الأحد ديسمبر 22, 2024

البخاري ذكر في كتابه الأدب المفرد جواز نداء النبي بعد موته بيا محمّد وذلك خلاف معتقد الوهابية فإنه عندهم شرك، وأورده أيضًا ابن السني في كتابه عمل اليوم والليلة، ونص البخاري في كتابه المذكور:

“باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك؟ فقال: يا محمد” اهــ.وأورده ابن تيمية في كتابه المشهور الكلم الطيّب ونص عبارته:

“فصل في الرجل إذا خدرت رجله:

عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمّد فكأنما نشط من عقال” اهــ.

وذكره الحافظ شيخ القرّاء ابن الجزري في كتابيه: الحصن الحصين وعدة الحصن الحصين، وذكره الشوكاني أيضًا في كتابه “تحفة الذاكرين” وهو غير مطعون به عندهم، ورواه أيضًا ابن الجعد.

وهذا الذي حصل من عبد الله بن عمر استغاثة برسول الله بلفظ يا محمّد، وذلك عند الوهابية كفر أي الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم بعد موته، فماذا تفعل الوهابية أيرجعون عن رأيهم من تكفير من ينادي يا محمّد أَم يتبرءون من ابن تيمية في هذه القضية وهو الملقب عندهم شيخ الإسلام، فيا لها من فضيحة عليهم وهو إمامهم الذي أخذ منه ابن عبد الوهّاب بعض أفكاره التي خالف بها المسلمين، وهم في هذه المسئلة على موجب عقيدتهم يكونون كفّروا ابن تيمية لأنه استحسن ما هو شرك عندهم.

ولو قال أحدهم: ابن تيمية رواه من طريق راوٍ مختلف فيه، يقال لهم: مجرد إيراده لهذا في هذا الكتاب دليل على أنه استحسنه إن فُرِضَ أنه يراه صحيحًا وإن فُرِضَ أنه يراه غير ذلك، لأن الذي يورد الباطل في كتابه ولا يحذّر منه فهو داعٍ إلى ذلك الشىء، ومحاولة الألباني لتضعيف هذا الأثر لا عبرة بها، لأن الألباني محروم من الحفظ الذي هو شرط التصحيح والتضعيف عند أهل الحديث وقد اعترف في بعض المجالس بأنه ليس محدّث حفظ بل قال: أنا محدّث كتاب، وذلك بعد أن سأله محام سوري: يا أستاذ أنت محدث، فقال: نعم، فقال له: أتسرد لي عشرة أحاديث بأسانيدها، فأجابه الألباني: لا، أنا محدث كتاب، فأجابه المحامي: إذن أنا أستطيع أن أفعل ذلك. فخجّله، فليعلم هو ومقلدوه أن تصحيحهم وتضعيفهم لغو في قانون أهل الحديث ولا اعتبار له، فليتوبوا إلى الله، فإن كان الرياء ساقهم إلى ذلك فالرياء من الكبائر.

تنبيه: قال بعض نفاة التوسّل: قد كفانا أبو حنيفة رضي الله عنه المؤنة في إبطال التوسّل حيث قال: أكره أن يقال: أسألك بحقّ فلان.

فالجواب: أن أهل المذهب الحنفي قالوا في تعليل ذلك إن مراد الإِمام أن هذا اللفظ يوهم أن على الله حقًّا لغيره لازمًا له كما ذكر ذلك ابن عابدين في رد المحتار، فيقال إنه كره هذا اللفظ فقط، ولم يقل إني أكره التوسّل بالأنبياء والأولياء إلى الله حتى يحتجّ بأبي حنيفة في منع التوسّل على الإطلاق إن كان بهذا اللفظ وإن كان بغيره كأسألك بجاه فلان أو بحرمة فلان، فلو كان مراد أبي حنيفة تحريم التوسّل على الإِطلاق بجميع صوره لكان أهل مذهبه يفهمون ذلك وتجنّبوا التوسّل على الإِطلاق، بل هم يتوسلون كغيرهم لا يختلف في ذلك علماؤهم وعوامّهم. ويقال على فرض ثبوت ذلك عن أبي حنيفة ليس فيه حجة على منع قول المتوسّل: أسألك يا الله بحق رسول الله، أو نحو ذلك لثبوت هذا اللفظ في حديث ابن ماجه وأحمد وغيرهما: “مَن قال إذا خرج إلى المسجد: اللّهمّ إني أسألك بحق السائلين عليك وبحقّ ممشاي هذا…” الحديث، فإن الحديث حسّنه الحافظ ابن حجر في أماليه كما تقدم، وكذا الحافظ الدمياطي، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري، والحافظ العراقي.

وأما ما يروى عن أبي يوسف أنه قال: “لا يدعى الله بغيره”.

فالجواب: أنه لا حجّة في ذلك لأنه مصادم للنص الثابت كحديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فنزلت صخرة من الجبل فسدّت فم الغار، فدعا كلٌّ من الثلاثة بصالح عمله، فانفرجت الصخرة عنهم فخرجوا من الغار، وقد تقدم؛ رواه البخاري في صحيحه وغيره.

مسئلة: إن احتجّ مانعو التوسّل بالأموات بقولهم: إنهم لا يسمعون وكذلك الحيّ الغائب، فلا معنى للتوسل بهم بأن يقال: يا رسول الله أغثني، أو: أتوجه بك إلى الله ليقضي لي حاجتي، لأنه لا يسمع، وأمّا الحي الحاضر فيسمع.

فيجاب بأنه لا مانع شرعًا ولا عقلًا من أن يسمع النبي أو الولي كلام من يتوسّل به وهو في القبر، أمّا النبي فلأنه حي أحياه الله بعد موته كما ثبت من حديث أنس عن رسول الله أنه قال: “الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون” صحّحه البيهقي في جزء حياة الأنبياء، وأورده الحافظ ابن حجر على أنه ثابت في فتح الباري وذلك لما التزمه أن ما يذكره من الاحاديث شرحًا أو تتمة لحديث في متن البخاري فهو صحيح أو حسن، ذكر ذلك في مقدمة الفتح. ولأنه ثبت حديث: “ما من رجل مسلم يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا عرفه وردّ عليه السلام”. صحّحه الحافظ عبد الحقّ الإِشبيلي.

وأما الغائب الحي فإنه يدل على صحة سماعه خطاب من يناديه من بعيد قصة عمر رضي الله عنه في ندائه جيشه الذي بأرض العجم بقوله: يا سارية الجبل الجبل فسمعه سارية بن زُنَيم، وكان سارية قائد الجيش فانحاز بجيشه إلى الجبل فانتصروا، صححها الحافظ الدّمياطي في جزء ألّفه لهذه القصة، ووافقه الحافظ السيوطي على ذلك وحسنها الحافظ ابن حجر في الإصابة وأوردها الحافظ الزبيدي في شرح القاموس وقد أفرد القطب الحلبي لطرقه جزءًا ووثّق رجال هذا الطريق.

ومن الدليل على صحة سماع الغائب النداء من بعيد ما رواه الفاكهي أن ابن عباس قال: “قام إبراهيم على الحجر فقال: يا أيّها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الآباء وأرحام النساء فأجابه من ءامن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك”، صحّحه الحافظ ابن حجر. وهذا الذي ثبت عن ابن عباس مما لا يقال بالرأي إلا بالتوقيف وهو مما عرف وانتشر عند المفسرين لمعنى قول الله تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ {27} [سورة الحج]، فما أبعد عن الحق من يقول من هؤلاء نفاة التوسل عن الأنبياء والأولياء بعد موتهم إنهم كالجماد وقد بلغ بعضهم في الوقاحة إلى أن قال: النبي لا ينفع بعد موته، ومنهم من يقول لقاصد زيارة الرسول ما تفعل بالعظم الرميم، حمانا الله تعالى من صنيع هؤلاء الذين ضلّ سعيُهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، يزعمون أنهم بهذا يكونون أقوى من غيرهم في توحيد الله، وكفاهم خزيًا اعتقادهم في الرسول أنه عظم رميم لم يبق له إحساس ولا شعور.

وفي الألفاظ الواردة في السلام على أهل القبور دلالة على سماع أهل القبور لسلام الزائرين، وذلك في نحو قول الزائر: “السلامُ عليكُم يا أهلَ القبورِ، يغفرُ الله لنا ولكم، أنتم سَلَفُنا ونحن بالأثر” أخرجه الترمذي وحسّنه، وما ورد في صحيح مسلم بلفظ: “السلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنين” إلى ءاخره، فلولا صحة سماع الميت لم يكن لهذا الخطاب معنى ولا حجة في استدلال نفاة التوسّل بقول الله تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ {22} [سورة فاطر] فإنه مؤول لا يحمل على الظاهر توفيقًا بينه وبين ما ورد من الأحاديث التي ذكرناها، والمراد به تشبيه الكفار بمن في القبور في عدم انتفاعهم بكلامه وهم أحياء.

ومما يؤيد صحة سماع الموتى ما رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب – قليب بدر – وفيه قتلى المشركين، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء ءابائهم: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، قال: “فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا”. قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تُكلمُ من أجساد لا أرواح بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم”. وروى البخاري أيضًا عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم”. فيقال للنفاة: النبيّ هو أفهم منكم ومن سائر الخلق بمعاني كتاب الله، فبعد هذا فقد انتسف تمويه ابن تيمية بقوله: لا يجوز التوسّل إلا بالحيّ الحاضر.

وروى الترمذي في سننه أن رجلًا ضرب خباءه ليلًا على قبر فسمع من القبر قراءة تبارك الذي بيده الملك إلى ءاخرها، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “هي المانعة هي المنجية”. حسّنه السيوطي.

فإذا كان من على وجه الأرض عند القبر يسمع قراءة صاحب القبر، فأي مانع من أن يسمع صاحب القبر كلام من على وجه الأرض ولو كان في مسافة بعيدة مِن صاحب القبر بالنسبة  لعباد الله الذين منحهم الله الكرامات.

التبرّك بآثار النبيّ صلى الله عليه وسلم

اعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتبرّكون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، ولا زال المسلمون بعدهم إلى يومنا هذا على ذلك، وجواز هذا الأمر يعرف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قسّم شعره حين حلق في حجة الوداع وأظفاره.

أما اقتسام الشعر فأخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس وأحمد من حديث عبد الله بن زيد، ففي لفظ مسلم عنه قال: لما رمى صلى الله عليه وسلم الجمرة ونحر نسكه وحلق، ناول الحالق شقّه الأيمن فحلق، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه، ثم ناوله الشقّ الأيسر فقال: “احلق”، فحلق فأعطاه أبا طلحة فقال: “اقسمه بين الناس”.

وفي رواية لمسلم: فبدأ بالشقّ الأيمن فوزّعه الشعرة والشعرتين بين الناس ثم قال بالأيسر – أي فَعَلَ – فصنع مثل ذلك، ثم قال: “ههنا أبو طلحة”، فدفعه إلى أبي طلحة.

وفي رواية لمسلم أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام قال للحلَّاق: “ها” وأشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا فقسّم شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه فأعطاه أم سليم. اهــ.

فمعنى الحديث أنه وزّع بنفسه بعضًا بين الناس الذين يلونه، وأعطى بعضًا لأبي طلحة ليوزعه في سائرهم، وأعطى بعضًا أم سليم ففيه التبرّك بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الشعر لا يؤكل إنما يستعمل في غير الأكل، فأرشد الرسول أمتّه إلى التبرّك بآثاره كلها حتى بُصاقه، وكان أحدهم أخذ شعرة والآخر أخذ شعرتين، وما قسمه إلا ليتبرّكوا به فكانوا يتبرّكون به في حياته وبعد وفاته، حتى إنهم كانوا يغمسونه في الماء فيسقون هذا الماء بعض المرضى تبرّكًا بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث في البخاري ومسلم وأبي داود.

وقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم بصق في فِي الطفل المعتوه، وكان يعتريه الشيطان كل يوم مرتين وقال: “اخرج عدو الله أنا رسول الله” رواه الحاكم.

فقسّم صلى الله عليه وسلم شعره ليتبرّكوا به، وليستشفعوا إلى الله بما هو منه، ويتقرّبوا بذلك إليه، وليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم، ثم تبع الصحابة في خطتهم في التبرّك بآثاره صلى الله عليه وسلم مَن أسعده الله، وتوارد ذلك الخلف عن السلف. فلو كان التبرّك به في حال الحياة فقط لبيّن ذلك.

وخالد بن الوليد رضي الله عنه كانت له قلنسوة وضع في طيّها شعرًا من ناصية رسول الله أي مقدّم رأسه لما حلق في عمرة الجِعرانة، وهي أرض بعد مكة إلى جهة الطائف، فكان يلبسها يتبرّك بها في غزواته. روى ذلك الحافظ ابن حجر في المطالب العالية عن خالد بن الوليد أنه قال: “اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها فحلق شعره، فسبقت إلى الناصية، فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة، فما وجهت في وجه إلا فتح لي” اهــ. وعزاه الحافظ لأبي يعلى.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية عند ذكره محنة الإمام أحمد ما نصه: “قال أحمد: فعند ذلك قال – يعني المعتصم – لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه. قال أحمد: فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مصرورة في ثوبي، فجردوني منه وصرت بين العقابين”. اهــ.

وأمّا الأظفار فأخرج الإِمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قلّم أظفاره وقسمها بين الناس.

أما جبّته صلى الله عليه وسلم فقد أخرج مسلم في الصحيح عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر قال: “أخرجت إلينا جبّة طَيَالِسَةٍ كسرَوَانية لها لِبْنةُ ديباجٍ وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قُبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها”. وفي رواية “نغسلها للمريض منّا”.

وعن حنظلة بن حذيم قال: وفدت مع جدّي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي بنين ذوي لحى وغيرهم هذا أصغرهم، فأدناني  رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح رأسي وقال: “بارك الله فيك”، قال الذّيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها فيقول: “بسم الله على موضع كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه فيذهب الورم”. رواه الطبراني في الأوسط والكبير وأحمد في المسند، وقال الحافظ الهيثمي: “ورجال أحمد ثقات”.

وعن ثابت قال: كنت إذا أتيت أنسًا يُخْبَرُ بمكاني فأدخل عليه فآخذ بيديه فأقبّلهما وأقول: بأبي هاتان اليدان اللتان مسّتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبّل عينيه وأقول: بأبي هاتان العينان اللتان رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو يعلى.

وهذا سيّدنا أبو أيّوب الأنصاري رضي الله عنه الذي هو أحد مشاهير الصحابة والذي هو أول من نزل الرسول عنده لما هاجر من مكّة إلى المدينة، جاء ذات يوم إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع وجهه على قبر النبيّ تبرّكًا وشوقًا، روى ذلك الإِمام أحمد عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يومًا فوجد رجلًا واضعًا وجهه على القبر فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه أبو أيّوب فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ءات الحجر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله”. رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط.

وعن حليمة بنت أميمة، عن أمها قالت: “كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عَيْدان يبول فيه ويضعه تحت سريره، فقام فطلبه فلم يجده فسأل: “أين القدح”؟ قالوا: شربته بَرَّة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “فقد احتظرت من النار بحظار” رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وحكيمة وهما ثقتان.

وأخرج البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأه ببردة، قال: أتدرون ما البردة؟ فقيل له: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها فخرج إلينا وإنها إزارُه فقال رجل من القوم: يا رسول الله أُكْسُنِيها، فقال: “نعم”، فجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه لقد علمت أنه لا يرد سائلًا، فقال الرجل: والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه.

وأخرج أيضًا في صحيحه عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم ورأيت بلالا أخذ وَضوء النبي صلى الله عليه وسلم والناس يبتدرون الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه.

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي مودودة قال: حدّثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال: “رأيت نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمّانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا، قال: ورأيت يزيد يفعل ذلك” اهــ.

وفي كتاب سؤالات عبد الله بن أحمد ابن حنبل لأحمد قال: “سألت أبي عن مسّ الرجل رمّانة المنبر يقصد التبرّك، وكذلك عن مسّ القبر”، فقال: “لا بأس بذلك” اهــ.

وفي كتاب العلل ومعرفة الرجال ما نصّه: “سألته عن الرجل يمسّ منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتبرّك بمسّه ويقبّله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرّب إلى الله جلّ وعزّ فقال: لا بأس بذلك” اهــ.

وفي كتاب غاية المنتهى للشيخ مرعي الحنبلي ما نصه: “ولا بأس بلمس قبر بيد لا سيما من تُرجى بركته، وسُن فعل ما يخفف عن الميت ولو بجعل جَريدة رطبة في القبر وذكر وقراءة عنده.

وتستحب قراءة بمقبرة وكل قربة فعلها مسلم وجعل بالنية فلا اعتبار باللفظ ثوابها أو بعضه لمسلم حي أو ميت جار وينفعه ذلك بحصول الثواب له وإهداء القرب مستحب حتى للرسول صلى الله عليه وسلم من تطوع وواجب تدخله نيابة كحج أو لا كصلاة ودعاء واستغفار وصدقة وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها” اهــ.

وروى ابن الجوزي في مناقب أحمد بالإسناد المتصل إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: “رأيت أبي – يعني أحمد بن حنبل – يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه ويقبّلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به، ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جبّ الماء ثم شرب فيها…”. اهــ.

وروى ابن حبان في صحيحه تحت باب: “ذكر إباحة التبرّك بوضوء الصالحين من أهل العلم إذا كانوا متّبعين لسنن المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي جُحَيْفَةَ، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبّة حمراء ورأيت بلالا أخرج وَضوءه فرأيت الناس يبتدرون وضوءه يتمسّحون”. اهــ.

وفيه عن جابر بن عبد الله أنه قال: “جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصب من وضوئه عليّ فعقلت”. اهــ.

وروى ابن حبان وغيره عن نافع قال: “كان ابن عمر يتتبع ءاثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل فيه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فكان ابن عمر يجيء بالماء فيصبه في أصل الشجرة كي لا تيبس”.

ولا يُعارض هذا بما جاء عن أبيه أنه أمر بقطع شجرة بيعة الرضوان وذلك لمعنى قصده عمر رضي الله عنه وهو خوف أن يعبدها بعض الناس بمرور الزمان، وفعل ابنه هذا فيه إثبات التبرك بآثار رسول الله وهو أمر حسن لذلك لم يعترض عليه أحد من الصحابة وغيرهم، فلا تعارض بين الأثرين أثر عمر وأثر ابنه رضي الله عنهما، وإن خالف في ذلك الوهابية لمعنى في أنفسهم وهو ترك تعظيم الرسول، فإنهم يرون تعظيم الرسول بالتبرك بآثاره شعبة من شعب الشرك، وما أبعد هذا الظن عما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم.

قال النووي في شرح مسلم ما نصه: “قوله: “اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ورق فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر ثم كان في يد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس نقشه محمد رسول الله” فيه التبرك بآثار الصالحين ولبس لباسهم وجواز لبس الخاتم وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من وءاثاره الضرورية صدقة للمسلمين يصرفها والي الأمر حيث رأى من المصالح، فجعل القدح عند أنس إكرامًا له لخدمته ومن أراد التبرك به لم يمنعه وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين” اهــ.

فائدة مهمة: أقول وعلى الله الاعتماد: ليس للوهابية جواب عما جاء في حديث الأعمى الذي جاء رسولَ الله فطلب منه أن يدعو له بأن يرد الله بصره، من قوله عليه الصلاة والسلام له: “إيت الميضأة فتوضأ ثم صلِ ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمّد نبي الرحمة، يا محمّد إني أتوجه بك إلى ربي” إلى ءاخره، فإن الحديث يفيد ضد عقيدتهم يفيد أن الرسول علَّمَ الأعمى التوسّل به بلفظ فيه يا محمّد في غير حضرته صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه السلام لا يجوز نداؤه مشافهة يا محمد، للنهي الذي ورد في القرءان عن ذلك، وقد بيّن راوي الحديث الذي حضر النبيّ صلى الله عليه وسلم حين علّم الأعمى أن توسل الأعمى باللفظ الذي علّمه الرسول كان في غير حضرة الرسول لأن فيه قوله: فوالله ما تفرّقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر، وهذا النداء معروف عند الوهابية أنه شرك وكفر، هذه عقيدتهم تكفير من ينادي الرسول بهذا اللفظ ومن ينادي غيره من نبي أو وليّ كقول: يا عبد القادر.

ولا يظنّ ظانّ أن الأعمى قرأ هذا التوسّل في وجه رسول الله لما عُلم من ثبوت النهي عن ذلك، وهذا دليل على ضيق دائرة اطلاعهم وأن تسميتهم لأنفسهم سلفيين خلاف الواقع والحقيقة.

ثم من العجب العُجاب أنهم في هذا خالفوا زعيمهم الأول ابن تيمية الذي أخذ منه ابن عبد الوهّاب بمطالعة كتبه، فإنه ذكر في كتابه الكلم الطيّب قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما خدرت رجله: “يا محمّد” مستحسنًا لذلك، فهم من غير أن يشعروا يكونون كفّروا ابن تيمية، لأن مستحسن الشرك مشرك، فابن تيمية استحسن هذا أي قول: يا محمّد، لمن خدرت رجله اقتداءً بالبخاري وغيره من المحدثين من المتقدمين والمتأخرين، لأن هذا الأثر كما تقدم أورده من المتأخرين الحافظ ابن الجزري في كتابيه اللذين ألّفهما في الأذكار: الحصنِ الحصين من كلام سيد المرسلين، ومختصره عُدّةِ الحصن الحصين، ثم الشوكاني الذي كان في قرن محمّد بن عبد الوهّاب القرن الثاني عشر وافق ابن الجزري واتبعه في استحسانه لذلك في شرحه لعدة الحصن الحصين. فإن محمّد ابن عبد الوهّاب توفي في أوائل القرن الثالث عشر، وهذا الكتاب الكلم الطيّب من تآليف ابن تيمية المشهورة، توجد منه نسخ خطية ومطبوعة.

أقول: والعجب أيضًا من ابن تيمية الذي ذكر حديث ابن عمر الذي هو توسل واستغاثة بالرسول بعد موته صلى الله عليه وسلم، أنه قال في كتابه التوسل والوسيلة: “لا يجوز التوسّل إلا بالحي الحاضر” فسبحان مصرّف القلوب يصرفها كيف يشاء.

قلت: ويرده حديث الشفاعة الذي رواه البخاري عن ابن عمر بلفظ: “إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق” الحديث، فإذا كانت الاستغاثة جائزة في الآخرة فما المانع أن تكون جائزة في الدنيا.

وتبين أن انتسابكم أيها الوهابية إلى السلف دعوى كاذبة وكذلك تسميتكم محمّد بن عبد الوهّاب شيخ الإسلام كتسميتكم ابن تيمية شيخ الإسلام، وهذا تناقض منكم، والحقيقة أن تسميتكم لكل منهما شيخ الإسلام وضع للكلمة في غير محلها، كيف يصح أن يكون قول: “يا محمّد” شركًا مع قول ءاخر إنه شىء حسن، ولا يخفى على ذي عقل أن إيراد ابن تيمية قول من خدرت رجله: “يا محمّد” مستحسنًا لذلك يكون على مقتضى عقيدتكم دعوة للشرك مع أنه هو قدوتكم في تجسيم البارئ أي إثبات الحدّ لله تعالى وإثبات الأعضاء والحركة والسكون، وكل ذلك عند العقلاء المنزهين تشبيه للخالق بالمخلوق.

طريق سهل لكسر الوهابية

يقال لهم: أنتم دينكم جديد أنشأه محمد بن عبد الوهاب بدليل أن المسلمين ما كان أحد منهم يحرّم قول: “يا محمد” قبل ابن عبد الوهاب، حتى الذي محمد ابن عبد الوهاب يسميه شيخ الإسلام وهو ابن تيمية يُقِرُّ قول “يا محمد” عند الضيق لمن أصابه في رجله خدر، فهو يقول مطلوب أن يقول الذي أصابه خَدَرٌ في رجله – أي مرض في رجله تتعطل حركتها وليس هذا المسمى بالتنميل – “يا محمد” ويستدل بعبد الله ابن عمر رضي الله عنه فإنه كان أصابه خدر في رجله فقيل له: اذكر أحب الناس إليك فقال: “يا محمد” فتعافى.

ويقال للوهابية: ابن تيمية الذي تسمونه شيخ الإسلام أجاز هذا وأنتم تسمونه كفرًا ؟! حتى ابن تيمية برئ منكم في هذه المسئلة، فكيف تدَّعون أنكم على دين الإسلام ولستم على دين الإسلام، وأنتم كفَّرتم الأمة، والأمة لم يكن فيهم خلاف في جواز قول “يا محمد” فأنتم أول من حرَّم هذا، ومن كفر الأمة فهو الكافر لأن الأمة لا تزال على الإسلام فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله”.

فإن قالوا: ابن تيمية ما قال هذا، يقال لهم: يَشهَدُ عليكم كتابه “الكلم الطيب”، والعلماء الذين ترجموا لابن تيمية ذكروا هذا الكتاب في أسماء كتبه ومنهم صلاح الدين الصفدي وكان معاصرًا لابن تيمية ويتردد عليه فقد ذكر أن هذا الكتاب من تأليف ابن تيمية.

ثم زعيمكم الأخير الألباني اعترف وقال: هذا الكتاب ثابت لابن تيمية وعمل عليه تعليقًا لكنه قال: إن إسناد قول ابن عمر “يا محمد” لمّا خَدِرَت رجله ضعيف، وهذا لا يعكر علينا لأنه ثبت أن ابن تيمية أورده وقال: “فصل في الرِّجلِ إذا خدرت” وسمى الكتاب “الكلم الطيب”، ولو فُرض أن إسناده ضعيف لكن ثبت أن ابن تيمية أجاز هذا، فمن الذي يَكفُرُ أهوَ الذي تسمونه شيخ الإسلام أم أنتم؟! لأنكم كفرتموه حُكمًا وإن لم تشعروا، هنا لا يتجرأون أن يقولوا ابن تيمية كافر ولا يقولون عن أنفسهم نحن كفار، نقول: إذن أنتم دينكم جديد، كفَّرتم المسلمين من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا، ومن حيث المعنى كفَّرتم زعيمكم ابن تيمية لأنه استحسن قول “يا محمد” عند خدر الرّجل ومن استحسن الكفر فهو كافر، فهل لكم من جواب؟ هذه تكسر ظهورهم.

على أن قول الألباني ليس حجة لأنه ليس أهلًا للتضعيف والتصحيح لأنه محروم من الحفظ فهو ليس حافظًا باعترافه فلا يحفظ عشرة أحاديث بأسانيدها، فإنه قال عن نفسه: “أنا محدّث كتاب لستُ محدّث حفظ”.

ولو قال أحدهم: ابن تيمية رواه من طريق راو مختلف فيه يقال لهم: مجرد إيراده لهذا في هذا الكتاب دليل على أنه استحسنه إن فُرِض أنه يراه صحيحًا وإن فُرِض أنه يراه غير صحيح، لأن الذي يورد الباطل في كتابه ولا يُحَذّرُ منه فهو داع إلى ذلك الشىء.

وهذه القصة رواها الحافظ ابن السُّني والبخاري في كتاب “الأدب المفرد” بإسناد ءاخر غير إسناد ابن السني، ورواها الحافظ الكبير إبراهيم الحربي الذي كان يُشبَّه بالإمام أحمد بن حنبل في العلم والورع في كتابه “غريب الحديث” بغير إسناد ابن السني أيضًا، ورواها الحافظ النووي، والحافظ ابن الجزري في كتابه “الحصن الحصين” وكتابه “عِدة الحصن الحصين”، ورواها الشوكاني الذي هو يوافقكم في بعض الأشياء وهو غير مطعون فيه عندكم، فيا وهابية أين المفر، ويا لها من فضيحة عليكم وابن تيمية هو إمامكم الذي أخذ ابن عبد الوهاب بعض أفكاره التي خالف فيها المسلمين من كتبه؟.

فإن قلتم: نحن على صواب وابن تيمية استحل الشرك والكفر، قلنا: قد كفَّرتم ركنكم في عقيدة التشبيه وفي غيرِه من ضلالاته، وتكونون اعترفتم بأنكم متبعون لرجل كافر تحتجون بكلامه في كثير من عقائدكم، فقد اتبعتموه في قوله الذي كَفَرَ بسببه وهو قوله: إن كلام الله ومشيئته حادث الأفراد قديم النوع أي الجنس، وقوله: إن جنس العالم أزلي مع الله ليس مخلوقًا، في هذا الكفر هو ركنكم فقد تبعتموه وجعلتموه قدوة لكم فيما خالف فيه الحق وخالفتموه فيما وافق فيه الصواب وهو جواز الاستغاثة بالرسول عند الضيق بقول: “يا محمد”.

ثم إنكم كاذبون في دعوى السلفية، أيّ سلفي أنكر قول “يا محمد” عند الضيق؟ فتسميتكم أنفسكم بهذا الاسم حرام لأنها توهم أنكم على عقيدة السلف وأنتم لستم على عقيدة السلف ولا الخلف، أنتم تدينون دينًا جديدًا، لأن قول “يا محمد” للاستغاثة جائز عند السلف والخلف في حياة الرسول وبعده بالاتفاق، وإنما حُرّم نداؤه صلى الله عليه وسلم “يا محمد” في وجهه في حياته بعد نزول الآية لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا {63} [سورة النور]، وكان سبب تحريم ذلك أن قومًا جُفاة نادَوه من وراء حُجُراته: “يا محمد اخرج إلينا” فحرَّم الله تعالى ذلك في وجهه تشريفًا له.

وكان توسل الأعمى الذي طلب من الرسول أن يدعو له بالشفاء فعلَّمه الرسول أن يقول: “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عزَّ وجلَّ في حاجتي” خارجَ حضرة الرسول لأنه قال له: “ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات” فذهب الرجل فتوضأ وصلّى ركعتين ودعا بهذا التوسل ثم رجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أبصر، وهذا دعاء في غير حضرة الرسول في حياته عليه السلام، وأنتم قد تبعتم ابن تيمية فيما قاله في كتابه “التوسل والوسيلة” إنه لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر، لكن بهذه الاستغاثة التي استحسنها ابن تيمية والتي هي استغاثة به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته خالفتموه وجعلتم ذلك شركًا وكفرًا فما أتوَهَكم عن الحق.

ويقال أيضًا في الرد عليهم في قولهم بإثبات التحيّز لله في العرش: الرَّجُل إذا كان قائمًا المسافة من رأسه إلى العرش أقرب أم لو كان ساجدًا؟ فيقولون: أقرب إذا كان قائمًا فيقال لهم: أنتم جعلتم العرش حيزًا لله وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يَنقُضُ عليكم ما زعمتموه فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء” وأنتم تقولون: “التأويل تعطيل” أي نفي لوجود الله وصفاته فعلى قولكم مِن مَنعِ التأويل انتقض عليكم معتقدكم، أما نحن أهل السنة نؤول قولَ الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} [سورة طه] ونؤول كل ءاية أو حديث ظاهره أن الله متحيز في الجهة والمكان أو أن له أعضاء أو حدًّا أو حركة وانتقالا أو أيّ صفة من صفات الخلق تأويلًا إجماليًّا أو تأويلًا تفصيليًّا كما ثبت ذلك عن السلف وتبعهم الخلف، ونقول: ليس المراد ظواهرها بل المراد بها معان تليق بالله تعالى كما قال بعضهم: “بلا كيف ولا تشبيه”. ويعني أهل السنة بقولهم: “بلا كيف” أن هذه الآيات والأحاديث ليس المراد بها الجسمية ولوازمها، هذا مراد السلف والخلف من أهل السنة بقولهم: “بلا كيف” ليس مرادهم كما تموّهون على الناس فتقولون لفظًا “بلا كيف” وتعتقدون الكيْف.

وأما التأويل التفصيلي فقد ثبت عن السلف وإن كانوا لم يكثروا منه فقد ثبت عن الإمام أحمد بن حنبل تأويلُ المجئ الذي ذُكر في هذه الآية وَجَاء رَبُّكَ {22} [سورة الفجر] أنه قال: “جاء ثوابه”، وروي عنه أنه قال: “جاء أمره” وأنتم قلتم: إن مجئ الله بالنزول الحسي بالانتقال من العرش إلى الأرض كما أن الملائكة ينزلون نزولا حسيًّا بالانتقال من أماكنهم العلوية إلى الأرض يوم القيامة، ولو كان الإمام أحمد يعتقد اعتقادكم ما أوَّل الآية بل أقرها على الظاهر كما أنتم تفسرون. وهذا التأويل من الإمام أحمد ثابت صححه البيهقي في كتابه مناقب الإمام أحمد.

وكذلك ثبت عن السلف تفسير الساق المذكور في ءاية يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ {42} [سورة القلم] بأن الساق هي الشدة الشديدة، وأنتم جعلتم الساق عضوًا كما أن للإنسان عضو الساق، فأين أنتم من تنزيه الله عن مشابهة الخلق، فظهر أن انتسابكم إلى الإمام أحمد انتساب كاذب.

والبخاري ذكر في جامعه تأويلين لآيتين، أوَّل ءاية كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ {88} [سورة القصص] أوَّل الوجه بالمُلك، وكذلك ذكر سفيان الثوري في تفسيره، والموضع الثاني الذي أوَّل البخاري فيه ءاية ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا {56} أوَّلها بالمُلك والسلطان، ما أوَّل كما أنتم تعتقدون بمعنى المس، وظاهر الآية أن الله يقبض بناصية كل دابة وهذا تشبيه لأنه لا يجوز على الله أن يَمَسَّ أو يُمَسَّ لأن المس من صفات الخلق.

أما حديث مسلم هذا فنؤوله ونقول: القُرب في هذا الحديث لا يراد به القُرب المسافي، وكذلك في كل حديث وءاية ظاهِرُهُ أن الله متحيز في جهة فوق يؤول ولا يُحمل على الظاهر، فأين أنتم من قولكم: “التأويل تعطيل”، ومن قولكم: “التأويل إلحاد”.

ويقال لهم: حديث مسلم هذا إن لم تحملوه على الظاهر بل أوَّلتموه فقد ناقضتم أنفسكم فإنكم تقولون: “التأويل تعطيل” ثم تفعلونه فتؤولون.