الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَحْتَاجُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّوَافُقِ وَالتَّحَابِّ
قَالَ الإِمَامُ الْهَرَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَحْتَاجُ إِلَى أُمُورٍ مِنْهَا التَّوَاضُعُ وَالتَّحَابُّ وَالْحِلْمُ وَالتَّطَاوُعُ. أَمَّا التَّوَاضُعُ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى التَّآلُفِ. الرَّسُولُ سَمَّاهُ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ »إِنَّكُمْ لَتَغْفُلُونَ عَنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ التَّوَاضُع« وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ »مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى عِلِّيِّينَ« وَقَالَ »مَنْ تَكَبَّرَ دَرَجَةً خَفَضَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَبْلُغَ أَسْفَلَ سَافِلِينَ«. مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى التَّكَبُّرِ يَصِلُ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ فِى الِانْحِطَاطِ الْمَعْنَوِىِّ وَهُوَ الْخُسْرَانُ مَعْنَاهُ هُوَ أَخْسَرُ الْخَاسِرِينَ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَكْثُرُ الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ تَوَاضُعِهِمْ، وَبِفَقْدِ التَّوَاضُعِ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِمْ. وَأَمَّا التَّحَابُّ وَالتَّوَادُّ فَهُوَ أَسَاسُ النَّفْعِ وَالِانْتِفَاعِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ »لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا« مَعْنَاهُ وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَىْ لا يَكُونُ إِيمَانُ الْمَرْءِ كَامِلًا حَتَّى يُحِبَّ إِخْوَانَهُ، يُحِبُّ لَهُمُ الْخَيْرَ وَيَكْرَهُ لَهُمُ الشَّرَّ، يَفْرَحُ لِفَرَحِ إِخْوَانِهِ وَيَحْزَنُ لِحُزْنِهِمْ، مَعْنَى الْحَدِيثِ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلِينَ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ. وَأَمَّا التَّطَاوُعُ فَهُوَ مَطْلُوبٌ لِأَنَّ الِاسْتِفَادَةَ بَيْنَ الإِخْوَانِ لا تَتِمُّ بِدُونِهِ، وَمَعْنَى التَّطَاوُعِ هُوَ التَّوَافُقُ عَلَى مَا فِيهِ خَيْرٌ، يَسْتَضِىءُ الْمُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَ أَخِيهِ مِنَ الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَيَسْتَفِيدُ الآخَرُ مِنْهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْحِلْمُ فَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ خُصُوصًا وَعَلَى غَيْرِهِمْ عُمُومًا لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا عَوَّدَ نَفْسَهُ الْحِلْمَ تَكُونُ إِفَادَتُهُ أَكْثَرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُعَلِّمِينَ يَضْجَرُونَ مِنْ كَمَالِ الإِفَادَةِ وَيُحْرَمُونَ خَيْرًا كَثِيرًا.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْلِصُوا النِّيَّةَ لِلَّهِ، اللَّهُ تَعَالَى لا يَقْبَلُ عَمَلًا إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ، أَخْلِصُوا النِّيَّةَ لِلَّهِ وَتَوَاضَعُوا، كُلٌّ مِنْكُمْ يَتَوَاضَعُ وَيُعَامِلُ أَخَاهُ بِمَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، لا يَذْهَبْ أَحَدُكُمْ مَذْهَبَ الِاسْتِبْدَادِ وَالتَّرَفُّعِ، هَذَا خَرَابٌ، هَذَا لا يُنَاسِبُ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ، الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَحْتَاجُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّوَافُقِ وَالتَّحَابِّ، اسْلُكُوا هَذَا الْمَسْلَكَ حَتَّى تَنْجَحُوا فِى عَمَلِ الدَّعْوَةِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أُوصِيكُمْ بِالْحِلْمِ وَالتَّوَاضُعِ، أَنْ يَتَوَاضَعَ الْمُعَلِّمُ لِمَنْ يُعَلِّمُ وَالْمُتَعَلِّمُ يَتَوَاضَعُ لِمَنْ يُعَلِّمُهُ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ التَّوَاضُعُ مَطْلُوبٌ مَعَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَكُنْ يَوْمُكُمْ خَيْرًا مِنْ أَمْسِكُمْ وَتَوَاصَوْا فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْحِلْمِ، وَفَقَّكُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كُونُوا مُتَحَابِّينَ نَاصِحِينَ مُتَشَاوِرِينَ مُتَزَاوِرِينَ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ لِعِبَادِهِ أَنْ يَكُونُوا مُتَوَاضِعِينَ فَلا يُحِبُّ أَهْلَ الْفَخْرِ وَالْعُجْبِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ إِيَّاكُمْ وَالتَّرَفُّعَ عَلَى الإِخْوَانِ الَّذِينَ يَجْمَعُكُمْ وَإِيَّاهُمُ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ، فَلا يَعْقِدْ أَحَدُكُمْ قَلْبَهُ عَلَى التَّرَفُّعِ عَنْ قَبُولِ رَأْىِ غَيْرِهِ نَظَرًا لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ أَوْ لِكَوْنِهِ أَعْلَمَ مِنْهُ. تَأَسَّوْا بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِينَ جَرَّدُوا نِيَّاتِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَلْيَكْفِكُمْ فِى ذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَّرَ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِى أَرْسَلَهُ لِمُحَارَبَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْعَرَبِ خَالِدَ بنَ الْوَلِيدِ. مَا أَمَّرَ عَلِىَّ بنَ أَبِى طَالِبٍ الَّذِى هُوَ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ وَالَّذِى هُوَ أَشْهَرُ الشُّجْعَانِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَتَلَكَّأْ عَنِ الْكَوْنِ تَحْتَ إِمَارَةِ خَالِدٍ وَالْعَمَلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ قَامَ حَقَّ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلا تَوَانٍ. وَلا يَعْقِدْ أَحَدُكُمْ قَلْبَهُ عَلَى أَنْ لا يُطِيعَ إِلَّا مَنْ هُوَ كَامِلُ الأَوْصَافِ فَإِنَّ كَامِلَ الأَوْصَافِ نَادِرٌ فِى النَّاسِ. يَقُولُ النَّبِىُّ ﷺ »النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً« وَأَلْزِمُوا أَنْفُسَكُمُ التَّوَاضُعَ فَإِنَّ التَّوَاضُعَ مِرْقَاةٌ إِلَى الْكَمَالِ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ »إِنَّكُمْ لَتَغْفُلُونَ عَنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ التَّوَاضُع«، تَوَاضَعُوا لِمَنْ فَوْقَكُمْ وَلِمَنْ دُونَكُمْ. فَالَّذِى لا يَتَوَاضَعُ لا يَتَرَقَّى لِأَنَّ تَرْكَ التَّوَاضُعِ حَاجِزٌ بَيْنَ الشَّخْصِ وَبَيْنَ التَّرَقِّى.