الخميس يناير 2, 2025

روى البخاري في صحيحه في كتاب الرقاق، باب الصراط جسرُ جَهَنَّم[(205)]: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَل نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ فَقَالَ هَل تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَل تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَليَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الأمة فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ» . وأيضًا في كتاب التوحيد[(206)]، باب قول الله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *} .

قال الحافظ البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات» [(207)]: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ في القمر ليلة البدر لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَتْبَعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ…» ثم قال[(208)]: «فَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ دُونَ ذِكْرِ الصُّورَةِ، ثم أخرجه من حديث معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، وَفِيهِ ذِكْرُ الصُّورَةِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ وَفِيهِ ذِكْرُ الصُّورَةِ» اهـ.

وقال المحدِّث محمد زاهد الكوثري في تعليقه على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي[(209)]: اضطربت الروايات في ذكر الصورة والإتيان كما يظهر من استعراض طرق هذا الحديث ومتونه في الصحيحين وجامع الترمذي، وتوحيد ابن خزيمة وسنن الدارمي وغيرها» اهـ.

ونقل الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء» [(210)] إنكار الإمام مالك (93هـ) للفظ الصورة: «أبو أحمد بن عَدي: حدثنا أحمد ابن علي المدائني، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر، قال: قال ابن القاسم: سألت مالكًا عمَّن حدَّث بالحديث، الذين قالوا: (إن الله خلق آدم على صورته)، والحديث الذي جاء: (إن الله يكشف عن ساقه)، وأنه (يُدخل يده في جهنم حتى يُخرج من أراد). فأنكر مالك ذلك إنكارًا شديدًا، ونهى أن يُحدِّثَ بها أحد» اهـ. لا شك أن مالكًا أوسع اطلاعًا ممَّن أثبت هذا اللفظ من غير تحقيق، ومع ذلك مالك يُنكره. فقد استنكر العلماء ما ورد في لفظ الحديث ، ولذلك فقد قال الحافظ ابن الجوزي[(211)] في كتابه كشف المشكل من حديث الصحيحين: «وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة (فيأتيهم في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك، فيأتيهم في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم فيقولون أنت ربنا) وهذا شىء قد تخبط فيه جماعة؛ فالمتقدمون من السلف قرأوه وعبروا ولم ينطقوا بشىء مع علمهم واعتقادهم أن الصورة التي هي تخاطيط لا تجوز على الله عز وجل ولا التغير، وهذان أصلان لا بد من اعتقادهما، التخاطيط لا تكون إلا في الأجسام، والتغير لا يصلح أن يطرأ على الإله، فإن الخليل عليه السلام عاب النجم بالأفول فقال {…لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ *} [سورة الأنعام] ، لأنه علم أن ما يطرقه التغير لا يصلح أن يكون معبودًا فإذا وقع اعتقاد هذين الأصلين ثم سكت الساكت عن تفسير هذه الكلمات فقد سلك مذهب القدماء،…، إلى أن قال: وأما الصورة فتتأول على وجهين أحدهما أنها بمعنى الصفة كقول القائل صورة هذا الأمر كذا والثاني أن المذكورات من المعبودات في أول الحديث صور فخرج الكلام على نوع المطابقة، قال: وقوله (في أدنى صورة رأوه فيها) دليل على أن المراد بالصورة الصفة لأنهم ما رأوه قبلها فعلمت أن المراد الصفة التي عرفوه بها، وقال غيره من العلماء يأتيهم بأهوال القيامة وصور الملائكة وما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا – أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق أي عن شدة كأنه يرفع تلك الشدائد فيسجدون شكرًا،…، ثم ساق بإسناده إلى أبي بردة قال حدثني أبي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا لم نره قال وتعرفونه إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقال لهم وكيف تعرفونه ولم تروه قالوا إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تبارك وتعالى فيخرون له سجدا ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قول الله عزّ وجلّ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ *} [سورة القلم] ،…، إلى أن يقول :وكان ابن عقيل يقول الصورة على الحقيقة تقع على التخاطيط والأشكال وذلك من صفات الأجسام والذي صرفنا عن كونه جسمًا من الأدلة النطقية قوله {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [سورة الشورى] ، ومن أدلة العقول أنه لو كان جسمًا لكانت صورته عرضًا ولو كان جسمًا حاملاً للأعراض لجاز عليه ما يجوز على الأجسام واحتاج إلى ما احتاجت إليه من الصانع، ولو جاز قدمه مع كونه جسمًا لما امتنع قدم أحدنا فليس لله سبحانه عندها ولا القوم الذي أنكروا في القيامة صورة من صور الذوات ينكرونها،…، ثم قال: ولو حمل – ونعوذ بالله – على ما قالت المجسمة من صورة ترجع إلى ذاته لكان ذلك تجويزًا لتغيير صفاته وخروجه من صورة فإن كانت حقيقة فهو استحالة، وإن كانت تخيلاً فليس ذاك هو، وإنما يريهم غيره، فما أشنع مقالة من يصدر قوله عن الجهالة ويتعلق بالظواهر كما تعلقت النصارى في المسيح وقالوا هو روحه حقيقية» اهـ. والله من أسمائه المصوّر فلا يكون صورة، وإلا كان مقدّرًا ذا هيئة وتأليف وهذه صفة المخلوق، قال القرطبي: ولا يستبعد إطلاق الصورة بمعنى الصفة، فمن المتداول أن يقال صورة هذا الأمر كذا أي صفته، وقيل الكلام خرج مخرج المشاكلة للفظ الصورة والله أعلم» اهـ.

وقال الإمام أبو سليمان الخطابيّ: «إن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة لأن الصورة تقتضي الكيفية والكيفية عن الله وعن صفاته منفية» نقله عنه الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات، وما نقلناه هنا من كلام الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعرّض له الحافظ النووي في شرحه على صحيح مسلم والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهما فراجعه هناك، لكن يجدر أن ننقل من كلام النووي وابن حجر هنا هذه الملاحظة وهي: «قوله صلى الله عليه وسلم (فيأتيهم) أن الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه، لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالإتيان، فعبّر بالإتيان والمجيء هنا عن الرؤية مجازًا،…، وقيل المراد بـ (يأتيهم الله) أي يأتيهم بعض ملائكة الله» اهـ وهذا على غرار الحديث : (مرضت) وحقيقته مرض عبدي».

وهاك نص الحافظ النووي في شرحه على صحيح مسلم[(212)] حيث قال: «وقوله صلى الله عليه وسلم : (وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها) قال العلماء: إنّما بقوا في زمرة المؤمنين، لأنّهم كانوا في الدّنيا متستّرين بهم فيتستّرون بهم أيضًا في الآخرة وسلكوا مسلكهم ودخلوا في جملتهم وتبعوهم ومشوا في نورهم، حتّى ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب، وذهب عنهم نور المؤمنين، قال بعض العلماء: هؤلاء هم المطرودون عن الحوض الّذين يقال لهم: سحقًا سحقًا. واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم : (فيأتيهم اللّه في صورة غير صورته الّتي يعرفون فيقول: أنا ربّكم فيقولون: نعوذ باللّه منك هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه فيأتيهم اللّه في صورته الّتي يعرفون فيقول: أنا ربّكم فيقولون أنت ربّنا فيتّبعونه)

اعلم أنّ لأهل العلم في أحاديث الصّفات وآيات الصّفات قولين:

أحدهما: وهو مذهب معظم السّلف أو كلّهم أنّه لا يتكلّم في معناها، بل يقولون: يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنًى يليق بجلال اللّه تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أنّ اللّه تعالى ليس كمثله شىء وأنّه منزّه عن التّجسّم والانتقال والتّحيّز في جهة وعن سائر صفات المخلوق، وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلّمين، واختاره جماعة من محقّقيهم وهو أسلم.

والقول الثّاني: وهو مذهب معظم المتكلّمين أنّها تتأوّل على ما يليق بها على حسب مواقعها، وإنّما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفًا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع، ذا رياضة في العلم، فعلى هذا المذهب يقال في قوله صلى الله عليه وسلم : (فيأتيهم اللّه) أنّ الإتيان عبارة عن رؤيتهم إيّاه؛ لأنّ العادة أنّ من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلاّ بالإتيان، فعبّر بالإتيان والمجيء هنا عن الرّؤية مجازًا، وقيل: الإتيان فعل من أفعال اللّه تعالى سمّاه إتيانًا، وقيل: المراد (يأتيهم اللّه) أي: يأتيهم بعض ملائكة اللّه، قال القاضي عياض رحمه اللّه: هذا الوجه أشبه عندي بالحديث، قال: ويكون هذا الملك الّذي جاءهم في الصّورة الّتي أنكروها من سمات الحدث الظّاهرة على الملك والمخلوق، قال: أو يكون معناه: يأتيهم اللّه في صورة، أي: يأتيهم بصورةٍ ويظهر لهم من صور ملائكته ومخلوقاته الّتي لا تشبه صفات الإله ليختبرهم، وهذا آخر امتحان المؤمنين، فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصّورة: (أنا ربّكم) رأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنّه ليس ربّهم، ويستعيذون باللّه منه.

وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم : (فيأتيهم اللّه في صورته الّتي يعرفون) فالمراد بالصّورة هنا الصّفة، ومعناه: فيتجلّى اللّه سبحانه وتعالى لهم على الصّفة الّتي يعلمونها ويعرفونه بها، وإنّما عرفوه بصفته وإن لم تكن تقدّمت لهم رؤية له سبحانه وتعالى لأنّهم يرونه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، وقد علموا أنّه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، فيعلمون أنّه ربّهم فيقولون: أنت ربّنا، وإنّما عبّر بالصّورة عن الصّفة لمشابهتها إيّاها ولمجانسة الكلام فإنّه تقدّم ذكر الصّورة.

وأمّا قولهم: (نعوذ باللّه منك) فقال الخطّابيّ: يحتمل أن تكون هذه الاستعاذة من المنافقين خاصّة، وأنكر القاضي عياض هذا وقال: لا يصحّ أن تكون من قول المنافقين ولا يستقيم الكلام به، وهذا الّذي قاله القاضي هو الصّواب، ولفظ الحديث مصرّح به أو ظاهر فيه وإنّما استعاذوا منه لما قدّمناه من كونهم رأوا سمات المخلوق. وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم : (فيتّبعونه) فمعناه يتّبعون أمره إيّاهم بذهابهم إلى الجنّة أو يتّبعون ملائكته الّذين يذهبون بهم إلى الجنّة. واللّه أعلم» اهـ.

قال الكوثري في تعليق له على كتاب الأسماء والصفات للحافظ البيهقي ما نصه[(213)]: «اضطربت الروايات في ذكر الصورة والإتيان كما يظهر من استعراض طرق هذا الحديث ومتونه في الصحيحين وجامع الترمذي…. ابن خزيمة وسنن الدارمي وغيرها ولم يسبق أن عرفوه على صورة فعلم أنه قد فعلت الرواية بالمعنى في الحديث ما فعلت، على أن المنافقين محجوبون عن ربهم يوم القيامة، فيكون هذا الحديث مخالفًا لنص القرءان إلا عند من يؤوله تأويلاً بعيدًا، فالقول الفصل هنا هو الإعراض عن ألفاظ انفرد بها هذا الراوي أو ذاك الراوي باختلافهم فيها والأخذ بالقدر المشترك من المعنى الذي اتفقوا عليه فلعلك لا تجد في ذلك ما يوقعك في ريبة أو شبهة…. ويقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: «إن الناس في هذه الحال لا يرونه سبحانه في قول العلماء، وإنما محل الرؤية الجنة…. بإجماع العلماء….» اهـ.

ثم اعلم أن الحجاب يعود إلى المخلوق لا إلى الخالق، بمعنى أن الله حجب الخلق في الدنيا عن أن يروه بأبصارهم ولذلك رأيت في الآية {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ *} . وقال ابن بطَّال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (449هـ) في كتابه «شرح صحيح البخاري»[(214)]: وأما وصفه صلى الله عليه وسلم لله تعالى بالإتيان بقوله: (فيأتيهم الله). فليس على معنى الإتيان المعهود فيما بيننا الذي هو انتقال وحركة؛ لاستحالة وصفه بما توصف به الأجسام» اهـ.

وفي كتاب «كشف المشكل لابن الجوزي على صحيح البخاري» ومعه «التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح» للزركشي (794هـ) يقول الزركشي[(215)]: «قال مسلم في هذا الحديث: فيأتيهم في صورة غير التي يعرفون، أي: بصورة، ففي بمعنى الباء، قوله تعالى {…يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ} ، أي بظلل» اهـ.

وقال محمد بن خليفة الوَشتاني الأُبيّ (827 أو 828هـ) في شرحه على صحيح مسلم المسمى «إكمالُ إكمالِ المُعَلِّم»[(216)]: قلتُ قال في الإرشاد:… وأنت تعرف أن الإتيان حركة وانتقال، والصورة تُشعر بالتركيب، وكلٌّ على الله سبحانه محال» وقال[(217)]: وقد جهل من لم يحصل كلامه ممن تقدم فأثبت صورة لا كالصور وهذا تناقض وتجسيم» اهـ.

وقال بدر الدين العيني الحنفي (855هـ) في كتابه «عمدة القاري شرح صحيح البخاري»[(218)]: فإن قلتَ: لا بد للرؤية من المواجهة والمقابلة وخروج الشعاع من الحدقة إليه وانطباع صورة المرئي في حدقة الرائي ونحوها، مما هو محال على الله تعالى، قلتُ: هذه شروط عادية لا عقلية يمكن حصولها بدون هذه الشروط عقلاً» ثم قال[(219)]: قال ابن الجوزي: معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة» اهـ.

وكذا قال محمد بن يوسف الكرماني [(220)] (786هـ) في كتابه «شرح الكرماني على صحيح البخاري».

ـ[205]   كتاب الرقاق، باب الصراط جسرُ جَهَنَّم (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ، ص1195 رقم الحديث6573).

ـ[206]   كتاب التوحيد (ص1343 رقم الحديث 7437).

ـ[207]   الأسماء والصفات (المكتبة الأزهرية للتراث، الطبعة الأولى ص278 – 279).

ـ[208]   الأسماء والصفات (ص/281).

ـ[209]   النظر الكتاب (ص/279).

ـ[210]   سير أعلام النبلاء (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1425هـ، الجزء السادس ص329).

ـ[211]   كشف المشكل من حديث الصحيحين (دار النشر – دار الوطن – الرياض 1418هـ، الجزء الأول ص765).

ـ[212]   صحيح مسلم (1/323).

ـ[213]   الأسماء والصفات (ص/292).

ـ[214]   شرح صحيح البخاري (مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1423هـ، الجزء العاشر ص462).

ـ[215]   التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1424هـ الجزء الثامن ص61).

ـ[216]   إكمالُ إكمالِ المُعَلِّم (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415هـ، الجزء الأول ص557).

ـ[217]   إكمالُ إكمالِ المُعَلِّم (ص/559).

ـ[218]   عمدة القاري شرح صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ، الجزء الخامس والعشرون ص185).

ـ[219]   (الجزء الخامس والعشرون ص205).

ـ[220] شرح الكرماني على صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1431هـ الجزء الثاني عشر ص313).