الردّ على الوهابيّة أدْعياءِ السلفِيّة القائلين بأن الله له شكل وصورة وأن الله خَلَق الإنسان على صورة وجهه:
اعلم أخي المسلم أن عقيدة الأنبياء والأولياء والملائكة وعُموم أهل الإسلام أن الله عزَّ وجلَّ ليس جسما ولا يُوصَف بالكَيْف والشكل والصُورة والهَيْئة فلا يجوز تشبيه الله بخلْقه لإنه ليس كَمِثْلِه شىء، فالذي يتخيَّل الله جسما له حَجْم وشَكْل وصُورة وهَيْئة هذا ما عَبَدَ الله الذي لا يُشْبِه شيئا مِن خَلْقه إنما يعبد شيئا مِن نَسْج خياله، فمَن وقعَ في التشبيه أي تشبيه الله بخلْقه كمَن يَصِفه بالجسْم أو الشكل أو الهيئة فعبدَ صُورة أو خيالا تخيَّله يكون بذلك مِن الكافرين الخارجين عن مِلَّة المسلمين وإن زعمَ أنه منهم، لأن الذي يُشبِّه الله بخلْقه يكون مُكَذِّبا لِمعنى “لا إله إلا الله” ولو قالها لَفْظا. فلو كان الله جسما له شكل وهيئة وصورة لكان له أمْثال لا تُحْصى والله تعالى يقول: “ليس كَمِثْلِه شىء”، وقال الإمام ذو النون المصري: “مهما تصوَّرْتَ ببالك فالله بخِلاف ذلك” أي لا يُشْبِه ذلك. وهل عَرَفْنا أن الشمس مخلوقة مِن جهة العقل إلاّ لأن لها حَجْما وشَكْلا وصُورة، ولو كان لله تعالى حجم وشكل وصورة لكان مِثْلا للشمس ولو كان كذلك ما كان يستحِقّ الألُوهِيَّة كما أن الشمس لا تستحق الألوهيّة. هذه الشمس لها مِقْدار ولها كَيْفِيَّة وهو الشكل المُسْتدير فلا يصحُّ في العقل أن تكون هي خصَّصتْ نفسها بالوُجود على هذا المِقدار وعلى هذه الكَيْفِيَّة فلا يصحُّ أن تكون إلها، فإذا كانت الشمس لا يَصِحُّ عقلا أن تكون إلها فكَيْف يَصِحُّ أن يكون شىء لم يُشاهَد يظنه الوهابيّة جسْما مُسْتقِرّا على العرش له حجم وشكل وصورة وهيئة وأعْضاء إلها، هؤلاء أسخف عقلا مِن عابد الشمس مع كَوْن كُلّ مِن الفريقَيْن فاسِد العقل حيث إنهم اشتركوا في عِبادة جسْم، فأهل السنة الأشاعِرَة والماتُريدية يقولون هذه الشمس لها حجم وشكل مخصوص فهي مُحتاجة لِمَن أوْجَدها على هذا الحجم وعلى هذا الشكل ومعبودنا مَوْجود ليس ذا حجم ولا شكل ولا صورة فلا يحتاج إلى مُخصِّص يُخصِّصه بحجم وشكل بخلاف الشمس، فهو الذي أوْجَدَ الشمس على حجمها وشكلها المخصوص وهو الذي يستحِقّ أن يكون إلها للعالَم لأنه لا يُشبِه شيئا من العالَم بأي وجه مِن الوجوه. أما الوهابيّة الذين يدّعون كاذبين أنهم سلفِيّة فإنهم يحملون حديث البخاري: “خَلَقَ الله ءادمَ على صُورته” على ظاهِره فيُثْبِتون الشكل والصُورة لله عزَّ وجلَّ وذلك في كتابهم المسمى “عقيدة أهل الايمان في خلق ءادم على صورة الرحمن” لمحمود بن عبد الله التويجري وقد أثنى ابن باز زعيم الوهابية على هذا الكتاب، أما أهل السنة فيقولون الإضافة في هذا الحديث إضافة المِلْك والتشريف لا إضافة الجُزئيّة أي على الصُورة التي خَلَقها وجَعَلها مُشرَّفة مُكرَّمة. كما إذا قلنا عن الكعبة بيت الله هذه إضافة المِلْك والتشريف، قال الله تعالى في القرءان الكريم عن الكعبة لإبراهيم وإسماعيل: “أنْ طهِّرا بَيْتِيَ” لِيُفهمنا أن للكعبة عنده مقاما عالِيا وأنها مُشرَّفة عنده وليس معناه أن الله يسكنها. ومَن قال إن معنى خَلَقَ الله ءادمَ على صُورته أي صُورة تُشْبِه الله فقد كفر أيضا، فلم يَبْق تفسير صحيح للحديث إلاّ أن يُقال إضافة المِلْك إلى مالِكه بمعنى التشريف أو أن يُقال على ما هو الغالِب عند السلَف خَلَقَ الله ءادمَ على صُورته بلا كَيْف مِن غير أن نعتقد أن الله له شكل وصُورة وهَيْئة. وقد قال الإمام أبو سُلَيْمان الخطّابي: “إن الذي يجب علينا وعلى كُلِّ مسلم أن يعلمه أن ربَّنا ليس بذي صُورة ولا هَيْئة فإن الصُورة تقتضي الكَيْفِيَّة وهي عن الله وعن صِفاته مَنْفِيَّة” رواه عنه البيهقي في الأسماء والصفات، فالكَيْفِيَّة معناها الشكل والهيئة والجلوس والاسْتِقرار وكلّ ما كان مِن صِفات المخلوقين. أما حديث “إن الله جميل يُحِبُّ الجمال” فلا يُفسر على ظاهِره، ومعنى “إن الله جميل” أي صفاته كاملة، “يُحِبُّ الجمال” أي يُحِبُّ مِن عَبْده التخلُّق بالخُلُق الحَسَن وليس معناه أن الله يُحِبُّ مَن كان جميل الشكل، فالإنسان لا يُحاسَب على الصُورة التي خلَقَه الله عليها وإنما يُحاسَب على نِيَّته وعَمَله، فمِن هنا يتبيَّن فساد قول “الله يُحِبُّ الحلوين” فالجميلون فيهم المسلمون وفيهم الكُفار والإطْلاق يُؤدِّي إلى تكذيب القرءان لإن الله تعالى يقول “فإن الله لا يُحِبُّ الكافرين”.