الخميس مارس 28, 2024

الحلقة ((-5-))

بسمِ اللهِ والحمدُ للهِ وصلى اللهُ وسلّمَ على رسولِ الله

ثمَّ إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى في تلكَ المدّة بعدَ وفاةِ السيّدة خديجة رضيَ اللهُ عنها، اللهُ أسرَى بالنبيِّ إلى بيتِ المَقْدِسِ ثمَّ بعدَ ذلك عُرِجَ بهِ إلى السّماواتِ وإلى ما فوْقَها. كلُّ ذلكَ في جُزءٍ منْ ليلة ثمَّ رَجَع.

في الصباحِ قالَ لأهلِ مكة: “أنا أُسرِيَ بي ذهبْتُ إلى بيتِ المَقْدِسِ”، فصاروا يَسْخَرونَ منهُ نحنُ نحتاجُ شهرًا حتى نصِلَ وأنتَ تقولُ إنّكَ ذهبْتَ ورَجَعْتَ في جُزءِ ليلة؟ بعضُ ضِعافِ الإيمانِ ارْتَدّوا وقتَها، قالوا لأبي بكر: اسمَعْ ماذا يقولُ صاحبُك، قالَ ماذا قال؟ قالوا يزْعُمُ أنّهُ ذهبَ إلى بيتِ المَقْدِسِ ورجَعَ في هذه الليلة. أبو بكرٍ قال فورًا: “إنْ كانَ قالَهُ فقدْ صدَق أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السماءِ ولا أُصَدِّقُهُ بخَبَرِ الأرض؟”

عندَ ذلك، بسببِ ذلك لُقِّبَ أبو بكرٍ بالصِّدِّيقِ لإسْراعِهِ ومُبالَغَتِهِ في تصْدِيقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بعضُ الكفارِ الذينَ كانوا ذهَبوا إلى بيتِ المَقْدِسِ قالوا صِفْ لنا بيتَ المقْدِس. فوصَفَ لهمْ على التّمام. قالوا أمّا الوصفُ فقدْ أصاب.

ثمَّ بعدَ ذلك يسَّرَ اللهُ للنبيِّ قومًا منْ أهلِ المدينةِ كانوا جاءوا إلى مكةَ فاجْتَمَعَ بهِ قِسمٌ منهمْ فكَلَّمَهُمْ فأسْلَموا. رجَعوا إلى المدينةِ فتَكَلَّموا معَ غيرِهمْ منْ أهلِ المدينة فأسْلَموا. أوَّلَ مرّةٍ كانوا اثْنَيْ عشرَ شخصًا. بعدَ ذلك رجَعوا كانوا سبعينَ شخصًا فقالوا للنبيّ تعالَ إلينا يا رسولَ اللهِ، تعالَ إلى المدينةِ نحنُ نَحْمِيكَ ممّا نَحْمِي منهُ عِيالَنا نساءَنا وأولادَنا. قالَ لهم العبّاسُ عمُّ النبيِّ رضي الله عنه وكانَ كافرًا في ذلك الوقتِ كانَ حاضرًا، كانَ يخافُ على ابنِ أخيه، قالَ لهمْ: تعرِفونَ ماذا تقولون؟ هذا حربٌ للأبيضِ والأحمرِ أوْ كما قال، قالوا لهُ نحنُ أهلُ الحربِ والحَلْقة ونحنُ سنَحْمِيه.

عندَ ذلك بايَعوا النبيَّ وكانتْ هذه بيعةَ العقَبة الثانية. الاثْنا عشَر الأُوَل كانتْ بَيْعَتُهُمْ بيْعَةَ العقَبةِ الأولى، ثمَّ السبْعونَ كانتْ بَيْعَتُهُمْ بَيْعَةَ العقَبةِ الثانية.

ثمَّ أرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ الصحابةِ إلى المدينةِ حتى يَدْعوَ إلى اللهِ ويُعَلِّمَ المسلمينَ هناك، فعمِلَ مُصْعَب بالحكمةِ فانْتشرَ الإسلامُ في المدينةِ حتى لمْ يَبْقَ دارٌ إلّا ودخلَها الإسلام.

عندَ ذلك صارَ يُهاجرُ المسلمونَ إلى المدينةِ أذِنَ لهمُ الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ بالهجرةِ إلى المدينةِ. كانوا يُهاجرونَ سرًّا وكانَ أبو بكرٍ يسْتَأذِنُ النبيَّ، فيقول لهُ النبيّ: “اصْبِرْ لعلَّ اللهَ يجعل لكَ صاحبًا” فكانَ أبو بكرٍ يطْمَعُ أنْ يكونَ النبيُّ رفيقَه.

أمّا سيِّدُنا عمر فهاجرَ علنًا. ذهبَ إلى حيثُ يجْتَمِعُ صنادِيدُ قريش قال إني مُهاجرٌ إلى المدينة مَنْ أرادَ أنْ تترَمَّلَ زوجتُهُ أوْ يُيَتَّمَ أولادُهُ فَلْيَلْقَنِي خلفَ هذا الجبل. فلَمْ يَجْرُؤ أنْ يَتْبَعَهُ أحد. أمّا غيرُهُ منَ الضِّعافِ فمُنِعوا وعُذِّبوا وحُبسوا وبعضُهُمْ قيلَ لهُ لا نتْرُكُكَ تذهب حتّى تُعْطِيَنا كلَّ مالِكَ. فقالَ خُذوهُ، ثمَّ هاجر. وأمّا عنْ أولادِ النبيِّ محمّدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ فقدْ كانَ لهُ منَ السيدةِ خديجة ستّةُ أولادٍ، اثنانِ منَ الذُّكورِ وهما القاسم وعبدُ الله، وأربَعٌ منَ الإناث وهنَّ: أمُّ كُلثوم وزينب ورُقَيَّة وفاطمة. وكانَ لهُ إبراهيم منْ أمَتِهِ ماريةَ القِبطيّة الذي تُوُفّيَ صغيرًا.

فكلُّ أولادِ النبيِّ منْ زوجتِه خديجة إلا إبراهيم فإنه كانَ منْ مارية وكلُّهمْ ماتوا قبلَهُ إلّا فاطمة رضيَ اللهُ عنها وأرْضاها.

السيّدةُ عائشةُ قالت: “أنا كنتُ أرى لفاطمةَ شأنًا “. في مرضِ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ قبلَ وفاتِهِ دخلَتْ فاطمةُ إليه، فطلبَ منها أنْ تقْتَرِبَ منه فاقْتَرَبَتْ فسارَّها بشىءٍ فبكَتْ ثمَّ بعدَ ذلك بقليلٍ سارَّها بشىءٍ آخر فضَحِكَتْ. السيّدةُ عائشة استغْرَبَتْ قالتْ: أنا كنتُ أرى لها شأنًا الآنَ تبكي ثمَّ تضحك؟ يعني حالُها يُشْبِهُ بقيّة النساء. لكنْ السيّدةُ عائشة أحَبَّتْ أنْ تعرِفَ ماذا قالَ لها النبيّ صلى الله عليه وسلم سألَتْها، قالتْ: ما كنتُ لِأُفشِيَ سرَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ثمَّ بعدَ وفاةِ النبيِّ أخبَرَتْ فاطمةُ ماذا قالَ لها، أولَ مرّةٍ قالَ لها: ” إنّي أموتُ في مرضي هذا” فبكَتْ، ثمَّ قالَ لها: “أنتِ أوّلُ أهلي لَحاقًا بي” فضَحِكَتْ. وهكذا كان، تُوُفّيَتْ بعدَ ستّةِ أشهرٍ منْ وفاةِ أبيها رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وأمّا حجُّ النبيِّ فقبْلَ الهجرةِ لا يُعْلَمُ كمْ حجَّ وكم اعْتَمرَ. أمّا بعدَ الهجرةِ فحجَّ حَجّةً واحدةً، حجّةَ الوَداع، وأمّا العُمَر فاعْتَمَرَ أربعًا، كلُّها في ذي القَعْدة إلّا العُمرةُ التي كانتْ معَ حَجّةِ الوَداعِ. المرّةُ ا لأولى حينَ صدَّهُ المُشرِكونَ عنِ البيتِ “عُمرةُ الحُدَيْبِية. والثانية هيَ التي تلَتْ ذلك العام الذي بعدَهُ، والثالثة منَ الجِعرانة حيثُ قسَمَ غنائمَ حُنَيْن، والرابعةُ التي كانتْ مع الحج وسُمِّيَتْ “حجّةُ الوداع”، لأنهُ قال عليه الصلاةُ والسلامُ “عسى أنْ لا تَرَوْني بعدَ حجِّكُمْ هذا”.

واللهُ سبحانَهُ وتعالى أعلمُ وأحكمُ.