السبت أبريل 5, 2025

تنبيه: السحر لا يؤثر في عقل وقلب واعتقاد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، أما أن يؤثر في أجسادهم فيمكن، ولذلك فإن العلماء استنكروا ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الطب[(184)]: «حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشىء وَمَا فَعَلَهُ» .

وذُكِرَ في كتاب «الجزية»[(185)]، بإشراف محمد بنيس، وفي كتاب «بدء الخلق»[(186)] في باب «صفة إبليس وجنوده».

وفي صحيح مسلم في كتاب السلام[(187)].

قال الإمام أبو سليمان الخطَّابي (388هـ) في كتابه «أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري»[(188)]: ودفع آخرون من أهل الكلام هذا الحديث، وقالوا: لو جاز أن يَعملَ في نبي الله السحر، أو يكونَ له تأثير فيه، لم يؤمَن أن يؤثِّرَ ذلك فيما يوحى إليه من أمور الدين والشريعة، ويكون في ذلك ضلال الأمة، والجواب أن السحر ثابت، وحقيقته موجودة، اتفق أكثر الأمم من العرب والفرس والهند وبعض الروم على إثباته» اهـ. ونقله عنه المفسر الحسين بن مسعود البغوي في كتابه «شرح السنة»[(189)]. وكذا قال الحافظ ابن الجوزي في كتاب «كشف المشكل لابن الجوزي على صحيح البخاري»[(190)].

وقال القاضي عياض اليحصبي المالكي (544هـ) في كتابه «إكمال المعلم بفوائد مسلم» في شرحه على صحيح مسلم[(191)]: قال المازري: أهل السنة وجمهور العلماء من الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقائق غيره من الأشياء الثابتة، خلافًا لمن أنكره ونفى حقيقته» وقال بعد كلام ص79: فقد استبان من معاني هذه الروايات أن السحر إنما يسلط على جسده وجوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده» اهـ.

وكذا قاله الحافظ النووي الشافعي [(192)] (676هـ) في شرحه على صحيح مسلم.

وكذا قال محمد بن خليفة الوَشتاني الأُبيّ (827 أو 828هـ) في شرحه على صحيح مسلم المسمى «إكمالُ إكمالِ المُعَلِّم»[(193)].

ونقله التَّاوُدي (1209هـ) عن القاضي عياض في «حاشية التَّاوُدي ابن سودة على صحيح البخاري»[(194)].

وقال القاضي عياض المالكي في «الشفا»[(195)]: واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان وكفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى ولا على خاطره بالوساوس». وقال[(196)]: «قال أئمتنا في هذا الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الأمراض وما يكون من عوارضها من شدة وجع غشى ونحوه مما يطرأ على جسمه معصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته ويؤدى إلى فساد في شريعته من هذيان أو اختلال في الكلام». وقال[(197)]: «وكذلك أقول إنه في هذه الأحوال كلها من وصب ومرض وسحر وغضب لم يجر على باطنه ما يخل به ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به كما يعترى غيره من البشر» اهـ.

وقال الحافظ المجتهد المجدد الهرري: «والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم سُحِرَ ولم يؤثِّر السحرُ في عقله بالمرة، فما قيل من أنه صلى الله عليه وسلم كان يُخَيَّلُ إليه أنه كان يأتي النساء وما يأتيهنَّ أو يفعل الشىء وما يفعله، فهذا غير صحيح ولا يليق بعصمة النبي».

فهذه النقول عن أهل العلم تكشف أن متن هذه الرواية مما اعترض عليه العلماء، لأن إثبات الرواية يؤدي إلى الطعن في الشريعة عبر نسبة تأثير السحر في عقل وقلب واعتقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليتنبّه.

ـ[184]   كتاب الطب: باب السحر (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ ص1071 رقم الحديث 5763).

ـ[185]   كتاب الجزية: باب: «هل يُعفى عن الذّمّي إذا سَحَرَ» (ص293 المجلد الثاني، طبعة دار المعرفة الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م).

ـ[186]   بدء الخلق (ص314 – 315، المصدر السابق).

ـ[187]   كتاب السلام: باب السحر ص864 رقم الحديث 2189 (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ).

ـ[188]   أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى، المسمى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1409هـ الجزء الثاني ص1500).

ـ[189]   شرح السنة (طبعة المكتب المسمى الإسلامي – دمشق – بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ، الجزء الثاني عشر ص187).

ـ[190]   للزركشي (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1424هـ الجزء السابع ص205).

ـ[191]   إكمال المعلم بفوائد مسلم (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1427هـ، الجزء السابع ص78).

ـ[192]   دار الكتاب العربي طبعة 1407هـ، (13/ص174 – 175).

ـ[193]   إكمالُ إكمالِ المعلم (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415هـ، الجزء السابع ص365).

ـ[194]   حاشية التَّاوُدي ابن سودة على صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1428هـ، الجزء الخامس ص423).

ـ[195]   الشفا (دار الكتب العلمية، الجزء الثاني ص117).

ـ[196]   الشفا (ص/192).

ـ[197]   الشفا (ص/180).