#3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(كِتَابُ الزَّكَاةِ)
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ وَهِىَ اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
(وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِى) الأَنْعَامِ وَهِىَ (الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ) الشَّامِلُ لِلضَّأْنِ وَالْمَعْزِ (وَ)فِى (التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالزُّرُوعِ الْمُقْتَاتَةِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ) وَهِىَ الَّتِى يَتَّخِذُهَا النَّاسُ قُوتًا فِى أَيَّامِ الرَّخَاءِ وَالْقُوتُ هُوَ مَا يَعِيشُ بِهِ الْبَدَنُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ (وَ)تَجِبُ الزَّكَاةُ فِى (الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ مِنْهُمَا) وَالْمَعْدِنُ هُوَ الذَّهَبُ أَوِ الْفِضَّةُ الْمُسْتَخْرَجَانِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِى خُلِقَا فِيهِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنَ التُّرَابِ وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ الذَّهَبُ أَوِ الْفِضَّةُ الْمَدْفُونَانِ قَبْلَ بِعْثَةِ الرَّسُولِ ﷺ (وَ)تَجِبُ الزَّكَاةُ فِى (أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَ)أَمَّا زَكَاةُ (الْفِطْرِ) فَلا تُعَدُّ مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِى حَقِّ الطِّفْلِ الْمَوْلُودِ.
وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ فِى الأَنْعَامِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ (وَأَوَّلُ نِصَابِ الإِبِلِ) أَىْ أَوَّلُ قَدْرٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ (خَمْسٌ) مِنَ الإِبِلِ (وَ)أَوَّلُ نِصَابِ (الْبَقَرِ ثَلاثُونَ وَالْغَنَمِ أَرْبَعُونَ فَلا زَكَاةَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَىْ قَبْلَ بُلُوغِ النِّصَابِ (وَلا بُدَّ مِنَ الْحَولِ بَعْدَ ذَلِكَ) أَىْ لا بُدَّ مِنْ مُضِىِّ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ ابْتِدَاءً مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ (وَلا بُدَّ مِنَ السَّوْمِ فِى كَلَإٍ مُبَاحٍ أَىْ أَنْ يَرْعَاهَا مَالِكُهَا أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ) الْمَالِكُ (فِى كَلَإٍ مُبَاحٍ أَىْ مَرْعًى لا مَالِكَ لَهُ) فَلا زَكَاةَ فِى الأَنْعَامِ الْمَعْلُوفَةِ أَوِ السَّائِمَةِ بِنَفْسِهَا (وَأَنْ لا تَكُونَ) الأَنْعَامُ (عَامِلَةً فَالْعَامِلَةُ فِى نَحْوِ الْحَرْثِ لا زَكَاةَ فِيهَا فَيَجِبُ فِى كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ) أَىْ جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَسْقَطَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ أَىْ أُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ أَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ (وَفِى) كُلِّ (أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ شَاةٌ جَذَعَةُ ضَأْنٍ) أَكْمَلَتْ سَنَةً (أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ) أَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ (وَ)يَجِبُ (فِى كُلِّ ثَلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعٌ ذَكَرٌ) مِنَ الْبَقَرِ أَكْمَلَ سَنَةً وَيُجْزِئُ أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الثَّلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعَةً (ثُمَّ إِنْ زَادَتْ مَاشِيَتُهُ عَلَى ذَلِكَ) الْعَدَدِ (فَفِى ذَلِكَ الزَّائِدِ) تَفْصِيلٌ يُعْلَمُ مِنْ كُتُبٍ أُخْرَى (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَىْ عَلَى مَنْ مَلَكَ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى النِّصَابِ الَّذِى ذَكَرْنَاهُ (أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيهَا) أَىْ فِى مَاشِيَتِهِ.
(وَأَمَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالزُّرُوعُ) الْمُقْتَاتَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ (فَأَوَّلُ نِصَابِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَهِىَ ثَلاثُمِائَةِ صَاعٍ بِصَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) فَلا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ. وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ مِلْءُ كَفَّىْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ (وَ)صَاعُ النَّبِىِّ ﷺ (مِعْيَارُهُ) أَىْ مِقْدَارُهُ (مَوْجُودٌ) إِلَى الآنَ (بِالْحِجَازِ).
(وَ)مِنْ أَحْكَامِ الزُّرُوعِ أَنَّهُ (يُضَمُّ زَرْعُ الْعَامِ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِى إِكْمَالِ النِّصَابِ) إِنِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الْحِنْطَةِ وَكَانَ الْحَصَادُ فِى عَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ حَصَادَىِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى دُونَ اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا وَلا عِبْرَةَ بِابْتِدَاءِ الزَّرْعِ (وَلا يُكَمَّلُ جِنْسٌ بِجِنْسٍ) ءَاخَرَ لِإِتْمَامِ النِّصَابِ (كَالشَّعِيرِ مَعَ الْحِنْطَةِ).
(وَتَجِبُ الزَّكَاةُ) فِى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ (بِبُدُوِّ الصَّلاحِ) أَىْ صَلاحِ الثَّمَرِ وَلَوْ فِى حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلامَتُهُ فِى الزُّرُوعِ (اشْتِدَادُ الْحَبِّ) بِأَنْ يَبْلُغَ حَالَةً يُقْصَدُ لِلأَكْلِ فِيهَا وَلا يَصِحُّ الإِخْرَاجُ إِلَّا بَعْدَ جَفَافِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَتَصْفِيَةِ الْحَبِّ مِنْ سُنْبُلِهِ.
(وَيَجِبُ فِيهَا) أَىْ فِى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحَبِّ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَأَرُزٍ (الْعُشْرُ) أَىْ عُشْرُ الْمَحْصُولِ (إِنْ لَمْ تُسْقَ بِمُؤْنَةٍ) أَىْ إِنْ سُقِيَتْ بِلا كُلْفَةٍ كَأَنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ (وَنِصْفُهُ إِنْ سُقِيَتْ بِهَا) أَىْ يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ إِنْ سُقِيَتْ بِكُلْفَةٍ كَالْمَسْقِىِّ بِالْمَاءِ الْمَنْقُولِ عَلَى الدَّوَابِّ (وَمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ أُخْرِجَ مِنْهُ بِقِسْطِهِ) أَىْ لا يُعْفَى عَنِ الزَّائِدِ عِنْدَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ (وَلا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ) فَيَكُونَ صَدَقَةً.
(وَأَمَّا الذَّهَبُ فَنِصَابُهُ) أَىِ الْقَدْرُ الَّذِى تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ (عِشْرُونَ مِثْقَالًا) أَىْ مَا يُسَاوِى خَمْسَةً وَثَمَانِينَ غرَامًا تَقْرِيبًا مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ (وَ)أَمَّا (الْفِضَّةُ) فَنِصَابُهَا (مِائَتَا دِرْهَمٍ) أَىْ مَا يُسَاوِى خَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَتِسْعِينَ غرَامًا تَقْرِيبًا مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ (وَيَجِبُ فِيهِمَا رُبْعُ الْعُشْرِ وَمَا زَادَ) عَلَى النِّصَابِ (فَبِحِسَابِهِ) وَلَوْ كَانَ الزَّائِدُ يَسِيرًا (وَلا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ) مُضِىِّ (الْحَوْلِ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ (إِلَّا مَا حَصَلَ مِنْ مَعْدِنٍ أَوْ رِكَازٍ) وَبَلَغَ نِصَابًا فَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ (فَيُخْرِجُهَا) أَىِ الزَّكَاةَ (حَالًا وَفِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ) وَفِى الْمَعْدِنِ رُبْعُ الْعُشْرِ لِوُجُودِ مُؤْنَةٍ فِى تَصْفِيَتِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنَ التُّرَابِ.
(وَأَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَنِصَابُهَا نِصَابُ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ) الْبِضَاعَةُ (مِنَ النَّقْدَيْنِ) فَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِذَهَبٍ قُوِّمَتْ بِالذَّهَبِ وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِفِضَّةٍ قُوِّمَتْ بِالْفِضَّةِ وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِغَيْرِهِمَا كَالْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ قُوِّمَتْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِى ذَلِكَ الْبَلَدِ (وَالنَّقْدَانِ هُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلا يُعْتَبَرُ) النِّصَابُ (إِلَّا ءَاخِرَ الْحَوْلِ) فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْبِضَاعَةِ ءَاخِرَ الْحَوْلِ نِصَابًا أَىْ قِيمَةُ الْبِضَاعَةِ الَّتِى عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ شِرَاءِ النَّاسِ لِلْبِضَاعَةِ بِسِعْرِ الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ بِاعْتِبَارِ شِرَاءِ صَاحِبِ الْبِضَاعَةِ لَهَا وَقِيمَةُ الْبِضَاعَةِ الَّتِى بَاعَهَا وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَقِيمَةُ الْبِضَاعَةِ الَّتِى بَاعَهَا وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا (وَيَجِبُ فِيهَا رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ) أَىْ قِيمَةِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ ذَهَبًا إنْ قُوِّمَتْ بِالذَّهَبِ أَوْ فِضَّةً إنْ قُوِّمَتْ بِالْفِضَّةِ. (وَمَالُ) الشَّخْصَيْنِ (الْخَلِيطَيْنِ أَوِ) الأَشْخَاصِ (الْخُلَطَاءِ كَمَالِ) الشَّخْصِ (الْمُنْفَرِدِ فِى النِّصَابِ وَ)القَدْرِ (الْمُخْرَجِ) فَإِذَا حَصَلَتِ الْخُلْطَةُ وَكَانَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا أَخْرَجُوا جَمِيعًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ لِهَذَا الْمَالِ شَخْصًا وَاحِدًا (إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ).
(وَزَكَاةُ الْفِطْرِ تَجِبُ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَجُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ) أَمَّا إِذَا مَاتَ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ ءَاخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلا يَجِبُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ وَهِىَ تَجِبُ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) حُرٍّ (عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ) أَىْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ (إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) كَقَمْحٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ (إِذَا فَضَلَتْ عَنْ دَيْنِهِ) أَىْ إِذَا فَضَلَ مَا يُخْرِجُهُ لِلْفِطْرَةِ عَنْ دَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا (وَ)عَنْ (كِسْوَتِهِ وَمَسْكَنِهِ وَقُوتِهِ) وَكِسْوَةِ وَمَسْكَنِ (وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ) الْمُتَأَخِّرَةَ عَنْهُ وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ دَفْعِهَا إِلَى مَا بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِيدِ بِلا عُذْرٍ.
(وَتَكْفِى النِّيَّةُ فِى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ مَعَ الإِفْرَازِ لِلْقَدْرِ الْمُخْرَجِ) أَىْ مَعَ عَزْلِ الْقَدْرِ الَّذِى يَكُونُ زَكَاةً عَنْ مَالِهِ كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِى أَوْ بَدَنِى الْوَاجِبَة.
(وَيَجِبُ صَرْفُهَا) أَىِ الزَّكَاةِ (إِلَى مَنْ وُجِدَ فِى بَلَدِ الْمَالِ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ مِنَ الْفُقُرَاءِ) وَالْفَقِيرُ هُوَ الَّذِى لا يَجِدُ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ كِفَايَتِهِ (وَالْمَسَاكِينِ) وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِى يَجِدُ نِصْفَ كِفَايَتِهِ وَلا يَجِدُ تَمَامَهَا (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) وَهُمُ الَّذِينَ وَكَّلَهُمُ الْخَلِيفَةُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الأَمْوَالِ وَدَفْعِهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أُجْرَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) كَالَّذِينَ أَسْلَمُوا وَكَانَوا وُجَهَاءَ فِى قَوْمِهِمْ وَيُرْجَى بِإِعْطَائِهِمْ أَنْ يُسْلِمَ أَمْثَالُهُمْ (وَفِى الرِّقَابِ) وَهُمُ الْعَبِيدُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَتَشَارَطُوا مَعَ أَسْيَادِهِمْ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا لَهُمْ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ لِيَصِيرُوا أَحْرَارًا لِأَنَّ الإِسْلامَ حَثَّ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ (وَالْغَارِمِينَ وَهُمُ الْمَدِينُونَ الْعَاجِزُونَ عَنِ الْوَفَاءِ) كَالَّذِينَ اسْتَدَانُوا مَالًا وَصَرَفُوهُ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَيُعْطَوْا مِنَ الزَّكَاةِ قَدْرَ دَيْنِهِمْ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَعَجَزَوا عَنْ وَفَائِهِ (وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَهُمُ الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ) لِلْجِهَادِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَ(لَيْسَ مَعْنَاهُ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِىٍّ) فَلا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ أَوْ مُسْتَشْفًى (وَابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِى لَيْسَ مَعَهُ مَا يُوصِلُهُ إِلَى مَقْصِدِهِ) فَيُعْطَى مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِيهِ إِنْ كَانَ سَفَرُهُ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (وَلا يَجُوزُ وَلا يُجْزِئُ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِمْ) أَىْ لا يَجُوزُ وَلا يَصِحُّ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِغَيْرِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا فَلا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِهَاشِمِىٍّ أَوْ مُطَّلِبِىٍّ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا وَالْهَاشِمِىُّ هُوَ الْمُسْلِمُ مِنْ ذُرِّيَّةِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَّلِبِىُّ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
(كِتَابُ الصِّيَامِ)
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَهُوَ الإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ مَعَ النِّيَّةِ.
(يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ) بِشَهَادَةِ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ حُرٍّ عَدْلٍ أَنَّهُ رَأَى هِلالَ رَمَضَانَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) قَادِرٍ عَلَى الصَّوْمِ فَلا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الأَصْلِىِّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ فِى الدُّنْيَا لَكِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ فِى الآخِرَةِ وَلا يَجِبُ عَلَى الصَّبِىِّ وَالْمَجْنُونِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِىِّ الصَّبِىِّ الْمُمَيِّزِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصِّيَامِ بَعْدَ تَمَامِ سَبْعِ سِنِينَ إِنْ أَطَاقَ.
(وَلا يَصِحُّ) وَلا يَجُوزُ الصَّوْمُ (مِنْ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) لِلأَيَّامِ الَّتِى أَفْطَرَتَا فِيهَا.
(وَيَجُوزُ الْفِطْرُ لِمُسَافِرٍ) قَبْلَ الْفَجْرِ (سَفَرَ قَصْرٍ) إِذَا كَانَ سَفَرُهُ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَ)يَجُوزُ (لِمَرِيضٍ وَحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمُ) الصَّوْمُ (مَشَقَّةً لا تُحْتَمَلُ الْفِطْرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ) أَىْ يَجُوزُ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ أَنْ تُفْطِرَا إِذَا خَافَتَا عَلَى نَفْسَيْهِمَا الضَّرَرَ أَوْ عَلَى وَلَدَيْهِمَا كَأَنْ عَلِمَتِ الْحَامِلُ أَوِ الْمُرْضِعُ أَنَّهَا تَتَضَرَّرُ أَوْ يَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ بَعْدَ أَنْ جَرَّبَتْ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا أَمَّا مُجَرَّدُ الْحَمْلِ وَالإِرْضَاعِ فَلَيْسَ عُذْرًا لِلْفِطْرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا إِذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ وَهِىَ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَالْقُوتُ هُوَ مَا يَعِيشُ بِهِ الْبَدَنُ كَالْقَمْحِ وَيُجْزِئُ فِى كُلِّ الْبِلادِ وَلا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ. وَتُدْفَعُ الْفِدْيَةُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فِى يَوْمِهِ وَلا يُقَدَّمُ الدَّفْعُ كُلُّهُ.
(وَيَجِبُ التَّبْيِيتُ) أَىْ إِيقَاعُ النِّيَّةِ لَيْلًا (وَالتَّعْيِينُ) أَىْ تَعْيِينُ الصَّوْمِ (فِى النِّيَّةِ) كَتَعْيِينِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلا بُدَّ مِنْ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ (لِكُلِّ يَوْمٍ) فَلا يَكْفِى أَنْ يَنْوِىَ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ.
(وَ)مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ (الإِمْسَاكُ عَنِ) الْمُفَطِّرَاتِ وَمِنْهَا (الْجِمَاعُ) وَهُوَ مُفْسِدٌ لِصِيَامِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (وَالِاسْتِمْنَاءُ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الْمَنِىِّ) بِغَيْرِ جِمَاعٍ (بِنَحْوِ الْيَدِ وَالِاسْتِقَاءَةُ) وَهِىَ اسْتِخْرَاجُ الْقَىْءِ بِنَحْوِ إِدْخَالِ إِصْبَعِهِ فِى فَمِهِ (وَ)الإِمْسَاكُ (عَنِ الرِّدَّةِ) أَىِ الْكُفْرِ فَمَنِ ارْتَدَّ وَلَوْ لَحْظَةً فِى النَّهَارِ بَطَلَ صَوْمُهُ (وَ)الإِمْسَاكُ (عَنْ دُخُولِ عَيْنٍ جَوْفًا) فَمَنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا لَهُ حَجْمٌ فَدَخَلَ فِى جَوْفِهِ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ كَالْفَمِ أَوْ أَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فِى دُبُرِهِ وَلَوْ مِقْدَارًا قَلِيلًا وَرَاءَ مَا يُفْرَكُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ أَفْطَرَ (إِلَّا) إِذَا ابْتَلَعَ (رِيقَهُ الْخَالِصَ الطَّاهِرَ مِنْ مَعْدِنِهِ) وَهُوَ الْفَمُ فَإِنَّهُ لا يُفْطِرُ وَأَمَّا مَنِ ابْتَلَعَ رِيقَهُ الْمُخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ مِنَ الطَّاهِرَاتِ أَوْ رِيقَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ (وَ)يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّوْمِ (أَنْ لا يُجَنَّ) الصَّائِمُ (وَلَوْ لَحْظَةً وَأَنْ لا يُغْمَى عَلَيْهِ كُلَّ الْيَوْمِ) أَىْ أَنْ لا يَسْتَغْرِقَ إِغْمَاؤُهُ كُلَّ النَّهَارِ أَمَّا لَوْ نَامَ كُلَّ الْيَوْمِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ.
(وَلا يَصِحُّ) وَلا يَجُوزُ (صَوْمُ) يَوْمَىِ (الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالأَضْحَى (وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الثَّلاثَةِ وَهِىَ الَّتِى تَلِى يَوْمَ عِيدِ الأَضْحَى (وَكَذَا) صَوْمُ (النِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ وَيَوْمِ الشَّكِّ) وَهُوَ يَوْمُ الثَّلاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَلا يَجُوزُ صَوْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ اعْتِمَادًا عَلَى خَبَرِ مَنْ لا يَثْبُتُ الصِّيَامُ بِشَهَادَتِهِمْ كَأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلالَ رَمَضَانَ فِى التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لَيْلًا. وَلا يَجُوزُ صَوْمُ النِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ (إِلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ) أَىْ إِلَّا إِذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ كَأَنْ صَامَ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ (أَوْ) كَانَ صَوْمُهُ لِلنِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ (لِقَضَاءِ) أَيَّامٍ فَاتَتْهُ (أَوْ) كَانَ صَوْمَ (نَذْرٍ أَوْ وِرْدٍ كَمَنِ اعْتَادَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ).
(وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلا رُخْصَةَ لَهُ فِى فِطْرِهِ) وَكَانَ إِفْسَادُهُ لِلصَّوْمِ (بِجِمَاعٍ فَعَلَيْهِ الإِثْمُ وَالْقَضَاءُ) بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ (فَوْرًا وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَهِىَ عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ سَلِيمَةٍ عَمَّا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ كَالْعَمَى وَالْفَالِجِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا (أَىْ تَمْلِيكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) كَقَمْحٍ وَالْمُدُّ هُوَ مِلْءُ الْكَّفَيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ.
(كِتَابُ الْحَجِّ)
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْحَجُّ هُوَ قَصْدُ الْكَعْبَةِ بِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَالْعُمْرَةُ هِىَ زِيَارَةُ الْكَعْبَةِ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ.
(يَجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِى الْعُمُرِ مَرَّةً) عَلَى التَّرَاخِى لا عَلَى الْفَوْرِ أَىْ إِذَا أَخَّرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْعَامِ الْقَادِمِ وَكَانَ مُسْتَطِيعًا ثُمَّ حَجَّ وَاعْتَمَرَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ أَمَّا إِنْ أَخَّرَهُمَا بِلا عُذْرٍ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ فِى ذَنْبٍ كَبِيرٍ. وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ إِنَّمَا يَجِبَانِ (عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الْمُسْتَطِيعِ بِمَا يُوصِلُهُ) إِلَى مَكَّةَ (وَيَرُدُّهُ إِلَى وَطَنِهِ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) أَىْ إِذَا وَجَدَ مَالًا زَائِدًا عَلَى دَيْنِهِ (وَمَسْكَنِهِ) وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا (وَكِسْوَتِهِ اللَّائِقَيْنِ بِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ) أَىْ نَفَقَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (مُدَّةَ ذَهَابِهِ) وَإِقَامَتِهِ (وَإِيَّابِهِ).
(وَأَرْكَانُ الْحَجِّ) أَىِ الأَعْمَالُ الَّتِى لا يَصِحُّ الْحَجُّ بِدُونِهَا (سِتَّةٌ الأَوَّلُ الإِحْرَامُ وَهُوَ) نِيَّةُ الدُّخُولِ فِى عَمَلِ الْحَجِّ أَىْ (أَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ دَخَلْتُ فِى عَمَلِ الْحَجِّ أَوْ) يَقُولَ دَخَلْتُ فِى عَمَلِ الْحَجِّ وَ(الْعُمْرَةِ) إِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِى الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) بِأَنْ يَكُونَ فِى أَرْضِ عَرَفَةَ (بَيْنَ زَوَالِ شَمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى فَجْرِ لَيْلَةِ الْعِيدِ) وَيُجْزِئُ بِأَىِّ جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ مَكْرُوهًا. وَ(الثَّالِثُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ) بِأَنْ يَدُورَ الْحَاجُّ حَوْلَ الْكَعْبَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ جَاعِلًا الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بَعْدَ مُنْتَصَفِ لَيْلَةِ الْعِيدِ. وَ(الرَّابِعُ السَّعْىُ بَيْنَ) جَبَلِ (الصَّفَا وَ)جَبَلِ (الْمَرْوَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ) بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِالصَّفَا وَيَنْتَهِى بِالْمَرْوَةِ وَأَنْ يَكُونَ السَّعْىُ بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ طَوَافِ قُدُومٍ (مِنَ الْعَقْدِ إِلَى الْعَقْدِ) وَالْعَقْدُ عَلامَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهِىَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ الآنَ وَلا يَصِحُّ السَّعْىُ فِى الْمَسْعَى الْجَدِيدِ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ خَارِجَ حُدُودِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَرْضًا. (وَالْخَامِسُ الْحَلْقُ) وَهُوَ اسْتِئْصَالُ الشَّعَرِ بِالْمُوسَى (أَوِ التَّقْصِيرُ) وَهُوَ أَخْذُ شَىْءٍ مِنَ الشَّعَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصَالٍ وَأَقَلُّ الْوَاجِبِ إِزَالَةُ ثَلاثِ شَعَرَاتٍ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بَعْدَ مُنْتَصَفِ لَيْلَةِ الْعِيدِ. وَ(السَّادِسُ التَّرْتِيبُ فِى مُعْظَمِ الأَرْكَانِ) فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الإِحْرَامِ عَلَى الْكُلِّ وَتَأْخِيرُ الطَّوَافِ وَالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (وَهِىَ) أَىِ الأَرْكَانُ الْمَذْكُورَةُ (إِلَّا الْوُقُوفَ) بِعَرَفَةَ هِىَ (أَرْكَانٌ لِلْعُمْرَةِ) لَكِنَّ التَّرْتِيبَ فِى الْعُمْرَةِ وَاجِبٌ فِى جَمِيعِ الأَرْكَانِ بِخِلافِ الْحَجِّ (وَلِهَذِهِ الأَرْكَانِ فُرُوضٌ) كَكَوْنِ الطَّوْفَاتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ (وَشُرُوطٌ) كَكَوْنِ الطَّوَافِ فِى الْمَسْجِدِ (لا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا) لِصِحَّةِ الْعَمَلِ (وَيُشْتَرَطُ لِلطَّوَافِ قَطْعُ مَسَافَةٍ وَهِىَ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَمِنْ شُرُوطِهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالطَّهَارَةُ) عَنِ الْحَدَثَيْنِ وَعَنِ النَّجَاسَةِ (وَأَنْ يَجْعَلَ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ لا يَسْتَقْبِلُهَا وَلا يَسْتَدْبِرُهَا).
(وَحَرُمَ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (طِيبٌ) أَىِ اسْتِعْمَالُ طِيبٍ فِى مَلْبُوسٍ أَوْ بَدَنٍ كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَفِيهِ فِدْيَةٌ أَمَّا مَنْ كَانَ نَاسِيًا لِلإِحْرَامِ أَوْ مُكْرَهًا عَلَى التَّطَيُّبِ أَوْ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ (وَدَهْنُ) شَعْرِ (رَأْسٍ وَلِحْيَةٍ) بِمَا يُسَمَّى دُهْنًا سَوَاءٌ كَانَ (بِزَيْتٍ أَوْ شَحْمٍ أَوْ شَمْعِ عَسَلٍ ذَائِبَيْنِ وَإِزَالَةُ ظُفْرٍ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَ)إِزَالَةُ (شَعَرٍ) مِنْ رَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَجِمَاعٌ وَمُقَدِّمَاتُهُ) كَتَقْبِيلٍ بِشَهْوَةٍ (وَعَقْدُ النِّكَاحِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلا يُنْكِحُ (وَصَيْدُ مَأْكُولٍ بَرِّىٍّ وَحْشِىٍّ) كَالنَّعَامَةِ وَالضَّبُعِ بِخِلافِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْبَحْرِىِّ وَالْمُسْتَأْنِسِ وَكُلِّ حَيَوَانٍ مُؤْذٍ بِطَبْعِهِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فَلا يَحْرُمُ اصْطِيَادُهُ (وَ)يَحْرُمُ (عَلَى الرَّجُلِ) الْمُحْرِمِ (سَتْرُ رَأْسِهِ) بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا كَقَلَنْسُوَةٍ (وَلُبْسُ مُحِيطٍ بِخِيَاطَةٍ) أَىْ مَا يُحِيطُ بِالْبَدَنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِسَبَبِ خِيَاطَةٍ كَقَمِيصٍ طَوِيلٍ أَوْ سِرْوَالٍ (أَوْ لِبْدٍ) أَىْ مَا يَتَلَبَّدُ مِنْ شَعَرٍ أَوْ صُوفٍ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ (أَوْ نَحْوِهِ). (وَ)يَحْرُمُ (عَلَى) الْمَرْأَةِ (الْمُحْرِمَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا) أَىْ تَغْطِيَةُ وَجْهِهَا بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا (وَ)لُبْسُ (قُفَّازٍ) وَهُوَ شَىْءٌ يُعْمَلُ لِلْكَفِّ لِيَقِيَهَا مِنَ الْبَرْدِ (فَمَنْ) كَانَ مُحْرِمًا ثُمَّ (فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَعَلَيْهِ الإِثْمُ وَالْفِدْيَةُ) وَهِىَ فِى الطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَلُبْسِ شَىْءٍ يُحِيطُ بِالْبَدَنِ بِخِيَاطَةٍ وَإِزَالَةِ ثَلاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلاثَةِ أَظْفَارٍ أَوْ أَكْثَرَ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ وَالْجِمَاعِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ أَىْ بَعْدَ فِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ ثَلاثَةٍ طَوَافِ الْفَرْضِ وَالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ وَرَمْىِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ شَاةٌ أَوِ التَّصَدُّقُ بِثَلاثَةِ ءَاصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ وَهِىَ اثْنَتَا عَشْرَةَ حَفْنَةً بِكَفَّىْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (وَيَزِيدُ الْجِمَاعُ) قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ (بِالإِفْسَادِ) لِلْحَجِّ (وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَوْرًا وَإِتْمَامِ الْفَاسِدِ فَمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ يَمْضِى فِيهِ وَلا يَقْطَعُهُ ثُمَّ يَقْضِى فِى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ).
(وَيَجِبُ) عَلَى مُرِيدِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ (أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَالْمِيقَاتُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِى عَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِيُحْرَمَ مِنْهُ كَالأَرْضِ الَّتِى تُسَمَّى ذَا الْحُلَيْفَةِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ يَمُرُّ بِطَرِيقِهِمْ) إِلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَيُسَمُّونَهَا الْيَوْمَ ءَابَارَ عَلِىٍّ. وَمِيقَاتُ الْمَكِّىِّ لِلْحَجِّ مَكَّةُ أَىْ يُحْرِمُ مِنْهَا لِلْحَجِّ أَمَّا مِيقَاتُهُ لِلْعُمْرَةِ فَهُوَ مَا كَانَ خَارِجَ حُدُودِ حَرَمِ مَكَّةَ مِنْ أَىِّ جِهَةٍ كَانَ. (وَ)يَجِبُ (فِى الْحَجِّ) دُونَ الْعُمْرَةِ (مَبِيتُ) الْحَاجِّ فِى أَرْضِ (مُزْدَلِفَةَ عَلَى قَوْلٍ) أَىْ مُرُورُهُ فِى شَىْءٍ مِنْ أَرْضِهَا بَعْدَ مُنْتَصَفِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَلَوْ لَحْظَةً (وَ)يَجِبُ الْمَبِيتُ (بِمِنًى عَلَى قَوْلٍ) أَىْ أَنْ يَكُونَ فِى أَرْضِ مِنًى مُعْظَمَ اللَّيْلِ أَىْ لَيْلَةِ الْيَوْمِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى وَالثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَلا يَجِبَانِ عَلَى قَوْلٍ). (وَ)يَجِبُ (رَمْىُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَىْ يَوْمَ الْعِيدِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بَعْدَ مُنْتَصَفِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَبْقَى وَقْتُهُ إِلَى ءَاخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَ)يَجِبُ (رَمْىُ الْجَمَرَاتِ الثَّلاثِ) الصُّغْرَى وَالْوُسْطَى وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ (أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يَبْدَأُ بِالصُّغْرَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ يَخْتِمُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَهُ تَأْخِيرُ رَمْىِ الْيَوْمِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى إِلَى الثَّالِثِ (وَ)يَجِبُ (طَوَافُ الْوَدَاعِ عَلَى قَوْلٍ فِى الْمَذْهَبِ) وَيُسَنُّ عَلَى قَوْلٍ.
(وَهَذِهِ الأُمُورُ السِّتَّةُ) هِىَ وَاجِبَاتُ الْحَجِّ (مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا لا يَفْسُدُ حَجُّهُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ إِثْمٌ وَفِدْيَةٌ بِخِلافِ) مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ (الأَرْكَانِ الَّتِى مَرَّ ذِكْرُهَا فَإِنَّ الْحَجَّ لا يَحْصُلُ بِدُونِهَا وَمَنْ تَرَكَهَا لا يَجْبُرُهُ دَمٌ أَىْ ذَبْحُ شَاةٍ) أَىْ لا يَكْفِيهِ إِنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنَ أَرْكَانِ الْحَجِّ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً بَلْ لا بُدَّ أَنْ يَأْتِىَ بِهِ لِصِحَّةِ حَجَّهِ.
(وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْحَرَمَيْنِ) حَرَمِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (وَنَبَاتُهُمَا) فَلا يَجُوزُ قَطْعُ شَجَرِهِمَا أَوْ قَلْعُهُ (عَلَى مُحْرِمٍ وَحَلالٍ) أَىْ غَيْرِ مُحْرِمٍ (وَتَزِيدُ مَكَّةُ) عَلَى الْمَدِينَةِ (بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ) فِى الصَّيْدِ وَالنَّبَاتِ (فَلا فِدْيَةَ فِى صَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَقَطْعِ نَبَاتِهَا وَ)حَدُّ (حَرَمِ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ جَبَلِ عَيْرٍ وَجَبَلِ ثَوْرٍ).
(كِتَابُ الْمُعَامَلاتِ)
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَهَمِيَّةِ تَعَلُّمِ أَحْكَامِ الْمُعَامَلاتِ.
(يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) أَىْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (أَنْ لا يَدْخُلَ فِى شَىْءٍ) مِنَ الْمُعَامَلاتِ (حَتَّى يَعْلَمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَمَا حَرَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَعَبَّدَنَا أَىْ كَلَّفَنَا) وَأَمَرَنَا (بِأَشْيَاءَ فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا تَعَبَّدَنَا) اللَّهُ بِهِ بِأَنْ نُؤَدِّيَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى أَمَرَنَا بِهِ (وَقَدْ أَحَلَّ) اللَّهُ (الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَقَدْ قَيَّدَ الشَّرْعُ هَذَا الْبَيْعَ بِآلَةِ التَّعْرِيفِ) أَىْ عَرَّفَهُ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ وَهِىَ الأَلِفُ وَاللَّامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِى أَحَلَّهُ اللَّهُ هُوَ الْبَيْعُ الْمَعْهُودُ فِى شَرْعِهِ بِالْحِلِّ (لِأَنَّهُ لا يَحِلُّ كُلُّ بَيْعٍ إِلَّا مَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَالأَرْكَانَ فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا) حَتَّى لا يَقَعَ الشَّخْصُ فِى مَا حَرَّمَ اللَّهُ (فَعَلَى مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا شَاءَ أَمْ أَبَى) أَىْ قَصَدَ الْوُقُوعَ فِيهِ أَمْ لَمْ يَقْصِدْ (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ. وَالتَّاجِرُ الصَّدُوقُ هُوَ الَّذِى يُرَاعِى حُكْمَ اللَّهِ فِى تِجَارَتِهِ فَيَتَجَنَّبُ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ وَالْغَشَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ (وَمَا ذَاكَ) الْفَضْلُ الَّذِى ذَكَرَهُ النَّبِىُّ ﷺ وَالأَجْرُ الْعَظِيمُ لِلتَّاجِرِ الصَّدُوقِ (إِلَّا لِأَجْلِ مَا يَلْقَاهُ مِنْ مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ وَقَهْرِهَا عَلَى إِجْرَاءِ الْعُقُودِ عَلَى الطَّرِيقِ الشَّرْعِىِّ وَإِلَّا) اسْتَحَقَّ عَذَابَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (فَلا يَخْفَى مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ مَنْ تَعَدَّى الْحُدُودَ) مِنَ الْعَذَابِ الأَلِيمِ (ثُمَّ إِنَّ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ مِنَ الإِجَارَةِ) وَهِىَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ بِعِوَضٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ (وَالْقِرَاضِ) وَهُوَ تَفْوِيضُ الشَّخْصِ وَإِذْنُهُ لِشَخْصٍ أَنْ يَعْمَلَ فِى مَالِهِ فِى نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ مِنَ التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا (وَالرَّهْنِ) وَهُوَ جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ أَى مَرْبُوطَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا الدَّيْنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَفَاءِ وَيَجُوزُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (وَالْوَكَالَةِ) وَهِىَ تَفْوِيضُ شَخْصٍ إِلَى غَيْرِهِ تَصَرُّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لِيَفْعَلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ (وَالْوَدِيعَةِ) وَهِىَ مَا يُوضَعُ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكِهِ لِحِفْظِهِ (وَالْعَارِيَّةِ) وَهِىَ إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِشَىْءٍ مَجَّانًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ (وَالشَّرِكَةِ) وَهِىَ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِى شَىْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ أَىْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِى هَذَا الشَّىْءِ (وَالْمُسَاقَاةِ) وَهِىَ مُعَامَلَةُ شَخْصٍ عَلَى شَجَرٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِنَحْوِ سَقْىٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا وَيُوجَدُ غَيْرُهَا مِنَ الْمُعَامَلاتِ (كَذَلِكَ لا بُدَّ مِنْ) تَعَلُّمِ أَحْكَامِهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا أَىْ (مُرَاعَاةِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا).
(وَعَقْدُ النِّكَاحِ يَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدِ احْتِيَاطٍ وَتَثَبُّتٍ حَذَرًا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ) مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْعَقْدِ يُؤَدِّى إِلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ (وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْءَانُ الْكَرِيمُ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾) وَوِقَايَةُ النَّفْسِ وَالأَهْلِ مِنَ النَّارِ تَكُونُ بِتَعَلُّمِ عِلْمِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَقَدْ (قَالَ) الإِمَامُ التَّابِعِىُّ (عَطَاءُ) بنُ أَبِى رَبَاحٍ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ) فِى تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ (أَنْ تَتَعَلَّمَ كَيْفَ تُصَلِّى وَكَيْفَ تَصُومُ وَكَيْفَ تَبِيعُ وَتَشْتَرِى وَكَيْفَ تَنْكِحُ وَكَيْفَ تُطَلِّقُ).
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الرِّبَا.
(يَحْرُمُ الرِّبَا فِعْلُهُ وَأَكْلُهُ وَأَخْذُهُ وَكِتَابَتُهُ وَشَهَادَتُهُ) فَيَشْتَرِكُ فِى الإِثْمِ ءَاخِذُ الرِّبَا وَدَافِعُهُ وَكَاتِبُ الْعَقْدِ وَشَاهِدُهُ وَالَّذِى يَنْتَفِعُ بِالْمَالِ الَّذِى يَصِلُ إِلَيْهِ بِطَرِيقِ الرِّبَا (وَهُوَ) أَنْوَاعٌ مِنْهَا (بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ) كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ (نَسِيئَةً) أَىْ مُؤَجَّلًا (أَوْ بِغَيْرِ تَقَابُضٍ) فِى مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِأَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَابَضَا (أَوْ) بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ (بِجِنْسِهِ كَذَلِكَ أَىْ) مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَأَنْ يُبَادِلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ (نَسِيئَةً) أَىْ مُؤَجَّلًا (أَوِ افْتِرَاقًا بِغَيْرِ تَقَابُضٍ أَوْ مُتَفَاضِلًا أَىْ مَعَ زِيَادَةٍ فِى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآخَرِ بِالْوَزْنِ) أَىْ مَعَ اخْتِلافِ الْوَزْنِ وَالْعِبْرَةُ بِوَزْنِ الذَّهَبِ الصَّافِى (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (الْمَطْعُومَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَذَلِكَ أَىْ لا يَحِلُّ بَيْعُهَا مَعَ اخْتِلافِ الْجِنْسِ كَالْقَمْحِ مَعَ الشَّعِيرِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ) وَهُمَا (انْتِفَاءُ الأَجَلِ وَانْتِفَاءُ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ) أَىْ عَدَمُ ذِكْرِ الأَجَلِ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (وَمَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ) كَالْقَمْحِ بِالْقَمْحِ (يُشْتَرَطُ هَذَانِ الشَّرْطَانِ مَعَ) شَرْطٍ ثَالِثٍ وَهُوَ (التَّمَاثُلُ) أَىِ التَّسَاوِى بِالْكَيْلِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْبَيْعِ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ) أَىْ لا يَجُوزُ بَيْعُ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا يُنْقَلُ كَالسَّيَّارَةِ بِالنَّقْلِ إِلَى مَكَانٍ لا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ وَبِالْمُنَاوَلَةِ فِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ كَالثَّوْبِ وَبِالتَّخْلِيَةِ فِيمَا لا يُنْقَلُ كَالْبَيْتِ أَىْ يُشْتَرَطُ تَفْرِيغُهُ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِى وَتَمْكِينُ الْمُشْتَرِى مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِتَسْلِيمِهِ الْمِفْتَاحَ.
(وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) الْحَىِّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ هَذَا اللَّحْمِ أَوْ غَيْرِهِ (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) كَأَنْ يَبِيعَ دَيْنًا لَهُ عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى شَهْرٍ مَثَلًا كَأَنْ يَقُولَ لِعَمْرٍو بِعْتُكَ دَيْنِى الَّذِى عَلَى زَيْدٍ وَهُوَ كَذَا بِأَلْفِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ.
(وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الْفُضُولِىِّ أَىْ بَيْعُ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَلا وِلايَةٌ) كَأَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَلا لَهُ عَلَيْهِ وِلايَةٌ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (مَا لَمْ يَرَهُ) الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا (وَيَجُوزُ) بَيْعُهُ (عَلَى قَوْلٍ لِلشَّافِعِىِّ مَعَ الْوَصْفِ) الَّذِى يُخْرِجُهُ مِنَ الْجَهَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِى خِيَارُ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفَهُ لَهُ.
(وَلا يَصِحُّ بَيْعُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَىْ لا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِىِّ وَعَلَيْهِ) أَىْ لا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِىِّ وَلا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَشْتَرِىَ شَيْئًا مِنْهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الصَّبِىِّ الْمُمَيِّزِ فِى مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) أَىْ يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ لِلصَّبِىِّ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ (أَوْ) بَيْعُ مَا (لا قُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ) كَبَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ بَيْتٍ مَغْصُوبٍ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (مَا لا مَنْفَعَةَ فِيهِ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَالْخُبْزِ الْمُحْتَرِقِ وَءَالاتِ اللَّهْوِ وَالصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ لِإِنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ كَلُعَبِ الأَطْفَالِ وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ شِرَاءَ اللُّعَبِ لِلْبَنَاتِ الصِّغَارِ إِذَا كَانَتِ اللُّعْبَةُ بِهَيْئَةِ بِنْتٍ صَغِيرَةٍ.
(وَلا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (عِنْدَ بَعْضِ) الشَّافِعِيَّةِ (بِلا صِيغَةٍ) وَهِىَ اللَّفْظُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ وَقَوْلِ الْمُشْتَرِى اشْتَرَيْتُ (وَيَكْفِى التَّرَاضِى عِنْدَ ءَاخَرِينَ) بِلا صِيغَةٍ بِأَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ بِلا لَفْظٍ.
(وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ مَا لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِلْكِ) أَىْ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا (كَالْحُرِّ وَالأَرْضِ الْمَوَاتِ) وَتُمْلَكُ بِتَهْيِأَتِهَا لِلانْتِفَاعِ بِهَا إِمَّا بِزِرَاعَتِهَا أَوْ بِالسَّكَنِ فِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الْمَجْهُولِ) وَلا يَصِحُّ كَأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَيَأْخُذَ أَحَدَهُمَا (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (النَّجِسِ كَالدَّمِ) وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِى لا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالزَّيْتِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ (وَكُلِّ مُسْكِرٍ) كَالْخَمْرِ (وَمُحَرَّمٍ كَالطُّنْبُورِ وَهُوَ ءَالَةُ لَهْوٍ تُشْبِهُ الْعُودَ) وَالْمِزْمَارِ وَالْكُوبَةِ أَىِ الطَّبْلِ الضَّيِّقِ الْوَسَطِ الَّتِى يُقَالُ لَهَا بِالْعَامِيَّةِ الدِّرْبَكَّة (وَيَحْرُمُ بَيْعُ الشَّىْءِ الْحَلالِ الطَّاهِرِ عَلَى مَنْ تَعْلَمُ أنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْصِىَ بِهِ كَالْعِنَبِ لِمَنْ) تَعْلَمُ أَنَّهُ (يُرِيدُهُ لِلْخَمْرِ وَالسِّلاحِ لِمَنْ) تَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ (يَعْتَدِىَ بِهِ عَلَى النَّاسِ) لِأَنَّ فِى ذَلِكَ إِعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الأَشْيَاءِ الْمُسْكِرَةِ) وَيَدْخُلُ فِى ذَلِكَ الإِسْبِيرْتُو وَلَوْ لِغَيْرِ الشُّرْبِ (وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الْمَعِيبِ بِلا إِظْهَارٍ لِعَيْبِهِ) أَىْ مَعَ تَرْكِ بَيَانِهِ.
(فَائِدَةٌ لا تَصِحُّ قِسْمَةُ تَرِكَةِ مَيِّتٍ) عَلَى الْوَارِثِينَ (وَلا بَيْعُ شَىْءٍ مِنْهَا مَا لَمْ تُوَفَّ دُيُونُهُ) إِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ (وَ)تُنَفَّذَ (وَصَايَاهُ) أَىْ مَا أَوْصَى بِهِ بِأَنْ يُصْرَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِغَيْرِ وَارِثٍ كَأَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ أَقَلَّ (وَتُخْرَجَ أُجْرَةُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ إِنْ كَانَا) فَرْضًا (عَلَيْهِ) وَيَكْفِى أَنْ تُسَلَّمَ إِلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ (إِلَّا أَنْ يُبَاعَ شَىْءٌ) مِنَ التَّرِكَةِ (لِقَضَاءِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ) فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ (فَالتَّرِكَةُ كَمَرْهُونٍ بِذَلِكَ) فَكَمَا أَنَّ الْمَرْهُونَ لا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِى رُهِنَ بِهِ فَالتَّرِكَةُ كَذَلِكَ أَوْ (كَرَقِيقٍ) أَىْ عَبْدٍ (جَنَى) بِأَنْ سَرَقَ مَالَ شَخْصٍ (وَلَوْ) كَانَتْ جِنَايَتُهُ (بِأَخْذِ دَانَقٍ) وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ (لا يَصِحُّ بَيْعُهُ حَتَّى يُؤَدِّىَ) سَيِّدُهُ (مَا بِرَقَبَتِهِ أَوْ يَأْذَنَ الْغَرِيمُ) لِسَيِّدِهِ (فِى بَيْعِهِ).
(وَيَحْرُمُ) عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ (أَنْ يُفَتِّرَ رَغْبَةَ الْمُشْتَرِى أَوِ الْبَائِعِ) قَبْلَ إِجْرَاءِ الْعَقْدِ (وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِى قَدْ صَرَّحَا بِالرِّضَا بِالثَّمَنِ (لِيَبِيعَ عَلَيْهِ أَوْ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْهُ) كَأَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِى أَنَا أَبِيعُكَ مِثْلَهُ بِثَمَنٍ أَقَلَّ أَوْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ لا تَبِعْهُ لِفُلانٍ أَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ. (وَ)التَّفْتِيرُ (بَعْدَ) حُصُولِ (الْعَقْدِ) بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ (فِى مُدَّةِ الْخِيَارِ) أَىْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيَنْتَهِى بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهُوَ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (أَشَدُّ) حُرْمَةً لِأَنَّ الإِيذَاءَ أَكْثَر. فَالْمُتَبَايِعَانِ لَهُمَا الْخِيَارُ فِى فَسْخِ الْعَقْدِ مَا دَامَا فِى الْمَجْلِسِ وَكَذَلِكَ إِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ فِى فَسْخِ الْعَقْدِ لِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ.
(وَ)يَحْرُمُ (أَنْ يَشْتَرِىَ الطَّعَامَ) أَىِ الْقُوتَ وَهُوَ مَا يَعِيشُ بِهِ الْبَدَنُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ (وَقْتَ الْغَلاءِ وَالْحَاجَةِ) إِلَيْهِ (لِيَحْبِسَهُ) عِنْدَهُ (وَيَبِيعَهُ بِأَغْلَى) عِنْدَ اشْتِدَادِ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ. (وَ)يَحْرُمُ (أَنْ يَزِيدَ فِى ثَمَنِ سِلْعَةٍ) وَلَيْسَ قَصْدُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إِنَّمَا (لِيَغُرَّ غَيْرَهُ) أَىْ لِيُوهِمَهُ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ قِيمَتُهَا عَالِيَةٌ فَيَغْتَرَّ بِذَلِكَ فَيَشْتَرِيَهَا.
(وَ)يَحْرُمُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ أَىْ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ (أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا) بِالْبَيْعِ (قَبْلَ التَّمْيِيزِ) أَىْ قَبْلَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلَدُ وَلَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ. (وَ)يَحْرُمُ عَلَى الْبَائِعِ (أَنْ يَغُشَّ) بِإِخْفِاءِ الْعَيْبِ (أَوْ يَخُونَ فِى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ وَالْعَدِّ أَوْ يَكْذِبَ) فِى شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَ)يَحْرُمُ (أَنْ يَبِيعَ الْقُطْنَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْبَضَائِعِ وَيُقْرِضَ الْمُشْتَرِىَ فَوْقَهُ دَرَاهِمَ) أَىْ يُقْرِضَهُ الثَّمَنَ الَّذِى يَشْتَرِى بِهِ الْبِضَاعَةَ (وَيَزِيدَ فِى ثَمَنِ تِلْكَ الْبِضَاعَةِ لِأَجْلِ) ذَلِكَ (الْقَرْضِ) بِحَيْثُ يَجْعَلُ ذَلِكَ شَرْطًا. (وَ)يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ (أَنْ يُقْرِضَ الْحَائِكَ) أَىِ الَّذِى يَنْسُجُ الثِّيَابَ (أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الأُجَرَاءِ وَيَسْتَخْدِمَهُ) بِالْعَمَلِ لَهُ (بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْقَرْضِ أَىْ إِنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الرَّبْطَةَ) لِأَنَّهُ رَبَطَ الأَجِيرَ بِذَلِكَ (أَوْ يُقْرِضَ الْحَرَّاثِينَ) مَالًا (إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ وَيَشْتَرِطَ) عَلَيْهِمْ (أَنْ يَبِيعُوا عَلَيْهِ) أَىْ أَنْ يَبِيعُوهُ (طَعَامَهُمْ بِأَوْضَعَ) أَىْ بِأَقَلَّ (مِنَ السِّعْرِ قَلِيلًا وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الْمَقْضِىَّ) فَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ رِبَا الْقَرْضِ (وَكَذَا جُمْلَةٌ مِنْ مُعَامَلاتِ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ) الَّذِى كَثُرَ فِيهِ الْجَهْلُ وَقَلَّتْ فِيهِ التَّقْوَى (وَأَكْثَرُهَا) مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهَا (خَارِجَةٌ عَنْ قَانُونِ الشَّرْعِ فَعَلَى مُرِيدِ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَسَلامَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ) مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ كَأَنْ يَتَعَلَّمَ (مِنْ عَالِمٍ وَرِعٍ) تَقِىٍّ (نَاصِحٍ شَفِيقٍ عَلَى دِينِهِ فَإِنَّ طَلَبَ الْحَلالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلا يَجُوزُ تَنَاوُلُ الرِّزْقِ مِنْ طَرِيقٍ حَرَامٍ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ النَّفَقَةِ.
(يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ) أَىِ الْمُسْتَطِيعِ (نَفَقَةُ أُصُولِهِ الْمُعْسِرِينَ أَىِ الآبَاءِ الْفُقَرَاءِ وَالأُمَّهَاتِ) أَىِ الأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلا وَالأُمِّ وَالْجَدَّةِ وَإِنْ عَلَتْ (وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ) أَىِ الْعَمَلِ (وَ)يَجِبُ عَلَيْهِ (نَفَقَةُ فُرُوعِهِ أَىْ أَوْلادِهِ وَأَوْلادِ أَوْلادِهِ) مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ (إِذَا أَعْسَرُوا) أَىْ إِنْ لَمْ يَجِدُوا مَالًا يَكْفِيهِمْ حَاجَاتِهِمُ الأَصْلِيَّةَ (وَعَجَزُوا عَنِ الْكَسْبِ لِصِغَرِ) سِنٍّ (أَوْ زَمَانَةٍ أَىْ مَرَضٍ مَانِعٍ مِنَ الْكَسْبِ) كَالشَّلَلِ وَالْعَمَى فَإِنْ قَدَرَ الْوَلَدُ عَلَى الْعَمَلِ جَازَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَيْهِ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ.
(وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ) مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى وَنَحْوِ ذَلِكَ إِنْ كَانَتْ مُمَكِّنَةً نَفْسَهَا لَهُ (وَ)يَجِبُ عَلَيْهِ (مَهْرُهَا وَعَلَيْهِ لَهَا مُتْعَةٌ) أَىْ مِقْدَارٌ مِنَ الْمَالِ يُعْطَى لَهَا (إِنْ وَقَعَ الْفِرَاقُ بَيْنَهُمَا) أَىِ انْفَسَخَ عَقْدُ النِّكَاحِ (بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهَا) أَمَّا إِنِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِسَبَبٍ مِنْهَا كَأَنِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا وَبَقِيَتْ عَلَى الرِّدَّةِ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلا مُتْعَةَ لَهَا.
(وَ)يَجِبُ (عَلَى مَالِكِ الْعَبِيدِ وَالْبَهَائِمِ نَفَقَتُهُمْ) مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَأَنْ لا يُكَلِّفَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لا يُطِيقُونَهُ وَ)أَنْ (لا يَضْرِبَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَاعَتُهُ فِى نَفْسِهَا) أَىْ طَاعَةُ زَوْجِهَا فِى الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْتَاعِ (إِلَّا فِى مَا لا يَحِلُّ) كَأَنْ طَلَبَ مِنْهَا الْجِمَاعَ وَهِىَ حَائِضٌ (وَ)يَجِبُ عَلَيْهَا (أَنْ لا تَصُومَ النَّفْلَ) وَهُوَ حَاضِرٌ أَىْ فِى الْبَلَدِ إِلَّا بِإِذْنِهِ (وَ)أَنْ (لا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ) لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ (إِلَّا بِإِذْنِهِ).
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/-neWWwOQ0Rc
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/mokhtasar-3
الإشعارات