الرسالة الأولى: رسالة الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
الرسالة الأولى: رسالة الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه المتوفى سنة 101هـ
ترجمة عمر بن عبد العزيز [1]
– اسمه ونسبه وكنيته وولادته:
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين حقا، ويكنى أبا حفص، القرشي الأموي المدني الزاهد العابد والخليفة الراشد أشج بني أمية.
ولد بالمدينة المنورة سنة 61هـ أو 63هـ، وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة.
– أمه أم عاصم:
هي أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمها امرأة من بني هلال كان سيدنا عمر بن الخطاب اختارها زوجة لابنه عاصم لما رأى منها من التزام شرع الله تعالى، وتزوج عبد العزيز بن مروان من أم عاصم فولدت له الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فجده لأمه ليلى هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولدت له أيضا عاصما وأبا بكر ومحمدا.
– زوجته وأولاده:
لما مات والده عبد العزيز بن مروان بعث إليه عمه الخليفة عبد الملك بن مروان [2] وخلطه بأولاده وقدمه على كثير منهم وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها:
بنت الخليفة والخليفة جدها *** أخت الخلائف والخليفة زوجها
وولدت له: إسحاق ويعقوب وموسى.
ولعمر بن عبد العزيز غير هؤلاء من الاولاد من أمهات غير فاطمة وهم كما ذكرهم ابن سعد في طبقاته:
عبد الله وقد ولي العراق وبكر وأم عمار، وأمهم: لميس بنت علي بن الحارث.
وإبراهيم وأمه: أم عثمان بنت شعيب بن زبان.
وعبد الملك الذي توفي قبله والوليد وعاصم ويزيد وعبيه الله وعبد العزيز الذي ولي الحرمين وزبان وأمينة وأم عبد الله، وأمهم: أم ولد. وزاد الذهبي في “السير” أربعة وهم: حفص وإسماعيل وإصبغ وءادم.
– صفته الخلقية:
كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أبيض رقيق الوجه مليحا جميلا مهيبا نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين قد خطه الشيب بجبهته شجة، وكان سبب ذلك أنه دخل إلى إصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فشجه فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذا لسعيد.
– بشارة عمر بن الخطاب بعمر بن عبد العزيز:
روى ابن سعد في “الطبقات” أن عمر بن الخطاب قال: “ليت شعري من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلا كما ملئت جورا”.
وروى أيضا عن نافع قال: “كنت أسمع ابن عمر كثيرا يقول: ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض علامة”.
وروى عن عبد الله بن دينار قال: “قال ابن عمر: إنا كنا نتحدث أن هذا الامر لا ينقضي حتى يلي هذه الأمة رجل من ولد عمر يسير فيها بسيرة عمر بوجهه شامة، قال: فكنا نقول هو بلال بن عبد الله بن عمر وكانت بوجهه شامة قال: حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب”.
– نشأته:
كان من توفيق الله تعالى لعمر بن عبد العزيز أن حبب إليه العلم منذ الصغر وتطلعت نفسه إلى منارات العلم ومجالس العلماء، فكان رضي الله عنه يقول: “لقد رأيتني وأنا بالمدينة فلام مع الغلمان، ثم تاقت نفسي إلى العلم، إلى العربية فالشعر، فأصبت منه حاجتي”.
وكان يقعد مع مشايخ قريش ويتجنب شبابهم، وما زال ذلك دأبه حتى اشتهر بالعلم والعقل مع حداثة سنه.
وكان من تعلقه بطلب العلم أن قال لوالده: “ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدب بآدابهم”. فبعث به والده إلى المدينة يتأدب بها وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده وكان يلزمه الصلوات، فأبطأ يوما عن الصلاة فقال: ما حبسك؟ قال: كنت مرجلتي تسكن شعري، فقال: بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة، وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبد العزيز رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره.
– مشايخه:
من أعيان مشايخ عمر بن عبد العزيز الذي تلقى عنهم العلم والاخلاق الحميدة واقتضى ءاثارهم وتأثر بهم:
– الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنه الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاح فقال فيه: “عبد الله رجل صالح” رواه البخاري.
وقد تأثر بتقواه وصلاحه وتحريه للحق وظهر ذلك على شخصيته فقال عمر بن عبد العزيز يوما لأمه: “أنا أحب أن أكون مثل خالي ابن عمر”.
– الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
– العالم الثقة المأمون عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رحمه الله تعالى، أحد فقهاء التابعين في المدينة المنورة، كان جامعا للعلم كثير الحديث والعلم بالشعر، وقد أكثر عمر بن عبد العزيز الاخذ عنه حتى قال بعض العلماء عن عبيد الله: “هو معلم عمر بن عبد العزيز”.
– الإمام الزاهد سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رحمه الله تعالى، أحد فقهاء التابعين في المدينة المنورة الذين جمعوا بين العلم والعمل، كثير الرواية عن أبيه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر.
– الإمام الثقة صالح بن كيسان رحمه الله تعالى، أحد فقهاء المدينة من التابعين الجامعين للحديث والفقه من ذوي الهيئة والمروءة.
وله مشايخ غير هؤلاء أخذ عنهم وتتلمذ على أيديهم.
– من روى عنه:
حدث عنه كثير منهم أبو سلمة وهو أحد شيوخه ورجاء بن حيوة وابن المنكدر والزهري وعنبسة بن سعيد وحميد الطويل وابناه عبد الله وعبد العزيز وأخوه زبان بن عبد العزيز وكاتبه ليث بن أبي رقية، وخلق سواهم.
– ثناء العلماء عليه:
أطبقت ءاراء الأئمة وشهاداتهم على أن عمر بن عبد العزيز أحد الأفراد من العلماء الراسخين، وهذه شذارت من أقوالهم: قال أستاذه عبيد الله بن عبد الله: “كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز تلامذة”.
وقال مجاهد تلميذ ابن عباس: “أتينا عمر بن عبد العزيز ونحن نرى أنه سيحتاج إلينا، فما خرجنا من عنده حتى احتجنا إليه”، وقال أيضا: “أتينا عمر نعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه”.
وقال الإمام مالك وابن عيينة: “عمر بن عبد العزيز إمام”.
– نشره العلم في الأمصار:
لم يكن ليخفى على عمر بن عبد العزيزك أهمية نشر العلم بين المسلمين فلذلك قام بإرسال العلماء إلى مختلف البلدان والبوادي ليعلموا أهلها شرع الله ويفقهوهم فيه. فبعث إلى مصر نافعا مولى ابن عمر وراويته إلى مصر يعلمهم السنن.
وأرسل عشرة من فقهاء مصر من رجال التابعين إلى إفريقية ليفقهوا أهلها ويعلموا وينشروا بينهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: أبو ثمامة بكر بن سوادة وعبد الرحمن بن رافع التنوخي وعبد الله بن يزيد المعافري وطلق بن جعبان وسعد بن مسعود وإسماعيل بن عبيد الله الأنصاري وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر وأبو سعيد جعثل بن هاعان الرعيني، بعثه إلى المغرب ليقرئهم القرءان وحبان بن أبي جبلة القرشي وموهب بن حي المعافري.
وأرسل الفقهاء إلى البدو ليعلموا الناس ويفقهوهم في دينهم.
وكذلك كان يرسل الرسائل إلى الأمصار الإسلامية في دولته الكبيرة يعلمهم فيها السنن والفقه ويأمرهم بإحياء ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والالتزام بالشرع وترك ما خالفه.
وكان يأمر بإفشاء العلم وذم كتمانه وذلك واضح في كتابه إلى أبي بكر بن حزم: “ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا”.
– زهده وعبادته:
كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تقيا ورعا زاهدا عادلا متواضعا لا يخاف في الله لومة لائم، يقوم الليل ويواظب على قراءة القرءان ويكثر من ذكر ربه وتسبيحه وتمجيده.
روى ابن الجوزي فقال: “لما رفع عمر بن عبد العزيز رأسه من السجود خلف المقام نظروا إلى موضع سجوده مبتلا من دموعه”.
وعن المغيرة بن حكيم قال: قالت لي فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز: “يا مغيرة، إنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر بن عبد العزيز، وما رأيت أحدا قد أشد فرقا من ربه من عمر، كان إذا صلى العشاء قعد في مسجده ثم يرفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه ثم ينتبه فلا يزال يدعو رافعا يديه يبكي حتى تغلبه عينه، يفعل ذلك ليله أجمع”.
وروى كاتبه إسماعيل بن أبي حكيم فقال: “كان عمر بن عبد العزيز لا يدع النظر في المصحف كل يوم ولكنه لا يكثر”.
وروى ابن الجوزي عن مقاتل بن حيان قال: “صليت خلف عمر بن عبد العزيز فقرأ: {وقفوهم إنهم مسئولون} [سورة الصافات/24] فجعل يكررها لا يستطيع أن يجاوزها –يعني من البكاء-“.
وكان يكثر أن يقول: اللهم سلم سلم.
وكان يصوم الاثنين والخميس والعشر وعاشوراء وعرفة.
وفي خلافته “كان يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة”.
– إمرته على الحرمين:
لما كثرت شكاوى أهل المدينة المنورة في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك من ظلم وإليهم قام الوليد بعزله وولى عليهم ابن عمه وزوج أخته فاطمة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي ساس أهلها بالعدل والرأفة والرحمة، فولى عمر المدينة سنة 87هـ [3]، فنزل دار جده مروان بن الحكم التي اتخذها مقرا لإمارته وبقي أميرا عليها حتى سنة 93هـ، وفرح أهل المدينة بهذا الخبر فأقبلوا عليه في داره يسلمون عليه.
ولم يكد عمر يفرغ من تهنئة الناس له وترحيبهم به وسلامهم عليه حتى قام باختيار عشرة من فقهاء المدينة ليعاونوه بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم من عامل لي ظلامة فأجرج بالله على أحد بلغه ذلك إلا أبلغني، وولى قضاء المدينة أبا بكر بن حزم أحد العلماء الثقات.
واستمر عمر بن عبد العزيز في نشر العدل بين الناس واتسعت رقعة سلطانه حيث ضم الخليفة إليه والطائف فأصبح واليا على الحجاز كله، فانتشر العدل في الحجاز وحل الأمن والسكينة مما جعل عددا من العلماء وبعض من وقع عليهم عسف الحجاج وظلمه يفرون هاربين من العراق إلى المدينة لينعوا بعدل أميرها عمر بن عبد العزيز الذي أكرمهم وأحسن إليهم. ولم يكن الحجاج يرضى بذلك فكتب إلى الوليد يؤلبه على عمر وعزله، فاستجاب الوليد لذلك وعزل عمر عن إمرة الحجاز سنة 93هـ، وغادر المدينة النبوية بعد أن لبث في ولايتها زهاء سبع سنين، فقدم الشام ثم دمشق عاصمة الدولة الأموية، ولم يمنع ذلك عمر من استمراره في نشر الحق والعدل بل كان دأبه مناصحة الخلفاء وإرشادهم للخير.
– استخلافه:
كان الخليفة سليمان بن عبد الملك معجبا بعمر بن عبد العزيز ومنهجه القويم المستقيم، وكانت تراوده فكرة وتطوف بمخيلته بين الحين والآخر أن يكون عمر هذا خليفة المسلمين من بعده، وكان عمر يشعر بهذا الهاجس من مواقف سليمان الذي كان يقول له: “يا عمر ما أهمني أمر قط إلا خطرت فيه على بالي”، وكما كان عمر يريد الابتعاد عن الخلافة فإنها أمانة يسأل عنها المرء يوم القيامة، فلذلك كان يقول لرجاء بن حيوة العالم الصالح ووزير سليمان: “يا رجاء، أذكرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين أو تشير بي، فوالله ما أقوى على هذا الأمر”.
وفي الوقت نفسه كان سليمان يتخوف من تولية عمر أن تقع فتنة بين عمر وأولاد عبد الملك كهشام ويزيد وغيرهما، ولما اجتمع سليمان في أيام مرضه برجاء سأله عن رأيه فيمن يكون أهلا للخلافة فقال: رأيك يا أمير المؤمنين، وهو في قرارة نفسه يريد أن يستخلف عمر لهذا الأمر، فقال: كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقال رجاء: أعلمه والله فاضلا خيارا مسلما، فقال: هو على ذلك، والله لئن وليته ولم أول أحدا من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه أبدا يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده، قال: فيزيد بن عبد الملك أجعله بعده فإن ذلك مما يسكنهم ويرضون به، وكان يزيد يومئذ غائبا على الموسم، فقال رجاء: رأيك. فكتب سليمان بيده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني وليته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم، وختم الكتاب. وتوفي سليمان يوم الجمعة من شهر صفر سنة 99هـ عن خمس وأربعين سنة، وكانت خلافته سنتين وثمانية أشهر وصلى عليه عمر بن عبد العزيز واستخلف في ذلك اليوم وبايعه المسلمون بعد أن قرئ عليهم كتاب سليمان الذي عهد فيه بالخلافة إلى عمر، ثم خطب فيهم عمر وحثهم على التقوى والتزام الكتاب والسنة وعلى التعاون معه فيما فيه مصلحة الأمة.
– عدله مع الرعية ومجمل سيرته:
لم يتوان عمر بن عبد العزيز منذ استلامه الخلافة عن التزام الحق وتطبيق الشرع واتباع السنة والاهتداء بهدي الخلفاء الراشدين والعمل بالشورى ونشر العدل والمساواة بين المسلمين. وأقام القضاة العلماء وحثهم على الحكم بين الناس بالقسط وعدم المحاباة. وصان الدماء وأقام الحدود، ودأب على رد المظالم ولم يخف في ذلك أحدا واهتم بالتعليم وأصلح سياسة الدولة المالية فلا يدخل بيت المال إلا الحلال ولا ينفق منه إلا في وجه مشروع فيه مصلحة للأمة، وخرج في الطرقات مع مولاه مزاحم يتحسس أخبار الرعية ويسأل الركبان عن سيرة الولاة في الأمصار.
واعتنى بالتجارة والزراعة والاقتصاد والبناء والعمران، وألغى المكوس والضرائب، وناظر أرباب الطوائف والمذاهب الضالة كالقدرية والخوارج وأكثر من الرسائل إليهم في الرد عليهم ومقابلة وفودهم حتى رد كثيرا منهم إلى الصواب ومن شذ منهم حاربه وأراح البلاد من شره.
وتابع الفتوحات وحركة الجهاد مع الرفق بالجيش وعدم إلقائه إلى المهالك، ودعا الملوك والزعماء والناس من غير المسلمين إلى الدخول في دين الله وأمر ولاته أن يهتموا بذلك، فدخل الناس في الإسلام أفواجا في بلاد المغرب والهند والسند.
كل هذه الأعمال الكبيرة وغيرها حققها الخليفة الباهر في أيام خلافته القصيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
– محافظته على أموال المسلمين:
كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حريصا جدا على أموال المسلمين، فيرى أنها أمانة ووديعة يجب الحفاظ عليها وعدم هدر أي فلس منها، والدولة مسؤولية عن ذلك وعلى رأسهم أمير المؤمنين، وكان يقول: “أنا حجيج المسلمين في أموالهم”.
وكتب إليه أبو بكر بن حزم ثلاث حاجات في ثلاثة كتب، فرد عليها أمير المؤمنين في صحيفة واحدة، جاء في ءاخرها: “أن أدق قلمك وقارب بين سطورك واجمع حوائجك، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به، والسلام”، هنا بيت القصيد: “ما لا ينتفعون به”، فهو يكره أن يبدد أي شئ من مال مهما قل شأنه لأنه ليس فيه نفع للمسلمين، فليست القضية قضية قرطاس يوفر على الخزيمة أو ثمن قلم بل هي عدم صرف المال ولو قل فيما لا حاجة فيه.
وكتب إلى الآفاق في دولته العريضة: “أن لا يكتبن في طومار –أي الصحيفة- بقلم جليل ولا يمدن فيه”، فكانت كتبه إنما هي شبر أو نحوه.
وقال لكاتبه: “أدق القلم فإنه أبقى للقرطاس وأوجز للحروف”.
ومما يدل على حفاظه على مال المسلمين أنه كان له سرجان: سراج من ماله يكتب عليه حوائجه وسراج لبيت المال يكتب عليه في مصالح المسلمين ولا يكتب على ضوئه لنفسه حرفا واحدا، فكان إذا فرغ من حاجات المسلمين أطفأ السراج ثم أسرج سراجه لقضاء حوائج نفسه.
ومرة أمر مولاه مزاحما أن يشتري به “رحلا” لمصحفه، فأتاه برحل فأعجبه فقال لمولاه: من أين أصبت هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين دخلت بعض الخزائن فوجدت هذه الخشبة فاتخذت منها رحلا، قال: انطلق فقومه في السوق، فانطلق فقوموه نصف دينار، فرجع إلى عمر فأخبره قال: ترانا إن وضعنا في بيت المال أنسلم منه؟ قال: إنما قوموه نصف دينار، قال: ضع في بيت المال دينارين.
تلك هي نظرة عمر رضي الله عنه لأموال الأمة ونهجه في المحافظة عليها مهما قل مقدارها وتضاءلت قيمتها، قلما كانت أو قرطاسا أو شمعة أو خشبة، فأين هؤلاء الولاة اليوم من سيرة عمر بن عبد العزيز، فهل حافظوا على حقوق المسلمين وأموالهم؟
– رده الحقوق إلى أهلها:
كان الخلفاء من بني أمية من قبل عمر يعطون الأعطيات الجزيلة لأقاربهم وذويهم وغيرهم من الناس ولقد نال عمر من ذلك نصيبا وافرا، فلما صار عمر خليفة المسلمين أول عمل قام به هو رد هذه الأموال إلى بيت مال المسلمين فابتدأ بنفسه وثنى بأهله وعشيرته.
يقول سليمان بن موسى: “ما زال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات”.
وأخذ يعمم ذلك في طول البلاد وعرضها ويأمر الولاة بذلك، وكان له في ذلك صولات وجولات مع أعيان عشيرته من بني أمية فما وجدوا منه إلا الصلابة في الحق ولم يخف في الله لومة لائم لأن همه كان مرضاة الله تعالى.
– وفاته رضي الله عنه:
توفي عمر بن عبد العزيز في شهر رجب سنة إحدى ومائة وله تسع وثلاثون سنة ونصف ودفن بدير سمعان وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر، فملأ الأرض قسطا وعدلا وسن السنن الحسنة وأمات الطرائق السيئة.
وكان سبب وافته بسم دس له في الطعام، فلقد تآمر عليه نفر من بني أمية لكونه شدد عليهم وانتزع كثيرا مما في أيديهم مما قد غصبوه، وكان هو قد أهمل التحرز فأغروا به غلاما له فدس السم في طعامه، وعندما جاءه الطبيب قال له: “هل أحسست بذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قد عرفت حين وقع في بطني، ثم دعا غلامه فقال له: “ويحك ما حملك على أن سقيتني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها، وعلى أن أعتق، قال: هاتها فجاء بها فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيت لا يراك أحد”.
وعندما حان وقت أجله جاءته ملائكة الرحمة، قالت زوجته: فجعلت أسمعه يقول: مرحبا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قرأ: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} [سورة القصص/83] مرارا ثم أطرق، فلبثت طويلا لا يسمع له حس، فقلت لوصيف: ويحك انظر، فلما دخل –أي غرفة عمر- صاح فدخلت فوجدته ميتا قد أقبل بوجهه على القبلة ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينه رضي الله عنه.
ثبوت هذه الرسالة عن عمر بن عبد العزيز
أثبت هذه الرسالة غير واحد من العلماء:
منهم من ساق هذه الرسالة كاملة بإسناده إلى عمر بن عبد العزيز كالحافظ أبي نعيم الأصبهاني الذي ذكرها في كتابه “الحلية” [4].
ومنهم من نقل منها بعض العبارات، كالحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه الذي ألفه في سيرة عمر بن عبد العزيز، وذكر سبب عدم نقلها بكاملها فقال [5]: “وهذه رسالة مروية عن عمر بن عبد العزيز، وجدت أكثر كلماتها لم تضبطها النقلة على الصحة، فنتقيت منها كلمات صالحة” اهـ.
ومنهم من أشار إليها كالشيخ أبي منصور البغدادي في كتابه “أصول الدين” [6] حيث قال: “أول متكلمي أهل السنة من التابعين عمر بن عبد العزيز، وله رسالة بليغة في الرد على القدرية” اهـ.
الهوامش:
[1] من مصادر ترجمته: “سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز” لابن الجوزي، “سير عمر بن عبد العزيز” لابن عبد الحكم، “الطبقات الكبرى” [5/253]، سير أعلام النبلاء [5/114]، “حلية الأولياء” [5/253].
[2] هو أبو الوليد عبد الملك بن مروان خامس خلفاء بني أمية، ولد سنة 26هـ وتوفي سنة 86هـ.
[3] وفي بعض المصادر سنة 86هـ.
[4] انظر “حلية الاولياء” [5/346].
[5] سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز [ص/85-86].
[6] أصول الدين [ص/307].
الرسالة
حدثنا [1] أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق السراج [2]، ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام [3]، ثنا محمد بن بكر البرساني [4]، ثنا سليم بن نفيع [5] القرشي عن خلف أبي الفضل القرشي عن كتاب عمر بن عبد العزيز.
إلى النفر الذين كتبوا إلي بما لم يكن لهم بحق في رد كتاب الله وتكذيبهم بأقداره النافذة في علمه السابق الذي لا حد له إلا إليه، وليس لشئ مخرج منه، وطعنهم في دين الله وسنة رسوله القائمة في أمته:
أما بعد، فإنكم كتبتم إلي بما كنتم تستترون فيه قبل اليوم في رد علم الله والخروج منه إلى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته من التكذيب بالقدر، وقد علمتم أن أهل السنة كانوا يقولون: “الاعتصام بالسنة نجاة، وسينقص العلم نقصا سريعا” [6]، وقول عمر بن الخطاب وهو يعظ الناس: “إنه لا عذر لأحد عند الله بعد البينة بضلالة ركبها حسبها هدى ولا في هدى تركه حسبه ضلالة. قد تبينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر”. فمن رغب عن أنباء النبوة وما جاء به الكتاب تقطعت من يديه أسباب الهدى ولم يجد له عصمة ينجو بها من الردى.
وإنكم ذكرتم أنه بلغكم أني أقول إن الله قد علم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون، فأنكرتم ذلك علي وقلتم إنه ليس يكون ذلك من الله في علم حتى يكون ذلك من الخلق عملا [7]، فكيف ذاك كما قلتم؟ والله يقول: {إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} [سورة الدخان/15] يعني العائدين في الكفر، وقال: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} [سورة الأنعام/28].
فزعمتم بجهلكم في قول الله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [سورة الكهف/29] أن المشيئة في أي ذلك أحببتم إليكم [8] من ضلالة أو هدى والله يقول: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [سورة التكوير/29] فبمشيئة الله لهم شاؤا، ولو لم يشأ لم ينالوا بمشيئتهم من طاعته شيئا، قولا ولا عملا، لأن الله لم يملك العباد ما بيده ولم يفوض إليهم ما يمنعه من رسله. فقد حرصت الرسل على هدى الناس جميعا فما اهتدى منهم إلا من هداه الله، ولقد حرص إبليس على ضلالتهم جميعا فما ضل منهم إلا من كان في علم الله ضالا.
وزعمتم بجهلكم أن علم الله ليس بالذي يضطر العباد إلى ما عملوا من معصيته ولا بالذي يصدهم عما تركوا من طاعته، ولكنه سيستطيعون تركها. فجعلتم علم الله لغوا، تقولون: لو شاء العبد لعمل بطاعة الله وإن كان في علم الله أنه غير عامل بها، ولو شاء ترك معصيته وإن كان في علم الله أنه غير تارك لها. فأنتم إذا شئتم أصبتموه وكان علما، وإذا شئتم رددتموه وكان جهلا، وإن شئتم أحدثتم من أنفسكم علما ليس في علم الله وقطعتم به علم الله عنكم. وهذا ما كان ابن عباس يعده للتوحيد نقصا وكان يقول: “إن الله لم يجعل فضله ورحمته هملا بغير قسم منه ولا احتظار ولم يبعث رسله بإبطال ما كان في سابق علمه”. فأنتم تقرون بالعلم في أمر وتنقضونه في ءاخر، والله يقول: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء} [سورة البقرة/255]. فالخلق صائرون إلى علم الله ونازلون عليه ليس لهم دونه معصر ولا لهم عنه محيص، وليس بين علم الله وبين شئ هو كائن حجاب يحجبه عنه ولا يحول دونه، إنه عليم حكيم.
وقلتم: لو شاء لم يعذب بعمل بغير ما أخبر الله في كتابه عن قوم: {ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون} [سورة المؤمنون/63] وأنه سيمتعهم قليلا: {ثم يمسهم منا عذاب أليم} [سورة هود/48]، فأخبر أنهم عالمون قبل أن يعملوا وأخبر أنه معذبهم قبل أن يخلقوا.
وتقولون أنتم: إنهم لو شاؤا خرجوا من علم الله في عذابهم إلى ما لم يعلم من رحمته لهم، ومن زعم ذلك فقد عادى كتاب الله بالرد. ولقد سمى الله رجالا من الرسل بأسمائهم وأعمالهم في سابق علمه فما استطاع ءاباؤهم لتلك الأسماء تغييرا وما استطاع إبليس بما سبق لهم في علمه من الفضل تبديلا، فقال: {واذكر عندنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار* إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} [سورة ص/45-46]. فالله أعز في قدرته وأمنع من أن يملك أحدا إبطال علمه في شئ من ذلك، فهو المسمى لهم بوحيه الذي: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [سورة فصلت]، أو أن يشرك في خلقه أحدا أو أن يدخل في رحمته من قد أخرجه منها أو أن يخرج منها من قد أدخله فيها” [9].
وقد أعظم بالله الجهل من زعم أن العلم كان بعد الخلق، بل لم يزل الله وحده بكل شئ عليما وعلى كل شئ شهيدا قبل أن يخلق شيئا وبعدما خلق لم ينقص علمه في بدئهم ولم يزد بعد أعمالهم، ولا تغير بالحوائج [10] التي قطع بها دابر ظلمهم، ولم يملك إبليس هدى نفسه ولا ضلالة غيره. وقد أردتم بقذف مقالتكم إبطال علم الله في خلقه وإهمال عبادته، وكتاب الله قائم بنقض بدعتكم وإفراط قذفكم. ولقد علمتم أن الله بعث رسوله والناس يومئذ أهل شرك، فمن أراد الله له الهدى لم تحل ضلالته التي كان فيها دون إرادة الله له، ومن لم يرد الله له الهدى تركه في الكفر ضالا فكانت ضلالته أولى به من هداه.
فزعمتم أن الله أثبت في قلوبكم الطاعة والمعصية، فعلمتم بقدرتكم بطاعته وتركتم بقدرتكم معصيته، وأن الله خلو من أن يكون يختص أحدا برحمته أو يحجز أحدا عن معصيته. وزعمتم أن الشئ الذي يقدر إنما هو عندكم اليسر والرخاء والنعمة، وأخرجتم منه الأعمال. وأنكرتم أن يكون سبق لأحد من الله ضلالة أو هدى وأنكم الذي هديتم أنفسكم من دون الله وأنكم الذين حجزتموها عن المعصية بغير قوة من الله ولا إذن منه، فمن زعم ذلك فقد غلا في القول لأنه لو كان شئ لم يسبق في علم الله وقدره لكان لله في ملكه شريك ينفذ مشيئته في الخلق من دون الله والله يقول: {حبب إليكم الإيمان وزيناه في قلوبكم} [سورة الحجرات/7] وهم له قبل ذلك كارهون {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} وهم له قبل ذلك محبون وما كانوا على شئ من ذلك لأنفسهم بقادرين.
ثم أخبرنا بما سبق لمحمد صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه والمغفرة له [11] ولأصحابه فقال: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [سورة الفتح/29]، وقال: {ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [سورة الفتح/2]، [فلولا علمه ما] [12] غفرها الله له قبل أن يعملها. ثم أخبرنا بما هم عالمون [ءامنون] [13] قبل أن يعملوا وقال: {تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} [سورة الفتح/29]، فضلا سبق لهم من الله قبل أن يخلقوا ورضوانا [13] عنهم قبل أن يؤمنوا. وتقولون أنتم أنهم قد كانوا ملكوا رد ما أخبر الله عنهم أنهم عاملون وأن إليهم أن يقيموا على كفرهم مع قوله، فيكون الذي أرادوا لأنفسهم من الكفر مفعولا ولا يكون لوحي الله فيما اختار تصديقا، بل “لله الحجة البالغة”، وفي قوله {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [سورة الأنفال/68] فسبق لهم العفو من الله فيما أخذوا قبل أن يؤذن لهم، وقلتم: لو شاءوا خرجوا من علم الله في عفوه عنهم إلى ما لم يعلم من تركهم لما أخذوا، فمن زعم ذلك فقد غلا وكذب.
ولقد ذكر الله بشرا كثيرا وهم يومئذ في أصلاب الرجال وأرحام النساء فقال: {وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم} [سورة الجمعة/3] وقال: {والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [سورة الحشر/10]، فسبقت لهم الرحمة من الله قبل أن يخلقوا والدعاء لهم بالمغفرة ممن لم يسبقهم بالإيمان من قبل أن يدعوا [لهم].
ولقد علم العالمون بالله أن الله لا يشاء أمرا فتحول مشيئة غيره دون بلاغ ما شاء. ولقد شاء لقوم الهدى فلم يضلهم أحد، وشاء إبليس لقوم الضلالة فاهتدوا. وقال لموسى وأخيه: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى* فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} [سورة طه/43-44]، وموسى في سابق علمه أنه يكون لفرعون عدوا وحزنا فقال: {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [سورة القصص/6]. فتقولون أنتم: لو شاء فرعون كان لموسى وليا وناصرا، والله يقول: {ليكون لهم عدوا وحزنا} [14] [سورة القصص/8] وقلتم: لو شاء فرعون لامتنع من الغرق، والله يقول: {إنهم جند مغرقون} [سورة الدخان/24]. مثبت ذلك عنده في وحيه في ذكر الأولين كما قال في سابق علمه لآدم قبل أن يخلقه: {إني جاعل في الأرض خليفة} [سورة البقرة/30] فصار إلى ذلك بالمعصية [15] التي ابتلي بها، وكما كان إبليس في سابق علمه أنه سيكون: {مذموما مدحورا} [سورة الإسراء/18] وصار إلى ذلك بما ابتلي به من السجود لآدم فأبى [16]. فتلقى ءادم بالتوبة فرحم وتلقى إبليس باللعنة فغوى، ثم أهبط ءادم إلى ما خلق له من الأرض مرحوما متوبا عليه وأهبط إبليس مذموما مدحورا مسخوطا عليه.
وقلتم أنتم: إن إبليس وأولياءه من الجن قد كانوا ملكوا رد علم الله والخروج من قسمه الذي أقسم به إذ قال: {فالحق والحق أقول* لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [سورة ص/84-85] حتى لا ينفذ له علم إلا بعد مشيئتهم، فماذا تريدون بهلكة أنفسكم في رد علم الله؟ فإن الله جل وعلا لم يشهدكم خلق أنفسكم، فكيف يحيط جهلكم بعلمه؟ وعلم الله ليس بمقصر عن شئ هو كائن، ولا يسبق علمه في شئ فيقدر أحد على رده. فلو كنتم تنتقلون في كل ساعة من شئ إلى شئ هو كائن لكانت مواقعكم عنده. ولقد علمت الملائكة قبل خلق ءادم ما هو كائن من العباد في الأرض من الفساد وسفك الدماء فيها، وما كان لهم في الغيب من علم، فكان في علم الله الفساد وسفك الدماء، وما قالوه تخرصا إلا بتعليم العليم الحكيم لهم فظن ذلك منهم [وقد] أنطقهم به.
فأنكرتم أن الله أزاغ قوما قبل أن يزيغوا وأضل قوما قبل أن يضلوا، وهذا مما لا يشك فيه المؤمنون بالله أن الله قد علم قبل أن يخلق العباد مؤمنهم من كافرهم وبرهم من فاجرهم. وكيف يستطيع عبد هو عند الله مؤمن أن يكون كافرا أو هو عند الله كافر أن يكون مؤمنا؟ والله يقول: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} [سورة الأنعام/122]، فهو في الضلالة ليس بخارج منها أبدا إلا بإذن الله.
ثم ءاخرون {اتخذوا} [سورة المجادلة/16] من بعد الهدى {عجلا جسدا} [سورة الأعراف/148] فضلوا به فعفا عنهم لعلهم يشكرون، فصاروا من {قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [سورة الأعراف/159] وصاروا إلى ما سبق لهم. ثم ضلت ثمود بعد الهدى فلم يعف عنهم ولم يرحموا فصاروا في علمه إلأى {صيحة واحدة فإذا هم خامدون} [سورة يس/29]، فنفذوا إلى ما سبق لهم أن صالحا رسولهم وأن الناقة {فتنة لهم} [سورة القمر/27] وأنه مميتهم كفارا، {فعقروها} [سورة هود/65]. وكان إبليس من التسبيح والعبادة فابتلي فعصى فلم يرحم، وابتلي ءادم فعصى فرحم. فأين كانت الاستطاعة عند ذلك؟ هل كانت تغني شيئا فيما كان من ذلك حتى لا يكون، أو تغني فيما لم يكن حتى يكون، فتعرف لكم بذلك حجة؟ بل الله أعز مما تصفون وأقدر.
وأنكرتم أن يكون سبق لأحد من الله ضلالة أو هدى، وإنما علمه بزعمكم حافظ وأن المشيئة في الأعمال إليكم، إن شئتم أحببتم الإيمان فكنتم من أهل الجنة. ثم جعلتم بجهلكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء به أهل السنة وهو مصدق للكتاب المنزل أنه عن ذنب مضاه دنبا خبيثا في قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله عمر: “أرأيت ما نعمل أشئ قد فرغ منه أم شئ نأتنفه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “بل شئ قد فرغ منه” [17] فطعنتم بالتكذيب له ونفرتم من الله في علمه إذ قلتم: إن كنا لا نستطيع الخروج منه فهو الجبر والجبر عندكم الحيف، فسميتم نفاذ علم الله في الخلق حيفا [18].
وقد جاء الخبر أن الله خلق ءادم فنثر ذريته في يده فكتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب أهل النار وما هم عاملون. وقال سهل بن حنيف يوم صفين [19]: “أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم [20]، فوالذي نفسي بيده، لقد رأيتنا يوم أبي جندل ولو نستطيع رد أمر رسول الله لرددناه [21]، والله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلا أسهلن بنا على أمر نعرفه قبل أمركم هذا [22]” [23].
ثم أنتم بجهلكم قد أظهرتم دعوة حق على تأويل باطل تدعون الناس إلى رد علم الله فقلتم: “الحسنة من الله والسيئة من أنفسنا” وقال أئمتكم وهم أهل السنة: “الحسنة من الله في قدر قد سبق والسيئة من أنفسنا في علم قد سبق”. فقلتم: لا يكون ذلك حتى يكون بدؤها من أنفسنا كما بدء السيئة من أنفسنا. وهذا رد الكتاب منكم ونقض الدين، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه حين نجم القول في القدر: “هذا أول شرك هذه الأمة. والله، ما ينتهي بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرا كما أخرجوه من أن يكون قدر شرا”.
فأنتم تزعمون بجهلكم أن من كان في علم الله ضالا فاهتدى فهو بما ملك ذلك حتى كان في هداه ما لم يكن الله علمه فيه، وأن من شرح صدره للإسلام فهو مما فوض إليه قبل أن يشرحه الله له، وأنه إن كان مؤمنا فكفر فهو مما شء لنفسه وملك من ذلك لها، وكانت مشيئته في كفره أنفذ من مشيئة الله في إيمانه، بل أشهد أنه من عمل حسنة فبغير معونة كانت من نفسه عليها، وأن من عمل سيئة فبغير حجة كانت له فيها، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وأن الله لو أراد أن يهدي الناس جميعا لنفذ أمره فيمن ضل حتى يكون مهتديا [24].؟
فقلتم: بمشيئته شاء لكم تفويض الحسنة إليكم وتفويض السيئة، ألقى عنكم سابق علمه في أعمالكم وجعل مشيئته تبعا لمشيئتكم. ويحكم! فوالله، ما أمضى لبني إسرائيل مشيئتهم حين أبوا أن يأخذوا ما ءاتاهم بقوة حتى نتق: {الجبل فوقهم كأنه ظلة} [سورة الأعراف/171]، فهل رأيتموه أمضى مشيئته لمن كان قبلكم في ضلالته حين أراد هداه حتى صار إلى أن أدخله بالسيف في الإسلام كرها بموقع علمه بذلك فيه؟ أم هل أمضى لقوم يونس مشيئتهم حين أبو أن يؤمنوا حتى أظلهم العذاب فآمنوا وقبل منهم، ورد على غيرهم الإيمان فلم يقبل منهم. وقال: {فلما رأوا بأسنا قالوا ءامنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين* فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده} [سورة غافر/84-85] أي علم الله الذي قد خلا في خلقه: {وخسر هنالك الكافرون} [سورة غافر/85] وذلك كان موقعهم عنده أن يهلكوا بغير قبول منهم بل الهدى والضلالة والكفر والإيمان والخير والشر بيد الله يهدي من يشاء ويذر من يشاء {في طغيانهم يعمهون} [سورة الأعراف/186]. كذلك قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رب اجعل هذا البلد ءامنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} [سورة إبراهيم/35]، وقال: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [سورة البقرة/128]، أي أن الإيمان والإسلام بيدك وأن عبادة من عبد الأصنام بيدك، فأنكرتم ذلك وجعلتموه ملكا بأيديكم دون مشيئة الله عز وجل.
وقلتم في القتل إنه بغير أجل وقد سماه الله لكم في كتابه فقال ليحيى: {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} [سورة مريم/15]، فلم يمت يحيى إلا بالقتل، وهو موت كما مات من قتل شهيدا أو قتل عمدا أو قتل خطأ كمن مات بمرض أو بفجأة، كل ذلك موت بأجل استوفاه ورزق استكمله وأثر بلغه ومضجع برز إليه، {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا} [سورة ءال عمران/145] ولا تموت نفس ولها في الدنيا عمر ساعة إلا بلغته ولا موضع قدم إلا وطأته ولا مثقال حبة من رزق إلا استكملته ولا مضجع حيث كان إلا برزت إليه، يصدق ذلك قول الله عز وجل: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} [سورة ءال عمران/12]، فأخبر الله بعذابهم بالقتل في الدنيا وفي الآخرة بالناس وهم أحياء بمكة. وتقولون أنتم: إنهم قد كانوا ملكوا رد علم الله في العذابين اللذين أخبر الله ورسوله أنهما نازلان بهم، فقال: {ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي} [سورة الحج/9] يعني القتل يوم بدر {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} [سورة الحج/9]. فانظروا إلى ما أرداكم فيه رأيكم كتابا سبق في علمه بشقائكم إن لم يرحمكم.
ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على ثلاثة أعمال: الجهاد ماض منذ يوم بعث الله رسوله إلى يوم تقوم فيه عصابة من المؤمنين يقاتلون الدجال لا ينقض ذلك جور جائر ولا عدل عادل، والثانية: أهل التوحيد لا تكفروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك ولا تخرجوهم من الإسلام بعمل، والثالثة: المقادير كلها خيرها وشرها من قدر الله” [25]. فنقضتم من الإسلام جهاده وجردتم شهادتكم على أمتكم بالكفر وبرئتم منهم ببدعتكم وكذبتم بالمقادير كلها والآجال والأعمال والأرزاق، فما بقيت في أيديكم خصلة بي الإسلام عليها إلا نقضتموها وخرجتم منها.
الهوامش:
[1] القائل “حدثنا” هو الحافظ أبو نعيم.
[2] هو الحافظ أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الخراساني النيسابوري، سمع من قتية بن سعيد وداود بن رشيد وأبي همام السكوني وهناد بن السري وأحمد بن المقدام وخلق سواهم، روى عنه البخاري ومسلم بشئ يسير خارج الصحيحين، وأبوحاتم الرازي أحد شيوخه وأبو بكر بن أبي الدنيا والحافظ أبو علي النيسابوري وغيرهم، توفي سنة 313هـ. انظر سير أعلام النبلاء [14/388]، تاريخ بغداد [1/248].
[3] هو الحافظ أبو الأشعث أحمد بن المقدام بن سليمان بن أشعث العجلي البصري، سمع حماد بن زيد وفضيل بن عياض ومعتمر بن سليمان وجماعة، حدث عنه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه والبغوي وخلق كثير، توفي سنة 253هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 12/219، تاريخ بغداد 5/162، تهذيب التهذيب 1/70].
[4] هو أبو عبد الله محمد بن بكر بن عثمان البرساني الأزدي البصري، حدث عن ابن جريج وهشام بن حسان ويونس بن يزيد الأيلي وشعبة وغيرهم، وحدث عنه أحمد وبندار وهارون الحمال وعبد بن حميد وعدد كثير، قال الحافظ في “التقريب”: “صدوق قد يخطئ” اهـ، ووثقه ابن معين وغيره، توفي سنة 204هـ. [انظر سير أعلام النبلاء [9/421]، تهذيب التهذيب 9/67].
[5] في “سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز” [ص/85] لابن الجوزي: “سليمان بن نفيع”، ولم نقف عليه.
[6] كذا في “سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز” [ص/58]، وفي “حلية الأولياء” [5/346]: “وسيقبض العلم قبضا سريعا”.
[7] هذا كفر بإجماع الأمة لأن فيه نسبة الجهل إلى رب العزة، سبحانه وتعالى عما يقول الكافرون علوا كبيرا.
[8] في “الحلية”: فعلتم.
[9] هذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي في سننه وصححه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: “أتدرون ما هذان الكتابان؟” فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى: “هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء ءابائهم وقبائلهم ثم أجمل على ءاخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا”، ثم قال للذي في شماله: “هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء ءابائهم وقبائلهم ثم أجمل على ءاخرهم فلا يزاد ولا ينقص منهم أبدا” [سنن الترمذي: كتاب القدر: باب ما جاء أن الله كتب لأهل الجنة وأهل النار، 2141].
[10] في “لسان العرب”: “والجوحة والجائحة: الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة، وكل ما استأصله فقد جاحه واجتاحه، وجاح الله ماله وأجاحه بمعنى أي أهلكه بالجائحة” اهـ [مادة ج و ح، 2/431].
[11] قال بعضهم: ليحفظك الله من ذنبك فيما مضى وما بقي من عمرك، ولكن القول المعتمد أن الأنبياء تجوز عليهم الصغائر التي ما فيها خسة.
[12] ما بين عاقفتين من “الحلية” [5/348]، والذي في نسخة “شتايز”: “فكرما” وما أثبتناه مناسب لسياق الكلام.
[13] ليس المراد أن الكافر قبل أن يسلم يكون في حالة الرضا عند الله بل مراده أن الله عز وجل سبق علمه أن هذا الشخص سيسلم وتحسن حالته ويكون عند الله من المرضيين.
[14] ءال فرعون إنما التقطوا سيدنا موسى عليه السلام ليكون لهم قرة عين ومعينا وناصرا، ولكن كانت عاقبته أن صار لهم عدوا وحزنا.
[15] هذه المعصية ليست من الكبائر وليس فيها خسة ولا دناءة نفس لأن الأنبياء منزهون عن ذلك، بل كانت معصية صغيرة تاب منها وتقبل الله توبته، والذي حصل من سيدنا ءادم عليه السلام أنه أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، فتنبه.
[16] يشير إلى قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} [سورة البقرة/34].
[17] أخرجه عن عمر: الترمذي في سننه: كتاب القدر: باب ما جاء في الشقاء والسعادة، وأحمد في مسنده [1/29، 2/52 و77]، وقد ورد هذا الحديث من طرق أخرى عن غير علي رضي الله عنه.
[18] حاف يحيف حيفا جار وظلم. المصباح المنير [ص/61].
[19] هي مدينة قديمة على شاطئ الفرات بين الرقة ومنبج كانت بها الوقعة المشهورة بين علي ومعاوية. [الفتح، 8/588].
[20] قال الحافظ: “أي لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل الدين، وهو كنحو قول علي فيما أخرجه أبو داود بسند حسن: لو كان الدين بالرأي لكن مسح الخف أولى من أعلاه” اهـ [13/288-289].
وخطاب سهل بن حنيف هنا للذين أنكروا على سيدنا علي قبوله وقف القتال مع معاوية والاحتكام إلى القرءان، وهؤلاء المنكرين خرجوا عن طاعة سيدنا علي وقاتلوه فسموا بالخوارج، فقال لهم سهل بن حنيف: “اتهموا رأيكم” قال الحافظ: “أي في هذا الرأي لأن كثيرا منهم أنكروا التحكيم وقالوا لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل وأشار عليهم كبار الصحابة بمطاوعة علي وأن لا يخالفوا ما يشير به لكونه أعلم بالمصلحة، وذكر لهم سهل بن حنيف ما وقع لهم بالحديبية وأنهم رأوا يومئذ أن يستمروا على القتال ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح ثم ظهر أن الأصلح هو الذي كان شرع النبي صلى الله عليه وسلم فيه” اهـ [8/588-589].
[21] قال القسطلاني: “مراد سهل بن حنيف بما ذكره أنهم أرادوا يوم الحديبية أن يقاتلوا ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح ثم ظهر أن الأصلح ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلح ليقتدوا بذلك ويطيعوا عليا فيما أجاب إليه من التحكيم” [إرشاد الساري، 11/88-89].
[22] قال الحافظ: “مراد سهل أنهم كانوا إذا وقعوا في شدة يحتاجون فيها إلى القتال في المغازي والثبوت والفتوح العمرية عمدوا إلى سيوفهم فوضعوها على عواتقهم، وهو كناية عن الجد في الحرب، فإذا فعلوا ذلك انتصروا” اهـ.
[23] أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب ما يذكر من ذم الرأسي [7308].
[24] وأما قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [سورة النساء/79] فالحسنة معناها هنا النعمة، والسيئة هنا معناها المصيبة والبلية، فمعنى الآية: {ما أصابك من حسنة فمن الله} أي ما أصابك من نعمة فمن فضل الله عليك {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} أي وما أصابك من مصيبة وبلية فمن جزاء عملك، أعمال الشر التي عملتها نجازيك بها بهذه المصائب والبلايا، وليس المعنى أنك أنت أيها الإنسان تخلق الشر، فالعبد لا يخلق شيئا لكن يكتسب الخير ويكتسب الشر والله خالقهما في العبد. وهذا التقرير معروف عند كثيرين، وهناك تقرير ءاخر للآية ينبغي أن يؤخذ به ويترك التقرير السابق وهو أن معنى قوله تعالى: {ما أصابك من حسنة} محكي عن المشركين بتقدير محذوف وهو: “يقولون أو قالوا” فيكون التقدير: يقولون أو قالوا لمحمد ما أصابك من حسنة أي نعمة فمن الله وما أصابك من سيئة أي مصيبة فمنك يا محمد أي من شؤمك، وهذا التقرير خال عن الإشكال بخلاف الأول فإن فيه إشكالا، وقد قال هذا التقرير علماء منهم السيوطي الشافعي والقونوي الحنفي.
[25] أخرجه أبو نعيم عن جابر رضي الله عنه في “الحلية” [3/73] وقال: “هذا حديث غريب من حديث الثوري والأوزاعي وابن جريج تفرد به إسماعيل بن يحيى وهو التيمي وعنه سعدان بن زكريا” اهـ، وأخرجه أبو داود بنحوه عن أنس بن مالك رضي الله عنه في سننه: كتاب الجهاد: باب في الغزو مع أئمة الجور [2532]، وقال الحافظ المنذري في “مختصر سنن أبي داود” [3/380 رقم 2421]: “الراوي عن أنس بن أبي نشبة وهو في معنى المجهول” اهـ، وأخرجه البيهقي في “السنن الكبرى” [9/156].