السبت أبريل 20, 2024

 

الحمد لله حمدًا يرضاه لذاته والصلاة والسلام على سيد مخلوقاته ورضي الله عن الصحابة والآل وأتْباعِهم من أهل الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدًا عبدُه ورسولُه وأنّ عيسى عبدُ الله وابنُ أمَتِه وكلمتهُ ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأنّ الجنةَ حقٌّ وأنّ النارَ حق.

اللهم صلّ صلاةً كاملة وسلم سلامًا تامًّا على سيدِنا محمدٍ الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتنالُ به الرغائبُ وحسنُ الخواتيم ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آله وصحبهِ وسلِّم.

اللهم اجعل نيّاتِنا في هذا المجلس الرفاعي خالصةً لوجهِك الكريم

يقولُ الغوثُ الرفاعيُّ رحمه الله ورضي عنه من جملةِ مقالاتِه في البرهان المؤيد

“أي سادة، حُدّوا المراتب وإياكم والغلوّ، أنزلوا الناسَ منازِلَهم أشرفُ النوعِ الإنسانيِّ الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام وأشرفُ الأنبياءِ نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأشرافُ الخلق بعدَه عليه الصلاة والسلام آلُه وأصحابُه وأشرافُ الخلقِ بعدَهم التابعونَ أصحابُ خيرِ القرون، هذا على وجه الإجمال وأما على وجهِ الإفراد فالنصَّ النصّ”

أشرف النوعِ الإنسانيّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لقد اصطفى اللهُ تعالى الأنبياء وشرّفَه وعظّمَهم وأعلى قدرَهم وجعلَهم صفوةَ الخلق.

{إنّ اللهَ اصطفى آدمَ ونوحًا وآلَ إبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالمين}[آل عمران/٣٣]

أفضلُ الخلقِ الأنبياء ثم بعدَهم رؤساءُ الملائكة كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ثم بعدهم أولياءُ البشر ثم بعدَهم بقيةُ الملائكة.

اللهُ عز وجل جعلَ الأنبياءَ أفضلَ خلقِه فقال سبحانه {وكلًّا فضّلْنا على العالمين} [الأنعام/٨٦]

الأنبياء الذين اصطفاهم اللهُ تعالى من خلقِه وخصّهم بالنبوة وأمرَهم جميعًا بالتبليغ فكلُّ نبيٍّ قد أمرَه اللهُ تعالى أنْ يبلِّغ، ثم منهم مَن قد أوْحى اللهُ تعالى إليه بشرعٍ جديد أو بنسخِ بعضِ شرعِ مَن قبلَه وهذا رسول، ومنهم مَن أمرَه الله باتّباعِ شرعِ الرسولِ الذي قبلَه وكلٌّ منهم عليهم الصلاة والسلام مأمورٌ بالتبليغ وهذا تشريفٌ كبيرٌ من الله عز وجل لأنبيائِه عليهم الصلاة والسلام.

لماذا بعثَ اللهُ الأنبياء؟

رحمة للعباد، اللهُ تعالى بعثَ الأنبياءَ جميعًا بدينٍ واحد هو دينُ الإسلام، مَن دخلَ في الإسلام فهذا من أهلِ السعادةِ الأبدية، مَن رحمه اللهُ تعالى فاتّبعَ الأنبياء فهذا من أهلِ الجنة وإنّ ربَّنا عز وجل قال {لا نفرِّقُ بين أحدٍ من رسلِه وقالوا سمعْنا وأطعْنا غفرانَك ربَّنا وإليك المصير}[البقرة/٢٨٥]

{لا نفرِّقُ بين أحدٍ من رسلِه} معناه كلٌّ منهم يبلّغُ عن الله أوّلُهم آدم عليه الصلاة والسلام، سيدنا آدم كان في الجنة وكُنيةُ آدم أبو محمد وآدم عليه السلام كان نبيًّا رسولًا إلى خاتمِ الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام، كلُّ الأنبياء دينُهم هو الإسلام، دعوتُهم واحدة عقيدتُهم واحدة كلُّهم دعا إلى هذه الكلمةِ العظيمة لا إله إلا الله

يقولُ سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم “أفضلُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إله إلا الله” آدم جاء بلا إله إلا الله وعلّم لا إله إلا الله بعده شيث علّم لا إله إلا الله بعدَه إدريس علّم لا إله إلا الله

كان الناسُ أمةً واحدة ما كان حصل الكفرُ بينهم، {كان الناسُ أمةً واحدة فبعثَ اللهُ النبيينَ مبشّرينَ ومنذرين}[البقرة/٢١٣]

بعد وفاةِ نبيِّ الله إدريسَ عليه السلام بزمان حصل الكفرُ في هذه الأرض فبعثَ اللهُ تعالى نوحًا عليه الصلاة والسلام فكان نوحٌ عليه الصلاة والسلام أولَ مَن أُرسِلَ إلى أهلِ الأرض بعد حصولِ الكفرِ فيها وبعد انتشارِ الناسِ في هذه الأرض وإلا فقبلَ نوحٍ عليه السلام آدمُ فشيثُ فإدريسُ عليهم الصلاة والسلام.

كلُّ هؤلاء عليهم الصلاة والسلام دعا إلى لا إله إلا الله

وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام كلُّهم دعا إلى لا إله إلا الله.

جاء محمد، جاء الدنيا محمد، أنارت الدنيا بمحمد فدعا محمد عليه الصلاة والسلام إلى ما دعا إليه إخوانُه من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

الأنبياء كلُّهم إخوة، مَن كفرَ بنبيٍّ واحد فقد كذّب بقيةَ المرسلين، مَن آمنَ بمحمد عليه الصلاة والسلام فقد آمنَ بآدم وآمنَ بإبراهيم وآمن بموسى وآمن بعيسى كلُّهم رسل، كلُّهم بلّغوا عن الله عز وجل.

ما أعظمَ الإسلام!! ما أعظمَ الأنبياء!!! ما أعظمَ سيدَ الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام!!!

دينٌ سماويٌّ واحد نزل من السماء نزل على الأنبياء لكنْ شرائعُ الأنبياء اختلفت أما الدين فهو واحد

فأنبياءُ الله صلوات ربي وسلامُه عليهم أجمعين هم أشرفُ الخلق على الإطلاق ليس في الخلقِ ما يفوقُ الأنبياءَ درجة

ذاك الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُستسقيًا شاكيًا قلةَ المطر وقال يا رسولَ الله أتَيْناك وما عندَما صبيٌّ يَغُطّ ولا بعيرٌ يَئط، وصفٌ لحالةٍ شديدة يستغيثُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويقول وليس لنا إلا إليكم فِرارُنا وأينَ يفرُّ الناسُ إلا إلى الرسلِ

فرفعَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يديه ودعا وما في السماء قزْحة ما مِن سحابةٍ في السماء وإذ بالسحبِ تتكاثف وإذ بالغيثِ يبدأ وينزلُ المطر، جمعة كاملة أسبوع كامل والمطرُ ينزل حتى رجع ذاك الرجل قال يا رسولَ الله الغرقَ الغرقَ فصار عليه الصلاة والسلام يقول “اللهم حَوالَيْنا ولا علينا”

رحمة من الله عز وجل، عند الضيق عند الشدة في الدنيا كان فزعُ الناس إلى الأنبياء في حياتهم وفزَعُهم إلى الأنبياء أيضًا بعد مماتِهم لأنّ شرفَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لن ينقطع بموتِهم، ينقطع الوحي على هذا النبيّ الذي توفاه الله لكنْ شرفُه باقٍ وجاهُه باقٍ يجعلُ اللهُ تعالى بسبب الأنبياء نفعًا كبيرًا لأُمَمِهم بل وللمسلمين

عند الكعبة الشريفة مكانٌ مبارك يقال له حِجرُ إسماعيل، عندما يذكرُ العلماء في أخبار مكة في المواطن التي يُستجابُ فيها الدعاء نسألُ اللهَ تعالى أنْ يرزقَنا الحج وأنْ يرزقَنا العمرة وزيارة الكعبة وزيارة سيدِنا محمد عليه الصلاة والسلام وأنْ يُعرِّفَنا بما تيسّر من قبور الأنبياء والصالحين لزيارتِهم وللانتفاع بهم، يذكرو حجرَ إسماعيل بأنه مكانٌ يُستجابُ فيه الدعاء وزائرُ بيت الله الحرام يتسابقُ باحثًا عن موضعٍ له في حجرِ إسماعيل، فلماذا؟

مكة كلُّها حرم، فلماذا حجرُ إسماعيل وفيه ميزابُ الرحمة؟ لماذا تلك البقعة؟

بعضُ العلماء يقول إسماعيلُ عليه السلام مدفونٌ في الحجر وبعضُهم يقول هود عليه السلام أيضًا مدفون في الحجر وهاجر أمُّ إسماعيل مدفونةٌ كذلك في الحجر، بل وذكرَ بعضُ العلماء أنّ سبعينَ نبيًّا كلُّهم مدفونون في الحجر المسمى اليوم بحجر إسماعيل عليه السلام، فهذا مكانٌ مبارك

بين باب الكعبة الشريفة والحجرِ الأسود يسمى المُلتَزَم، لماذا يقالُ عنه الملتزَم؟ لالتزامِ الناسِ له بالدعاءِ إلى الله وطلبِ الحاجة، يقفُ الناس هناك ويدعونَ.

 في تلك البقعة يذكر العلماء أيضًا عن عدد كبيرٍ من الأنبياء مدفونٌ هناك، لكن مَن سأل فإنْ كان هناك مَن هو مدفونٌ من الأنبياء كما أنه كذلك بين الركن اليماني والحجر الأسود عددٌ كبيرٌ من الأنبياء مدفون وما بين الحجر الأسود وبئرِ زمزم عددٌ كبيرٌ من الأنبياء مدفون فمن يسأل فكيف نقفُ هناك فقد قال العلماء لأنّ هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مدفونون في مسافةٍ بعيدةٍ جدا في تلك الأرض وبركتُهم باقية

في إسراء رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ عليه الصلاة والسلام قرب قبرِ موسى عليه السلام فقال عليه الصلاة والسلام “واللهِ لو أني عندَه لأَرَيتُكم قبرَه إلى جنبِ الطريقِ عند الكثيبِ الأحمر”

الحافظُ العراقي يقولُ يُستفادُ من هذا الحديث استحبابُ معرفةِ قبورِ الأنبياء والصالحين لزيارتِها والقيامِ بحقِّها، فشرفُ الأنبياء باقٍ

ثم تعالَوا معي هذا قبرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أليس بركةً باقيةً لمدينةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وللأمة كلِّها؟ أليس صلى الله عليه وسلم قال “مَن زار قبري وجبَت له شفاعتي”؟ جعل اللهُ تعالى زيارةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سببًا لنيْلِ شفاعتِه عليه الصلاة والسلام لنيْلِ شفاعةِ الإنقاذ من العذاب.

يا بشرى مَن زارَ محمدًا عليه الصلاة والسلام من مالٍ حلال وقد شدّ الرّحلَ إلى النبيِّ المختار عليه الصلاة والسلام.

وإذا كنا نشدُّ الرحلَ إلى مسجد رسول الله فكيف لا نشدُّ الرحلَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟

شدُّ الرحلِ لرسولِ الله أو للأنبياء ليس عبادةً للأنبياء كما أنّ شدّ الرّحلِ إلى الأطباء ليس عبادةً للأطباء كما أنّ شدَّ الرحلِ للبيع والشراءِ والتجارةِ ليس عبادةً للتجار فكيف يكونُ شدُّ الرَّحلِ إلى الأنبياءِ عبادةً لهم؟ هلّا تأملَ في ذلك أصحابُ العقول ليَعلموا عظيمَ قدرِ جاه الأنبياء وكم لهم من الشرف والجاه عند الله عز وجل

وكما أنّ الأنبياءَ يُقصَدون في الدنيا في حياتِهم وبعد مماتِهم فيسألُ المسلمُ اللهَ تعالى ببركتِهم فكذلك كما يروي الإمامُ البخاريُّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “تدنوا الشمسُ مِن رؤوسِ الناسِ يوم القيامة فبينما هم كذلك إذ اسْتغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد” عليهم الصلاة والسلام.

يستغيثُ الناسُ بهم في يومِ القيامة، يستغيثُ المسلمون من كلِّ الأمم ممن كان محتاجًا لتخليصِه من حرّ الشمس في ذلك الموقف من المسلمين أما الكفار فلا خلاصَ لهم ولا شفاعة، فيذهبُ هؤلاء المسلمونَ المحتاجون إلى الأنبياء فيستغيثونَ بهم فاستغاثَتُهم بالأنبياء ليس عبادةً للأنبياء، الاستغاثة بالأنبياء في الدنيا أو في يوم القيامة ليس عبادةً للأنبياء

الاستغاثةُ معناها واحد، يطلبون الغوثَ عند الضيق، إذا كانوا في الدنيا لتخليصِهم من كرَبِها بإذن الله وإن كان في الآخرة فلِنَيلِ شفاعتِهم، فهذا لا يكونُ عبادةً لهم لكنّ اللهَ عز وجل قد اصطفاهم فهم أشرفُ النوعِ الإنسانيّ

كيف يُقبَل أنْ يُقصَدَ واحدٌ من النوعِ الإنساني لقضاء حاجة دنيوية وهو من عوامِّ الناس ولا يُقبَل أنْ يُقصَد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقضاءِ الحوائج؟

فإنْ قيل لكن الأنبياءُ ماتوا فقط هو عيسى عليه السلام الذي رُفِعَ إلى السماء فنقول: شرفُهم باقٍ وجاهُهم عند الله باق وجعلَ اللهُ تعالى لهم غوثًا وعونًا بإذن الله تعالى لمَن شاء الله تعالى من العباد.

جعل اللهُ تعالى فيهم سببًا لإجابةِ الدعاء فإذا كان النفعُ قد يحصلُ للإنسان بنبتةٍ ليس فيها روح أو بدابةٍ لا عقلَ فيها وإنما هي أسباب فلا يُنكَرُ أنْ قد جعلَ اللهُ تبارك وتعالى أسبابَ النفعِ والشفاء والبركةِ وقضاءِ الحوائجِ بأنبياءِ الله صلواتُ ربي وسلامُه عليهم أجمعين.

اللهم أمِدَّنا بأمدادِ الأنبياء والمرسلين وانفعنا بهم وارزقنا بركَتهم واجعل لنا يا مولانا خلاصًا ببركتِهم مما نحن فيه من مرضٍ وهمٍّ وغمّ وضيقٍ وكرب برحمتك يا أرحمَ الراحمين.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم

سبحانك اللهم وبحمدك نشهدُ أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوبُ إليك. سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدِنا محمد وعلى آله وأصحابِه الطيبين الطاهرين.