الجمعة أكتوبر 18, 2024

الردّ على القائلين بحرية الاعتقاد (1)

اعلم أنه لا يجوز الإقدام على تفسير ءايات القرءان أو الأحاديث النبوية من غير علم فقد روى الحافظ ابن حجر بالإسناد المتصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قال في القرءان برأيه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامه)، وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).

ومن القواعد المتفق عليها عند العلماء أن ءاياتِ القرءان وأحاديثَ الرسول لا تتناقض بل يؤيدُ بعضُها بعضا ويعضِدُ بعضُها بعضا وقد نزل في ءاخر مانزل من القرءان قول الله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) ومعنى حتى لا تكون فتنة أي حتى لا يمنع الكفار من أراد الدخول في الإسلام من الدخول فيه اتباع الحق، ومعنى ويكون الدين كله لله أي حتى يدخل الناس في دين الإسلام، وهذه الآية صريحة لكل ذي بصيرة في أن المقصود من قتال الكفار إدخالهم في دين الله الإسلام ومن رد هذا يكون رادا لنص القرءان قال الإمام النسفي في عقيدته (ورد النصوص كفر).

وقد نص الفقهاء من المذاهب الأربعة على أنه يجب على الإمام أي الخليفة أن يخرج على الأقل في السنة مرة لقتال الكفار إن لم يكونوا محتلين لأراضي المسلمين فإن كانوا محتلين أراضي المسلمين وجب أن يقاتلهم كل من استطاع لإجلائهم عنها.

وقد روى البيهقي أن رجلا قتل أم ولد له فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال (من فعل ذلك) فجاء الرجل وقال أنا يارسول الله كانت تقع فيك فازجرها فلا تنزجر ثم إنها وقعت فيك في ليلة فأخذت المعول ووضعته على بطنها وتحاملت عليه حتى قتلتها فقال النبي (اشهدوا أن دمها هدَرٌ)، وثبت أن الرسول حين أرسل أبا موسى الأشعري ومعاذَ بن جبل إلى اليمن وقال لهما (بشرا ولا تنفرا يسرا ولا تعسرا) وأوصاهما بالتطاوع فكانا ملتزمين بوصية رسول الله ثم إن معاذا جاء ليزور أبا موسى الأشعري فوجد رجلاً مكبلاً بالحديد فقال ما شأن هذا قيل له هذا كان مسلما ثم ارتد يهودياً فقال (لا أنزل عن دابتي حتى يقتل) فقتل فأين هؤلاء المدعون من هدي النبي وصحبه.

وقد ثبت أن أبا بكر قتل إمرأة ارتدت ومعلوم عند أدنى من مارس علم العقيدة والأحكام إثبات أحكام المرتدين فمن قال بما يسمونه حرية الفكر والرأي والتعبير يكون هادما للنصوص وسادا لباب من أبواب الدين هو أحكام المرتدين المتفق عليه عند كل المجتهدين.

وقد أرسل أبو بكر جيش المسلمين لقتال المرتدين الذين كانوا في بلدهم ولم يعلنوا الحرب على المسلمين وكانوا في ديارهم في اليمن تابعي مسيلمة الكذاب وكان على رأس جيش المسلمين خالد بن الوليد وفي الجيش علي بن أبي طالب أعلم الصحابة فهزم المسلمون المرتدين وقتلوا منهم عشرة ءالاف وقتل من المسلمين نحو خمسمائة روى ذلك الحافظ ابنُ كثير في كتابِ البداية والنهاية والحافظ محمد بن جرير الطبري في كتاب تهذيب الاثار وفي ذلك ردٌّ على الذين يكفرون المتوسلين بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته.

فماذا يقال عن تصرف أبي بكر هذا إلا أنه الحق ثم كيف توسع الإسلام وانتشر في أيام عثمان حتى وصل المسلمون في فتوحاتهم إلى الصين شرقا وإلى طنجة في المغرب الأقصى وقد غزا رسول الله سبع عشرة غزوة بعد أن أُذن له بالقتال قال الله تعالى (تقاتلونهم أو يسلمون) هذا في حق الكفار غير أهل الكتاب أما أهل الكتاب فقد نزل فيهم قول الله تعالى في سورة التوبة (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).

وأما قول الله تعالى (لا إكراه في الدين) فقد نزل قبل ءايات الجهاد ونسخ بها وقال بعض العلماء هو خاص بأهل الكتاب الذين إذا امتنعوا من القتال ودفعوا الجزية لإمام المسلمين ترك قتالهم.

وقوله تعالى (لست عليهم بمسيطر) معناه لا تستطيع يامحمد أن تسيطر على قلوبهم فتقلبها من الكفر إلى الإيمان كما قال تعالى (ليس عليك هداهم) معناه لا تستطيع خلق الهداية في قلوبهم لأن الخلق بيد الله.

وأما قوله تعالى (لكم دينكم ولي دين) فهو تهديد ووعيد وليس تخييرا معناه أيها الكفار لكم دينكم الباطل فاتركوه ولي ديني الصحيح وهو الإسلام فاتبعوه.

أما قوله تعالى في سورة الكهف (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) فهو تهديد يفهم ذلك من سياق الآية إذ تكملتها (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا).

ثم إني لأعجب من هؤلاء المغفلين الذين يستحسنون القوانين الوضعية التي تمنع من سب الرؤساء وغير ذلك من ابداء الآراء المخالفة للأنظمة الوضعية وسجن من يفعل ذلك أو معاقبته بغير ذلك ولا يستحسنون ما أنزل الله في القرءان صريحا وما أوحى به لنبيه صلى الله عليه وسلم نسأل الله أن يثبتنا على الحق.

والله أعلم وأحكم.