الخميس نوفمبر 21, 2024

(40) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ لا يَصْلُحُ لا فِى الْجِدِّ وَلا فِى الْهَزْلِ». وَلْيُعْلَمْ أَنَّ البَيْتَ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِى يَكُونُ فِى أَطْرَافِهَا وَإِنْ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَوْ مِقْدَارَ ذِرَاعَيْنِ مَثَلًا خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَالْجَنَّةُ مِسَاحَةٌ وَاسِعَةٌ جِدًّا بِحَيْثُ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَقَلُّهُمْ مَنْزِلَةً لَهُ مِثلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا لا يَمُوتُونَ أَبَدًا وَلا بُدَّ أَنْ يَصِلُوا إِلَى كُلِّ جُزْءٍ وَيَنْتَفِعُوا بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ هَذِهِ الْمِسَاحَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» فَهَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِى يَكُونُ أَعْلَى أَجْزَاءِ الْجَنَّةِ وَقَدْ ضَمِنَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى النَّاسِ يَبْذُلُ مَعْرُوفَهُ أَىْ يَعْمَلُ مَعْرُوفًا مَعَ النَّاسِ أَىِ الَّذِينَ يَعرِفُونَ لَهُ مَعرُوفَهُ وَالَّذِينَ لا يَعرِفُونَ وَلا يَجْعَلُ مَعْرُوفَهُ خَاصًّا بِالَّذِينَ يُعَامِلُونَهُ بِالْمِثْلِ وَالْمَعْرُوفُ هُوَ أَنْ يَعْمَلَ خَيْرًا مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ بِمَا يَستَطِيعُ مِنْ إِعْطاءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ مُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ وَإِدْخَالِ السُّرورِ عَلَى النَّاسِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَهَذَا الأَمْرُ يَكُونُ أَوْكَدَ بِالنِّسْبَةِ لِلأَرْحَامِ فَالَّذِى يَصِلُ رَحِمَهُ الَّتِى تَصِلُهُ وَرَحِمَهُ الَّتِى تَقْطَعُهُ فَهَذَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ. وَالأَمْرُ الثَّانِى أَنْ يَتَحَمَّلَ أَذَى النَّاسِ أَىْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَى النَّاسِ. وَالأَمْرُ الثَّالِثُ هُوَ كَفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ أَىْ لا يُؤْذِيهِمْ لا يَلْتَزِمُ أَنْ يُؤْذِىَ مَنْ يُؤْذِيهِ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَا أُؤْذِى مَنْ يُؤْذِينِى يَعْتَبِرُونَ هَذَا قُوَّةً وَشَجَاعَةً وَهَذَا جَهْلٌ. يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ إِخْوَتُهُ الَّذِينَ ءَاذَوْهُ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ ثُمَّ أَحَدُهُمْ خَالَفَ فَقَالَ لا نَقْتُلُهُ بَلْ نَرْمِيهِ فِى جُبٍّ فَرَمَوْهُ فِيهِ فَلَمْ يَمُتْ، اللَّهُ تَعَالَى سَلَّمَهُ ثُمَّ بَعْدَ ثَمَانِينَ عَامًا اجْتَمَعَ بِإِخْوَتِهِ وَبِأَبَوَيْهِ اللَّهُ جَمَعَ الْجَمِيعَ فَسَيِّدُنَا يُوسُفُ مَا ءَاذَاهُمْ مَا قَالَ هَؤُلاءِ تَآمَرُوا عَلَىَّ لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْهُمْ بَلْ قَالَ لَهُمْ سَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى ﴿قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [سُورَةَ يُوسُفَ] وَذَلِكَ بَعدَ أَنْ عَرَّفَهُم بِأَنَّهُ هُوَ أَخُوهُمْ يُوسُفُ الَّذِى فَعَلُوا بِهِ تِلْكَ الأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ. فَقَوْلُ يُوسُفَ لِإِخْوَتِهِ ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ مَعْنَاهُ بَعْدَ هَذَا أَنْتُمْ حَسِّنُوا عَمَلَكُمْ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِى فَعَلْتُمُوهَا لِأَنَّهُمْ ظَلَمُوا يُوسُفَ حَسَدًا وَءَاذَوْا أَبَاهُمْ نَبِىَّ اللَّهِ يَعْقُوبَ وَيُقَالُ لَهُ إِسْرَائِيلُ، مَعَ كُلِّ ذَلِكَ وَمَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ كَانَ فِى ذَلِكَ الْوَقْتِ مَلِكًا عَلَى مِصْرَ وَكَانَ فِى مَقْدِرَتِهِ أَنْ يُحَرِّقَهُمْ بِالنَّارِ لَكِنَّهُ مَا فَعَلَ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ بَلْ أَحْسَنَ إِلَيْهِم وَأَكْرَمَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ. هَكَذَا حَالُ كُلِّ الأَنْبِياءِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ إِلَى كُلِّ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجْعَلُونَ الِانْتِقَامَ مِنَ النَّاسِ عَادَةً لَهُمْ وَإِنَّمَا الأَنْبِيَاءُ يَنْتَقِمُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ الدِّينِ. فَعَلَيْكُمْ بِالعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَفُوزُونَ بِخَيْرٍ عَظِيمٍ.