الأحد ديسمبر 22, 2024

الحسين بن علي الإمام الشهيد

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فجاء رحمة للعالمين وسراجًا منيرًا للمهتدين والمسترشدين، هدى الله به الأمة وكشف به الغمة وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور فجزاه الله خير ما جزى نبيًا عن أمته.

أما بعد، يقول الله عز وجل: {إنَّما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجسَ أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} [سورة الأحزاب/ءاية:33].

لقد أكرم الله ءال بيت النبي الأعظم صلوات الله عليه بمنزلة عظيمة وقرابة زكية فاخرة، وجعل منهم الأئمة الكرام والعلماء الأعلام فكانوا للناس مصابيح هداية يضيئون وسط ظلام الفتن وطغيان الفساد ويذودون عن حياض الشريعة الغراء باللسان والسنان، قائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخافون في سبيل الله لومة لائم، لُيوثًا في مواطن الحق والجهاد وبحورًا في العلم والدراية ورثوا من علوم جدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يسعدهم في الدنيا والآخرة وساروا على هديه ودربه فجزاهم الله عن أمة نبيه خيرًا عظيمًا.

وها نحن إذ نعرض للكلام عن أهل البيت الطاهرين الكرام نتناول البحث في مآثر شخصية كبيرة فذة من كبار رجالات ءال البيت الصالحين، الإمام الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه.


مولده الميمون ونسبه المصون:
في السنة الرابعة من الهجرة المباركة وهنام على أرض يثرب التي طابت وتنورت بقدوم الرسول الأكرم، ولد سبطا رسول الله عليه الصلاة والسلام الحسنان الشهيدان وجاءت ولادة الحسين بعد أخيه الحسن بسنة وعشرة أشهر على الأشهر، ولد ذاك الإمام العظيم أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي خامي أهل الكساء، السند الشريف والسيد العفيف الكرار بن الكرار، من أم تقية طاهرة مباركة هي فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين الأعظم صلى الله عليه وسلم، ففرح لولادته القلب وقرت به العين كما قرت بأخيه من قبل، وحظي بحب كبير من جده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما ناله من البركة والخير حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام عقَّ عنه وعن الحسن كبشًا كبشًا ووزنت له أمه شعره وشعر الحسن وأمّ كلثوم فتصدقت بزنته فضة، واختار له الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الاسم اللامع كما اختار اسم أخيه الحسن من قبل، فقد أخرج الطبراني بسنده عن سالم عن أبي الجعد قال: قال علي رضي الله عنه: كنت رجلاً أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربًا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حربًا فسماه الحسين.

وقد ذكر أن اسم الحسن والحسين لم يكونا معروفين في الجاهلية حتى سمى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم سبطيه الحسنين كما ذكر ابن الأثير في “أسد الغابة” وغيره.


ذكر شيء من صفته عليه السلام:
كان الإمام الحسين رضي الله عنه سيدًا وسيمًا جميلاً فصيحًا عالمًا عاقلاً رزينًا محتشمًا جوادًا كريمًا كثير الخير دينًا ورعًا كبير الشأن عظيم القدر يشبه بخِلقته جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن علي رضي الله عنه أنه قال: الحسين أشبه برسول الله من صدره إلى قدميه، وعن عبيد الله بن يزيد قال: رأيت الحسين بن علي أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته، وروي أنه كان يصبغ شعره بالوسمة وهي نبت يختضب به وكان مع ذلك طويل الشعر يضرب أحيانًا إلى منكبيه.


جملة من مناقبه وفضائله العظيمة
لقد كان سيدنا الحسين رضوان الله عليه إمامًا عظيمًا وسيدًا سندًا جليلاً، سيفًا من سيوف الحق وجبلاً يمشي على قدمين كريم الأصل شريف النسب ذا مرتبة عالية ورفعة بالغة، تعلم وسمع من جده الرسول عليه الصلاة والسلام فحدث عنه وعن أبويه وعن الفاروق عمر وطائفة أخرى، وحدث عنه والداه علي وفاطمة وابن أخيه زيد بن الحسن وبنته سكينة والشعبي والفرزدق الشاعر وغيرهم، وكان عالمًا مبجلاً وسيدًا معظمًا محترمًا يجله الناس وكبراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من طليعة القوم، ويعرفون ما للحسين من قدر ومقام، فقد وردت في شأنه الفضائل وتعددت فيه المكارم فكان صفوة من الرجال وخيرة من القوم عابدًا زاهدًا خاشعًا كثير العبادة، فاضلاً يكثر من الصلاة والصيام والحج حتى قيل إنه حج خمسًا وعشرين حجة ماشيًا، وكان كريمًا كثير الصدقات يرحم المسكين ويعين الضعيف، شملته دعوة جده الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم لما جلله هو والحسن وفاطمة بكساء ثم قال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا”.

إن رجلاً أحبه الرسول عليه الصلاة والسلام جدير أن يكون بهذه الصفات وبهذه المكارم العالية، كيف لا وهو الحِبُّ أخو الحِبّ كما دلت على ذلك الأخبار وشهدت بذلك النقول الصريحة والآثار، ففي جامع الإمام الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للحسن والحسين فقال: “اللهم إني أحبهما فأحبَّهما”.

وفي المسند عند أحمد والطبراني وغيرهما عن أبي سعيد مرفوعًا: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة” وعن ابن عمر رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هما ريحانتاي من الدنيا” رواه البخاري وفي السنن عند الترمذي: “الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا”.

إن رجلاً هذه منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حري به أن يكون عظيم الصلاح فيحبه الناس ويجلوه، حتى إن سيدنا عمر رضي الله عنه كان جعل للحسين مثل عطاء الإمام علي خمسة ءالاف وكان يكرمه ويوقره

فقد ذكر الذهبي في السير عن حماد عن معمر عن الزهري أن عمر كسا أبناء الصحابة ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن فأتي بكسوة لهما فقال: الآن طابت نفسي، وفي أثر ءاخر عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين ومعلوم أن سيدنا أبا هريرة رضي الله عنه كان يجل الحسنين ويحترمهما ويحبهما حبًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حدث مرة فقال: كان الحسين عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان يحبه حبًا شديدًا فقال: “اذهب إلى أمك” فقلت: أذهب معه؟ فقال: “لا” فجاءت برقة فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه. رواه الطبراني.

وفي حديث عند الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحبني فليحب حسينًا”.

 

استشهاده عليه السلام:
ذكر الذهبي في السير وغيره عن عمارة بن زادان حدثنا ثابت عن أنس قال: أستأذن ملك القطر [المطر] على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أم سلمة احفظي علينا الباب” فجاء الحسين فاقتحم وجعل يتوثب على النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله يقبه فقال الملك: أتحبه قال: “نعم” قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: “نعم” فجاء بسهلة أو تراب أحمر، قال ثابت: كنا نقول إنها كربلاء.

واعلم أن ملخص ما جاء في استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه أن أهل الكوفة لما بلغهم موت معاوية وخلافة يزيد كتبوا كتابًا إلى الحسين عليه السلام يدعونه إليهم ليبايعوه فكتب لهم جوابًا مع رسولم وسيَّر معه ابن عمه مسلم بن عقيل فلما وصل إليهم اجتمع بعض أنصاره عليه وأخذ عليهم العهد والميثاق بالبيعة للحسين وأن ينصروه ويحموه، ولما أراد الحسين المسير إلى العراق نهاه أصحاب الرأي كابن عباس وابن عمر وغيرهما فلم يأخذ بقولهم وتوجه فبلغ توجهه يزيدًا فولى العراق عبيد الله بن زياد وأمره بنقابلة وقتال الإمام الحسين، فدخل ابن زياد الكوفة قبل الحسين وظفر بمسلم بن عقيل فقتله، وأرسل جيشًا لملاقاة الحسين وأمر عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص وكان الحسين وصل مع أصحابه إلى كربلاء وحط أثقاله في ذلك المكان فلم يجد أحدًا من أهل العراق ممن كاتبه فلما التقى عمر بن سعد قال: اختاروا مني واحدة من ثلاث إما أن تدعوني فألحق بالثغور وإما أن أذهب إلى يزيد أو أنصرف حيث جئت، فقبل ذلك عمر بن سعد ولم يقبل ابن زياد وقال: حتى يضع يده في يدي [يريد بيعة يزيد] فقال الحسين: لا يكون ذلك أبدًا. فلما أصبح الصباح وكان يوم العاشر من المحرم تهيأ الحسين ومعه اثنان وثلاثون فارسًا وأربعون راجلاً وتهيأ عمر بن سعد بأربعة ءالاف مقاتل ودارت رحى الحرب والحسين رضي الله عنه يدافع عن يمينه وعن شماله حتى ضربه زرعة بن شريك على يده اليسرى وضربه ءاخر على عاتقه، وطعنه سنان بن أنس بالمح فوقع على الأرض ونزل إليه شمر بن ذي الجوشن فأخذ رأسه، وكان قد وجد به عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة. وكان عمره يوم قُتل ستًا وخمسين سنة وخمسة أشهر وقيل كان ابن ثمان وخمسين سنة. وكان استشهاده عليه السلام يوم الجمعة في العاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة الشريفة.


دفنه عليه السلام:
ذُكر أنه لما قتل الحسين عليه السلام جيء برأسه إلى يزيد فجعل ينكث ثناياه بقضيب في يده فقال له أبو برزة الأسلمي: تنكث قضيبك في ثغر الحسين، والذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما، ثم أغلظ له في الكلام جدًا وقام من مجلسه فانصرف.

ودفن الجسد الكريم بكربلاء واختلف في محل رأسه فقيل: دفن بدمشق وعليه أكثر المؤرخين ثم نُقل إلى مصر.


حادثة غريبة:
مما يروى بعد حادثة الحسين عليه السلام عن أبي جناب الكلبي قال: أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن قال: ما تلقى حرًا ولا عبدًا إلا أخبرك أنه سمع ذلك، قلت: فما سمعت أنت قال: سمعتهم يقولون:

مسح الرسول جبينَهُ *** فله بريق في الخُدود
أبواه من عليا قريـ **** ـشِ وجَدُّهُ خيرُ الجدود


عاقبة الظالمين:
ذكر الذهبي في السير عن السدّي قال: أتيت كربلاء تاجرًا فعمل لنا شيخ من طيّ طعامًا فتعشينا عنده فذكرنا قتل الحسين فقلت: ما شارك أحد في قتله إلا مات ميتة سوء، فقال: ما أكذبكم أنا ممن شارك في قتله، فلم نبرح حتى دنا من السراج وهو يتقد بنفظ فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه فأخذت النار فيها فهب يطفئها بريقه فعلقت النار في لحيته فعدا فألقى بنفسه في الماء فرأيته كأنه حُممة.

رحم الله سيدنا الحسين ورضي عنه وجمعنا به مع رسوله الكريم في جنات النعيم