الإثنين ديسمبر 8, 2025

الدرس الثامن والخمسون

الصواب فى من قاتلهم سيدنا على بن أبى

طالب رضى الله عنه

 

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

     أما بعد فإن رسول الله ﷺ قال إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار فقيل يا رسول الله فما بال المقتول قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه اهـ [رواه البخارى] هذا الحديث لا يدخل تحته من قاتل البغاة مع الخليفة لأنه وارد فى المسلمين إذا تقاتلا لأجل الدنيا وأما مقاتلة الباغى مع الخليفة فليست كذلك. من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية [رواه مسلم] هذا الحديث فيه دليل على أن المتمردين على الخليفة ميتتهم ميتة جاهلية أى شبيهة بميتة الكفار الذين كانوا فى زمن الجاهلية لا أنهم والجاهلية سواء لأن هؤلاء مسلمون عصاة والجاهلية كفار لأن الجاهلية هم المشركون الذين أدركوا بعثة رسول الله ﷺ ولم يؤمنوا به. مثال ذلك الذين قاتلوا على بن أبى طالب لا سيما الخوارج أهل النهروان، ففى القتال الذى صار بين على ومعاوية كان على وجيشه مأجورين لهم أجر عند الله تعالى لأنهم قاتلوا بحق لأن الله تعالى أمر المؤمنين بطاعة الخليفة الراشد وعلى خليفة راشد فالتمرد عليه حرام فسق، ومن قتل من أولئك المتمردين فهو موزور ليس له ثواب عليه وزر كبير مع أنه قتل، ومن لم يقتل منهم رجع بذنب كبير. فى وقعة الجمل أيضا على هو الذى له الأجر ومن معه هم الذين لهم الأجر أما الذين قاتلوه فليس لهم ثواب بقتالهم بل عليهم ذنب. عائشة رضى الله عنها تابت ندمت، الله تعالى تاب عليها، هى ومن تاب من أولئك بعد هؤلاء الله تعالى يتوب عليهم أما الذين لم يتوبوا فلهم الويل. عائشة رضى الله عنها لما قتل عثمان بن عفان الناس حمسوها قالوا لها كيف يضيع دم عثمان ولا يقتل قاتله كيف نسكت على ذلك فخرجت معهم إلى العراق حيث كان على بن أبى طالب، انتقدوا عليا لأنه لم يقتل قتلة عثمان، على بن أبى طالب ما عرف من القاتل، كيف يقتل قبل أن يعرف الذين قتلوا عثمان بأعيانهم بأشخاصهم، قبل أن يعلم ذلك كيف يقتل. ثم ليس له أن يقتل قبل أن يطلب أولياء الدم من عصبة عثمان أولاده وغيرهم من ورثته قتل قتلة عثمان لأنه إذا قتل مسلم مسلما ظلما الخليفة لا يقتل هكذا برأيه فقط بل يطلب أهل الدم أقرباؤه أى ورثته هم يطلبون أن يقتل قاتل قتيلهم فبعد أن يطلب أهل القتيل الأخذ بالثأر [والثأر هو قتل قاتل القتيل] الخليفة يمكنهم يقول لهم هذا هو اقتلوه أى بعد أن يعترف أو تشهد عليه البينة عندئذ الخليفة يمكنهم يقول لهم هذا قاتل قريبكم فاقتلوه فإن قالوا هم أنت خذ لنا حقنا يقتله الخليفة، أما من دون أن يطلب أهل الدم الخليفة ليس له أن يقتل القاتل، ليس الأمر كما يفعل اليوم هؤلاء الحكام الفاسدون، هؤلاء الحكام الفاسدون هم يقتلون من غير أن يطلب أهل القتيل، إذا أرادوا أن يقتلوا القاتل يقتلونه من غير أن يطلب أهل الدم، أقرباء القتيل هم الذين لهم الحق بالقتل ليس الخليفة، الخليفة ليس له حق إلا إذا وكلوه فقالوا له أنت خذ لنا حقنا منهم فعندئذ بالإذن هو ينفذ فيه القتل وإلا يسلمه إليهم وهم يقتلونه بأيديهم باتفاق الورثة كلهم، يتفقون على أن يقتل هذا ويوكلون أحدهم بقتله فيقتله فيكونون أخذوا حقهم، ويكون الخليفة أقام حق الله، أليس هو ساعدهم ومكنهم من قتل هذا القاتل، فعلى بن أبى طالب ما جاء إليه ورثة عثمان فقالوا نحن نطلب قتل فلان قصاصا لعثمان لأنه هو قتله، ما عرف الشخص بعينه كانوا جماعة حاصروا عثمان بن عفان فى داره ثم قتله بعضهم وهو يقرأ فى المصحف فلا يعرف عين القاتل، على بن أبى طالب ما عرف عين القاتل من هو فهل يقتل هؤلاء كلهم. لا يجوز. هو لو علم قاتل عثمان بعينه لأخذ منه الحق على حسب طلب أولياء الدم من أقارب عثمان. على ابن أبى طالب هو الخليفة الراشد، كان واجبا على معاوية أن يطيعه ولا يتمرد عليه ولكنه تمرد عليه فكان ظالما فكان الحق لعلى أن يقاتله ومن معه، تمردوا عليه فنصحهم ما رجعوا، هو نصحهم، قال لمعاوية ادخل فى البيعة بايع ثم نأخذ بدم عثمان فقال لا أبايعك فتمرد فله حق أن يقاتله، أما معاوية فهو ظالم عاص. على انتصر فى القتال فلما شعر جماعة معاوية أنهم انكسروا رفعوا المصحف علقوا على الرماح المصحف قالوا نتحاكم إلى هذا الكتاب لما شعروا بالانكسار، على ابن أبى طالب لا يهزم، الله تعالى جعله منصورا فى الحرب. بعدما عملوا التحكيم توقفوا عن الحرب [قال معاوية ومن معه نحتكم إلى القرءان فيما اختلفنا فيه معكم فقبل على رضى الله عنه حقنا لدماء المسلمين وجعل حكمه أبا موسى الأشعرى وأما حكم معاوية فكان عمرو بن العاص فخرجت فرقة من جيش على رضى الله عنه فقالوا له كيف تحكم مخلوقا والله يقول ﴿إن الحكم إلا لله﴾ فكفروه وخرجوا عليه وهم الخوارج فقاتلهم على رضى الله عنه وقال عن استدلالهم بالآية كلمة حق أريد بها باطل] ثم قام عليه هؤلاء الخوارج الذين كانوا فى جيشه تمردوا عليه فانشغل بحربهم ثم بعدما أبادهم أى قتلهم وهزمهم وقبل أن يتمكن من العودة لقتال معاوية أحدهم قتله بطريق الاغتيال أحد أولئك الذين كسرهم فى الحرب، كان خطب امرأة كان على قتل أباها وأخاها فى تلك الحرب لما خطب هذه البنت قالت له أنا لا أريد منك مهرا إلا أن تقتل عليا وقالت لا أريد منك مهرا بل بدل أن تعطينى مهرا أنا أعطيك كذا وكذا من المال. على قتل بطريق الاغتيال وهو خارج لصلاة الصبح وكذلك عثمان قتل ظلما وهو يقرأ بالمصحف ما دافع عن نفسه ولا قال للمسلمين يا مسلمون أنقذونى من هؤلاء بل استسلم حيث إنهم مسلمون ما دافع عن نفسه وذلك أن المسلم إذا طلبه مسلم ليقتله يجوز أن يستسلم، يجوز أن لا يحمل السلاح على الذى يريد قتله إلى أن يقتله ذاك، يجوز ما عليه ذنب، هذا الذى استسلم ما عليه ذنب إنما الذنب على ذاك ويجوز أن يدافع عن نفسه، له الاختيار.

     أما الكافر إذا قام ليقتل مسلما فلا يجوز للمسلم أن يستسلم بل عليه أن يدافع فإن استسلم للكافر فعليه ذنب، أما للمسلم فيجوز أن يدافع ويجوز أن يستسلم وذلك اقتداء بقول رسول الله ﷺ كن خير ابنى ءادم اهـ [رواه ابن حبان فى صحيحه] أليس أحدهما استسلم قال ﴿لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك﴾ [سورة المائدة/28] اقتداء بذلك يجوز للمسلم إذا أراد مسلم أن يقتله أن يستسلم ولا يدافع عن نفسه ويجوز أن يدافع، إذا اعتدى مسلم على مسلم جاء ليقتله يجوز أن يحمل السلاح ويدافع عن نفسه ويجوز أن يستسلم فيقعد فيموت شهيدا وإذا دافع عن نفسه فقتل وهو يدافع عن نفسه فهو شهيد أيضا.