الردّ على الوهابيّة أدْعِياء السلفِيّة القائلين بأنّ الله جالِسٌ على الكُرْسي:
اعلمْ أخي المسلم أنّ الجلوسَ في لغة العرب معناه اتِّصالُ جسْم بجسْم على أنْ يكونَ أحد الجسْمَيْن له نِصْف أعْلى ونِصْف أسْفل وليسَ في لغة العرب معنى إلاّ هذا، فالجلوسُ يشترك فيه الإنسان والجنّ والحَشَرات وإن اختلفَتْ صِفات الجلوس. والله تعالى لا يُوصَف بالجُلوس لأنّ المُتّصفَ بالجُلوس لا بُدّ أنْ يكونَ مَحْدودا والمَحْدود عند العُلماء ما له حَجْمٌ كبيرا كان أو صغيرا، كثيفا كالإنسان والشجر أو لطيفا كالنور والهواء، والله تعالى لا يجوز عليه أنْ يكونَ مَحْدودا لأنّ المَحْدودَ يحتاجُ إلى مَن حَدّهُ بذلك الحدّ، ولا يجوز أنْ يَحُدّ نفسَه بحَدّ يكون عليه لأنّ معنى ذلك أنّه خلقَ نفسَه وهو مُستحيل لأنّ الشىء لا يخلق نفسَه. وكلامُ الوهابيّة في كتابهم المُسمَّى فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بأن الله قاعِد على الكُرْسي شَتْمٌ لِلّه لأنّ القعودَ من صِفات البشر والبهائِم والجنّ والحَشَرات وكلُ وَصْف من صِفات المخلوق وُصِفَ الله به شَتْمٌ له، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله تعالى: شَتَمَني ابن ءادمَ ولم يكنْ له ذلك” وفسَّرَ ذلك بقوله: “وأمّا شَتْمُه إيّايَ فقولُه اتّخذَ الله ولدا” رواه البخاري، وقال الإمامُ أبو جعفر الطحاوي: “ومَنْ وصفَ الله بمعنى من معاني البشر فقد كفرَ” فمَنْ وصفَهُ بصِفة من صِفات البَشَر كالجُلوس لا يكون مُسلما، وقال الحافظ الفقيه مُرْتضى الزَبيدي: “مَنْ جعلَ الله تعالى مُقَدَّرًا بِمِقْدار كفرَ” أي لأنّه جعَلَه ذا كمِيّة وحَجْم، وهلْ عرفنا أنّ الشمسَ مخلوقة من جهة العقل إلاّ لأنّ لها حَجْمًا، ولو كان لِلّه تعالى حَجْم لَكان مِثْلا لِلشمس في الحَجْمِيّة ولَوْ كان كذلك ما كان يَستحِقّ الألُوهِيّة كما أنّ الشمسَ لا تستحِقّ الألوهيّة. فلو طالبَ عابدُ الشمس أتْباعَ ابنِ تَيْمِيَة وهم الوهابيّة بدليل عقلي على اسْتِحْقاق الله الألوهيّة وعَدَم اسْتِحقاق الشمس الألوهيّة لم يكنْ عندهم دليل، وغاية ما يستطيعون أنْ يقولوا قال الله تعالى: “الله خالِق كُلِّ شىء”، فإنْ قالوا ذلك لِعابد الشمس يقول لهم عابدُ الشمس: أنا لا أؤمِن بكتابكم أعْطوني دليلا عقليّا على أنّ الشمسَ لا تستحِقّ الألوهيّة فهنا يَنْقطِعون. قال الإمامُ عليّ رضي الله عنه: “سَيَرْجِعُ قومٌ مِن هذه الأمّة عندَ اقْتِراب السّاعة كُفّارا يُنْكِرون خالِقَهم فيَصِفونَه بالجسْم والأعْضاء” رواه ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ونقلَ صاحبُ الخِصال الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: “مَنْ قال الله جسمٌ لا كالأجْسام كفرَ”، وقال الإمامُ الشافعيّ: “الْمُجَسِّمُ كافِر” وقال رضي الله عنه: “مَن اعتقدَ أنّ الله جسمٌ قاعِدٌ على العرش كافِر” أمّا الوهابيّة فعندهم إثْبات أصْل الجلوس لِلّه ليس تَشْبيهًا له بخَلْقِه فيقولون إنّ الله جالِس على الكُرْسي ثم يقولون ولكنْ ليسَ كجُلوسِنا فأين عقولُهم، الجُلوسُ كَيْفَما كان هو من صِفات الخَلْق، كَيْف يُقالُ الله جالِس على الكُرْسي والله كان مَوْجودا قبل الجهات والأماكِن كُلِّها، هذا شَتْمٌ لِلّه، على زَعْمِهم عظّموا الله، هذا ليسَ تعظيمًا، جعلوهُ كخَلْقِه له نِصْف أعْلى ونِصْف أسْفل، خلْقهُ يجلسون، البقرُ والحمار والكلب والخنزير والبشر والجنّ والملائكة يجلسون، جعلوهُ كخَلْقِه ما مَدَحوهُ. ولْيُعلمْ أنّ مَن يقولُ الله جالس على الكُرسي ولو قال لكنْ ليس جُلوسِنا فإنّه كافِرٌ قَطْعًا ولا يجوز الشك في كُفْره، لأنّ الجلوسَ كَيْفَما كان لا يُوصَف به إلاّ المخلوق. عجبًا كَيْف تقولُ الوهابيّة إنّ الله جسمٌ قاعِدٌ على الكُرسي وإنّه بقَدْر العرش وقد ثبتَ في الحديث أنّ الكُرْسي بالنِسبة لِلعرش كحَلْقَة في أرض فَلاة، الكُرْسي بالنِسبة إلى العرش كحَبَّة صغيرة بالنِسبة إلى صحراء كبيرة. هل الله يتصاغرُ ويتصاغرُ حتّى يَسَعَهُ هذا الكُرْسي. إنْ قالوا إنّه يتصاغرُ كالقطن المنفوش إذا كُبسَ يعودُ صغيرا، إنْ جعلوا الله كذلك وصفوه بصِفة الخَلْق الضعيف لأنّ القطنَ المنفوش خَلْق ضعيف، كَيْف يُشَبِّهون الله بهذا القطن المنفوش الذي هو من أضْعف خَلْق الله، حسبنا الله ونعم الوكيل.