الأحد ديسمبر 22, 2024

الطَّلاقُ

   الطَّلاقُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ مُهِمَّةٌ جِدًّا لِأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ النَّاسِ يَحْصُلُ مِنْهُمْ طَلاقُ زَوْجَاتِهِمْ وَلا يَدْرُونَ أَنَّهُنَّ طَلَقْنَ فَيُعَاشِرُونَهُنَّ بِالْحَرَامِ.

   وَالطَّلاقُ قِسْمَانِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ.

   فَالصَّرِيحُ مَا لا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَيَقَعُ الطَّلاقُ بِهِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ الطَّلاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ وَالْخُلْعُ وَلَفْظُ الْمُفَادَاةِ مِنَ الْخُلْعِ وَاللَّفْظُ الْخَامِسُ قَوْلُ الشَّخْصِ نَعَمْ فِي جَوَابِ مَنْ أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ الآنَ فَنَعَمْ هُنَا كَأَنَّهَا أَلْفَاظُ الطَّلاقِ الأَرْبَعَةِ الأُوَلِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْءَانِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ نَعَمْ فِي جَوَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْبِرَ يَكُونُ إِقْرَارًا بِالطَّلاقِ أَيْ أَنَّهُ سَبَقَ لَهُ أَنْ طَلَّقَهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الآنَ أُطَلِّقُهَا، وَإِنْ جُهِلَ مُرَادُ الْقَائِلِ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِخْبَارِ.

   وَالْكِنَايَةُ هُوَ مَا لا يَكُونُ طَلاقًا إِلَّا بِنِيَّةٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَرِيَةٌ أَوْ بَائِنٌ، أَوْ بَتَّةٌ، أَوْ بَتْلَةٌ، أَوِ اعْتَدِّي، وَكَذَلِكَ مِنَ الْكِنَايَةِ اخْرُجِي، سَافِرِي، تَسَتَّرِي، لا حَاجَةَ لِي فِيكِ، أَنْتِ وَشَأْنُكِ، سَلامٌ عَلَيْكِ، إِلْحَقِي بِأَهْلِكِ لِأَنَّ هَذِهِ الأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الطَّلاقَ وَغَيْرَهُ احْتِمَالًا قَرِيبًا.

   فَمَنْ أَتَى بِالصَّرِيحِ وَقَعَ الطَّلاقُ نَوَى بِهِ الطَّلاقَ أَمْ لَمْ يَنْوِ وَمَنْ أَتَى بِأَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فَلا يَقَعُ الطَّلاقُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلاقَ وَتَكُونُ النِّيَّةُ مَقْرُونَةً بِأَوَّلِهَا.

   وَالطَّلاقُ إِنْ كَانَ ثَلاثًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ حَتَّى لَوْ قَالَ: «أَنْتِ طَالِقٌ» وَنَوَى بِهِ الثَّلاثَ فَهُوَ طَلاقٌ ثَلاثٌ لا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بَعْدَ عِدَّةٍ مِنْهُ وَعِدَّةٍ مِنَ الزَّوْجِ الآخَرِ، فَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا طَلَقَتْ ثَلاثًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ تَأْكِيدَ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ طَلاقٌ ثَلاثٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ تَأْكِيدَ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ الأُولَى فَلا يُعَدُّ طَلاقًا ثَلاثًا بَلْ يُعَدُّ طَلاقًا وَاحِدًا. وَتَصِحُّ إِشَارَةُ الأَخْرَسِ كَأَنْ قِيلَ لَهُ طَلِّقِ امْرَأَتَكَ فَأَشَارَ بِثَلاثَةِ أَصَابِعَ فَصَرِيْحَةٌ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ إِشَارَتُهُ يَفْهَمُهَا كُلُّ أَحَدٍ فَهِيَ صَرِيْحَةٌ وَإِنِ اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ فَكِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَأَمَّا النَّاطِقُ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الإِشَارَةِ كَأَنْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنِ اذْهَبِي فَلَغْوٌ.

   وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَجْهَلُونَ هَذَا فَيَرْجِعُونَ إِلَى زَوْجَاتِهِمْ إِذَا أَوْقَعُوا طَلاقًا ثَلاثًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ يَظُنُّونَ أَنَّهُ طَلاقٌ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَرْتَجِعُوهُنَّ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ بِلا عَقْدٍ جَدِيدٍ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ بِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ فَهُؤَلاءِ يُعَاشِرُونَ أَزْوَاجَهُمْ بِالْحَرَامِ.
   وَلا فَرْقَ فِي الطَّلاقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْجَزًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَىْءٍ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلانٍ أَوْ إِنْ فَعَلْتِ كَذَا فَدَخَلَتْ أَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ الشَّىْءَ وَقَعَ الطَّلاقُ، فَإِنْ كَانَ قَالَ إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِالثَّلاثِ فَدَخَلَتْ كَانَ ثَلاثًا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلا يَجُوزُ إِلْغَاءُ هَذَا الطَّلاقِ، وَلا عِبْرَةَ بِرَأْيِ أَحْمَدَ بنِ تَيْمِيَةَ الَّذِي خَرَقَ بِهِ الإِجْمَاعَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الطَّلاقَ الْمُعَلَّقَ الْمَحْلُوفَ بِهِ لا يَقَعُ مَعَ الْحِنْثِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَرَأْيُ ابْنِ تَيْمِيَةَ هَذَا خِلافُ الإِجْمَاعِ. وَقَدْ نَقَلَ الإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ الْحَافِظُ الثِّقَةُ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ.

وَالطَّلاقُ يَخْتَصُّ بِأَحْكَامٍ عَنْ فُرْقَةِ الْفَسْخِ وَفُرْقَةِ الْخُلْعِ، وَفُرْقَةِ الإِيلاءِ وَهُوَ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى أَنْ لا يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ يُطْلِقُ بِلا تَحْدِيدٍ، وَفُرْقَةِ الْحَكَمَيْنِ.