الجمعة مارس 14, 2025

الدرس العشرون

معركة القادسية

 

بعد أن توجه خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، وبقي المثنى بن حارثة مع جيشه، أما بالحيرة ورتب الأمور، وأرسل كسرى ثلاثة عشر إلى الحيرة عليهم هرمز، فاقتتلوا هناك قتالاً شديدًا وانهزم الفرس وقتل هرمز، وكان قاتله المثنى.

وندب عمر بن الخطاب الناس إلى أن يتوجهوا إلى العراق مددًا للمثنّى، فانتدب أبو عبيد بن مسعود، فبعثه عمر في جيش فكان أول جيش أرسله إلى العراق، فاجتمع أبو عبيد مع المثنّى، وكان هناك جمع عظيم من الفرس عليه رستم فحصلت وقعة يقال لها “وقعة الجسر” قتل فيها من المسلمين نحو أربعة ءالاف.

وبقي من المسلمين نحو ثلاثة ءالاف فأخبروا عمر رضي الله عنه بالوقعة وخبرها، فندب رضي الله عنه الناس واستنفرهم، فاجتمع من القبائل جمعٌ عظيمٌ وأمّر عليهم جرير بن عبدالله البجليّ، وبعثهم مددًا للمثنّى وأبي عبيد، فاجتمع المسلمون بمكانٍ يقال له “العذيب” مما يلي الكوفة وهناك عساكر من الفرس عند الفرات فباشروا الحرب والتحم القتال فانهزمت الفرس شر هزيمة، وقتل من الفرس ما يزيد عن مائة ألف.

وفي هذه السنة حجّ عمر رضي الله عنه سنة ثلاثة عشر واستنفر الناس فجاءته أفواج العرب إلى المدينة المنورة، فلمّا اجتمعت عنده الأمداد استخلف على المدينة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وجمع العساكر واستشار الناس في المسير إلى العراق فأشاروا عليه بالمقام بالمقام بالمدينة وأن يبعث رجلاً من الصحابة بهذه الجنود يعتمد عليه، فقبل ذلك منهم وعيّن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة الكرام وولاه حرب العراق، وأوصاه وبعثه في أربعة ءالاف فيهم عمرو بن معدي كرب وأمثاله من الشجعان والأبطال ثم أمده بأربعة ءالاف.

سار سعد بالجيوش وبلغه في الطريق أن المثنّى قد توفي من جراحته.

وكانت جمع المثنّى سبعة ءالاف ولحقه الأشعث بن قيس ومعه ثلاثون ألفًا، فعبأ سعد الكتائب والساقة والطلائع والمجنبات ورتب الأمراء وجعل على كل عشرة عريفًا، ورتب المقدمة وتوجه بالعساكر كلها حتى أتى القادسية فوصلت أخبارهم يزدجر، وأرسل سعد نفرًا من العسكر فقدموا على يزدجر فأحضرهم وقال لترجمانه: سلهم ما جاء بكم وما حملكم على غزونا، أمن أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا؟

فتكلم النعمان بن مقرن بعد أن استأذن أصحابه وقال ما معناه: إن الله تعالى قد رحمنا وأرسل إلينا رسولاً صفته كذا وكذا يدعونا إلى الإيمان والإحسان، ويعد الطائعين بالجنة، فأجابه قوم وتباعد عنه قوم، ثم أمرنا بأن نجاهد من خالفه من العرب فدخلوا معه على وجهين مكره وطائع حتى إذا اجتمعنا عليه وعرفنا فضل ما جاء به أمرنا بجهاد من يلينا من الامم ندعوهم إلى الإنصاف.

فقال يزدجرد: لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى ولا أقل عددًا ولا أسوأ ذات بين منكم، فإن كان بكم جهد أعطيناكم قوتًا وكسوة وملكّنا عليكم ملكًا يرفق فيكم. فقال له قيس بن زرارة: اختر إما الجزية عن يد وأنت صاغر أو السيف، وإلا فنج نفسك بالإسلام.

فقال يزدجرد: لو قتل أحد الرسل لقتلتكم، ثم استدعى بحملٍ من ترابٍ، وقال لأصحابه حمّلوه لسيدهم، ثم قال للنعمان ومن معه: ارجعوا إلى صاحبكم وأعلموه أني مرسل رستم حتى يدفنكم أجمعين في خندق القادسية ثم يدوخ بلادكم.

فقام عاصم بن عمر فقال: أنا سيدهم وجعل التراب على عنقه ورجع إلى سعد وقال: أبشر فقد أعطانا الله تراب أرضهم.

سار رستم إلى ساباط ومعه من الجنود نحو مائتي ألف وثلاثة وثلاثون فيلاً فنزل القادسية بعد ستة أشهر يطاول([1]) خوفًا وكسرى يحثه على السير، وأرسل إلى زهرة بن حويه فوقف معه وعرض له بالصلح وقال: كنتم جيراننا نحسن إليكم ونحفظكم، فقال زهرة: قد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولاً دعانا إلى دين الحق فاجبناه، فقال: وما دين الحق؟ فقال: الإسلام، قال: فإن أجبنا إلى هذا ترجعوا؟ فقال: إي والله.

ورتّب يزدجرد عساكره بين المدائن والقادسية لتأتي إليه أخبار رستم، وأخذ المسلمون مصافهم وأشرف سيدنا سعد على الجنود وخطبهم وحثهم على الجهاد وذكّرهم بوعد الله.

وكان ذلك في المحرم سنة أربع عشرة، ثمّ أمر بقراءة سورة الأنفال فنزلت السكينة على المسلمين. فلما فرغ من قراءة السورة قال: الزموا مواقفكم فإذا صليتم الظهر فإني أكبر تكبيرةً فكبّروا واستعدوا، فإذا سمعتم الثانية فكبّروا وأتموا عدتكم، فإذا سمعتم الثالثة فكبروا ونشطوا الناس، فإذا سمعتم الرابعة فازحفوا حتى تخالطوا عدوّكم وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.

فلما كبّر الثالثة هاج الناس وبرز الأبطال، ثم كبّر سعد الرابعة وزحف المسلمون مكبّرين ودارت رحى الحرب واشتد عواء الفيلة ووقعت الصناديق عن الفيلة وهلك من كان عليها ودام ذلك إلى الليل. وأول من أُسِرَ هرْمز من ملوك الفرس أسره غالب بن عبدالله الأسدي ودفعه إلى سعد.

فلما أصبحوا دفنوا القتلى وسلّموا الجرحى إلى النساء، فلما انتصف النهار زحف الناس ودارت رحى الحرب إلى نصف الليل وقتل عامة رؤساء الفرس فأصبحوا في اليوم الثالث على مواقفهم، واشتد القتال واختلط المسلمون بالعدو وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد وهبّت رياح النصر فانقلب سرير رستم فقام من سريره يستظل بظل بغلٍ فضربه هلال بن علقمة وقتله وجرّه من رجله وصعد على السرير ينادي: “قتلت رستم، ورب الكعبة، إليّ، إليّ”، فكبّروا تكبيرةً واحدةً وجزّوا رأسه وطافوا به فانهزم قلب العدو وتفرقوا، وأخذ ضرار بن الحطاب ابن مرداس الفهري راية كسرى وأمر سعد القعقاع وشرحبيل بأن يتبعوا العدو، وكتب سعد إلى أمير المؤمنين يبشره بالفتح وأقام المسلمون بالقادسية ينتظرون أمر أمير المؤمنين.

 

أسئلة:

  • ما هو اسم قائد الجيوش الإسلامية في معركة القادسية؟
  • ماذا قال قيس بن زرارة ليزدجرد؟
  • ماذا فعل يزدجرد بالفود الذي أرسله سيدنا سعد؟
  • ما كان جواب عاصم بن عمر لسيدنا سعد؟
  • كم كان مع رستم لما انطلق إلى ساباط؟
  • متى حصلت معركة القادسية؟
  • ما هي الإشارات التي وضعها سيدنا سعد لبدء المعركة؟
  • ماذا حصل بعد التكبيرة الرابعة التي كبرها سيدنا سعد؟
  • ما اسم الصحابي الذي قتل رستم؟ وماذا فعل لما قتله؟
  • من هو الصحابي الذي أخذ راية كسرى؟

([1]) طاوله في الأمر أي ماطله كذا في مختار الصحاح.