الحلقة ((-12-))
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين وصلى الله على سيِّدنا محمّد سيّد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
الله أعطى النّبيّ محمّدًا صلى الله عليه وسلم من المعجزات ما لم يعطِ غيره من الأنبياء من حيث عِظَمُها، كانت معجزاته الأعظم، ومن حيث عددها كانت معجزاته الأكثر حتى ذكر بعض العلماء أنّ معجزاته بلغت ثلاثة آلاف معجزة.
وقال الشافعي رضي الله عنه “ما أعطى اللهُ نبيًّا معجزة إلا وأعطى محمّدًا مثلها أو أكبر منها”، فقال له إنسان: فإن عيسى أحيا الموتى، فقال الشافعي: “فإنّ محمّدًا حنَّ الجذع إليه” وهذا أعظم لأنّ إحياء الميت هو رجوع الميت إلى ما كان عليه قبل الموت، أما الجذع فلم يكن له عهد بالأنين وليس بمعتاد أن يُرى جذع حيٌّ يئِنُّ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
ومن معجزاته القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن كتابٌ معجزٌ فيه تحد للناس أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه فعجَزوا عن ذلك. الكفار تُحدُّوا وقرعوا مع أنهم في زمن النّبيّ كانوا قد بلغوا الذروة في الفصاحة.
كان الواحد منهم بعبارة يقيم حربًا وبعبارة يُهدِّئُ حربًا، فتحداهم أن يأتوا بمثل سورة من القرآن.
القرآن احتوى على أخبار بمُغيَّباتٍ قبل حصولها وقد حصلت كما أخبر.
لما هزم الفرس الروم فرح المشركون، في ذلك الوقت نزل الوحيُ على الرسول عليه الصلاة والسلام أنّ الروم سيهزمون الفرس، وهكذا كان بعد عدة سنوات في أقل من عشر سنوات. الله أنزل في القرآن قبل فتح مكة بزمان أنّ المسلمين سيفتحون مكة، وهكذا حصل.
وسأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُريهم معجزة، فأراهم انشقاق القمر أشار النّبيّ عليه الصلاة والسلام إلى القمر فانفلق القمر فلقتين، فلقة قبل جبل أبي قبيس وفلقة بعده. رأوا ذلك ما عرفوا ما يقولون، ثم قالوا سحر عيوننا محمّد، ثم قالوا سلوا المسافرين الذين كانوا قادمين إلى المدينة رأوا كما رأينا؟ فإنه لا يستطيع أن يفعل ذلك بالحاضر والغائب (عنادًا هم يعرفون أنها معجزة)، لما وصلت بعض القوافل إلى المدينة سألوهم رأيتم كذا؟ قالوا نعم، فقالوا هذا سِحره قوي يصل إلى البعيد.
وقال النّبيّ عليه الصلاة والسلام: “إنّ اللهَ زوى لي الأرض فأُريت مشارِقها ومغارِبها، وسيبلغُ مُلْكَ أُمَّتي ما زُوِّيَ لي منها”، وهكذا كان. امتد انتشار المسلمين من الصين إلى المحيط الأطلسي في خمس وعشرين سنة ثم توسع بعد ذلك أكثر انتشارا كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان الرسولُ يخطب إلى جذع فقيل له: لو عملنا لك منبرا، قال: افعلوا إن شئتم.
عملوا له المنبر لما صعد عليه ليخطب بدأ الجذع يبكي كبكاء الطفل الصغير، حنَّ إلى رسول الله، نزل عن المنبر فالتزمه ووضع يده الشريفة عليه فصار يسكتُ قليلًا قليلًا إلى أن توقف عن البكاء، وسمعه كل من في المسجد.
ونبع الماء من يده الشريفة أكثر من مرة. مرة كان المسلمون ألفا وخمسمائة ما كان معهم ماء ليشربوا ويتوضأوا فجاءوا إليه وشكوا إليه فكان مع النبيّ عليه الصلاة إناءٌ صغيرٌ فيه ماء وضع يده فيه فصار الماء ينبُعُ من بين أصابعه من نفس يده الشريفة كأمثال العيون حتى توضأوا من آخرهم.
وفي مرة ثانية كانوا ثلاثمائة، وفي مرة ثالثة كانوا سبعين. كان الصحابة يأكلون مع النبيّ وهم يسمعون تسبيح الطعام، يسمعون الطعام يقول: “سبحان الله” والشاة المسمومة كلَّمت النّبيّ وأخبرته أنها مسمومة.
وشهد الذئب بنبوته، قال الذئب لواحد: إن محمّدًا نبيُّ الله قد ظهر فاذهب إليه وأسلم.
ومرة النّبيُّ مر ببعير ينقل عليه الماء لما وصل قريبا منه البعير اقترب منه وأصدر صوتا، النّبيّ قال: “أين صاحب هذا البعير؟ جاء، فقال له: اتق الله في هذه البهيمة التي ملَّكَكَ اللهُ إياها فإنه شكا إلي أنك تُجيعه وتتعبه” صلى الله عليك يا سيّدي يا رسول الله.
واللهُ سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.