الحلقة ((-11-))
سمِ الله والحمدُ لله وصلى الله وسلم على رسول الله
كان صلى الله عليه وسلم يلبَسُ الصُّوف وكان أحبَّ اللباسِ إليه الحُبرَة، كان يحبُّ اللباسَ المُخَطط الذي فيه خطوط. وكان خاتَمُه من فضة فَصُّه منه، كان يستعمله ليختِمَ الرسائلَ مكتوبٌ عليه “محمَّدٌ رسولُ الله”. “محمَّد” سطر “رسول” سطر “لفظُ الجلالة” سطر وكان يلبسُه في خِنصَر يدِه اليمنى وأحيانًا في اليسرى.
وكان يَعصِبُ الحجرَ على بطنِه من الجوع أحيانًا. مرةً قال له واحدٌ من الصحابة يا رسولَ الله أنا جائع، كشف عن بطنِه فإذا هو قد ربَط حجرًا، فكشف النبيُّ عليه الصلاة والسلام فإذا هو قد وضع حجريْن. مع أنّ اللهَ آتاهُ مفاتيحَ خزائنِ الأرض، اللهُ مكَّنَه من خزائن الأرض لو أراد شيئًا لنفسِه كان يقدِر، لكنْ قطُّ ما فعل.
كان يُكثِرُ الذِّكِر يقومُ على ذِكر الله يقعُد على ذِكرِ الله، إذا قام وإذا قعد وإذا أمسك شيئًا يذكر اللهَ تعالى.
ويُقِلُّ اللغْو لا يتكلمُ بغيرِ فائدةٍ صلى الله عليه وسلم. ويُطيلُ الصلاةَ إذا لم يكن إمامًا وخلْفَه أناسٌ ضِعاف.
مرةً كان يصلي فجاء رجلٌ من الصحابة اقْتدى به فافتَتَح النبيُّ سورةَ البقرة، هذا الصحابيُّ قال في قلبِه بعد قليلٍ يركع، النبيُّ اخْتتمَ البقرة ثم افتتحَ آلَ عمران ثم اخْتتَم آلَ عمران، ثم افتتحَ غيرَها وهكذا النبيُّ أطال، قال الصحابي حتى همَمْتُ أنْ أقعدَ وأدَعهُ (كانت صلاةَ نافلة)، كان يصلي حتى تتورّمَ قدماه من غير أن يصيبَه ضرر، فيُقال قد غفرَ اللهُ لك من ذنبِك ما تقدّمَ وما تأخرَ، فيقولُ أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ صلواتُ ربي وسلامُه عليه.
ويُقصِّر الخُطبة. أكثرَ الناس تبسُّمًا وأحسنُهم بِشرًا، كان يَلقى الناسَ بالبشاشة مع أنه كان متواصلَ الأحزان دائمَ الفِكر، لكنْ إذا لقيَ المسلمين يلقاهُم بالبشاشة والبِشرِ والابتسامة.
كان يحبُّ الطِّيب ويكرهُ الريحَ الكريهة. يتألفُ أهلَ الشرف ويُكرِمُ أهلَ الفضل، مَن له فضلٌ عند اللهِ يكرمُه ويمزحُ ولا يقولُ إلا حقًّا من غير أن يكونَ مزحًا يُنقِصُ المُروءة ومن غير أن يُؤذي.
جاء شخصٌ قال للرسول احمِلني، أي أعطِني ما أركبُ عليه، قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: “أحملُك على ولدِ الناقة”، قال ما يصنعُ معي ولدُ الناقة؟ (أي صغير كيف أركَبُهُ)، فقال النّبيّ: “وهل يلِدُ الإبل إلا النُّوق؟”
هنا ينبغي التَّنبُّه إلى شىء: يُروى كلامٌ غيرُ صحيح أن النبيَّ جاءتْه امرأة عجوز طلبت منه أن يدعوَ لها بدخول الجنة، يُروى أنه قال <<لا تدخل الجنةَ عجوزٌ>>، فذهبت المرأة تبكي فقال: قولوا لها الجنةُ ما فيها عجوز، الذي يعتقد أنّ النبيَّ قال ذلك الكلام حتى تتوهمَ خلافَ الصحيح فتتأذى هذا نسبَ إلى النبيِّ تحريفَ الشريعة وإيذاءَ المسلم والنبيُّ مُنَزَّه عن ذلك صلى الله عليه وسلم.
أما مَنْ ظنَّ أنه ما قصد ذلك قصدَ أنها تدخلُ الجنةَ وهي شابةٌ وهي ما فهمَت ذلك ليس هو تعمَّدَ ذلك هذا حالُه أخفّ. في كل حال هذا الحديث غيرُ ثابت.
وكان يقبلُ معذرةَ المُعتذِر إليه. إذا عمِل إنسانٌ خطأ ثم اعتذرَ إلى النبيِّ فكان يقبلُ معذرتَه.
مرة كان هناك قتال بين المسلمين والمشركين المعركةُ طالت أيامًا، المشركون تعِبوا وأحسُّوا بالهزيمة فقالوا لواحد من الصحابة ما رأيُك لو نازلْنا على حكمِ محمّد؟ فقال لهم افعلوا لكنْ أشارَ إلى رقبتِه هكذا (معناه ستُقتَلون) ثم تنبَّه فذهب إلى المسجد وربطَ نفسَه قال لزوجتِه اربطيني إلى السارية أنا أبقى هنا حتى يتوبَ اللهُ عليَّ.
ذهبوا إلى النّبيّ فأخبروه، الرسولُ قال: “لو جاء إليّ لكنتُ دعوْتُ له وتجاوزتُ عنه لكنْ هو فعل هذا فأنتظرُ نزولَ الوحي”.
فبقي الرجلُ أياما تفكُّه زوجتُه لأجل الصلاة ثم تربطُه حتى أنزلَ اللهُ توبتَه.
وكان له صلى الله عليه وسلم عبيدٌ إنما لا يرتفعُ عليهم في مأكلٍ ولا مَلبسٍ بل كان يأكل معهم ويكسوهُم مما يلبَس ويطعمُهم مما يأكل.
سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق النبيِّ عليه الصلاة والسلام فقالت: كان خلقُه القرآن، معناه انظر في القرآن كلُّ خلُقٍ حثَّ عليه القرآن فقد تخلَّقَ به النّبيّ، وكلُّ خُلق حثَّ القرآنُ على تركِه فقد تركَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قال أنسُ بن مالِك: وخدمتُ رسولَ الله عشرَ سنين فما قال لي أفّ قط ما اشتكى مرةً ولا قال لشىء فعلتُه لمَ فعلتَ كذا وكذا ولا قال لشىء لمْ أفعلْه لمَ لمْ تفعلْه.
قد جمع اللهُ له محاسنَ الأفعال كمالَ الأخلاق وآتاهُ عِلمَ الأوَّلين والآخِرين، أعطاه علمًا كثيرًا بحيث كان أعلمَ الخَلق وأعطاهُ اللهُ النجاةَ والفوزَ وهو أُمِّيٌّ لا يقرأُ ولا يكتبُ ولا مُعلِّمَ له من البَشر، نشأ في بلاد الجهلِ والصّحارى ومع ذلك آتاهُ اللهُ ما لم يُؤتِه للعالمين صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى كلِّ رسول أرسلَه.
واللهُ سبحانَه وتعالى أعلمُ وأحكم.