إنَّ الصومَ تعبُّدٌ للهِ بالإمساكِ عنِ المفطراتِ مِنْ طلوعِ الفجرِ الصادقِ إلى غروبِ كامل قرص الشمسِ، والمفطراتُ هي الأكلُ والشربُ ونحوُ ذلكَ. فمن أكلَ أو شربَ في نهار رمضان متعمدًا بطلَ صومُهُ ويجبُ عليهِ التوبةُ الى اللهِ والإمساكُ بقيةَ يومِهِ، ثم يقضي ما أفطرَهُ. وأما مَنْ أكلَ أو شربَ ناسيًا فلا حرجَ عليه وصومُهُ صحيحٌ.
ومثلُ الأكلِ والشربِ كذلك يجبُ على الصائِمِ أن يكفَّ عن إدخالِ كلِّ ما لهُ جرمٌ إلى جوفِهِ مِنْ منفذٍ مفتوحٍ، فمن استعملَ القطرةَ متعمدًا في أنفهِ لا ناسيًا ومختارًا لا مكرهًا فجاوزتِ الخيشومَ وهو منتهى الأنفِ فإنّهُ يَفسُدُ صومُهُ لقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي رواهُ الترمِذيُّ في سننهِ: «وبالِغْ في الاستنشاقِ إلا أن تكون صائمًا». فقد نهى عليهِ الصلاةُ والسلامُ عنِ المبالغةِ في الاستنشاقِ للصائمِ لئلا يصلَ الماءُ إلى حلقهِ وذلك يدلُّ على الإخلالِ بصيامهِ، كذلك استعمالُكَ الإبرَة في العضلِ لا يؤثرُ على صحةِ صيامِكَ.
وأما الدواءُ الذي يستعملُهُ من أصيبَ بالربو فيُفسدُ الصومَ لأنّهُ وإن احتاجَ إليهِ ينفصلُ منهُ عينٌ تصلُ إلى الجوفِ. بخلافِ ما تتشرَّبُهُ المسامُّ مِنَ الدُّهنِ والكحلِ ونحوِ ذلكَ فلا يضرُّ.
ومن مفسداتِ الصومِ الجماعُ، فمن جامعَ في نهارِ رمضانَ فسدَ صومُهُ ويجبُ عليهِ أن يتوبَ إلى اللهِ ويُمسِكَ بقيةَ يومِهِ، ثم يقضي هذا اليومَ الذي جامعَ فيهِ وعليهِ مع القضاءِ الكفارةُ.
ومن المفسداتِ للصومِ الاستمناء وهو إنزالُ المنيِّ بمباشرة دونَ جماعٍ، أما من احتلمَ وهو نائمٌ في نهارِ رمضانَ فأنزلَ فإنه لا يُؤثرُ على صيامِهِ لأنّه بغيرِ اختيارِه وإنما يجبُ عليهِ الاغتسالُ.
ومن المفسداتِ الاستقاءةُ فمن قاءَ بطلبِ منهُ بنحوِ إدخالِ إصبعِهِ أو إدخالِ نحوِ ريشةِ فإنَّهُ يُفطرُ مع العلمِ بالتحريمِ وذِكرِ الصَّومِ وعدمِ الإكراهِ سواءٌ عادَ منَ القيءِ إلى الجوفِ شيءٌ أم لا، أمَّا إذا شَخْصٌ تَقِيَّا رَغْمًا عَنْهُ فصيامُهُ صحيحٌ إلا إذا بَلَعَ شيئًا مِنَ القَيءِ عَمْدًا أو بَلَعَ الرّيقَ الـمُتَغَيِّرَ عمدًا فإنه يُفطرُ، روى أبو داودَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ ذرعَهُ القيءُ – أي: غلَبَهُ – وهو صائمٌ فليسَ عليهِ قضاءٌ ومَنِ استقاءَ فليقضِ».
ومن موانعِ صحةِ الصومِ الحيضُ والنفاسُ، فالحائضُ والنفساءُ تفطرانِ مدةَ الحيضِ والنفاسِ وجوبًا ولا يجوزُ لهما الصيامُ ولا يصحُّ منهما، وتقضيانِ ما أفطرتا فيهما من أيامِ الحيضِ والنفاسِ.
كما أنَّ مِنْ شروطِ الصيامِ الإمساكَ، أي: كفَّ النفسِ عن الردَّةِ ـ أي: عن قطع الإسلامِ والعياذُ باللهِ تعالى منها – جميعَ النَّهارِ، فمن ارتدَّ ولو لحظةً مِنَ النَّهارِ بطلَ صومُهُ سواءٌ كانَ كفرُهُ بالقولِ كَسَبِّ اللهِ تعالى أو بوصفِ اللهِ بصفةٍ منْ صفاتِ البشرِ، أو بالفعلِ كالدَّوْسِ على المصحفِ، أو بالاعتقادِ كاعتقادِ أنَّ اللهَ جسمٌ أو أنَّهُ يُشْبِهُ شيئًا مِنَ المخلوقاتِ فهذا لا صيامَ لهُ ويلزمُهُ الرجوعُ فورًا إلى الإسلامِ بالنُّطْقِ بالشَّهادَتَيْنِ «أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ» كما يلزمهُ الإمساكِ عن المفطراتِ باقي النهارِ وقضاءُ هذا اليومِ فورًا بعد يوم عيد الفطر المبارك.
فاتقوا اللهَ عبادَ الله وحافظوا على صيامِكم مِنَ المفسداتِ، فقد جعلَ اللهُ لكمُ الليلَ لتناولِ ما تحتاجونَ إليهِ او تشتهونَهُ مما أباحَ اللهُ لكم أما النهارُ فاحفظوهُ بالصيامِ.
اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في شهرِ رمضانَ
اللَّهُم أعنا على ذكرك وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ