الأحد ديسمبر 22, 2024

الردّ على الوهابيّة القائِلين بأنّ الاحتفالَ بمولدِ النبيّ شِرْك:

اعلمْ أخي المسلم أنّ من البِدَعِ الحَسَنة الاحْتِفالُ بمولدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فهذا العملُ لم يكنْ في عهدِ النبيّ إنّما حدثَ في القَرْنِ السابع الهِجْريّ وأوَّلُ مَن أحْدثَهُ المَلِكُ المُظَفّر مَلِكُ إرْبِل أبو سعيد كَوْكَبْري وكان عالِمًا تَقِيّا فاسْتحسنَ هذا العملَ العُلماءُ في مشارِق الأرض ومغارِبها منهمُ الحافِظ ابن حَجَر العَسْقلانيّ وتِلميذهُ الحافظ السَّخاويّ وكذلك الحافظ السُّيُوطيّ وله رسالة سمّاها “حُسْن المَقْصِد في عَمَلِ المَوْلد”. وابن كثير تلميذ ابن تَيْمِيَة وهو مُعْتَمَد عند الوهابيّة في كتابه البداية والنِهاية مدحَ المَلِكَ المُظَفّر مَدْحًا كبيرا وقال فيه: “وكان يعملُ المولدَ الشريف في ربيع الأوّل ويحتفلُ به احْتِفالا هائِلا وكان يَحْضرُ عنده في المولد أعْيان العُلماء”. والذهبيّ أيضا مدحَه في كتابه “سِيَر أعلام النبلاء” فقال فيه: “كان محبّا للصدقة، وكان مُتواضِعًا خيِّرًا سُنِّيًا يُحبُّ الفقهاء والمُحَدِّثين”. والدليلُ على مَشْروعِيّة عَمَل المَوْلِد قوله تعالى: “وافْعلوا الخَيْر”. قال الحافظ السُّيُوطيّ في رسالته: “وأصْلُ عملِ المَوْلِد الذي هو اجْتِماعُ الناس وقراءة ما تيَسَّرَ من القرءان ورِواية الأخْبار الواردة في مَبْدَإ أمْر النبيّ وما وقعَ في مَوْلدِه من الآيات، ثم يُمَدّ لهم سِماط يأكلونَه هو من البِدَع الحَسَنة التي يُثابُ عليها صاحبُها لِما فيه من تعظيمِ قَدْر النبيّ وإظْهارِ الفَرَح والاسْتِبْشار بمولدِه الشريف صلى الله عليه وسلم”. ويَدُلّ على ذلك قولُه عليه الصلاة والسلام: “مَن سَنّ في الإسلام سُنّة حَسَنة فلهُ أجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بها”. أمّا الحديث الذي رواه ابن حِبّان عن العِرْباض بن سارِيَة: “وإيّاكُمْ ومُحْدَثات الأمُور فإنّ كُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَة وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة” فمُرادُ النبيّ ما أحْدِثَ وكان على خِلاف الكتاب أو السُّنّة أو الإجْماع فلا يدخلُ فيه البدْعَة الحَسَنة، لأنّ لفظَه عامّ ولكنّه مخصوصٌ بالبدْعَة المُخالِفَة للشريعة بدليل الحديث الذي رواه مُسلم: “مَن سَنّ في الإِسْلامِ سُنّة حَسَنَة فَلَهُ أجْرُها” وذلك لأنّ أحاديثَ رسول الله تتعاضَدُ ولا تتناقض، وفي شرح النوويّ لصحيح مسلم ما نصُّه: “وكُلّ بدْعَة ضلالة” هذا عامّ مَخْصوصٌ والمُرادُ به غالِبُ البِدَع. ولا يمنعُ من كَوْن الحديث عامّا مَخْصوصًا قولُه: “كُلّ بِدْعَة” مُؤكّدًا بِكُلّ بلْ يدخلُه التخصيصُ مع ذلك كقولِه تعالى عن الرِّيح: “تُدَمِّرُ كلَّ شَىْء بِأمْرِ رَبِّها” فهل تلك الرِّيحُ دَمّرت السموات والأرض؟ هلْ دَمّرت الجنّة وجهنّم؟ إنما دمّرَت الرِيحُ كُلَّ شىء مَرَّتْ عليه من رِجال عاد الكافرين وأمْوالِهم. ونظيرُ ذلك قوله صلى الله عليه وسَلّم “وكُلُّ عَيْن زَانِيَة” ولا يعني الرسولُ أنّ جميعَ الناس بلا اسْتِثْناء حتّى الأنْبياء والأعمى يقع في مَعْصِيَة زنى العَيْن وهو النظرُ المُحَرَّمُ بل المعنى أنّ أغْلَبَ الناس يقعون في مَعْصِيَة زنى العَيْن إلاّ النادِر وليسَ معناهُ الحُكْم على جميع الأفْراد. وأخيرا نذكرُ ما قالَه إمامُ الوهابيّة ابن تَيْمِيَة في هذه المسئلة وليسَ لأنّه من أهْل السُّنّة الذين يُرْجَعُ إليهم في معرفة أمُور الدِّين، بل لِيكونَ كلامُه حُجّة في هذه المسئلة على الوهابيّة أتباعِه الذين يدّعون كاذبين أنهم سلفِيّة ويُشنِّعون على المسلم الذي يحتفلُ بمولد النبيّ ويُبَدِّعونَه بلْ ويُكَفِّرونَه قال ابن تَيْمِيَة في كتابه المُسمّى اقتضاء الصراط المستقيم: “فتعظيمُ المولد واتِّخاذهُ مَوْسِمًا قد يفعلُه بعض الناس ويكون له فيه أجْرٌ عظيم لِحُسْن قَصْدِه وتعظيمِه لِرسولِ الله صلى الله عليه وءاله وسلم” فعلى حَسَب كلامِهم زعيمُهم ابن تَيْمِيَة اسْتَحلَّ الشِرْكَ والكُفرَ فيكونون كفّروا شيخَهم واعْتَرَفوا بأنّهم مُتّبعونَ لرَجُل كافر يحتجّون بكلامهِ في كثير مِن عقائدهم. فالوهابيّة يدّعون أنّ الاحتفالَ بمولد النبيّ فيه تَشَبُّهٌ باليهود وأنّ الذبيحة التي تذبحُ في المولد لإطْعام الناس أحْرَمُ من الخنزير وهم يحتفلون بذِكْرى مولدِ شيخِهم محمد بن عبد الوهاب ويُقيمون سنويّا احْتِفالا كبيرا بالرِياض يستمرُ اسبوعًا ومع ذلك يُكَفِّرون المسلمين ويَرْمونهم بالشِرْك لأنهم يحتفلون بمولد أفضل الخلْق محمّد عليه الصلاة والسلام وما هذا إلا بسبب كُرْهِهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم، صارَ عندَهم الاحتفالُ بمولدِ أفضلِ الخلْق محمّد ضلالا وكُفْرا والاحتفالُ بمولدِ شيخِم جائزا. وهم يقولون إنّ عَمَلَ المولد لو كان خَيْرا لَدَلّ الرسولُ أمّتَه عليه ويُرَدّ على كلامِهم بأنّ جَمْعَ المُصْحَف ونَقْطَه وتَشْكيلَه عَمَلُ خَيْر وهم لا يُنْكِرونَه على ما نعلمُ مع أنّ الرسولَ ما نصّ عليه والصّحابة الذين كتبوا الوَحْيَ الذي أمْلاه عليهمُ الرسولُ كانوا يكتبون الباء والتاء ونحوَه بلا نقط.