الثلاثاء أبريل 16, 2024

الدُّعَاءُ وَأَسْرَارُ إِجَابَتِهِ:

      إِنَّ مِنْ أنفَعِ الأدويةِ للمؤمنِ عندَ الضيقِ وَالحاجةِ وَالكربِ أَنْ يَسأَلَ رَبَّهُ سبحانَهُ وتعالَى بدعوَةٍ يَطْلُبُ فيهَا الخيرَ ودَفْعَ الشرِّ منهُ تعالَى وفي ذلكَ إظهارٌ للفقرِ والضعفِ والحاجةِ والعجزِ مِنَ العبدِ والاعترافِ بأنَّ اللهَ تعالَى هوَ القادرُ المغني المانعُ الضارُّ النافعُ السميعُ العليمُ.

وَمِنْ فَضِيلَةِ الدعاءِ أَنَّهُ مِنْ أكرمِ الأشياءِ علَى اللهِ، وفيهِ تَضَرُّعٌ وافتقارٌ إلَى اللهِ وبيانُ حاجةِ الإنسانِ إلَى ربِّهِ وأَنَّهُ لَا يَستَغْنِي عنهُ طرفةَ عينٍ، وَأَنَّ العبدَ الداعيَ لَا يُخْطِئُهُ مِنَ الدعاءِ إِحْدَى ثلاثٍ إمَّا ذنبٌ يُغْفَرُ لهُ، وإِمَّا خَيْرٌ يُعَجَّلُ لهُ، وإمَّا يُدَّخَرُ لهُ، وفِي كلٍّ خيرٌ، قالَ تعالَى: ﱡﭐ   ﲼﲽ ﲿ ﳂﳃ  ﳉﳊ ([1])، وقالَ تعالَى: ﱡﭐ   ﲜﲝ ([2])، وقالَ تعالَى: ﱡﭐ   ﲭﲹ ([3]).

وَوَرَدَ عنِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ  عنِ النَّبيِّ قالَ: ((الْدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: ﱡﭐ ))([4])، والدعاءُ هوَ الطلبُ علَى سبيلِ التضرعِ، أو بمعنًى ءاخرَ رَفْعُ الحاجاتِ إلى اللهِ النافعِ الضارِّ للأحياءِ والأمواتِ، وكانَ شأنُ رسولِ اللهِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدعاءِ فِي كثيرٍ مِنَ المواطنِ وَالأوقاتِ، قَالَ : ((الدُّعَاْءُ مُخُّ الْعِبَاْدَةِ)) ([5])، ومعنى الحديثِ الدعاءُ منزلَتُهُ عاليةٌ في الإسلامِ، أَيْ أَنَّ الدعاءَ مِنْ أعظمِ أنواعِ العبادةِ، بمعنَى مَا يُتَقَرَّبُ بهِ إلَى اللهِ، وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الاستجابةَ للدعاءِ تَتَنَوَّعُ فتارَةً يقعُ المطلوبُ بِعَيْنِهِ علَى الفورِ، وَمَرَّةً يَقَعُ لكنَّهُ يَتَأَخَّرُ لحكمةٍ مِنَ الحكيمِ العليمِ المدَبِّرِ لخَلْقِهِ، وتَارَةً تَقَعُ الإجابةُ بغيرِ المطلوبِ حيثُ لَا يكونُ في المطلوبِ مصلحةٌ أوْ تكونُ هناكَ مصلحةٌ أصلَحَ منهَا وكلُّ ذلكَ بمشيئةِ اللهِ.

ءادَابُ الدُّعَاءِ:

·        مِنْ أدبِ الدعاءِ التوبةُ وردُّ المظالمِ والإقرارُ بالإساءةِ، وأكلُ الحلالِ فقدْ قالَ الرَّسولُ لسيدِنَا سعدِ بنِ أبي وقاصٍ : ((يا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ)) ([6]).

·        وَقَدْ أشارَ النَّبيُّ ﷺ إِلَى جملةٍ مِنْ آدابِ الدعاءِ فيمَا يرويهِ مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: ﭐﱡﭐﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ([7])، وَقَالَ تَعَالَى: ﭐﱡﭐﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱻ   ﱠ([8]) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ))([9]). وَمِنْ هذِهِ الآدابِ فِي الدعاءِ: أَنْ يقعَ الدعاءُ في أثناءِ السفرِ الطويلِ فَإِنَّ مَظَنَّةَ إجابةِ الدعاءِ وقتَهَا تكونُ أكبرَ لَا سِيَّمَا إِذَا كانَ السَّفَرُ سفرَ طاعةٍ كالسفرِ في العبادةِ كالحجِّ وطلبِ العلمِ والغزوِ، بلِ السفرُ بمجردهِ سببٌ لإجابةِ الدعاءِ، ومتى طالَ كانَ أقربَ إلى الإجابةِ لأنَّهُ مَظِنَّةُ حصولِ انكسارِ النفسِ بطولِ الغربةِ وتحمُّلِ المشاقِّ مِنْ أعظمِ أسبابِ إجابةِ الدعاءِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرَسُولَ ﷺ قالَ: ([10]) ((ثَلَاْثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَاْ شَكَّ فِيْهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)) وَفِي بَعْضِ الرِّواياتِ: ((عَلَىْ وَلَدِهِ))([11]) فالمظْلُومُ دَعْوَتُهُ مُسْتَجابَةٌ، إِذَا دَعَا عَلَى ظالِمِهِ فَدُعاؤُهُ مُسْتَجابٌ وَالمسافِرُ دُعاؤُهُ مُسْتَجابٌ، هذَا فِى الأَصْلِ، مِنْ حَيثُ الإِجْمالُ، وَالوالِدُ، الأَبُ أَوِ الأُمُّ إِذَا دَعَا لِوَلَدِهِ أَوْ دَعَا عَلَى ولِدِهِ بِحَقٍّ، فدُعَاؤُهُ مُسْتَجابٌ. وَمِنَ الآدابِ فِي الدعاءِ المستفادةِ مِنْ هذا الحديثِ أَنَّ رَثَاثَةَ الهيئَةِ عندَ الدعاءِ مِنْ أسبابِ الإجابةِ لِأَنَّ فيهَا زيادةَ ظهورِ الحاجةِ إِلَى اللهِ تعالَى لذلكَ فِي صلاةِ الاستسقاءِ طُلِبَ لُبْسُ البِذْلَةِ مِنَ الثيابِ، وكذلكَ يُعَلِّمُنَا النبيُّ ﷺ أنَّ مِنْ أسبابِ الإجابةِ للدعاءَِ رفعَ اليدينِ إلى السماءِ لأنَّها قبلةُ الدعاءِ لَا أنَّ اللهَ يسكُنُهَا فاللهُ موجودٌ بلَا مكانٍ ولَا جهةٍ، فَرَفْعُ اليدينِ إِلَى السماءِ فِي الدعاءِ مُشْعِرٌ بالذلِّ والانكسارِ والإقرارِ بصفةِ العجزِ فقدْ جاءَ فِي الحديثِ أَنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: ((إِنَّ الله حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ([12])))([13])، وفي الحديثِ أنَّ النبيَّ ﷺ رفعَ يديهِ في الاستسقاءِ حتى رُؤِيَ بياضُ إبطيهِ، ومِنَ الآدابِ المستفادةِ مِنْ هذا الحديثِ الإلحاحُ في الدعاء للهِ بتكرارِ ذكرِ ربوبيتِهِ، فقدْ وَرَدَ منْ حديثِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها مرفوعًا: ((إِذَا قَالَ العَبْدُ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَرْبعًا قالَ اللهُ تَبارَكَ وتَعَالَى: لَبَّيْكَ عَبْدِي سَلْ تُعْطَهْ))([14])، وجاءَ في حديث([15]) سعد بن خارجة أَنَّ قومًا شَكَوا إلى النبي ﷺ قُحُوطَ المطر فقال: ((أُجْثُوا على الرُّكَبِ وقُولُوا: يا ربُّ يا ربُّ» ورَفَعَ السَّبَّابَةَ إِلى السَّماءِ، فَسُقُوا حَتَّى أَحَبُّوا أَنْ يُكْشَفَ عَنْهُمْ)) ، وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنَ الحديثِ أَنَّ أَكْلَ الحرامِ سببٌ في عدمِ إجابةِ الدعاءِ فَإِنَّ الحرامَ يفسدُ القلبَ وفسادُهُ يُفْسِدُ الجسدَ والدعاءُ نَتِيْجَتُهُمَا، ولكنَّهُ ليسَ صريحًا في استحالةِ الإجابةِ ومنعِهَا بالكليةِ، إذًا فَمِنْ أبلغِ أسبابِ إجابةِ الدعاءِ أداءُ الواجباتِ والتَّوَرُّعُ عنِ المحرماتِ ولهذا لَمَّا توسلَ الذينَ انطَبَقَتْ عليهمُ الصخرةُ بأعمالِهِمُ الصالحةِ التي أخلَصُوا فيها للهِ تعالَى ودَعَوا اللهَ تعالَى بهَا أُجِيْبَتْ دَعْوَتُهُمْ ومِنْ هنَا قالَ وهبُ بنُ  منبهٍ: “الذِيْ يَدْعُو بِغَيْرِ عَمَلٍ كَمَثَلِ الذِيْ يَرْمِيْ بِغَيْرِ وَتَرٍ”([16]).اهـ وقدْ جاءَ عنْ أبي ذرٍ : “يَكْفِيْ مَعَ البِرِّ مِنَ الدُّعَاءِ مَا يَكْفِي الطَّعَامَ مِنَ الْمِلْحِ”([17]).اهـ

وقدْ قالَ بعضُهُمْ: (الخفيف)

نَحْنُ نَدْعُو الإِلَهَ فِي كُلِّ كَــــــرْبٍ       ثُـمَّ نَنْسَاهُ عِنْدَ كَشْفِ الكُـــرُوْبِ

كَيْفَ نَرْجُو إِجـَـــــــــابَةً لِدُعَاءٍ           قَدْ سَدَدْنَا طَرِيْقَهُ بِالذُّنـُــــــوْبِ([18])

يُقالُ: “الدُّعاءُ لَهُ جَناحانِ، جَناحٌ هُوَ صِدْقُ التَّوَجُّهِ وَالنِّيَّةِ وَالقَصْدِ وَالعَمَلِ وَجَناحٌ ءاخَرُ هوَ طِيبُ الْمَأْكَلِ، وَالطَّائِرُ حَتَّى يَطِيرَ، لا بُدَّ لَهُ مِنْ جَناحَيْنِ، لا يَطِيرُ بِجَناحٍ واحِدٍ، فَشَبَّهُوا الدُّعاءَ بِالطَّائِرِ الذي لَهُ جَناحانِ، أَحَدُ جَناجَيْهِ حُسْنُ الْمَقْصِدِ، صِدْقُ النِّيَّةِ، وَالجَناحُ الآخَرُ طِيبُ الْمَأْكِلِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ مَأْكَلُهُ مِنْ حَلالٍ، لَا مِنْ حَرامٍ،  نَسْأَلُ اللهَ تَعالَى أَنْ يُعافِيَنَا مِنْ هٰذَا…

·        وَمِنْ آدابِ الدعاءِ: أنَّهُ ينبغي للذي يدعو ربَّهُ أنْ يُحْسِنَ الظنَّ بربِّهِ ويذكرَ أنَّ اللهَ يسمعُهُ ويعلمُ بهِ وأَنْ يكررَ دعاءَهُ ولَا ينبغي أَنْ يَقْنطَ أو يَيْأَسَ مِنْ رحمةِ اللهِ فقدْ روى أبو هريرةَ  عن رسولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قالَ: ((لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لَا مُكْرِهَ لَهُ)) لأَنَّ فِي هذا اللفظِ صورةَ الاستغناءِ عنِ المطلوبِ والعبدُ فقيرٌ مفتقرٌ إلى اللهِ وهذا أيضًا يوهِمُ أنَّ الإنسانَ يستغني عنْ طلبِ هذا الشيءِ مِنَ اللهِ والإنسانُ لا يَستغني عنِ الله فِي شيءٍ.

·        ولا ينبغي أنْ يقولَ العبدُ دعوتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، فَعَنْ أبي هريرةَ  أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: ((يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَا، أَوْ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي))([19]) فَيَسْأَمَ ويتركَ الدعاءَ فيكونَ كَالْمَانِّ بدعائِهِ وإِنَّهُ أَتَى مِنَ الدعاءِ مَا يستحقُّ بهِ الإجابةَ وهذَا خلافُ الأدبِ في الطلبِ والرجاءِ مِنَ اللهِ تعالَى.

·        ومِنْ أدبِ الداعي أنْ يدعوَ اللهَ متضرعًا مبتدئًا بحمدِ اللهِ تعالَى والصلاةِ علَى نَبِيِّهِ ويَخْتَتِمَهُ أيضًا بالصلاةِ علَى رسولِ اللهِ ﷺ، فقدْ وردَ موقوفًا على أبي الدرداءِ  أنَّهُ قالَ: “إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ حَاجَةً فَابْتَدِئُوا بِالصَّلَاةِ عَلَى النبيِّ فَإِنَّ اللهَ أكرمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتِيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَيَرُدَّ الأُخْرَىْ”([20])، ورُوِيَ عنْ أبي سليمانَ الدَّارَانِيِّ رحمَهُ اللهُ قالَ: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ حَاجَةً فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يَسْأَلُهُ حَاجَتَهُ ثُمَّ يَخْتِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا([21]).

·        وكذلكَ ينبغي للداعي ذكرُ أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِهِ في دعائِهِ كقولِ يا ربِّ يا رحمنُ يا رحيمُ يا مالكَ الملكِ، فَعَنْ أَنَسٍ  قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: ((أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ))([22]) أيِ الزموا هذهِ الدعوةَ وأكثروا منها. وعنْ معاذِ بنِ جبلٍ  قالَ: مَرَّ النبيُّ برجلٍ وهوَ يقولُ: يا ذا الجلالِ والإكرامِ قالَ: ((قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ))([23])، وَوَرد عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ  قَالَ: ((كَانَ النبيُّ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ))([24])، وقد ثبتَ أَنَّ الرسولَ كانَ يومَ بدرٍ يُكثِرُ مِن قول «يَا حَيُّ يَا قَيُّوم».

·        ومِمَّا يصحُّ الدعاءُ بهِ لاستجابةِ الدعاءِ، الدعاءُ الذي فيهِ اسمُ اللهِ الأعظمُ وهوَ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ جَالِسًا يَعْنِي وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ في دُعَائِهِ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إلٰهَ إلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إنِّي أَسْأَلُكَ فَقَالَ النَّبِيُّ لأَصْحَابِهِ: «تَدْرُونَ بِمَ دَعَا؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِه الْعَظيمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِه أجَابَ وَإذَا سُئِلَ بِه أَعْطَى»([25])

·        خفضُ الصوتِ بينَ المخافَتَةِ والجهرِ، قالَ اللهُ تعالَى: ﱡﭐ   ([26])، قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: أيْ بِدُعَائِكَ.([27])اهـ وقدْ أثنى اللهُ على نبيِّهِ زكريا عليهِ السلامُ حيثُ قالَ: ﱡﭐ ([28]) وَقَالَ تَعَالَى: ﱡﭐ   ([29]).

أَوْقَاتُ الْإِجَابَةِ:

وأمَّا الأوقاتُ التي يُرْجَى بها قبولُ الدعاءِ فكثيرةٌ منهَا: ليلةُ القدرِ وجوفُ الليلِ ولا سيَّما الثلثُ الأخيرُ مِنَ الليلِ لورودِ الحديثِ أنَّ مَلَكًا مِنْ ملائكةِ اللهِ ينزلُ قبلَ الفجرِ إلى الأرضِ وينادي هلْ مِنْ داعٍ فيستجابَ لهُ. وقالَ اللهُ تعالَى: ([30])ﱡﭐ   ، ودبرُ الصلواتِ المكتوباتِ، فَيُرْوَى أَنَّ مجاهدًا قالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ جُعِلَتْ فِي خَيْرِ السَّاعَاتِ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَبَيْنَ الأذانِ والإقامةِ للصلاةِ، فقدْ قالَ ﷺ: ((الْدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَاْنِ وَالْإِقَامَةِ لَاْ يُرَدُّ)) ([31])، وَمِنَ الأوقاتِ التي يُرجى فيها إجابةُ الدعاءِ ساعةٌ مِنْ كلِّ يومِ جمعةٍ ولمْ يَرِدْ تَحدِيدُهَا علَى التمامِ مِنْ نهارِ الجمعةِ لذلكَ ينبغي الاجتهادُ والتَّحَرِّيْ لَهَا طِيْلَةَ يومِ الجمعةِ والأَغلبُ أنَّهَا بعدَ العصرِ وقبلَ المغربِ مِنْ يومِ الجمعةِ، وكذلكَ يُسْتَجَابُ الدعاءُ في السجودِ أثناءَ الصلاةِ لقولِهِ ﷺ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)) ([32])، وفي يومِ عرفةَ، وبعدَ قراءةِ القرءانِ وختمةِ المصحفِ. وقالَ الإمامُ الشافعيُّ : “وقدْ حفظتُ عنْ غيرِ واحدٍ طلبَ الإجابةِ عندَ نزولِ الغيثِ وإقامةِ الصلاةِ” ([33]) اهـ. وقالَ أيضًا: وبلغنا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الدعاءَ يُسْتَجَابُ في خَمْسِ ليالٍ: في ليلةِ الجمعةِ، وليلةِ الأضحَى، وليلةِ الفِطْرِ، وأَوَّلِ ليلةٍ مِنْ رَجَبٍ، وليلةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان([34])“.اهـ

أَمَاكِنُ الإِجَابَةِ:

وأمَّا المواضعُ والأماكنُ التي يرجَى فيها قَبُوْلُ الدعاءِ فهيَ: عندَ رؤيةِ الكعبةِ الشريفةِ، وعندَ تقبيلِ الحجرِ الأسودِ وفي الطوافِ والسعيِ، وعندَ المشعرِ الحرامِ، وعقبَ شربِ ماءِ زمزمَ، وعندَ التقاءِ الصفوفِ بالحربِ. فقدْ وَرَدَ عَنْ رسولِ اللهِ قال: ((ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ أوْ قَلَّ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحَمُ بَعْضُهُ بَعْضًا)) ([35])، ومِمَّا يُرْجَى إجابتُهُ مِنَ الدعاءِ دعاءُ المظلومِ والمسافرِ والصائمِ عندَ فطرِهِ وعندَ نزولِ الغيثِ، قالَ أبو هريرةَ : “إِنَّ أبوابَ السماءِ تفتحُ عندَ زحفِ الصفوفِ في سبيلِ اللهِ تعالَى، وعندَ نزولِ الغيثِ وعندَ إقامةِ الصلواتِ المكتوبةِ فاغتنموا الدعاءَ فيها”([36])، ودعاءُ الرجلِ لأخيهِ المؤمنِ في غيبَتِهِ لقولِهِ : ((إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغَائِبٍ)) ([37]).

وَمِنَ المواضعِ التي يُرْجَى بهَا الإجابةُ، الدعاءُ عندَ قبرِ رسولِ اللهِ وعندَ قبورِ الأنبياءِ صلواتُ اللهِ عليهمْ أجمعينَ وكذلكَ عندَ قبورِ الصالحينَ.

مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ:

عَنْ شهرِ بنِ حوشبٍ قالَ: قلتُ لأمِّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنهَا يَا أمَّ المؤمنينَ مَا أكثرُ دعاءِ رسولِ اللهِ إذَا كانَ عندَكِ؟ قالتْ: كانَ أكثرُ دعائِهِ: ((يَاْ مُقَلِّبَ الْقُلُوْبِ ثَبِّتْ قَلْبِيْ عَلَىْ دِيْنِكَ)) ([38])، وَعَنْ أبي أمامةَ : ((دعَا رَسُولُ الله بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا، قُلْنَا يَا رَسُولَ الله دَعَوْتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا فقالَ النبيُّ : أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ؟ تَقُولُ اللهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحمَّدٌ، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحمَّدٌ وأنْتَ الْمُسْتَعَانُ وعَلَيْكَ البَلاَغُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللهِ)) ([39])، وسيدُنا داودُ عليهِ السلامُ كانَ مِنْ دعائِهِ كمَا أخبرَ سيدُنَا محمَّدٌ : ((اللهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ والعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ اللهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إليَّ مِنْ نَفْسِي وأَهْلِي وَمِنَ المَاءِ البَارِدِ))([40]).



سورة البقرة / 186. ([1])

سورة الأعراف / 55. ([2])

سورة النمل / 62. ([3])

سنن أبي داود ج4 ص352. ([4])

سنن الترمذي ج9 ص252. ([5])

قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير.اهـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج10 ص521. ([6])

 سورة المؤمنون / 51.([7])

 سورة البقرة / 172.([8])

صحيح مسلم كتاب الزكاة باب  قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها. ([9])

 سنن الترمذي ج 9 ص 327.([10])

 سنن الترمذي ج 9 ص 12.([11])

معنى الحياءِ إذا أُطلِقَ على اللهِ تعالى أَنَّ اللهَ يُنْعِمُ عليهِ ويكرمُه. ([12])

(4) سنن الترمذي ج9 ص432.

قال الهيثمي: رواه البزار.اهـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج10 ص245. ([14])

قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط.اهـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد2 ص455. ([15])

(1) مصنف ابن أبي شيبة ج7 ص39.

(2) شعب الإيمان للبيهقي ج2 ص53.

 جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ج 1 ص 295.([18])

 ([19]) صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي.

 المقاصد الحسنة للسخاوي ج1 ص300.([20])

 المقاصد الحسنة للسخاوي ج1 ص300، وكشف الخفاء للعجلوني حرف الصاد المهملة.([21])

 مسند أحمد ج5 ص189.([22])

 سنن الترمذي ج 9 ص 408.([23])

 سنن الترمذي ج9 ص407.([24])

 سنن النسائي ج1 ص386.([25])

سورة الإسراء / 110. ([26])

صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب ﱡﭐ   ، الإسراء: 110 ([27])

سورة مريم / 3. ([28])

سورة الأعراف / 55. ([29])

سورة الذاريات / 18. ([30])

 سنن النسائي ج6 ص22.([31])

صحيح مسلم كتاب الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود. ([32])

) كتاب الأم للإمام الشافعي ج 1 ص 293.4)

 كتاب الأم للإمام الشافعي ج1 ص263.([34])

 سنن أبي داود ج7 ص214.([35])

 إحياء علوم الدين للغزالي ج1 ص287.([36])

 سنن أبي داود ج4 ص394.([37])

 مسند أحمد ج7 ص417.([38])

 سنن الترمذي ج9 ص401.([39])

 سنن الترمذي ج9 ص369.([40])