الخميس نوفمبر 21, 2024

(32) رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ الْفَجْرِ قَالَ «مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ» وَفِى لَفْظٍ «مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا» فقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ »كُتِبْتُ نَبِيًّا وَءَادَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ« حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْمَعنَى أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُرَكَّبَ فِى سَيِّدِنَا ءَادَمَ الرُّوحُ أَىْ قَبْلَ أَنْ تَتِمَّ خِلْقَتُهُ أَىْ قَبلَ أَنْ يَتِمَّ تَكوِينُ هَيْكَلِهِ كَانَ سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ نَبِيًّا أَىْ كَانَ مُشْتَهِرًا بَيْنَ الْمَلائِكَةِ بِوَصْفِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ. الْمَلائِكَةُ كَانُوا يَعرِفُونَ أَنَّهُ سَيَأْتِى نَبِىٌّ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ بِاعتِبَارِ هَذَا الوَصْفِ كَانَ الرَّسُولُ نَبِيًّا »وَءَادَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ« لا بِمَعْنَى أَنَّ سَيِدَنَا مُحَمَّدًا كَانَ مَخْلُوقًا فِى ذَلِكَ الْوَقْتِ. أَمَّا رُوحُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُلِقَ قَبْلَ رُوحِ ءَادَمَ أَمَّا هَيْكَلُهُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ جَسَدِهِ وَرُوحِهِ هَذَا بَعْدَ ءَادَمَ بَعدَ ارْتِفَاعِ الْمَسِيحِ إِلَى السَّمَاءِ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ.

   وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُنْتَحِرَ لا يَكُونُ كَافِرًا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلًا مُهَاجِرًا مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا جَزِعَ مِنْهُ لَم يَصْبِرْ فَقَطَعَ بَرَاجِمَهُ بِحَدِيدَةٍ فَصَارَ الدَّمُ يَشْخَبُ أَىْ يَسِيلُ فَمَاتَ ثُمَّ رَءَاهُ رَفِيقُهُ الَّذِى هَاجَرَ مَعَهُ فِى الْمَنَامِ بِهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ وَرَءَاهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهَ مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ قَالَ غَفَرَ لِى بِهِجْرَتِى إِلَى نَبِيِّهِ قَالَ لَهُ فَمَا لِيَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِى إِنَّا لا نُصْلِحُ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. ثُمَّ هَذَا الرَّجُلُ قَصَّ عَلَى النَّبِىِّ الرُّؤْيَا فَقَالَ الرَّسُولُ »اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ«. الدَّلِيلُ هُنَا الرَّسُولُ صَدَّقَهُ وَأَقَرَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا وَفِيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ، لَمَّا قَالَ »اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ« عَرَفْنَا أَنَّهُ غُفِرَتْ لَهُ تِلكَ الْجَرِيمَةُ. الْبَرَاجِمُ مَفَاصِلُ الأَصَابِعِ وَهِىَ رُؤُوسُ السُّلامِيَّاتِ مِنْ ظَهْرِ الْكَفِّ إِذَا قَبَضَ الشَّخْصُ كَفَّهُ نَشَزَتْ وَارْتَفَعَتْ وَالسُّلامِيَّاتُ عِظامٌ صِغَارٌ طُولُ إِصْبَعٍ أَوْ أَقَلَّ فِى اليَدِ وَالرِّجْلِ.

   وَمِنَ  الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا لا يَكُونُ كَافِرًا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قِصَّةُ الإِسْرَائِيلِىِّ الَّذِى كَانَ قَبْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ. سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَ أَصحَابَهُ بِالْوَحِىِ الَّذِى أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيهِ أَنَّ هَذَا الإِسْرَائِيلِىَّ كَانَ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ ظُلْمًا ثُمَّ أَرَادَ التَّوْبَةَ قَالَ لَهُ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ ذَلِكَ الْعَصْرِ لَمَّا سَأَلَهُ »هَلْ لِى مِنْ تَوْبَةٍ» قَالَ لَهُ »وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ اذْهَبْ إِلَى أَرْضِ كَذَا فَإِنَّ بِهَا قَوْمًا صَالِحِيْنَ» فَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ قَتْلِ تِلْكَ الأَنْفُسِ الْمِائَةِ وَهُوَ كَانَ لا يَعْرِفُ أَقْرِبَاءَ الْمَقْتُولِينَ. فَفِى هَذِهِ الْحَالِ يَكفِيهِ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لا يَعُودَ. وَتَوَجَّهَ إِلَى تِلْكَ الأَرضِ فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِى مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ وَمَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ هَؤُلاءِ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْخُذُوهُ وَهَؤُلاءِ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَاخْتَصَمُوا فَأَرْسَلَ اللَّهُ مَلَكًا بِصِفَةِ رجُلٍ مِنْ بَنِى ءَادَمَ فَحَكَمَ بَيْنَهُم قَالَ لَهُمْ »قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا وَجَدْتُمُوهُ أَقْرَبَ فَهُوَ لَهَا» فَقَاسُوا فَوَجَدُوا هَذَا الشَّخْصَ أَقْرَبَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِى هُوَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا بِشِبْرٍ قَالَ الرَّسُولُ »فَغُفِرَ لَهُ« فَأَخَذَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ.