قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللـه} [سورة المنافقون: 9] الذكر هنا معناه طاعة الله، أي: لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عما فرض الله عليكم من أمر الدين، فالذي تمنعه أولاده أو أمواله عن طاعة الله تبارك وتعالى فهو من الخاسرين.
وإنما ذكر الله تبارك وتعالى هذين الأمرين لأنهما أعظم ما يشغل الناس عن طاعة الله تبارك وتعالى، الأموال والأولاد، كثير من الناس يعصون ربهم من أجل أموالهم، يقعون في الكبائر والصغائر من أجل المال. ومنهم من يعصي الله تبارك وتعالى بالكبائر والصغائر لأجل الأولاد، فكلا الفريقين من الهالكين في الآخرة.
لذلك يجب على الإنسان أن يعرف ما أحل الله من المال وما حرم، ويجب عليه أن يعرف ما يعامل به أولاده لأن معاملة الأولاد في أشياء حق ديني وأما في أشياء أخرى فهي معصية لله تبارك وتعالى.
وأما الأموال فهي قسمان: مال مذموم ومال ممدوح، أما المال المذموم فهو المال المجلوب من طريق حرام كالذين يكتسبون المال من الربا، وكالذي يستولي على مال يتيم قريب له أو يتيم غير قريب له، أو يستولي على مال الوقف وليس هو من أهل الوقف المستحقين. فمن جمع مالا من حرام كان ذلك وبالا عليه في الآخرة ولو تصدق به على الفقراء والمساكين وقضى به حاجات المحتاجين لا يقبل الله منه لأن الله لا يقبل صرف المال الحرام في الصدقات أو غيرها، في أي وجه كان لا يقبله الله.
فمن دخل في يده مال حرام توبته أن يرد ذلك المال الحرام إن كان ذلك المال قائما بعينه أي لم يتلف، لم يتصرف فيه وأما إن تصرف فيه استهلكه وأتلفه وصار لا يمكنه أن يرده إلى مستحقه بعينه فإما أن يستسمح صاحب الحق، وإما أن يرد له بدل ذلك المال الذي اتلفه عليه، فمن فعل ذلك مع الندم صار تائبا لا يعذبه الله تعالى في الآخرة من أجل ذلك الـمال.
إنما السالـم الناجي عند الله هو الذي يأخذ المال من طريق حلال ويصرفه بطريق حلال. فلا ينبغي للإنسان أن يعتمد على الأولاد أو على المال لأن الله تبارك وتعالى هو الذي لا يستغنى عنه، أما المال والولد وغير ذلك من أمور الدنيا فليست هي التي تضمن السعادة للإنسان، إنما طاعة الله تعالى هي التي تضمن السعادة للإنسان.
السعادة هي السعادة الأخروية، أما السعادة الدنيوية فهي معلومة أن يكون للإنسان دار واسعة وأن يكون له مركب هنيء إلى غير ذلك من أنواع سعادة الإنسان الدنيوية. هذه السعادة الدنيوية لا تضمن للإنسان السعادة الأخروية بل كثير من الناس لا حظ لهم عند الله كبير، يكونون في الدنيا مترفين بأنواع من النعم وممتعين بالصحة والنشاط وهم متقلبون في معصية الله تبارك وتعالى، هذا دليل على أنهم في الآخرة حظهم قليل هؤلاء وإن ماتوا مسلمين حظهم في الآخرة قليل.
من كان حظه في الآخرة كثيرا لا يكون هكذا، أكثر الصالحين الذين يحبهم الله تعالى من عباده حظهم من الدنيا قليل، أكثر الصالحين الرسول أخبرنا عنهم بأن الله يحميهم من الدنيا كما يحمي الإنسان مريضه من الماء. بعض الأمراض يحمى فيها المريض من الماء فكما يحمي الشخص مريضه من الـماء إذا كان لا يصلح له الماء، كذلك الله تعالى يحمي عبده الذي يحبه من الدنيا أي لا يوسع عليه من المال. أما الذين يجمعون بين الغنى والصلاح والتقوى فهم قلة قليلة بالنسبة للآخرين من الأغنياء، أغلب الأغنياء ملتهون بدنياهم عن طاعة الله تبارك وتعالى، إنما القليل القليل هم الذين يجمعون مالا حلالا ويصرفونه في الحلال وهم محافظون على طاعة الله تبارك وتعالى.
لا يفرح احد بكون الرجل متقلبا في النعيم والصحة، هذا ليس دليل الرضا عند الله. كثير من الناس عندما يكونون بحالة بسط ورخاء يقولون الله يحبني، هذا كذب، إنما الذي يحبه الله تعالى هو المؤمن التقي الذي يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات، هذا الذي يحبه الله. أما هؤلاء المغرورون يكونون معرضين عن طاعة الله لا يعرفون الحلال والحرام، يقولون نحن مسلمون ويتخبطون في الحرام وينغمسون في الحرام، ويقولون بأنهم مترفهون في عيشتهم والبلايا لا تكثر عليهم، يقولون نحن الله راض عنا الله يحبنا والعياذ بالله، هؤلاء هلكوا.
مهما كان الإنسان في هذه الدنيا مبتلى بالأمراض والفقر فهو على خير عند الله إن كان دينه سلم له، أي: إن كان يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات فهو عند الله تعالى على خير مهما بلغ في مصائب الدنيا التي تصيبه.
اللهم جنبنا الحرام وارزقنا التقى والغنى والعفاف
والعفة والتعفف يا أرحم الراحمين