الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ
بِأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ
قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: »امْتَنَعَ خَلْقُ الْعَبْدِ لِفِعْلِهِ لِعُمُومِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَعِلْمِهِ«.
وَبَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ عَامَّةٌ وَعِلْمَهُ عَامٌّ وَإِرَادَتَهُ عَامَّةٌ فَإِنَّ نِسْبَتَهَا إِلَى الْمُمْكِنَاتِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ.
فَإِنَّ وُجُودَ الْمُمْكِنِ الْعَقْلِيِّ إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى الْقَادِرِ مِنْ حَيْثُ إِمْكَانُهُ وَحُدُوثُهُ.
فَلَوْ تَخَصَّصَتْ صِفَاتُهُ هَذِهِ بِبَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ لَلَزِمَ اتِّصَافُهُ تَعَالَى بِنَقِيضِ تِلْكَ الصِّفَاتِ مِنَ الْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَذَلِكَ نَقْصٌ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ مُحَالٌ، وَلَاقْتَضَى تَخَصُّصُهَا مُخَصِّصًا وَتَعَلَّقَ الْمُخَصِّصُ بِذَاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ وَصِفَاتِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَإِذًا ثَبَتَ عُمُومُ صِفَاتِهِ.
فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى إِيجَادَ حَادِثٍ وَأَرَادَ الْعَبْدُ خِلافَهُ وَنَفَذَ مُرَادُ الْعَبْدِ دُونَ مُرَادِ اللَّهِ لَلَزِمَ الْمُحَالُ الْمَفْرُوضُ فِي إِثْبَاتِ إِلَهَيْنِ، وَتَعَدُّدُ الإِلَهِ مُحَالٌ بِالْبُرْهَانِ، فَمَا أَدَّى إِلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ.