الجمعة مارس 29, 2024
  • الخاتمـة

    وبعد أن ذكرنا في هذا الكتاب جملة من الفضائل التي يسعد من يعمل بها في دنياه وآخرته، مذكرين بأن عمل الخير ولو كان قليلاً لا يضيع عند الله، فالدنيا ارتحلت مدبرة والآخرة هي المقبلة، فلا تشغلك دنياك عن آخرتك ففي كتاب الفتح للحافظ ابن حجر العسقلاني: كتاب الرقاق باب ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة ما نصه:

    ولما أورد الغزالي حديث المستورد في الإحياء عقبه بأن قال ما ملخصه: اعلم أن مثل أهل الدنيا في غفلتهم كمثل قوم ركبوا سفينة فانتبهوا إلى جزيرة معشبة فخرجوا لقضاء الحاجة فحذرهم الملاح من التأخر فيها وأمرهم أن يقيموا بقدر حاجتهم وحذرهم أن يقلع بالسفينة ويتركهم، فبادر بعضهم فرجع سريعاً فصادف أحسن الأمكنة وأوسعها فاستقر فيه، وانقسم الباقون فرقاً الأولى استغرقت في النظر إلى أزهارها المونقة وأنهارها المطردة وثمارها الطيبة وجواهرها ومعادنها، ثم استيقظ فبادر إلى السفينة فلقي مكاناً دون الأول فنجا في الجملة. الثانية كالأولى لكنها أكبت على تلك الجواهر والثمار والأزهار ولم تسمح نفسه لتركها فحمل منها ما قدر عليه فتشاغل بجمعه وحمله فوصل إلى السفينة فوجد مكاناً أضيق من الأول ولم تسمح نفسه برمي ما استصحبه فصار مثقلا به ثم لم يلبث أن ذبلت الأزهار ويبست الثمار وهاجت الرياح فلم يجد بدا من إلقاء ما استصحبه حتى نجا بحشاشة نفسه، الثالثة تولجت في الغياض وغفلت عن وصية الملاح ثم سمعوا نداءه بالرحيل فمرت فوجدت السفينة سارت فبقيت بما استصحبت في البر حتى هلكت، والرابعة اشتدت بها الغفلة عن سماع النداء وسارت السفينة فتقاسموا فرقا منهم من افترسته السباع ومنهم من تاه على وجهه حتى هلك ومنهم من مات جوعا ومنهم من نهشته الحيات، قال: فهذا مثل أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة وغفلتهم من عاقبة أمرهم. ثم ختم بأن قال:

    وما أقبح من يزعم أنه بصير عاقل أن يغتر بالاحجار من الذهب الفضة والهشيم من الأزهار والثمار وهو لا يصحبه شيء من ذلك بعد الموت.