الحلقة ((-10-))
بِسمِ الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومَن وَالاه.
كان عليه الصلاة والسلام أشجعَ الناس. قال عليّ: “كنا إذا احمَرَّ البأس والْتقى القوم اتّقَيْنا برسول الله”، يعني إذا اشتدّ القتال كنا نحتمي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم نتّقي به يكونُ أمامنا. ولا يَخفى عليكم شجاعةُ عليّ.
كان صلَّى الله عليه وسلم أسخَى الناس ما سُئل شيئًا قطّ فقال لا، حتى لو سُئل الثوب الذي يلبَسُه كان يدخلُ إلى بيتِه يخلعُه ثم يرسلُه صلى الله عليه وسلم.
وكان أحلمَ الناس ما كان يسْتفِزُّه الغضب حتى يتصَرّفَ بخِلاف الحِلم.
مرةً عاملَه يهوديٌّ بدَيْنٍ إلى مدة اسمُه زيدُ بنُ سَعية. كان رأى في النبيّ علاماتِ نبيِّ آخرِ الزمان وبقيَ علامةٌ يريد أن يختبرَها وهي أنّ غضبَه لا يَسبِقُ حِلمَه، فعاملَه بدَيْنٍ وقبل حلولِ الأجلِ بثلاثةِ أيام قال له: ما أعْطيتني مالي، وكلّمَه بكلمةٍ تهزُّ المشاعر، قال بزعمِه: أنتم يا قومَ عبدِ مناف قومٌ مُطْلٌ. سيِّدُنا عمر كان موجودًا لكنْ ما تجرّأَ أنْ يتصرّفَ بوجود النبيِّ (أي من غير أنْ يستأذنَه) قال يا رسولَ الله أضربُ عنقَه، قال الرسول دعْه. ثم دفع له المال.
لما رأى هذا الرجل أنّ النبيَّ لا يسبِقُ غضبُه حِلمَه قال: أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وأمّا سببُ موتِ النبيّ، امرأةٌ يهودية سمَّتْه في شاةٍ وقدّمَتْها له. النبيُّ أخذ قطعةً لاكَها وما استطاعَ أن يبلعَها، هذا سمُّ ساعةٍ يقتُلُ في اللحظة. واحدٌ من الصحابة مدَّ يدَه مع النبيّ فأكلَ معه قال النبيّ لا تمُدُّوا أيدِيَكم هذا الذراعُ ذراعُ الشاةِ يُخبرُني أنها مسمومة. ذاك الصحابي مات الذي أخذَ تلك اللقمة، النبيُّ ما مات معجزةً له عليه الصلاة والسلام، إنما استمرَّ هذا السُّم يؤثرُ فيه إلى أن مات بعد سنينَ من أثره. كان يقول ما زلتُ أُحِسُّ بأثرِ السمِّ في لهَواتي.
النبيُّ أخبر أنّ فلانةَ هي التي وضعت السم في الشاة فتركَها تجاوز عنها.
بعضُ الرؤساء في أيامِنا لو صَرخ الواحدُ عليهم قد يقتلونَه.
وكان صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرِها، الخِدرُ هو الخِباء، أي العذراءُ البعيدةُ من مخالطةِ الرجال التي ما اعْتادت الخروجَ من خِبائِها، من غرفتِها، لا يُثَبِّت بصرَه في وجهِ أحد وكان لا يَنتقمُ لنفسِه ولا يغضبُ لها إلا أن تُنتهَكَ حُرماتُ الله فيَنتقِمُ لله. فإذا غضب لله لم يقُمْ لغضبِه أحد، لا أحدَ يستطيعُ أن يقفَ في وجهِه عليه الصلاة والسلام القريبُ والبعيد والقويُّ والضعيف عندَه في الحق واحد.
وما عابَ طعامًا قطّ إن اشتهاهُ أكلَه وإلا تركَه.
مرة قُدِّمَ له الضَّبّ ما مدَّ يدَه قال له واحد من الصحابة، هذا حرام؟ الرسول قال لا لكنْ لم يكن بأرضِ قومي فلا تألفُه نفسي.
وكان لا يأكل مُتّكئًا ولا يأكل على خِوان الذي هو مثلُ الطاولةِ المرتفعةِ قليلًا عن الأرض، إنما كان طعامُه يوضَعُ على مائدةٍ التي توضَعُ على الأرض ويأكلُ ما يجِد ما هو موجودٌ في البيت. كان يقول في الصباح عندَكم طعام؟ إذا قالوا له نعم أكلَ منه وإذا قالوا لا قال إذًا نصوم.
إذا وجد تمرًا أكل إذا وجد خبز شعيرٍ أكل، إذا وجد لبنًا اكْتفى به عليه الصلاة والسلام، وإذا وجد خلًّا أكل الخبزَ والخل.
قال أبو هريرة: خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام من الدنيا ولم يشبعْ من خبز الشعير.
وكان يأتي على آلِ محمدٍ الشهرُ والشهران ولا يوقَد في بيتهم نار كان قوتُهم التمرَ والماء.
كان يأكلُ الهدية ولا يأكلُ الصدقة. سلمانُ الفارسي هكذا اختبرَه، أتى له بتمرٍ وقال هذا صدقة، النبيُّ ما أكل. وفي اليوم الثاني جاء بتمر وقال هذا هدية فأكل النبيُّ عليه الصلاة والسلام وقال لهم كلوا.
وكان يُكافِئُ على الهدية بما يستطيع وهذه عادةُ أهلِ الفضل. وكان عليه الصلاة والسلام يَخصِفُ النعل. يكونُ النعلُ أحيانًا مصنوعًا منْ عدةِ طبقات ثم تُخاطُ كلُّها معًا، هذا هو خَصفُ النعل، كان يفعلُ هذا بيدِه ما كان يقول لزوجتِه افعليه، ويرقَعُ الثوب ويخدمُ في مهنةِ أهلِه يحلِبُ الشاة وغير ذلك، ويعودُ المريض وكان أشدَّ الناسِ تواضعًا كانت تأتيه البنتُ الصغيرةُ فتأخذُ بيدِه فيذهب معها.
جاءتْه امرأة قالت أريدُ أن أكلمَكَ (يعني بحيث لا يسمعُني باقي الناس) فقال الرسول عيِّني أيّ طريق من طرُق المدينة ألقاكِ فيه. يُجيبُ مَن دعاهُ من فقير أو غني أو دنيءٍ أو شريف، وكان يحب المساكين ويَشهدُ جنائزَهم ويعودُ مرضاهُم ولا يحقرُ فقيرًا لفقرِه ولا يَهابُ ملِكًا لمُلكِه، وكان يركبُ الفرس والبعير والبغلة والحمار. وإنما اليوم عادةُ المتكبرين لا يرغبون أن يركَبوا الحمار.
وكان صلى الله عليه وسلم يُردِفُ خلفَه عبدَه أو غيرَه ولا يدَعُ أحدًا يمشي خلفَه صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
واللهُ سبحانَه وتعالى أعلمُ وأحكم.