الخميس نوفمبر 21, 2024

الدرس الحادي والعشرون

فتح بلاد فارس

 

بعد موقعة القادسية، جاء الأمر من أمير المؤمنين بأن يسير المسلمون إلى المدائن عاصمة الكسروية فذهبوا ولحقوا ببابل وكان الفرس لما انهزموا من القادسية لجأوا إلى بابل فحصل قتال شديد وانهزم الفرس وافترقوا فرقتين، فالهرمزان دخل الأهواز بالعراق، والفيرزان دخل نهاوند بفارس وفيها كنوز كسرى، ثم توجهوا حتى نزلوا شهر شير من المدائن ولما عاينوا الإيوان وهو قصر كسرى كبّروا وقالوا: هذا الأبيض لأن حجارته كانت بيضاء هذا ما وعد الله ورسوله، وكان نزولهم في ذي الحجة سنة خمس عشرة، فحاصروا المدائن ثلاثة أشهر ثم اقتحموها يقولون: “نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم”.

وساروا في دجلة وخيولهم سابحة فلما رأى الفرس ذلك خرجوا هاربين إلى حلوان من غير قتال، وكان كسرى يزدجر قبل ذلك فرّ بعياله، ونزل سعد الإيوان وصلّى فيه صلاة الفتح.

وقرأ: (كم تركوا من جنتٍ وعيون) (سورة الدخان)، لأن الفرس تركوا ما كانوا فيه من نعيم للمسلمين، واتخذ الإيوان مسجدًا أي مكانًا للصلاة وصلّى فيه سعد بالناس.

ثم استولوا على بيت مال كسرى وكان فيه ثلاثة ءالاف قنطار من الذهب دنانير والقنطار نوع من الأوزان يعدل على التقريب مائة كيلو.

وأخذوا حلية كسرى وثيابه ودرعه من الهاربين وأخذوا حمل بغل من السيوف، وحمل بغل من الدروع والمغافر، أخذوا درع هرقل، ودامر ملك الهند وسواري كسرى، وأحضرها كلها القعقاع إلى سعد، وخيره سعد في السيوف فاختار سيف هرقل وأعطاه درع “بهرام جور” وهو ملك فارسيّ من الأكاسرة.

بعث سعد إلى أمير المؤمنين سيف كسرى وتاجه وحليته وثيابه ليراها الناس في المدينة المنورة، وألبسوا سراقة بن مالك المدلجيّ كسرى تصديقاً لقوله r: “كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى”.

وقسّم سعد بين المسلمين الغنيمة بعدما خمّساه فأصاب الفارس إثني عشر ألف دينار وكانوا ستين ألفًا، وقسّم المنازل والدور بين الناس وأنزلهم فيها، وأخذوا بساط كسرى وطوله ستون ذراعًا في مثلها وهو شبه بستان فيه زهور منسوجة بالذهب وطرق كالأنهار وتماثيل منقوشة بالدر والياقوت على حرير وجواهر متنوعة، كانت الأكاسرة تبسطه في الإيوان زمن الشتاء عند فقد الرياحين وتشرب عليه.

ولما قدمت الأخماس على أمير المؤمنين قسّمها في الناس، وقطع البساط قطعًا بين الصحابة وأعطى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قطعة باعها بعشرين ألف دينارٍ.

ثم أرسل سعد جندًا لفتح جلولاء وهي قريبة من حدود فارس، فقدموا عليها وحاصروها ثم حملوا حملةً واحدةً فانهزم الفرس وتفرقوا وقتل منهم يومئذ نحو مائة ألفٍ وتبعهم القعقاع بطليعة فانهزم أمامه كسرى يزدجر حتى وصل إلى الري بفارس.

ثم توجه بعض عساكر المسلمين نحو الأهواز والسوس ففتحوهما وأسروا الهرمزان إلى المدية ثم أسلم وحسن إسلامه وفرض له أمير المؤمنين ألفين وأنزله بالمدينة.

ثم أصدر أمير المؤمنين أمرًا بأن تسير العساكر والجنود لفتح بلاد فارس. فتوجّهوا وفتحوا في طريقهم بلادًا كبيرةً كخراسان وشيراز وأصبهان وقزوين وكافة بلاد فارس والعجم.

ثم فتحوا نهاوند فيها غنائم كسرى العظيمة واقتسموها حتى وصلوا إلى مرْو الروذ وبها كسرى يزدجر فقاتل المسلمين وقاتلوه ثم انهزم هزيمة شديدة، وكان قد أرسل بريدًا إلى ملك الصين يستنجده ويستمده فرأى البريد راجعًا وهو منهزم ومعه كتاب يسأله ملك الصين أن يترجم له أحوال العرب ودعوتهم وأفعالهم وعيشتهم، فكتب إليه يزدجر عن دينهم ودعوتهم وكتابهم وصفتهم، فكتب إليه ملك الصين إذا كانت صفاتهم كما قلت فسالمهم وصالحهم على الجزية ولا تحاربهم فإنه لا يقوم لهم مقاوم، فضاقت عليه الأرض.

ولما كان أيام خلافه عثمان بن عفان رضي الله عنه ولّى عبدالله بن عامر بن كريْز وهو ابن خال عثمان على تكميل فتوحات بلاد العجم فوصلوا إلى حيث لجأ يزدجر ومعه فرقة من الفرس، فانهزم وتبعوه فالتجأ إلى جماعة هناك فقتلوا من كان معه وهرب يزدجر ماشيًا وحده إلى شط المرعاب فآوى إلى بيت رجل ينقر الأضراس، فلما نام قام إليه وقتله ورماه في نهر، ثم أخذوه من النهر ووضعوه في ناووس أي تابوت من حجر ودفنوه هناك في مرو، انقرضت دولة الأكاسرة والساسانية([1]) من الأرض وظهرت معجزة رسول الله r بأن الله تعالى يمزقهم كل ممزق.

 

أسئلة:

  • ماذا كانت تسمى عاصمة الكسروية؟ وكم فرقة افترق الفرس؟
  • أين كانت كنوز كسرى؟
  • متى حاصر المسلمون المدائن؟ وكم بقي حصارها؟
  • لما اقتحم المسلمون المدائن ماذا كانوا يرددون؟
  • ماذا أخذوا من بيت مال كسرى؟
  • ماذا أرسل سعد إلى أمير المؤمنين؟ وماذا حصل لسراقة؟
  • كيف قسم سعد الغنائم بين المسلمين؟
  • متى تم القضاء نهائيًا على دولة الأكاسرة؟ وكيف ظهرت معجزة الرسول في ذلك؟

([1]) ساسان: السلالة التي حكمت فارس قرونًا وكل كسرى من بني ساسان.