الخميس نوفمبر 21, 2024
  • الخلافة وما يتعلق بها

    يجب شرعًا نصبُ خليفة للقيام بمصالح الدين. ولأهميَّة ذلك اعتنى الصحابة فبادروا إلى استخلاف أبي بكر عليهم قبل أن يدفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجب محبة كل من الخلفاء الأربعة. ولا يجوز التفريق بينهم بحب بعض وبغض بعض لأن الأربعة كانوا متحابين بينهم. والدليل على ذلك أن عليًّا رضي الله عنه سمى أحد أولاده «أبا بكر» وءاخر «عمر» وءاخر «عثمان» وزوَّجَ عمر في خلافته بنته «أم كلثوم» شقيقة «الحسن والحسين»، وأن الإمام محمدًا الباقر تزوج أمَّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. وأمُّ أم فروة أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ولذلك كان جعفر الصادق يقول [(1230)] «ولدني أبو بكر مرتين». وكان جعفر تلقى الحديث عن جدّه القاسم بن محمد بن أبي بكر والزهري وغيرهما من أئمة السنة. وللحسين ابن سماه أبا بكر قتل معه رضي الله عنهم وذلك دليل على أن أئمة أهل البيت سنيون.
    ومن أكبر دليل على صحة خلافة الخلفاء الثلاثة أن سيدنا عليًّا لم يعترض على خلافة واحدٍ منهم بل كان يغزو إذا أغزَوه ويقبل العطاء منهم إذا أعطوه ثم لما ءالت الخلافة إليه بحق قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، روى النسائي في «الخصائص» والبزار [(1231)] والطبراني [(1232)] أنه قال «أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين». قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي [(1233)] «قولهأي الرافعي -: يثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة هو كما قال رواه النسائي في الخصائص والبزار والطبراني، والناكثين أهل الجمل لأنهم نكثوا بيعته، والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق في عدم مبايعته، والمارقين أهل النهروان لثبوت الخبر الصحيح [(1234)] فيهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
    وثبت في أهل الشام حديث «عمار تقتله الفئة الباغية» وقد تقدم وغير ذلك من الأحاديث». انتهى كلام الحافظ ابن حجر بحروفه.

    وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري [(1235)] من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ «ويحَ عمارٍ تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال السيوطي في «الخصائص الكبرى» [(1236)]: «وهذا الحديث متواتر رواه بضعةَ عشر من الصحابة» انتهى كلامه، ورواه الطبراني من حديث عمرو بن العاص [(1237)] وابنه [(1238)] بلفظ «قاتل عمار وسالبه في النار».
    وقال الحافظ في بعض كتبه [(1239)]: «حديث «تقتل عمارًا الفئةُ الباغيةُ» رواه جمعٌ من الصحابة منهم قتادة وأم سلمة وأبو هريرة وابن عمر وعثمان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وأمية وأبو اليَسَر وعمار نفسه. وغالب طرقه صحيحة أو حسنة، وفيه عَلمٌ من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار» اهـ فمن نظر في ما مضى علم أن ما قاله بعضهم شعرًا: [الطويل]
             فقد صح في الأخبار أن قتيلَهم         وقاتلَهم في جنة الخُلد خُلّدا


    قول بلا دليل فإنه بعيد من قوله صلى الله عليه وسلم «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار».
    قال الحافظ في الفتح [(1240)]: «أخرج ابن الجوزي [(1241)] عن إسحاق بن راهويه قال: لم يصح في فضائل معاوية شىء». وأخرج [(1242)] عن عبد الله ابن أحمد أنه قال: سألت أبي ما تقول في معاوية وعليّ؟ فأطرق ثم قال «عليّ كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبًا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيدًا منهم لعلي». قال الحافظ [(1243)]: فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد بذلك جزم إسحاق والنسائي وغيرهما» اهـ.
    وأخرج مسلم [(1244)] عن علي رضي الله عنه «إنه لَعَهْدُ النبي الأمي إليّ إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يُبغضني إلا منافق».

    ـ[1230] لأنه لا يُخشى منه أن يُقصّر في حقوقهن.
    ـ[1231] رواه مسلم في صحيحه بنحوه: كتاب الجنائز: باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها.
    ـ[1232] رواه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد: باب { … وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ … *} [سورة هود].
    ـ[1233] وذلك أنه كان يبلغ ما أنزل من القرءان فورًا، هو صلى الله عليه وسلم لم يُؤمر بتبليغه.
    ـ[1234] معنى البداء ظهور أمر كان خافيًا.
    ـ[1235] رواه أبو داود في سننه: كتاب الجنائز: باب في زيارة النساء القبور، ورواه ابن ماجه في سننه: كتاب الجنائز: باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور، وأحمد في مسنده (3/ 442 – 443)، والبيهقي في سننه (4/ 78)، والحاكم في المستدرك (1/ 374) كلهم من حديث حسان بن ثابت، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 280): «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».ـ[1236] فتح الباري (3/ 149).
    ـ[1237] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الجنائز: باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، وأحمد في مسنده (1/ 145)، والبيهقي في سننه (4/ 77)، والحاكم في المستدرك (1/ 375).

    ـ[1238] رواه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 259)، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 167): «رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن».
    ـ[1239] حواشي الشرواني (4/ 24).
    ـ[1240] إعانة الطالبين (3/ 394 – 395).
    ـ[1241] روضة الطالبين (10/ 221).
    ـ[1242] بخلاف الإسلام فإن من نصوصه «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان أو طير أو غير ذلك إلا كان له أجر». رواه مسلم وغيره. ففيه أكبر حض من نبي الإسلام على العمل لأن المسلم حين يعلم أن نبيه قال ذلك تتضاعف همته الداعية له إلى العمل حيث إنه يرجو من ذلك إصلاح معاشه وثواب ءاخرته. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم «من أحيا أرضًا ميتة كان له بها أجر» رواه الإمام أحمد من حديث جابر، فهذا أبلغ حث على العمل.
    ـ[1243] رواه مالك في الموطإ: كتاب القراض: باب ما جاء في القراض (ص/574 – 575).
    ـ[1244] الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 75، القسم الثاني).