَلَى النَّوَافِلِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الظُّهْرُ وَوَقْتُهَا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى مَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ غَيْرَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ وَالْعَصْرُ وَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الظُّهْرِ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبُ وَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ مَغِيبِ الشَّمْسِ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ وَالْعِشَاءُ وَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَالصُّبْحُ وَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

   الشَّرْحُ تَجِبُ مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامِهَا الضَّرُورِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ» أَيْ لِلصَّلاةِ حَسَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الأَمَالِي وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ زِيَادَةُ ذِكْرِ «النُّجُومِ» وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الآلاتِ الْمَوْضُوعَةُ لِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ بَلْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ بِالْمُرَاقَبَةِ الْعِيَانِيَّةِ. وَمَعْرِفَةُ الْمَوَاقِيتِ الأَصْلِيَّةِ الَّتِي عَلَّمَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَلا يَجُوزُ تَرْكُ تَعَلُّمِهَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَمِلَهُ النَّاسُ مِنْ تَعْيِينِ مَوَاقِيتَ لِلْمُدُنِ كَالْقَاهِرَةِ وَدِمَشْقَ وَحَلَبَ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ دُخُولَ الأَوْقَاتِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الْبُلْدَانِ. فَالظُّهْرُ أَوَّلُ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَانْتِهَاءُ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ زَائِدًا عَلَى ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ فَإِذَا صَارَ الظِّلُّ الْجَدِيدُ بَعْدَ طَرْحِ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ مِثْلَ الشَّىْءِ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ. وَظِلُّ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ. وَوَسَطُ السَّمَاءِ يُعْرَفُ عَلَى حَسَبِ تَحْدِيدِ الْجِهَاتِ بِالنَّجْمِ أَوْ بِالْبُوصِلَةِ الْمُجَرَّبَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا. نَجْمُ الْقُطْبِ مُهِمٌّ لِمَعْرِفَةِ الْجِهَاتِ الأَرْبَعِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ جِهَةَ الشَّمَالِ، يُضْبَطُ مَوْضِعُهُ فِي اللَّيْلِ وَتُغْرَزُ خَشَبَةٌ عَلَى اتِّجَاهِهِ ثُمَّ فِي النَّهَارِ يُنْظَرُ إِلَى الظِّلِّ عَلَى حَسَبِهِ. وَأَمَّا وَقْتُ الْمَغْرِبِ فَيَدْخُلُ بِمَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ كُلِّهِ وَيَنْتَهِي بِمَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ وَالشَّفَقُ الأَحْمَرُ هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَظْهَرُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فِي جِهَةِ الْغُرُوبِ. وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَيْ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ كُلِّهِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ. وَأَمَّا الصُّبْحُ فَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ أَيْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَالْفَجْرُ الصَّادِقُ هُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ الَّذِي يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَنْتَشِرُ وَيَتَوَسَّعُ. وَيَسْبِقُ الْفَجْرَ الصَّادِقَ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ وَهُوَ بَيَاضٌ عَمُودِيٌّ يَظْهَرُ فِي جِهَةِ الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ وَهُوَ لا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اقْتِرَابِ دُخُولِهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَتَجِبُ هَذِهِ الْفُرُوضُ فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ أَيْ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الأَوْقَاتِ وَإِيقَاعَ الصَّلاةِ فِيهَا لا قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا فَرْضٌ فَيَجِبُ أَدَاءُ كُلٍّ مِنَ الْخَمْسِ فِي وَقْتِهَا وَلا يَجُوزُ تَقْديِمُهَا عَلَى وَقْتِهَا أَيْ فِعْلُهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَلا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلا عُذْرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [سُورَةَ الْمَاعُون] وَالْمُرَادُ بِالسَّهْوِ عَنِ الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ تَأْخِيرُ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى فَتَوَعَّدَ اللَّهُ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِالْوَيْلِ وَهُوَ الْهَلاكُ الشَّدِيدُ.

وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْكَافِرَ لا يُقَالُ لَهُ صَلِّ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ إِنَّمَا يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ فَإِذَا أَسْلَمَ أَمَرْنَاهُ بِالصَّلاةِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ «بَالِغٍ» أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ بِحَيْثُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَمْرُهُ بِالصَّلاةِ مَتَى مَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ إِذَا كَانَ مُمَيِّزًا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ «عَاقِلٍ» أَنَّ الْمَجْنُونَ لا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ، وَالْمَجْنُونُ هُوَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ فَلا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ أَوْ يَقُولُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ «طَاهِرٍ» أَيْ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَيُقَالُ امْرَأَةٌ طَاهِرٌ وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيَحْرُمُ تَقْديِمُهَا عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرُهَا عَنْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ.

   الشَّرْحُ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الصَّلاةَ عَلَى  وَقْتِهَا لا تَصِحُّ صَلاتُهُ وَمَنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ عَصَى اللَّهَ بِتَأْخِيرِهِ. وَأَشَدُّ الْمَعْصِيَتَيْنِ مَعْصِيَةُ التَّقْديِمِ عَلَى الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَلا تَقَعُ صَلاتُهُ أَدَاءً وَلا قَضَاءً.

وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ «لِغَيْرِ عُذْرٍ» أَخْرَجَ مَا إِذَا كَانَ التَّقْديِمُ أَوِ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لا إِثْمَ فِي ذَلِكَ. وَالْعُذْرُ فِي ذَلِكَ مَا يُبِيحُ الْجَمْعَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِشُرُوطِهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فإِنْ طَرَأَ مَانِعٌ كَحَيْضٍ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا لِنَحْوِ سَلِسٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ الْمَانِعُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ كَأَنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ أُصِيبَ شَخْصٌ بِالْجُنُونِ أَوِ الإِغْمَاءِ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلاةِ مَا يَسَعُ الصَّلاةَ مَعَ طُهْرِهَا لِمَنْ لا يُمْكِنُهُ تَقْديِمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ كَسَلِسِ الْبَوْلِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ أَيْ بَعْدَ ذَهَابِ الْحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَائِضِ وَبَعْدَ زَوَالِ غَيْبُوبَةِ الْعَقْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَمِثْلُ السَّلِسِ فِي هَذَا الْحُكْمِ نَحْوُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ. وَالْمَقْصُودُ بِالطُّهْرِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالْوُضُوءُ أَوِ التَّيَمُّمُ لِمَنْ كَانَ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لا يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ زَالَ الْمَانِعُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ لَزِمَتْهُ وَكَذَا مَا قَبْلَهَا إِنْ جُمِعَتْ مَعَهَا فَيَجِبُ الْعَصْرُ مَعَ الظُّهْرِ إِنْ زَالَ الْمَانِعُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَالْعِشَاءُ مَعَ الْمَغْرِبِ بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ.

   الشَّرْحُ إِنْ زَالَ الْمَانِعُ الَّذِي هُوَ الْحَيْضُ أَوِ الْجُنُونُ أَوِ الإِغْمَاءُ وَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي بَقِيَ قَدْرَ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ فَقَطْ وَجَبَتْ تِلْكَ الصَّلاةُ وَالَّتِي قَبْلَهَا إِنْ كَانَتْ تُجْمَعُ مَعَهَا أَيْ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ كَأَنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلاةُ الْعَصْرَ لِأَنَّ الْعَصْرَ تُجْمَعُ فِي السَّفَرِ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَهِيَ الظُّهْرُ وَكَذَلِكَ الْعِشَاءُ لِأَنَّهَا تُجْمَعُ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَهِيَ الْمَغْرِبُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ وَالصَّبِيَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَيْنِ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصَّلاةِ وَيُعَلِّمَهُمَا أَحْكَامَهَا بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ أَمْرُهُمَا بِالصَّلاةِ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ أَيْ بَعْدَ تَمَامِ سَبْعِ سِنِينَ عَلَى الْفَوْرِ إِنْ حَصَلَ التَّمْيِيزُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْهَمَ الْخِطَابَ وَيَرُدَّ الْجَوَابَ. وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ التَّمْيِيزَ بِالِاسْتِقْلالِ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِنْجَاءِ. وَيَكُونُ الأَمْرُ بِالصَّلاةِ بَعْدَ تَعْلِيمِ أَحْكَامِهَا وَأُمُورِهَا فَإِنَّ تَعْلِيمَهُمَا أُمُورَهَا بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَاجِبٌ وَيَكُونُ الأَمْرُ بِالصَّلاةِ بِتَشْدِيدٍ وَلَيْسَ بِطَرِيقَةٍ لا تُشْعِرُهُمَا بِأَهَمِيَّةِ أَدَاءِ فَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ. وَالصَّبِيُّ يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ كَمَا يُؤْمَرُ بِالأَدَاءِ وَكَذَلِكَ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ إِنْ كَانَ يُطِيقُهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَضْرِبَهُمَا عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كَصَوْمٍ أَطَاقَاهُ.

   الشَّرْحُ يَجِبُ عَلَى الأَبِ وَالأُمِّ ضَرْبُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ وَالصِّيَامُ الَّذِي يُطِيقُهُ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ الأَمْرُ بِهِ لِسَبْعٍ وَضَرْبُهُمَا عَلَيْهِ بَعْدَ إِكْمَالِ عَشْرِ سِنِينَ. وَالْعِبْرَةُ بِالسِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ لا بِالسِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ أَمَّا إِنْ كَانَا لا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ فَلا يَجِبُ الأَمْرُ بِالصِّيَامِ. وَهَذَا الضَّرْبُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَرِّحٍ أَيْ غَيْرَ مُؤَدٍّ إِلَى الْهَلاكِ لِأَنَّ الضَّرْبَ الْمُؤَدِّيَ لِلْهَلاكِ حَرَامٌ عَلَى الْوَلِيِّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيمُهُمَا مِنَ الْعَقَائِدِ وَالأَحْكَامِ يَجِبُ كَذَا وَيَحْرُمُ كَذَا وَمَشْرُوعِيَّةَ السِّوَاكِ وَالْجَمَاعَةِ.

   الشَّرْحُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى الأَبَوَيْنِ نَحْوَ أَوْلادِهِمَا تَعْلِيمُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ مِنْ وُجُودِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَقِدَمِهِ وَبَقَائِهِ وَقِيَامِهِ بِنَفْسِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِلْحَوَادِثِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ أَيْ أَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لا يُشْبِهُ الضَّوْءَ وَالظَّلامَ وَالإِنْسَانَ وَالنَّبَاتَ وَالْجَمَادَاتِ مِنَ الكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا وَأَنَّ لِلَّهِ قُدْرَةً وَإِرَادَةً وَسَمعًا وَبَصرًا وَعِلْمًا وَحَيَاةً وَكَلامًا وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَأَنَّهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ عَرَبِيٌّ وَأَنَّهُ وُلِدَ بِمَكَّةَ وَهَاجرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ أَنْبِيَاءَ أَوَّلُهُمْ ءَادَمُ وَأَنَّهُ أَنْـزَلَ كُتُبًا عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً وَأَنَّهُ سَيُفْنِي الْجِنَّ وَالإِنْسَ وَالْمَلائِكَةَ وَكُلَّ ذِي رُوحٍ ثُمَّ يُعَادُونَ إِلَى الْحَيَاةِ وَأَنَّ الإِنْسَ وَالْجِنَّ يُجْزَوْنَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَعَلَى سَيِّئَاتِهِمْ بِالْعَذَابِ الأَلِيمِ وَأَنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ دَارًا يَتَنَعَّمُونَ فِيهَا تُسَمَّى الْجَنَّةَ وَلِلْكَافِرِينَ دَارًا يَتَعَذَّبُونَ فِيهَا تُسَمَّى جَهَنَّمَ وَأَنَّ الْكَافِرَ حَرَامٌ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ كَافِرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ تَعْلِيمُهُمْ حُرْمَةَ السَّرِقَةِ وَالْكَذِبِ وَلَوْ مَزْحًا وَحُرْمَةَ الزِّنَى وَهُوَ إِدْخَالُ الذَّكَرِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَاللِّوَاطِ وَهُوَ إِدْخَالُ الذَّكَرِ فِي الدُّبُرِ أَيْ دُبُرِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَتَعْلِيمُهُمْ حُرْمَةَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَضَرْبِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الظَّاهِرَةِ. وَكَذَلِكَ تَعْلِيمُهُمْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ السِّوَاكِ سُنَّةٌ وَأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْحَثِّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ فِي بَابِ الإِعْلامِ بِمَا يَنْبَغِي تَقْديِمُهُ مِنَ الْمَحْفُوظَاتِ «أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ مُقَدِّمَةٌ فِي الِاعْتِقَادِ تَشْتَمِلُ عَلَى الدَّلِيلِ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَيُذْكَرُ فِيهَا مَا لا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ يُعَرَّفُ الْوَاجِبَاتِ ثُمَّ حِفْظُ الْقُرْءَانِ ثُمَّ سَمَاعُ الْحَدِيثِ» اهـ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَى وُلاةِ الأَمْرِ قَتْلُ تَارِكِ الصَّلاةِ كَسَلًا إِنْ لَمْ يَتُبْ.

   الشَّرْحُ يَجِبُ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَالسُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ الإِمَامُ وَالْقَاضِي أَنْ يَقْتُلَ تَارِكَ الصَّلاةِ كَسَلًا بَعْدَ إِنْذَارِهِ أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ الظُّهْرَ مَثَلًا إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ يَقْتُلُهُ فَإِذَا لَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَيَكُونُ هَذَا الْقَتْلُ كَفَّارَةً أَيْ تَطْهِيرًا لَهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حَيْثُ إِنَّهُ لا يُنْكِرُ فَرْضِيَّةَ الصَّلاةِ. وَأَمَّا تَارِكُهَا جُحُودًا فَهُوَ مُرْتَدٌّ فَيُطَالِبُهُ السُّلْطَانُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا قَتَلَهُ لِكُفْرِهِ لا لِلْحَدِّ. وَقَوْلُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إِنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ تُرِكَ مِنَ الْقَتْلِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَحُكْمُهُ  أَنَّهُ مُسْلِمٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الَّذِي يَتْرُكُ الصَّلاةَ كَسَلًا إِذَا قَتَلَهُ الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ حَدًّا لِتَطْهِيرِهِ يُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ تَجْهِيزُهُ بِالغَسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ. وَلا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِغَيْرِ الإِمَامِ وَمَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الإِمَامُ الأَمْرَ. وَمَعْنَى قَتْلِهِ حَدًّا لِتَطْهِيرِهِ أَنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُهُ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدِّ فِيهِ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ الْحُدُودِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مَا يُعْطِي مَعْنَاهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَمْرُ أَهْلِهِ بِالصَّلاةِ.

   الشَّرْحُ الْمُرَادُ بِهَذَا الْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ وَالْمُرَادُ بِالأَهْلِ زَوْجَتُهُ وَأَوْلادُهُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَهَذَا إِنْ كَانَ عَالِمًا بِنَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عَيْنًا تَعَلُّمُهُ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ أَوْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ التَّعَلُّمِ عِنْدَ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ عِنْدَئِذٍ مَنْعُهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ لِلتَّعَلُّمِ حَتَّى الزَّوْجَةُ لا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ لِلتَّعَلُّمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ عَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَكِنَّهُ أَهْمَلَ التَّعْلِيمَ وَلَمْ يَأْتِهَا بِمَنْ يُعَلِّمُهَا. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [سُورَةَ التَّحْريِمِ/6] قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ اهـ أَيْ أُمُورَ الدِّينِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ. فَمَنْ تَعَلَّمَ لِنَفْسِهِ ضَرُورِيَّاتِ عِلْمِ الدِّينِ وَعَلَّمَ أَهْلَهُ فَقَدْ حَفِظَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.

   الشَّرْحُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ مَعَ تَعْلِيمِ مَنْ يُسْتَطَاعُ تَعْلِيمُهُ أَحْكَامَهَا الضَّرُورِيَّةَ إِنْ كَانُوا لا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وُجُوبًا كِفَائِيًّا فِي حَقِّ غَيْرِ أَهْلِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.


فَرَائِضُ الْوُضُوءِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الْوُضُوءُ.

   الشَّرْحُ الْوُضُوءُ هُوَ أَوَّلُ مَقَاصِدِ الطَّهَارَة فُرِضَ عِنْدَمَا فُرِضَتِ الصَّلاةُ. وَالشَّرْطُ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ غَيْرُ الرُّكْنِ وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الشَّىْءِ وَلَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ كَالطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلاةِ وَأَمَّا الرُّكْنُ فَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الشَّىْءِ وَيَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الشَّىْءِ عَلَيْهِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفُرُوضُهُ سِتَّةٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ فُرُوضَ الْوُضُوءِ سِتَّةٌ أَرْبَعَةٌ عُرِفَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاثْنَانِ بِالسُّنَّةِ فَغَسْلُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ هَذِهِ الأَرْبَعَةُ دَلِيلُهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَمَّا النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ فَدَلِيلُهُمَا الْحَدِيثُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الأَوَّلُ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاةِ، أَوْ غَيْرُهَا مِنَ النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَيْ مُقْتَرِنَةً بِغَسْلِهِ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَتَكْفِي النِّيَّةُ إِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ بِقَلِيلٍ عِنْدَ مَالِكٍ.

   الشَّرْحُ الْفَرْضُ الأَوَّلُ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ النِّيَّةُ وَلا بُدَّ فِيهِ لِصِحَّتِهِ مِنْ نِيَّةٍ مُجْزِئَةٍ كَأَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ لِلصَّلاةِ بِقَلْبِهِ فَلا يَكْفِي التَّلَفُّظُ بِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِهَا بِقَلْبِهِ وَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوِ الْوُضُوءَ فَقَطْ أَوْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مُفْتَقِرٍ إِلَى وُضُوءٍ كَأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ مَسِّ الْمُصْحَفِ فَمَنْ تَوَضَّأ بِنِيَّةِ شَىْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ اسْتَبَاحَ الصَّلاةَ وَغَيْرَهَا أَيْ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَى الطَّهَارَةِ. وَلا تُجْزِئُ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ مَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ كَنَوَيْتُ اسْتِبَاحَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَيْ مُقْتَرِنَةً بِغَسْل جُزْءٍ مِنَ الْوَجْهِ أَيْ عِنْدَ إِصَابَةِ الْمَاءِ لِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْوَجْهِ فَإِذَا قَرَنَ النِّيَّةَ بِأَوَّلِ غَسْلِ الْوَجْهِ كَفَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ وَلَوْ غَسَلَ جُزْءًا مِنْ وَجْهِهِ قَبْلَ هَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ نَوَى فِي أَثْنَاءِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ غَسْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ.

 

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الثَّانِي غَسْلُ الْوَجْهِ جَمِيعِهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ رَأْسِهِ إِلَى الذَّقَنِ وَمِنَ الأُذُنِ إِلَى الأُذُنِ شَعَرًا وَبَشَرًا لا بَاطِنَ لِحْيَةِ الرَّجُلِ وَعَارِضَيْهِ إِذَا كَثُفَا.

   الشَّرْحُ الْفَرْضُ الثَّانِي مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ جَمِيعِهِ وَالْمُرَادُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ فَلا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنِ وَالْفَمِ وَالأَنْفِ. وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ الرَّأْسِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ إِلَى الذَّقَنِ. وَالذَّقَنُ هُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ أَسْفَلَ الأُذُنِ يَجْتَمِعَانِ فِي أَسْفَلِ الْوَجْهِ فَيُسَمَّى مُجْتَمَعُهُمَا الذَّقَنَ هَذَا حَدُّ الْوَجْهِ طُولًا وَأَمَّا حَدُّهُ عَرْضًا فَهُوَ مِنَ الأُذُنِ إِلَى الأُذُنِ أَيْ مِنْ وَتِدِ الأُذُنِ إِلَى وَتِدِ الأُذُنِ وَلا يَدْخُلُ الْوَتِدُ فِيمَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلا تَدْخُلُ الأُذُنَانِ فِي الْوَجْهِ وَلا يَجِبُ غَسْلُهُمَا إِنَّمَا الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ مَا بَيْنَهُمَا فَمَا كَانَ ضِمْنَ هَذَا مِنْ شَعَرٍ وَبَشَرٍ أَيْ جِلْدٍ فَغَسْلُهُ فَرْضٌ فَمِمَّا يَجِبُ غَسْلُهُ الْغَمَمُ وَهُوَ الشَّعَرُ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى الْجَبْهَةِ لِأَنَّ هَذَا خِلافُ غَالِبِ النَّاسِ. وَلا يَجِبُ غَسْلُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الشَّعَرُ كَالنَّاصِيَّةِ فَمَنْ كَانَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعَرُ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ مَعَ الْوَجْهِ. وَمِمَّا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الْوَجْهِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ عِنْدَ إِطْبَاقِ الْفَمِ بِخِلافِ مَا لا يَظْهَرُ عِنْدَ الإِطْبَاقِ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ غَسْلُهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بَاطِنُ لِحْيَةِ الرَّجُلِ الْكَثِيفَةِ وَبَاطِنُ عَارِضَيْهِ الْكَثِيفَيْنِ وَالْكَثِيفُ هُوَ مَا لا تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْ خِلالِهِ فَإِنْ خَفَّ شَعَرُ اللِّحْيَةِ وَالْعَارِضَيْنِ وَجَبَ غَسْلُ بَاطِنِهِ كَذَلِكَ. قَالَ الْفُقَهَاءُ يَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ زَائِدٍ عَلَى الْوَجْهِ مِنْ سَائِرِ جَوَانِبِ الْوَجْهِ لِلتَّحَقُّقِ مِنِ اسْتِيعَابِهِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِقَدْرِ قُلامَةِ ظُفْرٍ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الثَّالِثُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ الْفَرْضَ الثَّالِثَ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ زَائِدَةً الْتَبَسَتْ بِالأَصْلِيَّةِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَيُقَالُ الْمَرْفِقَيْنِ وَالْمِرْفَقُ هُوَ مُجْتَمَعُ عَظْمَيِ السَّاعِدِ وَعَظْمِ الْعَضُدِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَةِ/6] أَيْ مَعَ الْمَرَافِقِ. فَإِذَا تُرِكَ الْمِرْفَقَانِ لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ مِرْفَقَيْهِ وَلا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا قَبْلَهُمَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا بَقِيَ. وَيَجِبُ أَيْضًا غَسْلُ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَعَرٍ وَلَوْ كَانَ كَثِيفًا طَوِيلًا. وَيَجِبُ غَسْلُ الظُّفْرِ أَيْضًا وَأَمَّا الْوَسَخُ الَّذِي تَحْتَ الظُّفْرِ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْوُضُوءِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لا يُعْفَى عَنْهُ. وَيَجِبُ غَسْلُ الشَّقِّ أَيْ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ شُقُوقٌ يَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهَا أَمَّا الشَّوْكَةُ فَإِنِ اسْتَتَرَتْ وَتَجَاوَزَتِ الْجِلْدَ فَلا يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِغَسْلِ مَوْضِعِهَا أَمَّا إِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لَمْ تَسْتَتِرْ فَيُخْرِجُهَا وُجُوبًا. وَيَكْفِي غَسْلُ قِشْرِ الْجُرْحِ وَلا يَجِبُ رَفْعُهُ وَإِزَالَتُهُ فَلَوْ أَزَالَهُ بَعْدَ إِتْمَامِ الْوُضُوءِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا ظَهَرَ.

   وَقَوْلُهُ «وَمَا عَلَيْهِمَا» أَيْ إِنْ كَانَ عَلَى يَدِهِ سِلْعَةٌ أَيْ قِطْعَةُ لَحْمٍ زَائِدَةٌ نَبَتَتْ عَلَى يَدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الرَّابِعُ مَسْحُ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ شَعْرَةً فِي حَدِّهِ.

   الشَّرْحُ الْفَرْضُ الرَّابِعُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ. وَالْوَاجِبُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَسْحُ شَىْءٍ مِنْ شَعَرِ الرَّأْسِ وَلَوْ بَعْضَ شَعْرَةٍ أَوْ جُزْءًا مِنَ الرَّأْسِ لا شَعَرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّعَرِ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ الرَّأْسِ فَلَوْ مَسَحَ الْقَدْرَ الَّذِي يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ عِنْدَ مَدِّهِ لِجِهَةِ نُزُولِهِ فَلا يَكْفِي. وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ أَوْ خِرْقَةً مُبْتَلَّةً بِالْمَاءِ فَوَصَلَ الْبَلَلُ مِنْهَا إِلَى الرَّأْسِ كَفَى ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخَامِسُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ أَوْ مَسْحُ الْخُفِّ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ

   الشَّرْحُ الْفَرْضُ الْخَامِسُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَعَرٍ وَسِلْعَةٍ وَشُقُوقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي غَيْرِ لابِسِ الْخُفِّ أَمَّا مَنْ لَبِسَ الْخُفَّ الْمُسْتَوْفِيَ لِلشُّرُوطِ فَيَكْفِيهِ مَسْحُ الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ طَاهِرًا لا نَحْوَ جِلْدِ مَيْتَةٍ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْقَدَمِ يُمْكِنُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ بِلا نَعْلٍ لِحَاجَاتِ الْمُسَافِرِ عِنْدَ الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ أَيِ الرَّحِيلِ بَعْدَ الِاسْتِرَاحَةِ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنْ يَبْتَدِئَ لُبْسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ مَانِعًا لِنُفُوذِ الْمَاءِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلا يَكْفِي الْمَسْحُ. وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لِلْخُفِّ نَعْلٌ يَقِيهِ بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي يُمْشَى بِهِ فِي الشَّوَارِعِ فِي الطِّينِ لِأَنَّ طِينَ الشَّوَارِعِ الْمُتَنَجِّسَ يُعْفَى عَنْهُ. وَيَبْطُلُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ بِخَلْعِهِمَا وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّادِسُ التَّرْتِيبُ هَكَذَا.

   الشَّرْحُ الْفَرْضُ السَّادِسُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ الْمَقْرُونِ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ مَسْحِ الرَّأْسِ ثُمَّ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَلَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ بِأَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ أَمَّا إِنْ حَصَلَ التَّرْتِيبُ تَقْدِيرًا فَيَكْفِي ذَلِكَ كَأَنْ غَطَسَ فِي مَاءٍ مَعَ النِّيَّةِ فَخَرَجَ وَلَمْ يَمْكُثْ زَمَنًا يُمَكِّنُهُ التَّرْتِيبُ الْحَقِيقِيُّ فِيهِ.

 

نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْمَنِيِّ وَمَسُّ قُبُلِ الآدَمِيِّ أَوْ حَلْقَةِ دُبُرِهِ بِبَطْنِ الْكَفِّ بِلا حَائِلٍ وَلَمْسُ بَشَرَةِ الأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي تُشْتَهى وَزَوَالُ الْعَقْلِ لا نَوْمُ قَاعِدٍ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ.

   الشَّرْحُ أَنَّ أَسْبَابَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ. أَوَّلُهَا مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَيِ الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ وَهُمَا مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِط إِلَّا الْمَنِيَّ فَإِنَّهُ لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ.

وَالسَّبَبُ الثَّانِي مَسُّ قُبُلِ الآدَمِيِّ أَوْ حَلْقَةِ دُبُرِهِ فَإِنَّهُ نَاقِضٌ إِنْ كَانَ بِلا حَائِلٍ. وَالنَّاقِضُ مِنَ الدُّبُرِ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ فَقَطْ فَلا يَنْقُضُ مَسُّ الأَلْيَةِ. وَالنَّاقِضُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى شُفْرَيْهَا عَلَى الْمَنْفَذِ فَقَطْ. وَلا يَنْقُضُ اللَّمْسُ بِظَهْرِ الْكَفِّ أَوِ اللَّمْسُ بِحَائِلٍ كَمَا أَنَّهُ لا يَنْقُضُ مَسُّ دُبُرِ أَوْ قُبُلِ غَيْرِ ءَادَمِيٍّ. وَيُعْرَفُ بَطْنُ الْكَفِّ مِنْ ظَاهِرِهَا بِوَضْعِ إِحْدَى الْكَفَّيْنِ عَلَى الأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ وَتَفْرِيقِ الأَصَابِعِ فَالْقَدْرُ الَّذِي لا يَظْهَرُ عِنْدَ ذَلِكَ هُوَ بَطْنُ الْكَفِّ. وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ لَمْسُ بَشَرَةِ الأَجْنَبِيَّةِ مَعَ كِبَرٍ لِكُلٍّ مِنَ اللَّامِسِ وَالْمَلْمُوسِ وَالْمُرَادُ بِالْكِبَرِ بُلُوغُ حَدٍّ يُشْتَهَى فِيهِ أَوْ تُشْتَهَى فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ. وَلا يَنْقُضُ إِلَّا لَمْسُ الْجِلْدِ فَلَوْ لَمَسَ سِنَّ الأَجْنَبِيَّةِ أَوْ شَعَرَهَا أَوْ ظُفْرَهَا لَمْ يَنْتَقِضِ الْوُضُوءُ لَكِنْ يَحْرُمُ لَمْسُ ذَلِكَ مِنَ الأَجْنَبِيِّ وَالأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الْكِبَرِ. وَالسَّبَبُ الرَّابِعُ زَوَالُ الْعَقْلِ أَيِ التَّمْيِيزِ بِنَحْوِ جُنُونٍ أَوْ صَرْعٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ نَوْمٍ إِلَّا نَوْمَ قَاعِدٍ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ مِنْ مَقَرِّهِ كَأَرْضٍ وَظَهْرِ دَابَّةٍ وَلَوْ سَائِرَةً لِلأَمْنِ مِنْ خُرُوجِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ طَالَ الْوَقْتُ.

 

الِاسْتِنْجَاءُ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الِاسْتِنْجَاءِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ كُلِّ رَطْبٍ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْمَنِيِّ بِالْمَاءِ إِلَى أَنْ يَطْهُرَ الْمَحَلُّ أَوْ بِمَسْحِهِ ثَلاثَ مَسَحَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى أَنْ يَنْقَى الْمَحَلُّ وَإِنْ بَقِيَ الأَثَرُ بِقَالِعٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَقَبْلَ جَفَافٍ فَإِنِ انْتَقَلَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ أَوْ جَفَّ وَجَبَ الْمَاءُ.

   الشَّرْحُ هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِلِاسْتِنْجَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَوْجَبُ مَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ وَأَشَدُّهُ الْبَوْلُ لِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالْبَوْلِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابِ الْقَبْرِ. فَمَا كَانَ خَارِجًا مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ وَكَانَ رَطْبًا بِحَيْثُ لَوَّثَ الْمَخْرَجَ وَجَبَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ إِنْ كَانَ مُعْتَادًا أَوْ غَيْرَهُ كَالدَّمِ. وَلا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنَ الْخَارِجِ الْجَامِدِ كَالْحَصَى الْخَارِجِ بِلا بَلَلٍ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ يُعْفَى عَنِ الأَثَرِ الَّذِي يَبْقَى وَهُوَ الَّذِي لا يُزِيلُهُ إِلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ أَيِ الْفَخَّارُ ثُمَّ إِذَا عَرِقَ الْمَحَلُّ فَأَصَابَ مَا يَلِيهِ مِنَ الثَّوْبِ عُفِيَ عَنْهُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ الِابْتِلاءُ بِهِ وَلا سِيَّمَا فِي الْبِلادِ الْحَارَّةِ.

وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ «غَيْرَ الْمَنِيِّ» أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمَنِيَّ لا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَكِنَّهُ يُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلافِ الأَئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِ.

ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْتَنْجِي الْمَاءُ فَقَطْ أَوِ الْحَجَرُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَخْرَجِ مَعَ سَكْبِ الْمَاءِ وَيَدْلُكَ الْمَخْرَجَ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ الْخَارِجُ عَيْنُهُ وَأَثَرُهُ وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي زَوَالِهِ. فَإِنْ مَسَحَ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَجَبَ أَنْ يَمْسَحَ ثَلاثَ مَسَحَاتٍ إِمَّا بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ وَإِمَّا بِحَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ ثَلاثَةُ أَطْرَافٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى أَنْ يُنْقِيَ الْمَحَلَّ. وَفِي حُكْمِ الْحَجَرِ كُلُّ شَىْءٍ قَالِعٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ فَلا يُجْزِئُ أَيْ لا يَكْفِي غَيْرُ الْقَالِعِ لِمَلاسَتِهِ كَالزُّجَاجِ أَوِ الْقَصَبِ أَوْ لِغَيْرِ الْمَلاسَةِ كَالتُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ وَلا يَكْفِي الْجَامِدُ النَّجِسُ أَوِ الْمُتَنَجِّسُ وَلا الرَّطْبُ كَالْجِلْدِ الرَّطْبِ وَلا مَا عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ وَلَوْ خِرْقَةً مَبْلُولَةً بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ جَافَّةً فَهِيَ مِثْلُ الْحَجَرِ فَيَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا. وَلا يَكْفِي أَيْضًا لِلِاسْتِنْجَاءِ الْقَالِعُ الْمُحْتَرَمُ كَوَرَقَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ بَلْ مَنِ اسْتَنْجَى بِهَا عَالِمًا بِمَا فِيهَا كَفَرَ. وَمِنَ الْمُحْتَرَمِ مَطْعُومُ الآدَمِيِّ كَالْخُبْزِ. ثُمَّ إِنَّمَا يَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ إِذَا لَمْ يَنْتَقِلِ الْخَارِجُ عَنِ الْمَخْرَجِ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ لَمْ يُجَاوِزِ الْحَشَفَةَ وَالصَّفْحَتَيْنِ أَيْ مَا يَنْضَمُّ مِنَ الأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ. وَيُشْتَرَطُ لِكِفَايَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِلنِّسَاءِ أَنْ لا يَصِلَ الْبَوْلُ إِلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمَاءُ. وَيَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ مِنَ الْغَائِطِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَخْرَجِ شَعَرٌ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلا يَمْنَعُ اخْتِلاطُ الْعَرَقِ بِالْخَارِجِ مِنْ إِجْزَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ.

 وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنَ الْغَائِطِ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْكَفِّ الْيُسْرَى مَاءً ثُمَّ يَدْلُكُوا بِهِ الْمَخْرَجَ فَذَلِكَ قَبِيحٌ غَيْرُ كَافٍ.

   وَالِاسْتِبْرَاءُ وَهُوَ إِخْرَاجُ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِتَنَحْنُحٍ أَوْ نَحْوِهِ يَكُونُ وَاجِبًا فِي حَالٍ وَسُنَّةً فِي حَالٍ، يَكُونُ وَاجِبًا إِذَا كَانَ يَخْشَى مِنْ تَرْكِهِ تَلْوِيثَ نَفْسِهِ بِالْبَوْلِ وَيَكُونُ سُنَّةً إِذَا كَانَ لا يَخْشَى مِنْ تَرْكِهِ تَلْوِيثَ نَفْسِهِ بِالْبَوْلِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فصلٌ.

   الشَّرْحُ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَأَرْكَانِهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ بِالْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الْغُسْلِ وَالَّذِي يُوجِبُهُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَالْجِمَاعُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْوِلادَةُ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الَّتِي لا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهَا الطَّهَارَةَ عَنِ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الطَّهَارَةُ الْغُسْلَ وَالَّذِي يُوجِبُ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ.

   الأَوَّلُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ أَيْ ظُهُورُهُ إِلَى ظَاهِرِ الْحَشَفَةِ مِنَ الرَّجُلِ وَوُصُولُهُ إِلَى ظَاهِرِ فَرْجِ الْبِكْرِ أَوْ وُصُولُهُ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ قُعُودِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ لِلِاسْتِنْجَاءِ فَمَا لَمْ يَصِلْ إِلَى ذَلِكَ فَلا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَلَوْ وَقَفَ الْمَنِيُّ فِيمَا دُونَ ظَاهِرِ الْحَشَفَةِ مِنَ الرَّجُلِ لا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إِذَا لَمْ يَظْهَرِ الْمَنِيُّ إِلَى ظَاهِرِ فَرْجِهَا لا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَكَذَا الثَّيِّبُ فَلا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ إِنْ لَمْ يَصِلْ مَنِيُّهَا إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَمَا تَقْعُدُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَلِلْمَنِيِّ ثَلاثُ عَلامَاتٍ يُعْرَفُ بِهَا إِحْدَاهَا التَّدَفُّقُ أَيِ الِانْصِبَابُ بِشِدَّةٍ شَيْئًا فَشَيْئًا وَثَانِيهَا التَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ بِحَيْثُ يَعْقُبُهُ فُتُورُ الشَّهْوَةِ وَثَالِثُهَا رِيحُ الْعَجِينِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ وَرِيحُ بَيَاضِ الْبَيْضِ بَعْدَ الْجَفَافِ وَهِيَ عَلامَاتٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَمَنْ رَأَى مَنِيًّا فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي فِرَاشِهِ الَّذِي لا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِعَادَةُ كُلِّ فَرْضٍ صَلَّاهُ إِذَا كَانَ لا يَحْتَمِلُ حُدُوثَهُ بَعْدَهُ.

   وَالثَّانِي الْجِمَاعُ وَهُوَ إِيلاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا فِي فَرْجٍ وَلَوْ دُبُرًا.

   وَالثَّالِثُ الْحَيْضُ وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْوِلادَةِ وَإِمْكَانُهُ بُلُوغُ تِسْعِ سِنِينَ تَقْرِيبًا بِالسِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ. وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَيْ مِقْدَارُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَقَطِّعًا فِي ظَرْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَوْ رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَ سَاعَاتٍ دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ كُلُّهَا حَيْضًا. وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ أَوْقَاتِ النَّقَاءِ الَّتِي تَتَخَلَّلُهَا. وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ.

   وَالرَّابِعُ النِّفَاسُ وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَلَوْ مَجَّةً أَيْ قَدْرَ بَزْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَقَلُّ النِّفَاسِ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَالْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ.

   وَالْخَامِسُ الْوِلادَةُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهَا عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً أَخْبَرَتِ الْقَوَابِلُ أَنَّهَا أَصْلُ ءَادَمِيٍّ وَلَوْ بِلا بَلَلٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ.

   فَهَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْعَدَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ أَمَّا الْمَيِّتُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لَيْسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنِ التَّكْلِيفِ.

   وَمِنْ مَسَائِلِ الْحَيْضِ أَنَّ الدَّمَ لا يُعْتَبَرُ حَيْضًا إِلَّا أَنْ تَرَاهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ أَوْ قَبْلَهَا بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ تَسْتَنْجِي مِنْهُ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ فَتُصَلِّي. وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى مَا رَأَتِ الدَّمَ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ تَتَجَنَّبُ مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنْ صَوْمٍ وَصَلاةٍ وَوَطْءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلا تَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ إِنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَضَتْ مَا كَانَتْ قَدْ تَرَكَتْهُ مِنْ صَوْمٍ وَصَلاةٍ وَلا يَلْزَمُهَا غُسْلٌ عِنْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَيْضِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ مَتَى مَا انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ بُلُوغِ أَقَلِّهِ أَيْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا فَإِنْ عَادَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ تَبَيَّنَ وُقُوعُ عِبَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ فَتُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ فَقَطْ وَلا إِثْمَ بِالْوَطْءِ لِبِنَاءِ الأَمْرِ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِذَا انْقَطَعَ حُكِمَ بِطُهْرِهَا وَهَكَذَا مَا لَمْ يَعْبُرْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَمِنْهَا أَنَّ الِانْقِطَاعَ يُعْرَفُ بِأَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتِ الْقُطْنَةَ فَرْجَهَا خَرَجَتْ بَيْضَاء وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ تَنْظُرَ كُلَّ سَاعَةٍ لِتَتَأَكَّدَ مِنْ نَقَائِهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفُرُوضُ الْغُسْلِ اثْنَانِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ أَوْ نَحْوُهَا، وَتَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بَشَرًا وَشَعَرًا وَإِنْ كَثُفَ بِالْمَاءِ.

   الشَّرْحُ فَرْضُ الْغُسْلِ يَحْصُلُ بِأَمْرَيْنِ الأَوَّلُ النِّيَّةُ فَيَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ بِقَلْبِهِ أَوْ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ يَنْوِي فَرْضَ الْغُسْلِ أَوْ يَنْوِي الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلاةِ أَوِ الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ بِخِلافِ نِيَّةِ الْغُسْلِ فَقَطْ أَوِ الطَّهَارَةِ فَقَطْ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَكْفِي. وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ الْقَلْبِيَّةِ بِأَوَّلِ مَغْسُولٍ فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ جِسْمِهِ بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ نَوَى فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَجَبَ إِعَادَةُ مَا غَسَلَ قَبْلَ النِّيَّةِ. وَالثَّانِي تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَيْ ظَاهِرِهِ بِالْمَاءِ فَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْبَشَرِ أَيِ الْجِلْدِ وَالشَّعَرِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَيَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنَ الصِّمَاخِ أَيْ خَرْقِ الأُذُنِ لا بَاطِنِ فَمٍ وَأَنْفٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَجِبُ.

   وَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِالطَّهَارَتَيْنِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ» أَيْ نِصْفُ الإِيْمَانِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلا يُتْقِنُ صَلاتَهُ مَنْ لا يُتْقِنُ طَهَارَتَهُ أَيْ مَنْ كَانَ لا يُؤَدِّي طَهَارَتَهُ عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ لا يَكُونُ مُؤَدِيًّا صَلاتَهُ عَلَى التَّمَامِ بَلْ لا بُدَّ مِنْ أُمُورٍ تَنْقُصُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَةِ/222].

 

شُرُوطُ الطَّهَارَةِ

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ شُرُوطِ الطَّهَارَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: شُرُوطُ الطَّهَارَةِ الإِسْلامُ وَالتَّمْيِيزُ وَعَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى الْمَغْسُولِ وَالسَّيَلانُ وَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا بِأَنْ لا يُسْلَبَ اسْمَهُ بِمُخَالَطَةِ طَاهِرٍ يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ وَأَنْ لا يَتَغَيَّرَ بِنَجِسٍ وَلَوْ تَغَيُّرًا يَسِيرًا. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ اشْتُرِطَ أَنْ لا يُلاقِيَهُ نَجَسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ وَأَنْ لا يَكُونَ اسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إِزَالَةِ نَجِسٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الطَّهَارَةِ عَنِ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ وَالأَكْبَرِ الإِسْلامَ فَالْكَافِرُ لا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ مِنَ الْحَدَثَيْنِ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِيَّتِهِ وَالتَّمْيِيزَ فَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ.

   وَيُسْتَثْنَى مِنِ اشْتِرَاطِ الإِسْلامِ لِلطَّهَارَةِ غُسْلُ الزَّوْجَةِ الْكَافِرَةِ بِلا نِيَّةٍ لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ مِنْ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ بِلا نِيَّةٍ مِنْهَا فَالْكِتَابِيَّةُ عِنْدَمَا تَغْتَسِلُ مِنَ الْحَيْضِ لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ لا تَنْوِي شَيْئًا ثُمَّ لَوْ أَسْلَمَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا إِعَادَةُ ذَلِكَ الْغُسْلِ. وَكَذَلِكَ غُسْلُ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِلطَّوَافِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَكَذَا يُوَضِئُهُ وَلِيُّهُ لِلطَّوَافِ وَتَقُومُ نِيَّةُ الْوَلِيِّ مَقَامَ نِيَّةِ الطِّفْلِ.

   وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ أَوِ الْمَمْسُوحِ كَالشَّحْمِ اللَّاصِقِ بِالْجِلْدِ الَّذِي يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَيْهِ وَكَالَّذِي تَضَعُهُ النِّسَاءُ عَلَى أَظَافِيرِهِنَّ الْمُسَمَّى بِالْمَنَكِيرِ. وَأَمَّا الْوَسَخُ الَّذِي يَكُونُ تَحْتَ الأَظْفَارِ فَقَد اخْتُلِفَ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ أَوْ لا وَقَدْ تَقَدَّمَ. أَمَّا مَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ وَلا يَمْنَعُ الْمَاءَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْجِلْدِ فَلا يَضُرُّ كَالْحِبْرِ وَمَا يُسَمَّى بِالدَّوَاءِ الأَحْمَرِ وَالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهَا. وَيُشْتَرَطُ السَّيَلانُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ جَارِيًا عَلَى الْجِلْدِ بِطَبْعِهِ وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَاطُرُ الْمَاءِ فَلَوْ جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْجِلْدِ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ إِمْرَارِ الْيَدِ أَجْزَأَ فَلا يُجْزِئُ مُجَرَّدُ الْمَسْحِ الَّذِي لا يُسَمَّى غَسْلًا.

   وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا مُطْلَقًا يُطْلَقُ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِلا قَيْدٍ فَمَا لا يُسَمَّى إِلَّا مَاءَ الزَّهْرِ مَثَلًا لا يَكُونُ مُطَهِّرًا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ هُوَ مَا يَصِحُّ إِطْلاقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِلا قَيْدٍ كَمَاءِ الْبَحْرِ وَمَاءِ الْبَرَدِ وَالثَّلْجِ بَعْدَ أَنْ يَذُوبَا. وَمَا تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ مُخَالِطٍ أَيْ لا يَنْفَصِلُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ عَنْهُ بَعْدَ مُخَالَطَتِهِ مِمَّا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ فَلَيْسَ بِطَهُورٍ صَالِحٍ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ إِنْ كَانَ تَغيُّرُهُ بِهِ بِحَيْثُ يَسْلُبُ اسْمَ الْمَاءِ عَنْهُ أَيْ خَالَطَهُ طَاهِرٌ بِحَيْثُ غَيَّرَ لَوْنَهُ كَالْحِبْرِ أَوْ طَعْمَهُ كَالْعَسْلِ أَوْ ريِحَهُ كَمَاءِ الْوَرْدِ تَغْيِيرًا كَثِيرًا فَلَيْسَ مُطَهِرًا بِخِلافِ مَا لَوْ غَيَّرَهُ قَلِيلًا فَإِنَّهُ لا يُؤَثِّرُ أَيْ إِنْ كَانَ تَغَيُّرُهُ بِهِ بِحَيْثُ لا يَسْلُبُ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ فَهُوَ طَهُورٌ تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ تَغَيُّرًا كَثِيرًا بِمَا لا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ أَيْ يَشُقُّ أَوْ يَعْسُرُ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ كَالْمَاءِ الَّذِي مَقَرُّهُ فِيهِ مَعْدِنٌ مِنَ الْمَعَادِنِ كَالْكِبْرِيتِ فَمَهْمَا تَغَيَّرَ هَذَا الْمَاءُ بِهِ فَلا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا. وَكَذَلِكَ لا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِمَا لا يُخَالِطُ الْمَاءَ بَلْ يُجَاوِرُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ رَائِحَتُهُ بِالْعُودِ الصُّلْبِ الَّذِي لا يَتَحَلَّلُ فِي الْمَاءِ لِأَنَّ هَذَا الْعُودَ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ إِذَا وُضِعَ فِي الْمَاءِ لا يَنْحَلُّ مِنْهُ شَىْءٌ فِي الْمَاءِ فَإِذَا صَارَتْ رَائِحَةُ الْمَاءِ عَطِرَةً جَازَتِ الطَّهَارَةُ بِذَلِكَ الْمَاءِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ إِنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَنْ لا يُلاقِيَهُ نَجِسٌ فَالْمَاءُ الَّذِي لاقَاهُ نَجِسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ كَالْبَوْلِ لَيْسَ بِطَاهِرٍ إِنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ غَيَّرَهُ النَّجَسُ أَوْ لَمْ يُغَيِّرْهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلا يَضُرُّ مُلاقَاةُ النَّجَاسَةِ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَاءُ بِهَا أَيْ بِأَنْ يَظْهَرَ فِيهِ طَعْمُ النَّجَاسَةِ أَوْ لَوْنُهَا أَوْ ريِحُهَا. وَكَذَلِكَ إِذَا اسْتُعْمِلَ مَاءٌ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إِزَالَةِ نَجِسٍ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَانَ أَوْ لا فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ لِلطَّهَارَةِ بِخِلافِ الْمَاءِ الَّذِي يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ طَهُورًا بِاسْتِعْمَالِهِ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إِزَالَةِ نَجِسٍ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ أَيْ أَنَّهُ يَبْقَى طَهُورًا مُطَهِّرًا وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ. وَالْقُلَّتَانِ بِالْمُرَبَّعِ مَا تَسَعَهُ حُفْرَةٌ طُولُهَا ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ وَكَذَلِكَ عَرْضُهَا وَعُمْقُهَا وَبِالْمُدَوَّرِ مَا تَسَعَهُ حُفْرَةٌ عَرْضُهَا ذِرَاعٌ وَعُمْقُهَا ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ بِالذِّرَاعِ الْمُعْتَدِلِ وَهُوَ نَحْوُ عَشْرِ صَفَائِحَ مِنَ الْمَاءِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَوْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَاءُ تَيَمَّمَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَزَوَالِ النَّجَاسَةِ الَّتِي لا يُعْفَى عَنْهَا.

   الشَّرْحُ مَنْ فَقَدَ الْمَاءَ بِأَنْ فَقَدَهُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ. أَمَّا الْفَقْدُ الْحِسِّيُّ فَهُوَ أَنْ لا يَجِدَ الْمَاءَ مَعَهُ وَلا مَعَ رُفْقَتِهِ وَلا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ الطَّلَبُ فِيهِ مِنَ الْمِسَاحَةِ وَهُوَ حَدُّ الْقُرْبِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي مَسَافَةٍ تَبْعُدُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ طَلَبُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَحَدُّ الْقُرْبِ قُدِّرَ بِنَحْوِ نِصْفِ فَرْسَخٍ فَمَنْ عَلِمَ وُجُودَهُ أَيْ عَلِمَ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فَلا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ. وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَتَأَكَّدْ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ بَلْ كَانَ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ فَقَطْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي حَدِّ الْغَوْثِ وَهُوَ الْمَسَافَةُ الَّتِي يُسْمِعُ فِيهَا رُفَقَاءَهُ لَوْ نَادَى وَقُدِّرَتْ هَذِهِ الْمَسَافَةُ بِثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ أَيِ الذِّرَاعُ مِقْدَارُ شِبْرَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَهَذَا يُعَدُّ فَاقِدًا لَهُ. وَأَمَّا الْفَقْدُ الْمَعْنَوِيُّ فَهُوَ كَأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ وَكَأَنْ يَحْتَاجَ الْمَاءَ لِشُرْبِهِ أَوْ لِشُرْبِ حَيَوَانِهِ الْمُحْتَرَمِ فَيَصِحُّ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ.

   وَمَنْ تَيَمَّمَ بِدُونِ طَلَبٍ فَلا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَةِ/6] وَأَمَّا الضَّرَرُ الَّذِي يُبِيحُ التَّيَمُّمَ فَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَنْ يَضُرَّهُ فِي جِسْمِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ طُولَ مَرَضِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ الأَلَمِ مِنْ بَرْدِ الْمَاءِ فَلَيْسَ عُذْرًا إِذَا كَانَ لا يُعَقِّبُ ضَرَرًا. وَلا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ إِنْ كَانَتْ بِبَدَنِهِ فَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِسَبَبِ فَقْدِ الْمَاءِ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: بِتُرَابٍ خَالِصٍ طَهُورٍ لَهُ غُبَارٌ.

   الشَّرْحُ التَّيَمُّمُ لا يَصِحُّ إِلَّا بِالتُّرَابِ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا مِنْ نَحْوِ الرَّمَادِ، وَأَنْ يَكُونَ طَهُورًا لا مُتَنَجِّسًا بِنَحْوِ بَوْلٍ وَلا مُسْتَعْمَلًا فِي تَيَمُّمٍ بِأَنْ يَكُونَ تَنَاثَرَ مِنَ الْعُضْوِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ اسْتُعِمَلَ لِلتَّيَمُّمِ بِأَنْ تَنَاثَرَ مِنَ الْوَجْهِ مَثَلًا فَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّيَمُّمِ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَلا يُجْزِئُ الْحَجَرُ وَيُجْزِئُ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ وَفِي ذَلِكَ تَيْسِيرٌ وَفُسْحَةٌ فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُقَلِّدَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ يُرَتِّبُهُمَا بِضَرْبَتَيْنِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ فَرْضِ الصَّلاةِ مَعَ النَّقْلِ وَمَسْحِ أَوَّلِ الْوَجْهِ.

   الشَّرْحُ مَحَلُّ التَّيَمُّم ِالْوَجْهُ وَالْيَدَانِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَالْوُضُوءِ وَيُقَدِّمُ مَسْحَ الْوَجْهِ وُجُوبًا عَلَى مَسْحِ الْيَدَيْنِ. وَلا بُدَّ فِيهِ مِنَ النَّقْلِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ إِلَى الْوَجْهِ بِنِيَّةٍ مُجْزِئَةٍ كَنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ فَرْضِ الصَّلاةِ. وَالنَّقْلُ مَعْنَاهُ تَحْوِيلُ التُّرَابِ إِلَى عُضْوِ التَّيَمُّمِ فَيَكُونُ مَرَّتَيْنِ عَلَى الأَقَلِّ. وَالَّذِي يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ مَا أَبْطَلَ الْوُضُوءَ وَرُؤْيَةُ الْمَاءِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ وَالرِّدَّةُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنِ انْتَقَضَ وُضُوؤُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالطَّوَافُ وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ وَمَسُّهُ وَيُمَكَّنُ مِنَ ذَلِكَ الصَّبِيُّ لِلدِّرَاسَةِ.

   الشَّرْحُ الْحَدَثُ الأَصْغَرُ يُحَرِّمُ الصَّلاةَ وَلَوْ صَلاةَ جِنَازَةٍ. وَيُحَرِّمُ الْحَدَثُ أَيْضًا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ إِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرْضِ أَوْ طَوَافَ التَّطَوُّعِ. وَيُحَرِّمُ أَيْضًا حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَكَذَلِكَ مَا كُتِبَ مِنَ الْقُرْءَانِ لِلدِّرَاسَةِ وَلا يَحْرُمُ مَا كُتِبَ لِحِرْزٍ. وَكَذَلِكَ يُحَرِّمُ الْحَدَثُ مَسَّ الْمُصْحَفِ أَيْ وَرَقِهِ وَجِلْدِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَحَوَاشِيهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَخَوْفِ تَنَجُّسِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ مَسِّهِ وَحَمْلِهِ مَعَ الْحَدَثِ لِغَرَضِ الدِّرَاسَةِ وَالتَّعَلُّمِ فِيهِ لِمَشَقَّةِ دَوَامِ طُهْرِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَلا يُمَكَّنُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مِنْ ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ هَذِهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ وَالْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ.

   الشَّرْحُ الْجُنُبُ يَزِيدُ عَلَى الْمُحْدِثِ حُرْمَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَلَوْ حَرْفًا مِنْهُ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا فَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ جَازَ لَهُ. وَيَزِيدُ أَيْضًا حُرْمَةَ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَوِ التَّرَدُّدِ فِيهِ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ» وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ. وَيُخَصُّ مِنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ هَذِهِ وَالصَّوْمُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَتَمْكِينُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَقِيلَ لا يَحْرُمُ إِلَّا الْجِمَاعُ.

   الشَّرْحُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَتَزِيدَانِ تَحْريِمَ الصَّوْمِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَيَحِلُّ لَهُمَا وَلَوْ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَتَحْريِمَ تَمْكِينِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ أَيْ سَيِّدِ الأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِلا حَائِلٍ أَمَّا بِحَائِلٍ فَيَجُوزُ.

   وَأَمَّا الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ كَأَنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ بَابَانِ يُدْخَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُخْرَجُ مِنَ الآخَرِ مِنْ دُونِ تَوَقُّفٍ وَلا تَرَدُّدٍ فَيَجُوزُ إِلَّا أَنْ تَخَافَا تَلْوِيثَهُ بِالدَّمِ، فَإِنْ أَمِنَتَا التَّلْوِيثَ كُرِهَ الْمُرُورُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلاةِ وَلِكَيْفِيَّةِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْمَحْمُولِ لَهُ كَقِنِّينَةٍ يَحْمِلُهَا فِي جَيْبِهِ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ كَدَاخِلِ الْفَمِ وَالأَنْفِ وَالْعَيْنِ وَفِي الثَّوْبِ وَالْمَحْمُولِ لَهُ كَالشَّىْءِ الَّذِي يَحْمِلُهُ فِي جَيْبِهِ سَوَاءٌ كَانَ قِنِّينَةً أَوْ وَرَقَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُلاقِي بَدَنَهُ أَيْ يُمَاسُّ ذَلِكَ فَلا تَضُرُّ الْمُحَاذَاةُ بِلا مُمَاسَّةٍ فَلَوْ كَانَ يُحَاذِي بِصَدْرِهِ نَجَاسَةً فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَضُرُّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ لاقَاهُ نَجَسٌ أَوْ مَحْمُولَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا أَوْ يَكُونَ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَدَمِ جُرْحِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ طَرَأَ لَهُ فِي الصَّلاةِ نَجِسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ لاقَاهُ أَوْ لاقَى ثَوْبَهُ أَوْ شَيْئًا يَحْمِلُهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا بِأَنْ كَانَ يَابِسًا فَأَلْقَاهُ لا بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ بَلْ بِنَفْضِ ثَوْبِهِ مَثَلًا أَوْ كَانَ رَطْبًا فَأَلْقَى الْمَحْمُولَ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ وَنَحْوِهِ فَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ. أَمَّا لَوْ أَزَالَ النَّجَسَ الْيَابِسَ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ أَلْقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ مَعَ إِبْقَاءِ مَا تَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فَسَدَتْ صَلاتُهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ مُلاقَاةِ النَّجَسِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ دَمُ جُرْحِهِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ أَيْ يُسَامَحُ فِيهِ وَلَوْ سَالَ وَلَوَّثَ الثَّوْبَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ إِزَالَةُ نَجَسٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ، وَالْحُكْمِيَّةِ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَالنَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ هِيَ الَّتِي لا يُدْرَكُ لَهَا لَوْنٌ وَلا طَعْمٌ وَلا رِيحٌ.

   الشَّرْحُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ إِزَالَةُ النَّجَسِ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَمَّا الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَلا يُشْتَرَطُ كَدَمِ جُرْحِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ تَكُونُ بِإِزَالَةِ عَيْنِهَا وَالْمُرَادُ هُنَا إِزَالَةُ جِرْمِهَا وَأَوْصَافِهَا مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ فَبَعْدَ إِزَالَةِ جِرْمِهَا يُشْتَرَطُ إِزَالَةُ أَوْصَافِهَا أَيِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ. وَأَمَّا أَثَرُ لَوْنِ النَّجَاسَةِ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الثَّوْبِ بَعْدَ غَسْلِهِ جَيِّدًا فَلا يَضُرُّ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَتَصِحُّ الصَّلاةُ مَعَ وُجُودِهِ.

   وَقَوْلُهُ «بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ» يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّمْسَ وَالرِّيحَ لا تُطَهِّرَانِ بَلْ الْمُطَهِّرُ هُوَ الْمَاءُ. وَقَوْلُهُ «وَالْحُكْمِيَّةِ بِجِرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا» يُرِيدُ بِهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ وَهِيَ الَّتِي لا يُدْرَكُ لَهَا جِرْمٌ وَلا وَصْفٌ كَبَوْلٍ جَفَّ لا رِيحَ لَهُ وَلا طَعْمَ وَلا لَوْنَ تَحْصُلُ إِزَالَتُهَا بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْكَلْبِيَّةِ بِغَسْلِهَا سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ مَمْزُوجَةٌ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ، وَالْمُزِيلَةُ لِلْعَيْنِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ وَاحِدَةٌ وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ إِنْ كَانَ قَلِيلًا.

   الشَّرْحُ النَّجَاسَةُ الْكَلْبِيَّةُ وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرِيَّةُ تُزَالُ بِغَسْلِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ مَمْزُوجَةٌ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ كَأَنْ يُوضَعَ التُّرَابُ فِي الْمَاءِ فَيُكَدِّرَهُ فَإِذَا وَصَلَ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي كَدَّرَهُ إِلَى جَمِيعِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ الْكَلْبِيَّةُ أَوِ الْخِنْزِيرِيَّةُ أَجْزَأَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتِ الْمَرَّاتُ السَّبْعُ الَّتِي غُسِلَ بِهَا مَمْزُوجَةً بِالتُّرَابِ صَحَّ لِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ دَخَلَهُ التُّرَابُ يَبْقَى طَهُورًا. وَمَا يُزِيلُ الْجِرْمَ مَعَ الْوَصْفِ مِنَ الْغَسَلاتِ يُعَدُّ غَسْلَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي طُهْرِ الْمُتَنَجِّسِ مُطْلَقًا وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ إِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنْصَبِّ مِنْ نَحْوِ أُنْبُوبَةٍ وَصَاعِدٍ مِنْ نَحْوِ فَوَّارَةٍ فَإِنْ وَرَدَ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ تَنَجَسَّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ زِيَادَةً عَلَى الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ وَعَنِ النَّجَاسَةِ وَلِبَيَانِ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ.

   الشَّرْحُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ أَيْ جِرْمِهَا أَوْ مَا يُحَاذِي جِرْمَهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ أَوِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَلَوِ اسْتَقْبَلَ مُشَاهِدُ الْكَعْبَةِ الْكَعْبَةَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجٌ عَنْهَا لَمْ يَكْفِ. وَالْمُرَادُ بِالْكَعْبَةِ الْقَدْرُ الْقَائِمُ الآنَ. وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِالصَّدْرِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَبِمُعْظَمِ الْبَدَنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَالْقَادِرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ لا يَأْخُذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ وَإِنْ فَعَلَ لا تَنْعَقِدُ صَلاتُهُ بَلْ يَجْتَهِدُ هُوَ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا إِنْ دَخَلَ بَيْتَ ثِقَةٍ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ الثِّقَةُ عَنْ عِلْمٍ لا عَنِ اجْتِهَادٍ هَكَذَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى كَلامِهِ. وَأَمَّا الطِّفْلُ الْمُمَيِّزُ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الِاجْتِهَادَ فَيُقَالُ لَهُ الْقِبْلَةُ مِنْ هُنَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلاةِ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ مَعْرِفَةُ دُخُولِ الْوَقْتِ يَقِينًا كَأَنْ يُعَايِنَ الزَّوَالَ بِرُؤْيَةِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ بُلُوغِ الشَّمْسِ وَسَطَ السَّمَاءِ أَوْ يُعَايِنَ تَحَوُّلَهُ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ أَوْ ظَنًّا بِاجْتِهَادٍ كَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى صِيَاحِ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. وَإِذَا عَمِلَ التَّقِيُّ الثِّقَةُ الْعَارِفُ تَقْويِمًا لِأَوْقَاتِ الصَّلاةِ اعْتِمَادًا عَلَى مُرَاقَبَتِهِ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يَنْظُرَ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ إِلَى الظِّلِّ لِصَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِلَى الأُفُقِ لِلصَّلَوَاتِ الثَّلاثِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ. وَكَذَلِكَ يُعْرَفُ دُخُولُ الْوَقْتِ بِقَوْلِ الثِّقَةِ أَوْ بِسَمَاعِ أَذَانِهِ. وَلا يَكْفِي الْقِيَامُ لِلصَّلاةِ وَالدُّخُولُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ بَلْ تِلْكَ الصَّلاةُ فَاسِدَةٌ وَلَوْ صَادَفَتِ الْوَقْتَ. وَأَمَّا مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ لِأَجْلِ غَيْمٍ فَيَجْتَهِدُ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى مِنَ الأَيَّامِ الَّتِي رَاقَبَ فِيهَا عَلَى التَّحْقِيقِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالإِسْلامُ وَالتَّمْيِيزُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ إِلَى حَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي مُسْلِمًا فَالْكَافِرُ لا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلاةُ. كَذَلِكَ التَّمْيِيزُ شَرْطٌ فَالْوَلَدُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلاةُ فَلا يُقَالُ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ صَلِّ بَلْ يُقَالُ لَهُ انْظُرْ كَيْفَ الصَّلاة.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْعِلْمُ بِفَرْضِيَتِهَا.

   الشَّرْحُ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ الْعِلْمُ بِفَرْضِيَتِهَا فَلَوْ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِيهَا هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَوْ لا أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا نَفْلٌ لَيْسَتْ فَرْضًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاتُهُ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّهَا فَرْضٌ فَتَصِحَّ مِنْهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ لا يَعْتَقِدَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِهَا سُنَّةً.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ أَنْ لا يَعْتَقِدَ أَنَّ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِهَا سُنَّةٌ أَيْ غَيْرُ وَاجِبٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ لِلْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَرْضٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ أَفْعَالَهَا أَوْ أَقْوَالَهَا كُلَّهَا فُرُوضٌ صَحَّتْ صَلاتُهُ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ وَبَعْضَ أَفْعَالِهَا سُنَّةٌ وَلَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنَّ صَلاتَهُ صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِيُّ وَغَيْرُهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالسَّتْرُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبِمَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ لا الأَسْفَلِ.

   الشَّرْحُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ وَخَالِيًا تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْعَوْرَةُ فِي الصَّلاةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَيِ الأُنْثَى الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ جَمِيعُ بَدَنِهَا إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. وَالسَّتْرُ يَحْصُلُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْجِلْدِ وَالشَّعَرِ، وَأَمَّا مَا لا يَسْتُرُ اللَّوْنَ فَلا يَكْفِي، فَلا يَكْفِي الثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي تُمَيَّزُ مِنْ خَلْفِهِ الْبَشَرَةُ السَّمْرَاءُ مِنَ الْبَشَرَةِ الْبَيْضَاءِ. وَأَمَّا حَدُّ الْعَوْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ فَهُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَلَيْسَتِ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةً إِنَّمَا الْعَوْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا. وَهَذَا السَّتْرُ الْمُشْتَرَطُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ لا مِنَ الأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى الشَّخْصُ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ وَكَانَتْ تُرَى عَوْرَتُهُ لِمَنْ نَظَرَ مِنْ أَسْفَلَ لَكِنَّهَا لا تُرَى مِنَ الأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ صَحَّتْ صَلاتُهُ.

 

مُبْطِلاتُ الصَّلاةِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالْكَلامِ وَلَوْ بِحَرْفَيْنِ أَوْ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ إِلَّا أَنْ نَسِيَ وَقَلَّ.

   الشَّرْحُ الصَّلاةُ تَبْطُلُ بِمَا هُوَ مِنْ كَلامِ النَّاسِ عَمْدًا مَعَ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا لا يَسْتَطِيعُ تَرْكَ ذَلِكَ النُّطْقَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ النُّطْقُ بِحَرْفَيْنِ كَهَلْ وَبَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَعْنًى وَبِحَرْفٍ مَمْدُودٍ كَأَنْ يَقُولَ ءَا أَوْ إِيْ أَوْ أُو فَإِنَّهُ بِسَبَبِ الْمَدِّ صَارَ حَرْفَيْنِ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ قِ بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ لا يَتْبَعُهَا شَىْءٌ وَكَذَلِكَ عِ بِعَيْنٍ مَكْسُورَةٍ وَكَذَلِكَ فِ بِكَسْرِ الْفَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ الثَّلاثَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ مَعْنًى يُفْهَمُ مِنْهُ فَقِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوِقَايَةِ وَعِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوَعْيِ وَفِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوَفَاءِ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ يُبْطِلُ الصَّلاةَ إِنْ كَانَ عَمْدًا أَيْ وَمَعَ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ وَكَانَ عَالِمًا بِالتَّحْريِمِ. فَأَمَّا النَّاسِي أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ قَلِيلٍ أَيْ سِتِّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ فَأَقَلَّ فَلا يُبْطِلُ نُطْقُهُ هَذَا صَلاتَهُ وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ وَاشْتَرِ لِي خُبْزًا ثُمَّ أَحْضِرْهُ لِي ثُمَّ ضَعْهُ فِي مَكَانِ كَذَا وَنَحْوَ هَذَا. وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِحُرْمَةِ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ وَقْتٍ قَرِيبٍ أَوْ لِكَوْنِهِ نَشَأَ فِي بَلَدٍ بَعِيدَةٍ عَمَّنْ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ كَلامُهُ فِي الصَّلاةِ صَلاتَهُ. وَأَمَّا التَّنَحْنُحُ فَفِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ رَأْيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُبْطِلُ وَالآخَرُ لا يُبْطِلُ. وَخَرَجَ بِكَلامِ النَّاسِ ذِكْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مَا يَسَعُ قَدْرَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَقِيلَ ثَلاثُ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، وَالأَوَّلُ أَقْوَى دَلِيلًا.

   الشَّرْحُ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّلاةَ الْفِعْلُ الْكَثِيرُ الْمُتَوَالِي وَضَبَطُوهُ بِثَلاثِ حَرَكَاتٍ سَوَاءٌ كَانَ بِثَلاثَةِ أَعْضَاءٍ كَحَرَكَةِ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلاثِ خَطَوَاتٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا ثَلاثُ حَرَكَاتٍ غَيْرُ مُتَوَالِيَاتٍ فَلا تُفْسِدُ الصَّلاةَ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ مِنَ الْفِعْل إِلَّا مَا وَسِعَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ فِي ءَانٍ وَاحِدٍ أَيْ مُتَوَالِيًا وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ كَبِيرٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالْحَرَكَةِ الْمُفْرِطَةِ وَبِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ وَبِالْحَرَكَةِ الْوَاحِدَةِ لِلَّعِبِ.

   الشَّرْحُ مِنَ الْفِعْلِ الْمُبْطِلِ الْحَرَكَةُ الْمُفْرِطَةِ كَالْوَثْبَةِ. وَمِنَ الْمُبْطِلِ أَيْضًا الْحَرَكَةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا كَانَتْ لِلَّعِبِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُفْرِطَةً أَمَّا إِذَا ابْتَسَمَ أَوْ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ وَلَدٍ صَغِيرٍ مَثَلًا لإِينَاسِهِ فَلا يُبْطِلُ ذَلِكَ الصَّلاةَ. وَلا يُفْسِدُ الصَّلاةَ تَحْرِيكُ الأَصَابِعِ مَعَ اسْتِقْرَارِ الْكَفِّ وَإِنْ كَثُرَ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيكُ الْجَفْنِ أَوِ اللِّسَانِ أَوِ الأُذُنِ وَحَلُّ زِرٍّ وَعَقْدُهُ وَلَوْ كَثُرَ إِنْ كَانَ الْكَفُّ قَارًّا مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّعِبِ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ كَأَنْ عَمِلَ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا ذَاكِرًا ذَلِكَ أَمَّا الرُّكْنُ الْقَوْلِيُّ إِذَا كَرَّرَهُ فَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ فَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مَثَلًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلاتُهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِلَّا أَنْ نَسِيَ وَقَلَّ.

   الشَّرْحُ مِنْ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ إِلَّا مَا كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ إِنْ كَانَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ قَلِيلًا. وَكَذَا تَبْطُلُ الصَّلاةُ إِذَا تَقَيَّأَ عَامِدًا أَوْ مَغْلُوبًا وَكَذَا لَوْ تَجَشَّأَ فَوَصَلَ الْجُشَاءُ إِلَى ظَاهِرِ الْفَمِ وَلَوْ لَمْ يَبْلَعْهُ أَمَّا إِنْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ شَىْءٌ مِنَ الْجَوْفِ إِلَى ظَاهِرِ الْفَمِ عِنْدَمَا تَجَشَّأَ أَوْ لا فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِنِيَّةِ قَطْعِ الصَّلاةِ وَبِتَعْلِيقِ قَطْعِهَا عَلَى شَىْءٍ وَبِالتَّرَدُّدِ فِيهِ.

   الشَّرْحُ مَنْ نَوَى فِي قَلْبِهِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلاةَ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ رَكْعَةٍ مَثَلًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ بِتَعْلِيقِ الْقَطْعِ بِشَىْءٍ كَأَنْ قَالَ فِي نَفْسِهِ إِنْ حَصَلَ كَذَا فَإِنِّي أَقْطَعُهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ حَالًا، وَكَذَلِكَ بِالتَّرَدُّدِ فِيهِ كَأَنْ قَالَ «أَقْطَعُهَا أَمْ أَسْتَمِرُّ فِيهَا» فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ خَاطِرًا أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يُورِثْهُ تَرَدُّدًا وَلا عَزْمًا عَلَى الْقَطْعِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِأَنْ يَمْضِيَ رُكْنٌ مَعَ الشَّكِّ فِي نِيَّةِ التَّحَرُّمِ أَوْ يَطُولَ زَمَنُ الشَّكِّ.

   الشَّرْحُ مَنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الصَّلاةِ هَلْ نَوَى فِي التَّحَرُّمِ أَوْ لا وَاسْتَمَرَ هَذَا الشَّكُّ حَتَّى مَضَى رُكْنٌ وَهُوَ يَشُكُّ فَإِنَّ صَلاتَهُ تَبْطُلُ كَأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ فِي هَذَا الشَّكِّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ شَاكٌّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَكَذَلِكَ إِذَا طَالَ زَمَنُ الشَّكِّ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مَعَهُ رُكْنٌ، فَأَمَّا إِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مَعَ الشَّكِّ رُكْنٌ أَوْ يَطُولَ وَقْتُ الشَّكِّ لَمْ تَبْطُلْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشُكَّ فَيَزُولَ سَرِيعًا. وَأَمَّا ظَنُّ أَنَّهُ فِي صَلاةٍ غَيْرِ الصَّلاةِ الَّتِي دَخَلَ بِنِيَّتِهَا فَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَلَوْ أَتَمَّهَا وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ شُرُوطِ قَبُولِ الصَّلاةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ لِقَبُولِهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَقْصِدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنْ يَكُونَ مَأْكَلُهُ وَمَلْبُوسُهُ وَمُصَلَّاهُ حَلالًا وَأَنْ يَخْشَعَ لِلَّهِ قَلْبُهُ فِيهَا وَلَوْ لَحْظَةً فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ صَحَّتْ صَلاتُهُ بِلا ثَوَابٍ.

   الشَّرْحُ هَذَا بَيَانٌ لِشُرُوطِ الْقَبُولِ وَهِيَ غَيْرُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا قَبْلُ لِأَنَّ تِلْكَ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهَا وَأَمَّا الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَهِيَ شَرَائِطُ لِنَيْلِ الثَّوَابِ فَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ صَحَّتْ صَلاتُهُ لَكِنْ بِلا ثَوَابٍ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ الإِخْلاصُ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ أَنْ يَقْصِدَ بِصَلاتِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ لا أَنْ يَمْدَحَهُ النَّاسُ وَيُثْنُوا عَلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ مَأْكَلُهُ وَمَلْبُوسُهُ وَمَكَانُ صَلاتِهِ حَلالًا فَمَنْ كَانَ مَأْكَلُهُ أَوْ مَلْبُوسُهُ أَوْ مَكَانُ صَلاتِهِ حَرَامًا فَإِنَّهُ لا ثَوَابَ لَهُ مَعَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً أَيْ مُجْزِئَةً. وَمِنْهَا إِحْضَارُ الْقَلْبِ أَيْ أَنْ يَخْشَعَ لِلَّهِ وَلَوْ لَحْظَةً فَمَنْ لَمْ يَخْشَعْ لِلَّهِ لَحْظَةً فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِلا ثَوَابٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [سُورَةَ الْمُؤْمِنُون] وَمَعْنَى الْخُشُوعِ هُوَ اسْتِشْعَارُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْتِشْعَارِ مَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ.

 

أَرْكَانُ الصَّلاةِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَرْكَانِ الصَّلاةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرْكَانُ الصَّلاةِ سَبْعَةَ عَشَرَ الأَوَّلُ النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ لِلْفِعْلِ وَيُعَيِّنُ ذَاتَ السَّبَبِ أَوِ الْوَقْتِ وَيَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ فِي الْفَرْضِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ النِّيَّةَ هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ وَهِيَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ فَالنُّطْقُ بِهَا بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَالأَمْرُ الضَّرُورِيُّ فِي النِّيَّةِ هُوَ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الصَّلاةِ فِي التَّكْبِيرِ. وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعَيِّنَ الصَّلاةَ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ كَالْخُسُوفِ وَالصَّلاةَ الَّتِي لَهَا وَقْتٌ كَالضُّحَى، وَأَنْ يَنْوِيَ إِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ مَفْرُوضَةً أَنَّهَا فَرْضٌ، كُلُّ ذَلِكَ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ مَعَ التَّكْبِيرِ أَيْ ضِمْنَهُ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، يَقُولُ بِقَلْبِهِ مَثَلًا أُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ أَوْ أُصَلِّي فَرْضَ الْعَصْرِ أَوْ أُصَلِّي الضُّحَى أَوْ أُصَلِّي الْوِتْرَ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ غَيْرُ لازِمَةٍ فَتَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَقُولُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ كَكُلِّ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ اللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ ثَانِي أَرْكَانِهَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِمَّا هُوَ لازِمٌ لا يَصِحُّ التَّكْبِيرُ بِدُونِهِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ جَمِيعَ حُرُوفِهِ، وَكَذَا كُلُّ رُكْنٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالسَّلامِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ.

   وَالتَّكْبِيرُ هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لا يَمُدَّ الْبَاءَ بِحَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ «أَكْبَار» فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلاةَ أَيْ لا تَنْعَقِدُ الصَّلاةُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الأَكْبَارَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ كَبَرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ جَاهِلًا بِالْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمَعْنَى وَقَالَ ذَلِكَ عَمْدًا كَفَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَعْنَى  وَالتَّعَمُّدِ لِلنُّطْقِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَلْيُحْذَرْ ذَلِكَ فِي الأَذَانِ أَيْضًا.

   وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ لا يَمُدَّ الْهَمْزَةَ الَّتِي هِيَ أَوَّلَ لَفْظِ الْجَلالَةِ فَلَوْ قَالَ ءَاللَّهُ أَكْبَرُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاتُهُ وَيَحْرُمُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ، وَإِنْ فَهِمَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الِاسْتِفْهَامُ وَنَطَقَ بِهِ عَمْدًا فَقَدْ كَفَرَ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ هَلِ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ قَدْرًا وَعِلْمًا أَوْ لَيْسَ أَكْبَر؟ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لا يَزِيدَ وَاوًا قَبْلَ لَفْظِ الْجَلالَةِ فَلَوْ قَالَ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، كَذَلِكَ لَوْ زَادَ وَاوًا بَيْنَ لَفْظِ الْجَلالَةِ وَ(أَكْبَر) وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْدَلَ هَمْزَةَ أَكْبرَ بِالْوَاوِ فَقَالَ «اللَّهُ وَكْبَر».

   فَائِدَةٌ لَوْ تَوَسْوَسَ الْمَأْمُومُ فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ فَصَارَ يُعِيدُ التَّكْبِيرَ عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمَأْمُومِينَ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَنْ قَعَدَ يَتَكَلَّمُ بِجِوَارِ الْمُصَلِّي أَيْ بِحَيْثُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الثَّالِثُ الْقِيَامُ فِي الْفَرْضِ لِلْقَادِرِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ الْقِيَامَ فِي الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَوْ نَذْرًا أَوْ صَلاةَ جِنَازَةٍ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا مِنَ الصَّبِي الْقِيَامُ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَبِيرِ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِأَنْ كَانَتْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ لا تُحْتَمُلُ عَادَةً صَحَّتْ صَلاتُهُ قَاعِدًا، وَيَكُونُ رُكُوعُ الْقَاعِدِ بِأَنْ يُحَاذِيَ رَأْسُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ وَالأَفْضَلُ أَنْ يُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مُضْطَجِعًا عَلَى جَنْبٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى جَنْبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مُسْتَلْقِيًا وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمُقَدَّمَ صَدْرِهِ وُجُوبًا وَلَوْ قَلِيلًا لِيَتَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَكُونُ اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ فَلا تَصِحُّ صَلاتُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ رَفْعَ رَأْسِهِ اقْتَصَرَ عَلَى تَوْجِيهِ أَخْمَصَيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَأَنْ يَكُونَ لا يَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ يَنْبَطِحَ عَلَى وَجْهِهِ صَلَّى وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِنْ أَمْكَنَ وَأَشَارَ بِهِ لِلرُّكُوعِ وَلِلسُّجُودِ أَخْفَض فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَحْرِيكِ رَأْسِهِ صَلَّى بِطَرْفِهِ أَيْ بِجَفْنِهِ أَيْ يُحَرِّكُ جَفْنَهُ بِنِيَّةِ الرُّكُوعِ ثُمَّ بِنِيَّةِ السُّجُودِ وَيَخْفِضُ لِلسُّجُودِ أَشَدَّ وَلا يَصِحُّ الإِغْمَاضُ إِشَارَةً لِلرُّكُوعِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْرَى الأَرْكَانَ الْفِعْلِيَّةَ عَلَى قَلْبِهِ. وَأَمَّا الأَرْكَانُ الْقَوْلِيَّةُ فَيَقْرَؤُهَا بِلِسَانِهِ فَإِنِ ارْتَبَطَ لِسَانُهُ أَجْرَاهَا أَيْضًا عَلَى قَلْبِهِ. ثُمَّ شَرْطُ الْقِيَامِ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَنَصْبُ فَقَارِ ظَهْرِهِ. وَلا يَجِبُ نَصْبُ الرَّقَبَةِ بَلْ يُسَنُّ خَفْضُ رَأْسِهِ إِلَى الأَمَامِ قَلِيلًا. وَيُسَنُّ وَضْعُ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّحَرُّم ِتَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بِالْبَسْمَلَةِ وَالتَّشْدِيدَاتِ وَيُشْتَرَطُ مُوَالاتُهَا وَتَرْتِيبُهَا وَإِخْرَاجُ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا.

   الشَّرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِيهَا بَيَانُ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ لِلصَّلاةِ، فَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَلا يُسْتَثْنَى الْمَأْمُومُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا يُسْتَثْنَى فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلاثَةِ الأُخْرَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَذْهَبِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمَأْمُومِ عِنْدَهُمْ.

   ثُمَّ إِنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ ءَايَاتٍ وَالْبَسْمَلَةُ ءَايَةٌ مِنْهَا فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ.

   وَكَذَلِكَ تَجِبُ التَّشْدِيدَاتُ الأَرْبَعَ عَشْرَةَ فِيهَا فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ لِلْفَاتِحَةِ فَلا تَصِحُّ صَلاتُهُ، فَلَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ إِنْ لَمْ يُعِدْ تِلْكَ الْكَلِمَةَ عَلَى الصَّوَابِ بِخِلافِ تَشْدِيدِ الْمُخَفَّفِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ.

   وَإِنْ تَرَكَ التَّشْدِيدَ عَلَى لَفْظِ إِيَّاكَ وَخَفَّفَ الْيَاءَ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ صَارَ كَافِرًا لِأَنَّ الإِيَا ضَوْءُ الشَّمْسِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ نَعْبُدُ ضَوْءَ الشَّمْسِ.

   وَتَجِبُ مُرَاعَاةُ مُوَالاتِهَا بِأَنْ لا يَفْصِلَ بَيْنَ شَىْءٍ مِنْهَا وَمَا بَعْدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ إِلَّا أَنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَيَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ غَلَبَهُ السُّعَالُ مَثَلًا. وَسَكْتَةُ التَّنَفُّسِ هِيَ مِقْدَارُ مَا يَسْكُتُ النَّاسُ عَادَةً أَثْنَاءَ كَلامِهِمْ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَتَنَفَّسُوا لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً بِمِقْدَارِ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ بَلْ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَتَنْقَطِعُ الْمُوَالاةُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ قَلَّ كَالْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعَاطِسِ، نَعَمْ إِنْ سُنَّ فِيهَا لِمَصْلَحَتِهَا كَالتَّأْمِينِ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ وَنَحْوِ قَوْلِ «بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» ءَاخِرَ قِرَاءَةِ وَالتِّينِ مِنَ الإِمَامِ فَلا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ مُوَالاةُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مِنَ الْمَأْمُومِ.

   وَيَجِبُ تَرْتِيبُ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ. وَيَجِبُ أَيْضًا إِخْرَاجُ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا. وَأَوْلَى الْحُرُوفِ عِنَايَةً بِذَلِكَ الصَّادُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُخْرِجُونَهَا غَيْرَ صَافِيَةٍ. وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ بِعَدَمِ صِحَّةِ قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَأُ كَذَلِكَ أَيْ يَأْتِي بِالصَّادِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّينِ لا هِيَ صَادٌ مَحْضَةٌ وَلا هِيَ سِينٌ مَحْضَةٌ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَا الأَنْصَارِيُّ فِي شَرْحِ الْجَزَرِيَّةِ «حُرُوفُ الصَّفِيرِ (صَادٌ) مُهْمَلَةٌ (وَزَايٌ) وَ(سِينٌ) مُهْمَلَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصَوْتٍ يَخْرُجُ مَعَهَا يُشْبِهُ صَفِيرَ الطَّائِرِ، وَفِيهَا لِأَجْلِ صَفِيرِهَا قُوَّةٌ، وَأَقْوَاهَا فِي ذَلِكَ الصَّادُ لِلإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلاءِ اهـ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَدَمُ اللَّحْنِ الْمُخِلِّ بِالْمَعْنَى كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ، وَيَحْرُمُ اللَّحْنُ الَّذِي لَمْ يُخِلَّ وَلا يُبْطِلْ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْفَاتِحَةِ أَنْ لا يَأْتِيَ بِلَحْنٍ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى أَيْ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى أَوْ يُبْطِلُهُ فَمَنْ أَتَى بِلَحْنٍ فِيهَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ بِضَمِّ التَّاءِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ بَلْ تَبْطُلُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ إِنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا فَقِرَاءَتُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا عَلَى الصَّوَابِ وَإِلَّا فَسَدَتْ صَلاتُهُ.

وَأَمَّا اللَّحْنُ الْمُبْطِلُ لِلْمَعْنَى فَهُوَ كَقِرَاءَةِ الَّذِينَ بِالزَّايِ فَإِنَّهُ لا مَعْنَى لَهُ الْبَتَّةَ فَهُوَ كَالْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى. وَأَمَّا اللَّحْنُ الَّذِي لا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى فَتَصِحُّ مَعَهُ صَلاتُهُ كَقِرَاءَة نِعْبُدُ بِكَسْرِ النُّونِ فَإِنَّهَا لا تُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَمِنَ الْمُبْطِلِ قِرَاءَةُ نَعْبَدُ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَهُوَ مِنَ اللَّحْنِ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى فَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَإِلَّا فَقِرَاءَتُهُ فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ إِنْ لَمْ يُعِدِ الْكَلِمَةَ عَلَى الصَّوَابِ، وَتَعَمُّدُهَا مَعَ مَعْرِفَةِ الْمَعْنَى كُفْرٌ لِأَنَّ مَعْنَى نَعْبَدُ نَأْنَفُ وَنَغْضَبُ، يُقَالُ عَبِدَ يَعْبَدُ كَغَضِبَ يَغْضَبُ وَزْنًا وَمَعْنًى فَلْيُحْذَرْ مَا فِي كِتَابِ فَتْحِ الْعَلَّامِ مِنْ أَنَّهُ لا يُبْطِلُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخَامِسُ الرُّكُوعُ بِأَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الرُّكْنَ الْخَامِسَ هُوَ الرُّكُوعُ وَيَحْصُلُ بِالِانْحِنَاءِ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي تَنَالُ أَيْ تَبْلُغُ الرَّاحَتَانِ رُكْبَتَيْهِ لَوْ وَضَعَهُمَا عَلَيْهِمَا مَعَ اعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ، وَالرَّاحَتَانِ هُمَا مَا عَدَا الأَصَابِعِ مِنَ الْكَفَّيْنِ فَالرَّاحَةُ هِيَ مَا بَيْنَ الأَصَابِعِ وَالسَّاعِدِ.

   وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِانْحِنَاءُ بِلا انْخِنَاسٍ أَيْ ثَنْيِ الرُّكْبَتَيْنِ كَثِيرًا. وَلا يَكْفِي بُلُوغُ الأَصَابِعِ دُونَ الرَّاحَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا. وَيُشْتَرَطُ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ فَلَوْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ هَذَا الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ لَمْ يَصِحَّ رُكُوعُهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّادِسُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهِيَ سُكُونُ كُلِّ عَظْمٍ مَكَانَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً.

   الشَّرْحُ أَنَّ الرُّكْنَ السَّادِسَ هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ، وَالْمُرَادُ بِالطُّمَأْنِينَةِ اسْتِقْرَارُ الأَعْضَاءِ دَفْعَةً وَاحِدَةً.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّابِعُ الِاعْتِدَالُ بِأَنْ يَنْتَصِبَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَائِمًا الثَّامِنُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ.

   الشَّرْحُ مَعْنَى الِاعْتِدَالِ عَوْدُ الرَّاكِعِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ إِنْ كَانَ قِيَامًا أَوْ غَيْرَهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: التَّاسِعُ السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ بِأَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مُصَلَّاهُ مَكْشُوفَةً وَمُتَثَاقِلًا بِهَا وَمُنَكِّسًا أَيْ يَجْعَلُ أَسَافِلَهُ أَعْلَى مِنْ أَعَالِيهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الرُّكْنَ التَّاسِعَ هُوَ السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالسُّجُودُ فِي الشَّرْعِ هُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَثَاقِلًا بِجَبْهَتَهِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ قُطْنٌ لَانْكَبَسَ وَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى يَدِهِ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ الْقُطْنِ وَتَنْكِيسُ رَأْسِهِ بِارْتِفَاعِ أَسَافِلِهِ عَلَى أَعَالِيهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَضَعَ شَيْئًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بُطُونِ كَفَّيْهِ وَمِنْ بُطُونِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السُّجُودِ أَنْ يَضَعَ جُزْءًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بُطُونِ كَفَّيْهِ وَمِنْ بُطُونِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْشُوفَةً عَلَى الأَرْضِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ شَرْطًا فِي السُّجُودِ التَّنْكِيسُ فَلَوْ كَانَ رَأْسُهُ أَعْلَى مِنْ دُبُرِهِ صَحَّتِ الصَّلاةُ عِنْدَهُمْ.

   الشَّرْحُ هَذَا مَذْهَبُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَلَكِنِ الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ أَنْ لا يَخْرُجَ عَنِ اسْمِ السُّجُودِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعَاشِرُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ الْحَادِي عَشَرَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ.

   الشَّرْحُ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ ذِكْرُ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ أَحَدُهَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي السُّجُودَيْنِ وَثَانِيهَا الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ الْحَادِي عَشَرَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ رُكْنٌ وَلَوْ كَانَتِ الصَّلاةُ نَفْلًا وَثَالِثُهَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذَا الْجُلُوسِ وَهِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الثَّالِثَ عَشَرَ الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالسَّلامِ الرَّابِعَ عَشَرَ التَّشَهُّدُ الأَخِيرُ فَيَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أَقَلَّهُ وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَمَا بَعْدَهُ. وَلِلتَّشَهُّدِ أَقَلُّ وَأَكْمَلُ فَأَقَلُّهُ الَّذِي لا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَتْنِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخَامِسَ عَشَرَ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَلُّهَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ.

   الشَّرْحُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ تَعْيِينَ هَذَا اللَّفْظِ بِحُرُوفِهِ بِحَيْثُ لا يَجُوزُ إِبْدَالُ كَلِمَةٍ مِنْهُ بِغَيْرِهَا بَلْ يَصِحُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَنَحْوُهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّادِسَ عَشَرَ السَّلامُ وَأَقَلُّهُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ إِجْزَاءِ السَّلامِ الإِتْيَانُ بِأَلْ فَلا يَكْفِي سَلامٌ عَلَيْكُمْ. وَكَذَلِكَ لا يَكْفِي إِبْدَالُ كَلِمَةِ عَلَيْكُمْ بِعَلَيْكَ بِدُونِ مِيمٍ. وَتُشْتَرَطُ الْمُوَالاةُ بَيْنَ كَلِمَتَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَكَوْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِصَدْرِهِ إِلَى تَمَامِهِ وَذَلِكَ بِالإِتْيَانِ بِمِيمِ عَلَيْكُمْ. أَمَّا أَكْمَلُهُ فَيَحْصُلُ بِزِيَادَةِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّابِعَ عَشَرَ التَّرْتِيبُ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنَ التَّرْتِيبِ لِأَرْكَانِهَا كَمَا ذُكِرَ فِي تَعْدَادِهَا وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى قَرْنِ النِّيَّةِ فِي التَّكْبِيرِ بِالْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ لِلْمُسْتَطِيعِ وَإِيقَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ وَإِيقَاعِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُعُودِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ كَأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ قَدَّمَ رُكْنًا قَوْلِيًّا هُوَ السَّلامُ أَوْ رُكْنًا فِعْلِيًّا مُطْلَقًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَذَلِكَ كَأَنْ يَسْجُدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَتَبْطُلُ صَلاتُهُ إِجْمَاعًا لِتَلاعُبِهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنْ سَهَا فَلْيَعُدْ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَتَتِمُّ بِهِ رَكْعَتُهُ وَلَغَا مَا سَهَا بِهِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ تَرْكَهُ لِلرُّكُوعِ إلَّا بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فِي الْقِيَامِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْ فِي السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَهُ لَغَا مَا فَعَلَهُ بَيْنَ ذَلِكَ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ الرُّكْنَ الْمَتْرُوكَ فَمَا فَعَلَهُ بَعْدَهُ لَغْوٌ أَيْ لا يُحْسَبُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ فَوْرًا مُحَافَظَةً عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهَذَا إِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ وَقَدْ صَارَ فِي مِثْلِهِ تَمَّتْ بِهَذَا رَكْعَتُهُ. وَكَذَلِكَ إِذَا تَذَكَّرَ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ مِثْلِ الْمَتْرُوكِ فَتَتِمُّ رَكْعَتُهُ بِمَا فَعَلَ وَيُلْغِي مَا بَيْنَهُمَا. وَهَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُومِ أَمَّا الْمَأْمُومُ فَلا يَعُودُ لَهُ بَلْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ.

   مَسْئَلَةٌ. الشَّكُّ فِي هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ كَالتَّذَكُّرِ فَلَوْ رَكَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لا أَوْ شَكَّ وَهُوَ سَاجِدٌ هَلْ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ أَوْ لا قَامَ فَوْرًا وُجُوبًا وَلا يَكْفِيهِ لَوْ قَامَ رَاكِعًا وَأَمَّا مَنْ شَكَّ وَهُوَ قَائِمٌ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لا فِي رَكْعَتِهِ هَذِهِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ فَوْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَحَلِّهَا لَكِنْ لا بُدَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ إِنْ لَمْ يَزُلْ شَكُّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَيَتَيَقَّنْ أَنَّهُ قَرَأَهَا.

   فَائِدَةٌ. مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالأَقَلِّ.

 

الْجَمَاعَةُ وَالْجُمُعَةُ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْجَمَاعَةُ عَلَى الذُّكُورِ الأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

   الشَّرْحُ الْحَالُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ هِيَ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي حَقِّ الذُّكُورِ الأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ فَخَرَجَ بِالذُّكُورِ النِّسَاءُ فَلَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِنَّ، وَخَرَجَ بِالأَحْرَارِ الْعَبِيدُ فَلَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِمْ. وَخَرَجَ بِالْمُقِيمِينَ الْمُسَافِرُونَ فَمَنْ دَخَلَ بَلْدَةً بِنِيَّةِ الإِقَامَةِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِ غَيْرُ فَرْضٍ، وَخَرَجَ بِالْبَالِغِينَ الصِّبْيَانُ فَلَيْسَتْ فَرْضًا فِي حَقِّهِمْ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَ الطِّفْلَ الْمُمَيِّزَ بِالْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ. وَخَرَجَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِينَ الْمَعْذُورُونَ بِعُذْرٍ مِنَ الأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ كَالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثَّوْبَ وَالْخَوْفِ مِنَ الْعَدُوِّ بِذَهَابِهِ إِلَى مَكَانِ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ. وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا أَيْضًا الْعَقْلُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَتْنِ لِظُهُورِ حُكْمِهِ. وَيَحْصُلُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِإِقَامَتِهَا بَحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ بِأَنْ تُقَامَ فِي الْبَلَدِ الصَّغِيرَةِ فِي مَحَلٍّ وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ قَاصِدَهَا إِدْرَاكُهَا بِلا مَشَقَّةٍ ظَاهِرَةٍ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الْجُمُعَةِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ مُكَلَّفِينَ مُسْتَوْطِنِينَ فِي أَبْنِيَةٍ لا فِي الْخِيَامِ لِأَنَّهَا لا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ. وَتَجِبُ عَلَى مَنْ نَوَى الإِقَامَةَ عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ أَيْ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَعَلَى مَنْ بَلَغَهُ نِدَاءُ صَيِّتٍ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِ مِنْ بَلَدِهَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْجُمُعَةِ فَرْضُ عَيْنٍ فَلا تَصِحُّ فُرَادَى، وَفَرْضِيَّتُهَا عَلَى مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالأَوْصَافِ السَّابِقَةِ الذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالإِقَامَةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَفُقْدَانِ الْعُذْرِ، وَكُلُّ مَا هُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فَهُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ. وَإِنَّمَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ ذَكَرًا مُسْتَوْطِنًا إِقَامَتُهُمْ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةٍ أَيْ فِي مَكَانٍ مَعْدُودٍ مِنَ الْبَلَدِ وَلَوْ كَانَتِ الأَبْنِيَةُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ سَعَفٍ. وَلا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ.

وَتَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ نَوَى الإِقَامَةَ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ أَيْ كَوَامِلَ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْقَطِعُ السَّفَرُ. وَتَجِبُ أَيْضًا عَلَى مَنْ تَوَطَّنَ مَحَلًّا يَبْلُغُهُ مِنْهُ النِّدَاءُ مِنْ شَخْصٍ صَيِّتٍ أَيْ عَالِي الصَّوْتِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَاقِفًا بِمُسْتَوٍ مِنْ طَرَفٍ يَلِي السَّامِعَ مِنَ بَلَدِ الْجُمُعَةِ مَعَ اعْتِبَارِ سُكُونِ الرِّيحِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَسْمَعُهُ نِدَاءُ الْجُمُعَةِ وَلَوْ لَمْ تَتَبَيَّنِ الْكَلِمَاتُ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مُعْتَدِلِ السَّمْعِ.

وَلا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ. وَلا يُشْتَرَطُ فِي الْمَسَافِرِ الَّذِي سَفَرُهُ مُبَاحٌ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ مَسَافَةَ قَصْرٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ قَبْلَ الْفَجْرِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَشَرْطُهَا وَقْتُ الظُّهْرِ وَخُطْبَتَانِ قَبْلَهَا فِيهِ يَسْمَعُهُمَا الأَرْبَعُونَ وَأَنْ تُصَلَّى جَمَاعَةً بِهِمْ وَأَنْ لا تُقَارِنَهَا أُخْرَى بِبَلَدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالتَّحْريِمَةِ صَحَّتِ السَّابِقَةُ وَلَمْ تَصِحَّ الْمَسْبُوقَةُ، هَذَا إِذَا كَانَ يُمْكِنُهُمْ الِاجْتِمَاعُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ صَحَّتِ السَّابِقَةُ وَالْمَسْبُوقَةُ.

   الشَّرْحُ شَرْطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَقَعَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَلا تُقْضَى الْجُمُعَةُ جُمُعَةً وَإِنَّمَا تُقْضَى إِذَا فَاتَ وَقْتُهَا ظُهْرًا. وَتُدْرَكُ الْجُمُعَةُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الإِمَامِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْمَأْمُومُ الإِمَامَ إِلَّا بَعْدَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ عِنْدَئِذٍ يَنْوِي الْجُمُعَةَ وَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَتُشْتَرَطُ خُطْبَتَانِ قَبْلَهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنِ الْخُطْبَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ صَلَّوْا ظُهْرًا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ أَنْ يَسْمَعَهُمَا الأَرْبَعُونَ وَأَنْ تُصَلَّى جَمَاعَةً بِهِمْ وَأَنْ لا تُقَارِنَهَا أَوْ تَسْبِقَهَا جُمُعَةٌ أُخْرَى بِبَلَدِهَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَبُرَتِ الْبَلَدُ اهـ قَالَ أَصْحَابُهُ يَعْنِي إِذَا لَمْ يَشُقَّ اجْتِمَاعُ أَهْلِ الْبَلَدِ فَإِذَا سَبَقَتْ إِحْدَى الْجُمُعَتَيْنِ صَحَّتْ وَبَطَلَتِ الَّتِي بَعْدَهَا وَإِنْ تَقَارَنَتَا بَطَلَتَا وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ تُعْلَمِ السَّابِقَةُ، وَالْعِبْرَةُ فِي السَّبْقِ وَالْمُقَارَنَةِ بِالرَّاءِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَرْكَانُ الْخُطْبَتَيْنِ حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى فِيهِمَا وَءَايَةٌ مُفْهِمَةٌ فِي إِحْدَاهُمَا وَالدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ لا تَكُونَانِ مُجْزِئَتَيْنِ إِلَّا بِهَذِهِ الأُمُورِ الْخَمْسَةِ أَوَّلُهَا حَمْدُ اللَّهِ بِلَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوْ حَمْدًا لِلَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ بِنَحْوِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَالثَّالِثُ الْوَصِيَةُ بِالتَّقْوَى وَهِيَ الْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ فَلا يَكْفِي التَّحْذِيرُ مِنَ الدُّنْيَا بَلْ لا بُدَّ مِنَ الْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ أَوِ الزَّجْرِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَلا يُشْتَرَطُ لَفْظُ التَّقْوَى فَلَوْ قَالَ أَطِيعُوا اللَّهَ كَفَى. وَهَذِهِ الثَّلاثَةُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي كُلٍّ مِنَ الْخُطْبَتَيْنِ. وَالرَّابِعُ ءَايَةٌ مُفْهِمَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِقِصَّةٍ فِي إِحْدَاهُمَا فِي ابْتِدَائِهَا أَوِ انْتِهَائِهَا أَوْ وَسَطِهَا وَالأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الآيَةِ فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى لِتُقَابِلَ الدُّعَاءَ فِي الثَّانِيَةِ. وَالْخَامِسُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ الشَّامِلُ لِلْمُؤْمِنَاتِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَشُرُوطُهُمَا الطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثَيْنِ وَعَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَالْمَحْمُولِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا وَالْمُوَالاةُ بَيْنَ أَرْكَانِهِمَا وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلاةِ وَأَنْ تَكُونَا بِالْعَرَبِيَّةِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ لِلْخُطْبَتَيْنِ شُرُوطًا وَهِيَ تِسْعَةٌ الأَوَّلُ الطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ وَالأَكْبَرِ وَالطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَحْمِلُهُ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي سَتْرُ الْعَوْرَةِ.

وَالثَّالِثُ الْقِيَامُ فِيهِمَا لِلْقَادِرِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي قِيَامِ الْفَرْضِ فَإِنْ عَجَزَ فَجَالِسًا ثُمَّ مُضْطَجِعًا، وَالأَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالِ الِاسْتِخْلافُ. وَالرَّابِعُ الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ تَرَكَهُ وَلَوْ سَهْوًا لَمْ تَصِحَّا وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا بِعُذْرٍ فَيَفْصِلُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ. وَأَقَلُّ هَذَا الْجُلُوسِ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ وَأَكْمَلُهُ قَدْرُ سُورَةِ الإِخْلاصِ وَالْخَامِسُ الْمُوَالاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَرْكَانِهِمَا وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلاةِ لِئَلَّا يَطُولَ الْفَصْلُ عُرْفًا بِمَا لا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا. وَالسَّادِسُ أَنْ تَكُونَ أَرْكَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ الْحَاضِرِينَ أَعَاجِمَ. وَالسَّابِعُ كَوْنُهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ. وَالثَّامِنُ سَمَاعُ الأَرْبَعِينَ الأَرْكَانَ وَلا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ كُلَّ الْخُطْبَةِ. وَالتَّاسِعُ كَوْنُهُمَا قَبْلَ الصَّلاةِ.

   مَسْئَلَةٌ يَحْرُمُ التَّشَاغُلُ عَنِ الْجُمُعَةِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالإِجَارَةِ وَكَأَنْ يَهَبَ مَالًا لِيَهَبَهُ فِي مُقَابِلِهِ غَرَضًا بَعْدَ الأَذَانِ الثَّانِي وَيُكْرَهُ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الزَّوَالِ وَأَمَّا لَوْ رَكِبَ الشَّخْصُ سَيَّارَةَ الأُجْرَةِ لِلذَّهَابِ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَشَاغُلٌ عَنْهَا. وَلا تُدْرَكُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بِرَكْعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ وَالإِحْرَامِ بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ فِي الإِحْرَامِ وَتُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا التَّأْمِينَ.

   الشَّرْحُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلاةَ مُقْتَدِيًا بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يُرَاعِيَ شُرُوطَ الِاقْتِدَاءِ فِي إِمَامِهِ الَّذِي يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ

   الأَوَّلُ أَنْ لا يَعْلَمَ بُطْلانَ صَلاتِهِ فَإِنْ عَلِمَ بُطْلانَ صَلاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ عَلِمَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَاقْتَدَى بِهِ فَسَدَتْ صَلاتُهُ لِتَلاعُبِهِ.

   وَالثَّانِي أَنْ لا يَظُنَّ الْبُطْلانَ فَلَوِ اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالآخَرِ فَإِنِ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ بَطَلَتْ صَلاةُ الْمُقْتَدِي.

   وَالثَّالِثُ أَنْ لا يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَمُتَيَمِّمٍ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَغْلُبُ فِيهِ وُجُودُهُ فَلا يَصِحُّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ عَلِمَهُ مُتَيَمِّمًا لِفَقْدِ الْمَاءِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِنَ الْقَضَاءِ، وَمِثْلُهُ مَنْ كَانَ وَضَعَ جَبِيرَةً عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ.

   وَالرَّابِعُ أَنْ لا يَشُكَّ فِي كَوْنِهِ مَأْمُومًا أَوْ إِمَامًا فَيَحْرُمُ الِاقْتَدَاءُ بِمَنْ شَكَّ فِيهِ هَلْ هُوَ إِمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَبِالأَوْلَى إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَأْمُومٌ وَهَذَا إِنْ كَانَ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ صَلاةِ إِمَامِهِ أَمَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ صَلاةِ الإِمَامِ فَإِنِ اقْتَدَى بِمَنْ كَانَ مَأْمُومًا مَسْبُوقًا صَحَّتْ قُدْوَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ إِنْ عَلِمَ بِالْحَالِ، فَلَوْ رَأَى اثْنَيْنِ وَشَكَّ أَيُّهُمَا الإِمَامُ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدِهِمَا وَلَوِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ.

   وَالْخَامِسُ أَنْ لا يَكُونَ أُمِّيًّا لا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ كَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ.

   وَالسَّادِسُ أَنْ لا يَقْتَدِيَ الذَّكَرُ بِالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِل.

   تَنْبِيهٌ الْمَرْأَةُ يَصِحُّ أَنْ تَقْتَدِيَ بِرَجُلٍ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ، وَأَمَّا الْخُنْثَى فَيَقْتَدِي بِالرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ.

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ «أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ وَالإِحْرَامِ بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ فِي الإِحْرَامِ وَتُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا التَّأْمِينَ» فِيهِ ذِكْرُ أُمُورٍ مِنَ الشُّرُوطِ الأَوَّلُ مِنْهَا أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ، وَالْعِبْرَةُ بِالتَّقَدُّمِ بِعَقِبِ الرِّجْلِ فِي الْقَائِمِ الْمُعْتَمِدِ عَلَيْهَا فَإِنْ تَقَدَّمَ بِعَقِبِهِ عَلَى الإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وَالثَّانِي الْمُتَابَعَةُ لَهُ فِي التَّحَرُّمِ فَيَجِبُ أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ  بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ لِلإِمَامِ يَقِينًا أَوْ شَكًّا بِالإِحْرَامِ فَيَجِبُ تَأْخِيرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ. وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فِي غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الأَفْعَالِ فَمَكْرُوهةٌ وَتَفُوتُ بِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذُكِرَ التَّأْمِينُ أَيْ قَوْلُ ءَامِينَ فَالأَفْضَلُ فِيهِ الْمُقَارَنَةُ أَيْ لا يَسْبِقُهُ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ تَقَدُّمُهُ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ.

   الشَّرْحُ مِنْ أَحْكَامِ الْجَمَاعَةِ أَنْ لا يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ فَتَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَمَعْنَى السَّبْقِ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ فِي الْقِيَامِ فَيَسْبِقُهُ الْمَأْمُومُ فَيَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَهَذَا حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ وَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِذَلِكَ فَلَوْ سَبَقَ الإِمَامَ بِبَعْضِ الرُّكْنِ لا بِكُلِّهِ كَأَنْ رَكَعَ وَالإِمَامُ قَائِمٌ فَانْتَظَرَ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ طَوِيلَيْنِ أَوْ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ بِلا عُذْرٍ.

   الشَّرْحُ ذَلِكَ كَأَنْ يَرْكَعَ الْمَأْمُومُ وَيَعْتَدِلَ وَيَهْوِيَ لِلسُّجُودِ وَالإِمَامُ قَائِمٌ، وَمِثْلُهُ أَنْ يَرْكَعَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ الإِمَامِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ فِي رُكُوعٍ وَلا اعْتِدَالٍ فَهَذَا أَيْضًا تَقَدُّمٌ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَذَا التَّأَخُّرُ عَنْهُ بِهِمَا بِغَيْرِ عُذْرٍ.

   الشَّرْحُ لَوْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ وَبَدَأَ بِالْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ لَمْ يَرْكَعْ بِلا عُذْرٍ فَهَذَا تَأَخُّرٌ عَنِ الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَيْنِ وَهُوَ مُبْطِلٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ لِعُذْرٍ فَلَوْ تَأَخَّرَ لإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى فَرَغَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودَيْنِ فَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَوْ قَامَ وَافَقَ الإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ وَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَشَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ التَّأَخُّرَ عَنِ الإِمَامِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودَيْنِ كَأَنْ رَكَعَ الإِمَامُ ثُمَّ اعْتَدَلَ ثُمَّ هَوَى لِلسُّجُودِ فَسَجَدَ السُّجُودَ الأَوَّلَ وَالسُّجُودَ الثَّانِيَ وَقَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فَإِذَا كَانَ لَمْ يَنْتَهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ تَرَكَ تَرْتِيبَ نَفْسِهِ وَوَافَقَ الإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَفَاتَتْهُ رَكْعَةٌ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُتَابِعِ الإِمَامَ وَلا نَوَى مُفَارَقَتَهُ بَلِ اسْتَمَرَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَهَذَا تَبْطُلُ صَلاتُهُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ كَانَ تَأَخُّرُهُ لِعُذْرٍ كَأَنْ كَانَ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ أَوْ أَنَّهُ مُقْتَدٍ أَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ أَيْ لا يُسَاعِدُهُ لِسَانُهُ عَلَى السُّرْعَةِ.

   بَيَانٌ. إِنَّمَا شَرَطُوا الرُّكْنَ الْفِعْلِيَّ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ بِالرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ غَيْرِ السَّلامِ لا يَحْرُمُ وَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ كَالتَّقَدُّمِ بِالْفَاتِحَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الإِمَامُ بِهَا أَوْ بِالتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الإِمَامُ بِهِ فَإِذَا قَرَأَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ وَأَنْهَاهَا وَالإِمَامُ بَعْدُ لَمْ يَشْرَعْ فِي قِرَاءَتِهَا ثُمَّ اكْتَفَى الْمَأْمُومُ بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ لَكِنَّهُ ارْتَكَبَ الْكَرَاهَةَ إِلَّا أَنَّ التَّقَدُّمَ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ عَلَى الإِمَامِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقُدْوَةِ فَيُبْطِلُ الصَّلاةَ فَمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِإِمَامٍ فَكَبَّرَ قَبْلَهُ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ مَعَ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُعِيدَ التَّكْبِيرَةَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ، وَكَذَا السَّلامُ عَمْدًا قَبْلَ الإِمَامِ يُبْطِلُ الصَّلاةَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ فَيُسَلِّمَ قَبْلَهُ فَإِنَّ صَلاتَهُ لا تَبْطُلُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَعْلَمَ بِانْتِقَالاتِ إِمَامِهِ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ عِلْمُ الْمَأْمُومِ بِانْتِقَالاتِ إِمَامِهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الرُّكُوعِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْمُتَابَعَةِ. وَيَحْصُلُ هَذَا الْعِلْمُ بِرُؤْيَةِ الإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ مِمَّنْ يَرَى الإِمَامَ أَوْ بِسَمَاعِ الصَّوْتِ مِنَ الإِمَامِ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ الآلَةِ أَوْ مِنَ الْمُبَلِّغِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَجْتَمِعَا فِي مَسْجِدٍ وَإِلَّا فَفِي مَسَافَةِ ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ يَدَوِيَّةٍ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي مَكَانٍ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالآخَرُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ صَحَّتِ الْقُدْوَةُ وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ جِدًّا كَأَنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَرْبَعُمِائَةِ ذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَر، وَإِنْ كَانَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَأَنْ كَانَا فِي فَضَاءٍ اشْتُرِطَ أَنْ لا تَزِيدَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الآدَمِيِّ الْمُعْتَدِلِ تَقْرِيبًا، فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُونَ صُفُوفًا مُتَتَابِعَةً اشْتُرِطَ أَنْ لا تَزِيدَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ وَالصَّفِّ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَإِنْ بَلَغَ مَا بَيْنَ الإِمَامِ وَالصَّفِّ الأَخِيرِ فَرَاسِخَ بِشَرْطِ إِمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ. فَإِنْ لَمْ يَرَ الإِمَامَ اشْتُرِطَ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَى مَنْ يَرْبُطُ لَهُ صَلاتَهُ بِصَلاةِ الإِمَامِ لِأَنَّهُ لَهُ كَالإِمَامِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ لا يَحُولَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ.

   الشَّرْحُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ عَدَمُ وُجُودِ حَائِلٍ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ يَمْنَعُ الْمُرُورَ إِلَى الإِمَامِ أَوْ رُؤْيَةَ الإِمَامِ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ كَجِدَارٍ أَوْ بَابٍ مُغْلَقٍ أَوْ مَرْدُودٍ لِمَنْعِهِ الرُّؤْيَةَ أَوْ شُبَّاكٍ لِمَنْعِهِ الِاسْتِطْرَاقَ أَيِ الْمُرُورَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَتَوَافَقَ نَظْمُ صَلاتَيْهِمَا فَلا تَصِحُّ قُدْوَةُ مُصَلِّي الْفَرْضِ خَلْفَ صَلاةِ الْجِنَازَةِ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْجَمَاعَةِ وَالْقُدْوَةِ تَوَافُقُ نَظْمِ صَلاةِ الإِمَامِ وَنَظْمِ صَلاةِ الْمَأْمُومِ بِأَنْ يَتَّفِقَا فِي الأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَا عَدَدًا وَنِيَّةً فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ كَمَكْتُوبَةٍ اقْتَدَى فَاعِلُهَا بِمَنْ يُصَلِّي صَلاةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لا تَصِحُّ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ.

   وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَاضِي بِالْمُؤَدِّي وَالْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ وَالْعَكْسُ لَكِنَّ الِانْفَرَادَ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ لا يُخَالِفَ الإِمَامَ فِي سُنَّةٍ تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا فِعْلًا كَالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أَيْ جُلُوسِهِ وَتَرْكًا كَسُجُودِ السَّهْوِ.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَنْ لا يُخَالِفَ الْمَأْمُومُ الإِمَامَ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ بِحَيْثُ تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ مِنَ الْمَأْمُومِ لِلإِمَامِ كَأَنْ تَرَكَ الإِمَامُ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَفَعَلَهُ الْمَأْمُومُ فَإِنَّ صَلاةَ الْمَأْمُومِ تَبْطُلُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ وَلَوْ لَحِقَهُ عَنْ قُرْبٍ لِتَرْكِهِ الْمُتَابَعَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَأَمَّا إِنْ كَانَ جَاهِلًا بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ، أَمَّا لَوْ أَتَى الإِمَامُ بِالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ وَتَرَكَهُ الْمَأْمُومُ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَهْوًا لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَلَوْ قَامَ الإِمَامُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ لِلتَّشَهُّدِ ثُمَّ عَادَ نَاسِيًا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَعُودَ مَعَهُ إِلَى الْقُعُودِ بَلْ يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا أَوْ يُفَارِقُهُ بِالنِّيَّةِ. وَإِنْ سَجَدَ الإِمَامُ لِلسَّهْوِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَانْتَظَرَهُ قَاعِدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ. وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ فِي سُنَّةٍ لا تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا كَجَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلا تَضُرُّ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ مَعَ التَّحَرُّمِ فِي الْجُمُعَةِ وَقَبْلَ الْمُتَابَعَةِ وَطُولِ الِانْتِظَارِ فِي غَيْرِهَا.

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الْقُدْوَةَ أَوِ الْجَمَاعَةَ فِي التَّكْبِيرَةِ أَوْ فِيمَا بَعْدَهَا، وَفِي تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ فِي الْجُمُعَةِ وَالصَّلاةِ الْمُعَادَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِلْمَطَرِ فَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ وَكَذَلِكَ الْمَنْذُورَةُ جَمَاعَةً، وَمَا سِوَى هَؤُلاءِ الأَرْبَعِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ قَبْلَ الْمُتَابَعَةِ بِحَيْثُ لَوْ تَابَعَ بِلا نِيَّةٍ فَسَدَتْ صَلاتُهُ أَيْ إِنْ طَالَ انْتِظَارُهُ بِخِلافِ مَا إِذَا انْتَظَرَهُ انْتِظَارًا طَوِيلًا بِلا مُتَابَعَةٍ فَإِنَّهُ لا تَفْسُدُ صَلاتُهُ، أَيْ أَنَّ الَّذِي يُتَابِعُ شَخْصًا لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ قَصْدًا أَيْ يَنْتَظِرُ رُكُوعَهُ فَيَرْكَعُ بَعْدَ رُكُوعِهِ أَوْ يَنْتَظِرُ سُجُودَهُ فَيَسْجُدُ بَعْدَ سُجُودِهِ كَأَنَّهُ مَأْمُومٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَأْمُومٍ فَسَدَتْ صَلاتُهُ إِنْ طَالَ انْتِظَارُهُ بِخِلافِ مَا لَوْ تَابَعَهُ اتِّفَاقًا أَيْ مُصَادَفَةً لا بِقَصْدٍ فَإِنَّ صَلاتَهُ لا تَفْسُدُ وَلا تُفْسِدُ مُتَابَعَتُهُ فِي الأَقْوَالِ إِلَّا فِي السَّلامِ، وَكَذَلِكَ إِنِ انْتَظَرَهُ انْتِظَارًا طَوِيلًا وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْفِعْلِ فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَى الإِمَامِ نِيَّةُ الإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ وَتُسَنُّ فِي غَيْرِهِمَا.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ لا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الإِمَامَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الإِمَامِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ تَرَكَهَا أَيْ نِيَّةَ الإِمَامَةِ لَمْ يَحُزْ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْجُمُعَةِ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُ. وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الإِمَامِ نِيَّةُ الإِمَامَةِ فِي التَّكْبِيرِ فِي الصَّلاةِ الْمُعَادَةِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِلْمَطَرِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُعَادَةُ هِيَ الصَّلاةُ الَّتِي يُصَلِّيهَا جَمَاعَةً مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً ثُمَّ رَأَى مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ جَمَاعَةً يُسَنُّ لَهُ إِعَادَتُهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا» قَالا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا فَقَالَ «إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَة» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَتَكُونُ نِيَّةُ الْمُعَادَةِ بِأَنْ يَقُولَ فِي قَلْبِهِ مَثَلًا أُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ مُعَادًا جَمَاعَةً.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: غَسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا وُلِدَ حَيًّا، وَوَجَبَ لِذِمِيٍّ تَكْفِينٌ وَدَفْنٌ.

   الشَّرْحُ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِذَا مَاتَ مَيِّتٌ مُسْلِمٌ ثُمَّ أُهْمِلَ تَجْهِيزُهُ فَلَمْ يُجَهَّزْ فَظَلَّ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى انْتَفَخَ وَأَنْتَنَتْ رَائِحَتُهُ أَثِمَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ، هَذَا الْحُكْمُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ، فَيَجِبُ غَسْلُ الْغَرِيقِ وَلا يُكْتَفى بِغَرَقِهِ وَكَذَلِكَ قَاتِلُ نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ وَقَاتِلُ نَفْسِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ فَلا يَجِبُ لَهُ ذَلِكَ فَمَنْ عَلِمَ بِمَوْتِ الْكَافِرِ فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِثْمٌ إِلَّا أَنَّ الْكَافِرَ الذِّمِيَّ يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ فَقَطْ فَلا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ وَلا يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَوْ غُسِّلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِثْمٌ. وَالْكَافِرُ الذِّمِيُّ هُوَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مَعَ سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ لِكَوْنِهِ الْتَزَمَ دَفْعَ الْجِزْيَةِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَهَذَا الْكَافِرُ الذِّمِيُّ إِذَا مَاتَ لَهُ حَقُّ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ لَكِنَّهُ لا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ مَالًا يُكَفَّنُ بِهِ وَيُجَهَّزُ بِهِ لِلدَّفْنِ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.

   أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَيْسَ لَهُ شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمَيْنِ فَلا يَسْتَحِقُّ إِذَا مَاتَ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفِنَهُ وَلا أَنْ يُكَفِّنَهُ، وَلَوْ تَرَكَهُ لِلْكِلابِ أَوْ لِلْوُحُوشِ وَالسِّبَاعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ لَكِنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مَا يَكْفِي النَّاسَ رَائِحَتَهُ الْكَرِيهَةَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلِسِقْطٍ مَيِّتٍ غَسْلٌ وَكَفَنٌ وَدَفْنٌ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ لا تَجِبُ لِلْمَيِّتِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا قَدْ وُلِدَ حَيًّا بِأَنْ صَرَخَ أَوِ اخْتَلَجَ أَيْ تَحَرَّكَ اخْتِلاجًا اخْتِيَارِيًّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنِ الْبَطْنِ فَهَذَا يَجِبُ لَهُ الأُمُورُ الأَرْبَعَةُ غَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَالِاخْتِلاجِ الِاخْتِيَارِيِّ وَالصِّيَاحِ فَلا تَجِبُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ لَكِنْ يَجِبُ غَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ، هَذَا إِنْ ظَهَرَ فِيهِ خِلْقَةُ ءَادَمِيٍّ وَأَمَّا إِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ خِلْقَةُ ءَادَمِيٍّ نُدِبَ لَفُّهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ وَلا يَجِبَانِ. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ «عَلَيْهِمَا» الضَّمِيرُ فِيهِ يَعُودُ إِلَى الذِّمِيِّ وَالسِّقْطِ أَيْ لا يُصَلَّى عَلَى السِّقْطِ وَلا عَلَى الذِّمِيِّ الْمَيِّتِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ كُفِّنَ فِي ثِيَابِهِ فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ زِيدَ عَلَيْهَا وَدُفِنَ وَلا يُغَسَّلُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِ.

   الشَّرْحُ الشَّهِيدُ لا يَجُوزُ غَسْلُهُ وَلا الصَّلاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا لَوْ كَانَ أُنْثَى أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا مَمْلُوكًا أَوْ صَبِيًّا فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا وَاحِدًا أَوْ مُرْتَدًّا بِسَبَبِ الْقِتَالِ، فَالْمُسْلِمُ الَّذِي كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ وَلَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّتُهُ فَقَتَلَتْهُ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ خَطأً فِي حَالِ الْقِتَالِ أَوْ عَادَ سِلاحُهُ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ أَوْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ فَمَاتَ فَلَهُ هَذَا الْحُكْمُ. أَمَّا مَنْ مَاتَ بِسِلاحِ الْكَافِرِ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُقَاتِلًا فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَسَائِرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ مَوْتِهِمْ قِتَالُ الْكُفَّارِ كَالْمَبْطُونِ أَيِ الَّذِي مَاتَ بِمَرَضِ بَطْنِهِ كَالإِسْهَالِ وَالْقَوْلَنْجِ وَهُوَ مَرَضٌ يَحْبِسُ الرِّيحَ وَالْغَائِطَ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ.

   وَيُسَنُّ أَنْ يُكَفَّنَ الشَّهِيدُ فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ، وَلَوْ نُزِعَتْ مِنْهُ ثُمَّ كُفِّنَ بِغَيْرِهَا كَانَ جَائِزًا، فَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُهُ الَّتِي هِيَ مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ لا تَكْفِيهِ زِيدَ عَلَيْهَا إِلَى ثَلاثٍ وَإِنَّمَا تُرِكَ غَسْلُ الشَّهِيدِ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَهَّرَهُ بِالشَّهَادَةِ وَتَوَلَّاهُ بِرَحْمَتِهِ فَأَغْنَاهُ عَنْ دُعَاءِ الْمُصَلِّينَ وَلا يُسْأَلُ الشَّهِيدُ فِي قَبْرِهِ وَلِذَلِكَ لا يُلَقَّنُ بَلْ تَصْعَدُ رُوحُهُ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَعِيشُ فِيهَا إِلَى أَنْ يُبْعَثَ أَهْلُ الْقُبُورِ مِنْ قُبُورِهِمْ فَتُرَدُّ رُوحُهُ إِلَى جِسْمِهِ رَدًّا تَامًّا فَيَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ ثُمَّ يَتَبَوَّأُ مَنْزِلَهُ فِي الْجَنَّةِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ وَلا يَأْكُلُ التُّرَابُ جَسَدَهُ لِأَنَّ أَثَرَ الْحَيَاةِ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالشَّمْسِ تَكُونُ بَعِيدَةً عَنِ الأَرْضِ وَيَتَّصِلُ أَثَرُهَا بِالأَرْضِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَقَلُّ الْغُسْلِ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَتَعْمِيمُ جَمِيعِ بَشَرِهِ وَشَعَرِهِ وَإِنْ كَثُفَ مَرَّةً بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ تَعْمِيمُ جَسَدِهِ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَا زَادَ عَلَى الْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ وَالأَفْضَلُ تَثْلِيثُ غَسْلِهِ. وَالْمَاءُ الْمُطَهِّرُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَنَجَّسْ وَلا صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَلا تَغَيَّرَ بِمُخَالِطٍ طَاهِرٍ تَغَيُّرًا كَثِيرًا. وَلا يَجِبُ لِهَذَا الْغَسْلِ نِيَّةٌ بَلْ تُسَنُّ وَلِذَلِكَ لَوْ غَسَّلَهُ كَافِرٌ أَجْزَأَ وَيُسَنُ أَنْ يَغُضَ الْغَاسِلُ بَصَرَهُ عَنْ غَيْرِ عَوْرَتِهِ وَأَمَّا عَنْ عَوْرَتِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَغُضَ بَصَرَهُ. وَيَغْسِلُ عَوْرَتَهُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَمْنَعُ الْمَسَّ وُجُوبًا إِنِ احْتَاجَ لِلدَّلْكِ.

   وَالأَوْلَى بِغَسْلِ الذَّكَرِ الذُّكُورُ فَلَوْ غَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ جَازَ لَكِنَّ الذَّكَرَ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ لَوْ غَسَّلَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَالأَوْلَى بِالْمَرْأَةِ النِّسَاءُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا إِلَّا أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ أَنْ تُيَمَّمَ أَيْ بِحَائِلٍ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا النِّسَاءُ الأَجْنَبِيَاتُ وَجَبَ أَنْ يُيَمَّمَ فَإِذَا خُشِيَ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يَتَهَرَّى جِسْمُهُ إِنْ غُسِلَ لِكَوْنِهِ احْتَرَقَ أَوْ لِكَوْنِهِ مَسْمُومًا سَقَطَ غَسْلُهُ وَيُيَمَّمُ عِنْدَئِذٍ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَقَلُّ الْكَفَنِ سَاتِرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَثَلاثُ لَفَائِفَ لِمَنْ تَرَكَ تَرِكَةً زَائِدَةً عَلَى دَيْنِهِ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهَا.

   الشَّرْحُ أَقَلُّ الْكَفَنِ أَيْ أَقَلُّ وَاجِبٍ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى رَأْسُ مُحْرِمٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَاتَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنَ الإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ سَتْرُ رَأْسِهِ بَلْ يُتْرَكُ مَكْشُوفًا حَتَّى يُبْعَثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِفَتِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُحْشَرُ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهَيْئَةِ الإِحْرَامِ مُلَبِّيًا أَيْ قَائِلًا لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَكَذَلِكَ وَجْهُ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ أَيْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَاتَتْ فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ تَتَحَلَّلَ مِنَ الإِحْرَامِ لا يُغَطَّى وَجْهُهَا بِالْكَفَنِ بَلْ يُتْرَكُ مَكْشُوفًا. وَتَكُونُ تِلْكَ الثِّيَابُ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ حَيًّا وَتَلِيقُ بِهِ، وَلا يَجِبُ تَكْفِينُهُ بِالْجَدِيدِ بَلْ يَكْفِي اللَّبِيسُ وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي اسْتُعْمِلَ.

   وَالتَّكْفِينُ بِالثَّلاثِ وَاجِبٌ لِمَنْ يُكَفَّنُ مِنْ مَالِهِ وَلا دَيْنَ عَلَيْهِ مُسْتَغْرِقٌ بِأَنْ تَرَكَ تَرِكَةً زَائِدَةً عَلَى دَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلًا وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ سِوَى هَذِهِ الثَّلاثَةَ. قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِتَرْكِ التَّكْفِينِ بِالثَّلاثِ أَمَّا إِنْ كَانَ أَوْصَى بِأَنْ يَتْرُكُوا تَكْفِينَهُ بِالثَّلاثِ فَلا تَجِبُ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ لَهُ حِينَئِذٍ سَاتِرُ الْبَدَنِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَقَلُّ الصَّلاةِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالْفَرْضَ وَيُعَيِّنَ وَيَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ قَائِمٌ إِنْ قَدَرَ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ.

   الشَّرْحُ صَلاةُ الْجِنَازَةِ لَهَا أَقَلُّ وَلَهَا أَكْمَلُ فَالأَقَلُّ هُوَ مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا مَاتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَقَلُّ صَلاةِ الْجِنَازَةِ أَيِ الْقَدْرُ الضَّرُورِيُّ الَّذِي لا بُدَّ مِنْهُ بِحَيْثُ إِذَا تُرِكَ كَانَ النَّاسُ الَّذِينَ عَلِمُوا بِذَلِكَ ءَاثِمِينَ يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّكْبِيرِ يُكَبِّرُ الْمُصَلِّي أَيْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَنْوِي فِي قَلْبِهِ أَنْ يُصلِّيَ صَلاةَ الْجِنَازَةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا وَبِالتَّعْيِينِ أَيْ تَعْيِينِ أَنَّهَا صَلاةُ جِنَازَةٍ وَهُوَ فَرْضٌ لِأَنَّ نِيَّةَ مُطْلَقِ الصَّلاةِ مِنْ دُونِ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا صَلاةُ الْجِنَازَةِ لا تَكْفِي. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الصَّلاةِ الْقِيَامُ أَيْ لا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ إِنْ قَدَرَ.

   وَمِنْ لَوَازِمِ صَلاةِ الْجِنَازَةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ كَمَا أَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهَا فِي الْجِنَازَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ قَرَاءَتِهَا فِي غَيْرِهَا مِنْ إِخْرَاجِ كُلِّ حَرْفٍ مِنْ مَخْرَجِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

   تَنْبِيهٌ لا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَقِبَ التَّحْريِمَةِ لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ تُقْرَأَ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِمَا بَعْدَهَا، وَلَوْ أَخَّرَهَا إِلَى مَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ جَازَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ.

   الشَّرْحُ تَجِبُ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ وَلا يَجُوزُ تَقْديِمُهَا وَلا تَأْخِيرُهَا. وَأَقَلُّ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ.

   الشَّرْحُ الْوَاجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ التَّكْبِيرَةَ الثَّالِثَةَ وَيَدْعُوَ بَعْدَهَا لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ بِأَمْرٍ أُخْرَوِيٍّ وَلَوْ بِأَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ. وَلَيْسَ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ خَاصًّا بِالْبَالِغِ بَلْ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ الطِّفْلِ وَالأَكْمَلُ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ.

   الشَّرْحُ يَجِبُ بَعْدَ الدُّعَاءِ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرًا رَابِعًا وَالسَّلامُ بَعْدَهُ كَسَلامِ الصَّلاةِ وَأَمَّا الأَكْمَلُ فَهُوَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الدُّعَاءِ وَلَوْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلا بُدَّ فِيهَا مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ وَتَرْكِ الْمُبْطِلاتِ.

   الشَّرْحُ صَلاةُ الْجِنَازَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الصَّلاةِ الْوَاجِبَةِ مِنَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ عَنِ الْحَدَثَيْنِ وَعَنِ النَّجَاسَةِ الَّتِي لا يُعْفَى عَنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ، وَلا بُدَّ فِيهَا أَيْضًا مِنْ تَجَنُّبِ الْمُبْطِلاتِ لِلصَّلاةِ فَمَا أَبْطَلَ الصَّلاةَ أَبْطَلَهَا.

   وَيُنْدَبُ فِعْلُ الْمَنْدُوبَاتِ فِيهَا كَمَا يُنْدَبُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَالتَّعَوُّذِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَكِنْ لا يُسَنُّ فِيهَا الِافْتِتَاحُ وَلا قِرَاءَةُ السُّورَةِ بَلْ يَنْتَقِلُ مِنْ تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ ثُمَّ الْفَاتِحَة.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَقَلُّ الدَّفْنِ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَتُهُ وَتَحْرُسُهُ مِنَ السِّبَاعِ وَيُسَنُّ أَنْ يُعَمَّقَ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ وَيُوَسَّعَ وَيَجِبُ تَوْجِيهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَلا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِي الْفِسْقِيَّةِ.

   الشَّرْحُ الدَّفْنُ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَتَهُ بَعْدَ طَمِّهِ مِنْ أَنْ تَظْهَرَ وَتَحْرُسُهُ مِنَ السِّبَاعِ أَنْ تَنْبُشَهُ وَتَأْكُلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ إِلَّا الْبِنَاءُ أَوِ الصُّنْدُوقُ وَجَبَ ذَلِكَ. هَذَا أَقَلُّ الدَّفْنِ أَمَّا أَكْمَلُهُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ وَاسِعًا يَسَعُ مَنْ يَنْزِلُهُ وَمُعِينَهُ وَأَنْ يَكُونَ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَلَوْ لِلطِّفْلِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُلْحَدَ لَهُ لَحْدٌ إِنْ كَانَتِ الأَرْضُ صُلْبَةً وَأَنْ يُشَقَّ لَهُ شَقٌّ فِي الرِّخْوَةِ أَيِ اللَّيِنَةِ. وَيَحْرُمُ الدَّفْنُ فِي الْفَسَاقِيِّ، وَالْفَسَاقِيُّ هِيَ جَمْعُ فِسْقِيَّةٍ وَالْفِسْقِيَّةُ هِيَ بِنَاءٌ تُجْمَعُ فِيهِ الْجَنَائِزُ وَقَدْ يَبْنُونَ فِيهَا طِيقَانًا وَيُوضَعُ كُلُّ مَيِّتٍ فِي طَاقٍ مِنْ هَذِهِ الطِّيقَانِ وَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلا يَجُوزُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ. وَإِنَّمَا حَرُمَ الدَّفْنُ فِي الْفَسَاقِيِّ لِأَنَّ فِيهِ إِدْخَالَ مَيِّتٍ عَلَى ءَاخَرَ قَبْل بِلاهُ وَلِأَنَّهَا لا تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ فَهِيَ إِهَانَةٌ لِلْمَيِّتِ.

   وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَجِبُ تَوْجِيهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَرَائِضِ الْجِنَازَةِ الَّتِي تَتْبَعُ الدَّفْنَ التَّوْجِيهَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُضْجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ لَكِنَّ إِضْجَاعُهُ عَلَى الأَيْسَرِ خِلافُ السُّنَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.

   وَيُسَنُّ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ إِتْمَامِ الدَّفْنِ «يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ اذْكُرِ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْءَانِ إِمَامًا» فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ انْطَلِقْ بِنَا مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَ رَجُلٍ لُقِّنَ حُجَّتَهُ اهـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ. وَأَمَّا لِلأُنْثَى فَيُقَالُ يَا أَمَةَ اللَّهِ ابْنَةَ أَمَةِ اللَّهِ. وَالتَّلْقِينُ يُسَنُّ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَلَوْ كَانَ شَهِيدًا أَيْ غَيْرَ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ.

   تَنْبِيهٌ مِنَ الْهَيْئَاتِ الْمُزْرِيَةِ بِالْمَيِّتِ الَّتِي لا تَجُوزُ أَنْ يُكَبَّ الْمَيِّتَ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ الْغَسْل فَذَلِكَ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ خِتَانُهُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ، وَمِنْ ذَلِكَ حَمْلُهُ عَلَى الأَكْتَافِ مِنْ غَيْرِ نَعْشٍ وَنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ عَلَى الْيَدِ عِنْدَ الذَّهَابِ بِهِ إِلَى الدَّفْنِ.