الخميس نوفمبر 21, 2024

الدرس السابع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحذر من السحر والسحرة

درس ألقاه المحدث الفقيه الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى وهو في بيان الحذر من السحر والسحرة. قال رحمه الله تعالى رحمة واسعةً:

الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمّد أشرف المرسلين.

أما بعد فإنَّ من الكبائر السحرَ وهو من السبع الموبقات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، وهو مزاولة أفعال وأقوال خبيثة،، وهو أنواع منه ما يجرُّ إلى عمل كفريّ ومنه ما يجرّ إلى كفر قوليّ فالأول كالسجود للشمس أو السجود لإبليس ومنه ما يجرُّ إلى تعظيم الشيطان بغير ذلك، فما يجرُّ إلى الكفر ولا يحصل إلا بالكفر فهو كفر وما لا يُحوِجُ إلى الكفر فهو كبيرة. وقد أطلق بعض العلماء تحريم تعلّمِهِ، وفصَّل بعضٌ في ذلك، فقال بعضٌ إن كان تعلّمُهُ وتعليمه لا يُحوِجُ إلى الكفر ولا إلى تعاطي مُحرَّم جاز ذلك بشرط أنْ لا يكون القصدُ تطبيقَهُ بالعمل وإلا فتحريمه متفق عليه ولو كان للمحبة أي حتى يحب هذا هذه أو هذه هذا، أو للتبغيض حتى يكره هذا هذه أو هذه هذا فهو حرام ومَن استحلَّ عمله فقد كفرَ.

وأما قول بعض الناس إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعلموا السحر ولا تعملوا به فهذا كذب على رسول الله.

وكذلك السحر لإمراض الشخص حتى يُجَنَّ أو نحوِ ذلك حرامٌ أيضًا والذي ينفي وجود السحر فقد كذَّب القرءان، قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَمَا كفرَ سُلَيمانُ ولكنَّ الشيطانَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ الناسَ السِّحرَ وما أُنزِلَ على الـمَلَكَينِ هارُوتَ ومارُوتَ وما يُعَلِّمانِ مِنْ أحدٍ حتى يقُولا إنَّما نحنُ فِتنةٌ فلا تَكْفُرْ فيَتَعلَّمُونَ منهُما ما يُفَرِّقُونَ بهِ بينَ المرءِ وزوجِهِ وما هُم بضارِّينَ بهِ مِنْ أحدٍ إلا بإذنِ اللهِ﴾([i]).

ويُعلَمُ من هذه الآية أنَّ هاروت وماروت ملكَان أمرهما اللهُ أن ينزلا إلى الأرض ويعلّما الناسَ السحرَ لا ليعملوا به بل ليعرفوا حقيقته، كانا يعلّمان الناسَ السحر مع التحذير، يقولان للناس: ﴿نحنُ فِتْنَةٌ﴾ أي محنة وابتلاء من الله واختبار نعلّمكم ونقول لا تكفروا أي لا تعتبروا السحر حلالاً إنما تتعلمون فقط لتفرقوا بين السحر والمعجزة. ثم الناس الذين تعلَّموا منهما بعضُهُم ما عَمِلَ بهذا السحر الذي تعلموه وبعض الناس عملوا به وعَصَوا ربهم.

وكانَ من السحر غيرُ هذا الذي علَّمه هاروت وماروت للبشر. الشياطينُ أي كفار الجن كانت تعمل السحر وتعلمه للناس لكن الشياطين كانت تُعلّمُ بطريقة الكفر. بعض أنواع السحر الذي كانت الشياطين تُعلِّمُهُ البشرَ كانت فيه كفرٌ كعبادة الشمس، ومنه ما فيه عبادة إبليس بالسجود له، ومنه ما كان فيه غير ذلك من أنواع الكفر حتى إنَّ منه ما تشترط الشياطين على مَنْ تُعلّمُهُ لِتُساعِدَه أن يبول الشخص على المصحف لأن الكفر إذا حصل من ابنِ ءادَمَ فهذا عندهم أعظم شَيءٍ يشتهون هذا اشتهاءً.

ثم مما يحتالون به لترويج عمل السحر أنهم يخالطون بعض الآيات القرءانية بالسحر، يضعون كلامًا خبيثًا في الورقة ثم يكتبون قُربَهُ بعضَ الآيات فيظن الجاهلون من البشر أنَّ القرءان له دخل في السحر فالشياطين بذلك تُضِلُّ الناسَ فتُدخِلُ بعض الآيات القرءانية في السحر لترويجه فمن رأى شيئًا مكتوبًا من السحر وإلى جانبه ءاياتٌ قرءانيةٌ فلْيَعلمْ أنَّ القرءانَ لا دَخَلَ له إنما الشياطينُ أدخلتْ هذا لتُضِلَّ الناس بأن يظنوا أنَّ القرءان فيه سحر، والقرءان ضدُّ السحر بل بالقرءان يُفَكُّ السحرُ.

سيدُنا سليمانُ عليه السلام كان الكفَّارُ يقولون عنه إنه مَلِكٌ من الملوك وإنه كان يعمل بالسحر وكذبوا، السحر ليس من عمل الأنبياء والأولياء إنما الشياطين كانوا مغتاظين من سيدنا سليمان عليه السلام لأنَّ الله أعطاهُ سرًّا ويعملون له أعمالاً شاقةً فمَن خالفه منهم يُنزل الله تعالى به عذابًا في الدنيا ولذلك كانوا مقهورين له فلما مات كتبوا السحر ودفنوه تحت كُرسيّه ثم قالوا للناس بعد أن ظهرَ عددٌ منهم للناس سليمانُ كان يحكمكم بالسحر احفروا تحت كُرسيِّهِ فحفروا فوجدوا هذا الكتابَ فصدَّقَ قسم منهم أنّ هذا الكتاب لسليمان وضع فيه السحر فكفروا لأن السحر ليس من عمل الأنبياء ولا الأولياء.

والحذرَ الحذرَ من الذين يقولون لهم فلان روحانيٌّ أو معه جنٌّ رحمانيٌّ احذروهم وحذِّرُوا الناس منهم، أغلب هؤلاء ولا نقول كلُّهم ضالون مفسدون يوقعون الناس في الضلال والكفر لأن الإنسان إذا اعتقد السحر حلالاً وأنه شيء حسَنٌ يكفر لأنَّ السحر أمر محرَّم من المحرمات الكبائر واستحلاله كفر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسَ مِنَّا مَنْ تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ لهُ أو سَحَرَ أو سُحِرَ لهُ([ii]) اهـ.

السحر هو مزاولة أعمال وأقوال خبيثة ومنه ما يكون بالاستعانة بالشياطين ومنه ما يكون بغير ذلك، ولا يجوز مقابلة السحر بالسحر كما يفعل بعض الجهال.

من أعمال السحرة وأقوالهم الخبيثة أنهم يستنجدون بالشياطين ويتكلَّمون بكلامٍ قبيحٍ فيه تعظيم للشيطان ليعينهم على إيذاء الشخص، من الأفعال الخبيثة التي يزاولونها أنهم أحيانًا يأخذون دم الحيض لِيَسقُوهُ الشخص الذي يريدون ضرره وأحيانًا يستعينون بالشياطين، وأحيانًا يستنجدون بالكواكب، على زعمهم الكواكب لها أرواح تساعدهم وكذلك الشمس، ثم هم أحيانًا يختارون وقتًا مُعيَّنًا لعمل السحر لأنَّ هذه الأوقات جعل الله سبحانه وتعالى لها خصائص لعمل الخير وعمل الشر.

ومِن أنواع السحر سحرُ التسليطِ، يُسَلَّطُ على الشخص جِنيٌّ يُمْرِضُهُ وأحيانًا هذا الجنيُّ يقتله.

ومما ينفع للتحصين من السحر أن يداوم الشخص كلَّ صباحٍ ومساءٍ على قراءة المعوذات قل أعوذ بربّ الناس وقل أعوذ بربّ الفلق وسورة الإخلاص ثلاثًا ثلاثًا.

وحضورُ مجالس السحرة أثناء عملهم ولو من غير أجرةٍ حرام أيضًا.

وليُعلَم أنَّ ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت من أن الزُّهرةَ كانت امرأةً فراوداها عن نفسها فأبَتْ إلا أن يُعَلّماها الاسم الأعظم فعلَّماها فرُفِعَتْ كوكبًا إلى السماء فهو كذب ولعله من وضع الإسرائيليين، وأما قول بعض المفسرين من أهل السنة إنَّ هاروت وماروت مستثنيان من عصمة الملائكة وإنهما شربا الخمر ثم وقعا على المرأة التي فُتِنا بها فهذا القول غلطٌ لا صحةَ له.

وكذلك ما رُويَ أنهما رأيا امرأةً فرُكِّبتْ فيهما الشهوة فأرادا الوقوع بها فقالت حتى تشركا فرفضا فقالت اشربا الخمر فشربا فسَكِرا وقَتَلا الصبيَّ فهذا كذب، هذا خرافة. وءاخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.

انتهى والله تعالى أعلم.

[i])) سورة البقرة/الآية 102

[ii])) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد باب في السحر والكهانة.