الخميس نوفمبر 21, 2024

الحكمة من رفع اليدين إلى السماء عند الدعاء

الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، أمّا بعد فقد قال الإمام النووي في شرحه على مسلم ما نصه (الله هو الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين) وقال ذلك غيره من علماء أهل السنة، وعلى هذا جمهور علماء المسلمين، أن الله لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان والحمد لله.
وقال الحافظ المحدث الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي (المتوفى سنة 1380 هـ) في كتابه المنح المطلوبة ما نصه (فإن قيل إذا كان الحق سبحانه ليس في جهة فما معنى رفع اليدين بالدعاء نحو السماء)؟
فالجواب أنه محل التعبد، كاستقبال القبلة في الصلاة، وإلصاق الجبهة في الأرض في السجود، مع تنزهه سبحانه عن محل البيت ومحل السجود، فكأن السماء قبلة الدعاء. انتهى

وهذا دليل على أن الله موجود لا يحويه مكان ولا حد ورد على المشبهة الذين يزعمون أن الله يسكن السماء أو يجلس على العرش والعياذ بالله، أما الدليل من الحديث فما رواه البخاري وابن جارود والبيهقي بالإسناد الصحيح‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كان الله ولم يكن شيء غيره).

وقال الإمام الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي الحسيني الحنفي في كتابه إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين المجلد الثاني طبع دار الفكر، بيروت لبنان، في الصحيفة 104 (فإن قيل فما بال الأيدي ترفع إلى السماء وهي جهة العلو فأشار المصنف أي الغزالي إلى الجواب بقوله: فأما رفع الأيدي عند السؤال والدعاء إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء). انتهى كلام الزبيدي والحمد لله أولا وآخرا وأبدا.

فالله تعالى كان موجودًا في الأزلِ قبلَ خلق المكان و بعد أن خلقَ المكان هو الآن على ما عليه كان أي بِلا مكان فالله لا يتغير من حالٍ إلى حالٍ كالمخلوق.

قالَ أهلُ الحقّ (ليس الشأنُ في عُلوّ الجهةِ بل الشأنُ في علوّ القدرِ، والفوقية في لغةِ العربِ تأتي على معنيينِ فوقية المكانِ والجهةِ وفوقية القدرِ قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون (وإنا فوقهم قاهرون) أي نحنُ فوقَهُم بالقوةِ والسيطرةِ لأنه لا يصحُّ أن يقالَ إن فرعونَ أرادَ بهذا أنه فوقَ رقابِ بني إسرائيلَ إلى جهةِ العلوّ إنما أرادَ أنهُم مقهورونَ لَهُ مغلوبونَ، فقول الله تعالى اخباراً عن فرعون الكافر (أنا ربكم الأعلى) معناه علو القدر، وكذا قوله (وإنا فوقهم قاهرون) أي فوقية القوة والسيطرة وليس فوقية المكان، فلهذا نص العلماء أن الفوقية والعلو إذا أطلق على الله فالمراد منه علو قدر وفوقية قهر سبحانه وتعالى وليس علو مكان وجهة لأن الله كان قبل الخلق والمكان والجهات بلا مكان كما أجمع كل علماء أهل السنة على ذلك ونص على ذلك ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري).

وقال الفقيه المفسّر ابن عَطِيَّة المالكي الأندلسيّ (ت 542هـ) في تفسيره عن معنى ءاية ﴿يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ (النَّحْل 50) ما نَصُّه (وقوله ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيين أحدهما الفوقية التي يوصف بها الله تعالى فهي فوقية القدر والعظمة والقهر والسلطان، والآخر أنْ يَتَعَلَّق قوله ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ بقوله ﴿يَخافُونَ﴾، أي يَخافون عذابَ رَبِّهِم مِن فَوْقِهم وذلك أنَّ عادةَ عَذابِ الأُمَمِ إِنّما أَتَى مِن جِهَة فَوْقٍ). انتهى

وفي كتاب تفسير القرطبي المالكي الجامع لأحكام القرءان طبع دار الكتب العلمية ط ٢ ﴿وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ الْقَهْرُ الْغَلَبَةُ، وَالْقَاهِرُ الْغَالِبُ، ثم قال وَمَعْنَى ﴿فَوْقَ عِبادِهِ﴾ فَوْقِيَّةُ الِاسْتِعْلَاءِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ، أَيْ هُمْ تَحْتَ تَسْخِيرِهِ لَا فَوْقِيَّةَ مَكَانٍ، كَمَا تَقُولُ السُّلْطَانُ فَوْقَ رَعِيَّتِهِ أَيْ بِالْمَنْزِلَةِ وَالرِّفْعَةِ).

وكذلك في كتاب الجامع لأحكام القرءان للقرطبي المالكي، قوله تعالى ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم﴾ أي عقاب ربهم وعذابه، لأنّ العذاب الْمُهلِك إنما ينزل من السماء وقيل المعنى يخافون قدرة ربهم التي هي فوق قدرتهم.

وقال الشيخ عبد السلام المسراطي القيرواني (توفّي 646 هـ) رحمه الله في كتابه الزهر الأسنى في شرح الأسماء الحسنى (1) ما نصه (وأما قوله سبحانه (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) الحج الآية 62 فهما اسمان من أسمائه تعالى ورد بهما النص، قال الله (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) غافر الآية 12 وليس علوّه علو جهة ولا اختصاص ببقعة، ولا هو كبير بعظم جثة ولا بنية، بل إنه لم يزل عليا ومن الآفات والنقائص بريا). انتهى