الخميس نوفمبر 21, 2024

روى مسلم في صحيحه في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، بَاب ابتداء الخَلقِ وخلقِ آدم عليه السلام[(315)]: حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَهَارُونُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخبَرَنِي إِسمَعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَم بَعْدَ العَصْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فِي آخِرِ الخَلقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِن سَاعَاتِ الجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ العَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا البِسْطَامِيُّ وَهُوَ الحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى وَسَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ بِنْتِ حَفْصٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ حَجَّاجٍ بِهَذَا الحَدِيثِ».

قال الحافظ أبو عبد الله البخاري (256هـ) في كتابه «التاريخ الكبير»[(316)]: عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله التربة يوم السبت. وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح» اهـ.

وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (578هـ) في كتابه «المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم»[(317)]: قلتُ: وهذه الرواية ليست بشىء، لأن الأرض خُلِقَت بعد الماء كما قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ… *} [سورة هود] ، أي: قبل خلق السماوات والأرض» ثم قال: وتحقيق هذا أنه لم يُذكَر في هذا الحديث نصًّا على خَلق السماوات، مع أنه ذكر فيه أيام الأسبوع كلها، وذكر ما خلق اللهُ تعالى فيها، فلو خَلَق السماوات في يومٍ زائدٍ على أيام الأسبوع كلها لكان خَلقُ السماوات والأرض في ثمانية أيام، وذلك خلاف المنصوص عليه في القرءان، ولا صائر إليه. وقد رُوِي هذا الحديث في غير كتاب مسلم بروايات مختلفة مضطربة، وفي بعضها: أنه خلق الأرضَ يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء، والشجر والأنهار والعمران يوم الأربعاء، والسماوات والشمس والقمر والنجوم والملائكة يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة. فهذه أخبارٌ آحادٌ مضطربة فيما لا يقتضي عملاً، فلا يُعتمد على ما تضمَّنته من ترتيب المخلوقات في تلك الأيام» اهـ.

حتى إن المجسم ابن تيمية (728هـ) – مع كثرة ضلالاته – ذكر أن هذا الحديث معلول، كما في كتابه «مجموعة الفتاوى» حيث قال[(318)]: ابتدأ الله خلق السموات والأرض وما بينهما. كما دل عليه القرآن والأحاديث الصحيحة، فإن القرآن أخبر في غير موضع: أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام. وقد ثبت في الحديث الصحيح المتفق على صحته: أن آخر المخلوقات كان آدم، خلق يوم الجمعة. وإذا كان آخر الخلق كان يوم الجمعة دل على أن أوله كان يوم الأحد؛ لأنها ستة.

وأما الحديث الذي رواه مسلم في قوله: (خلق الله التربة يوم السبت) فهو حديث معلول، قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره، قال البخاري: الصحيح أنه موقوف على كعب، وقد ذكر تعليله البيهقي أيضًا. وبينوا أنه غلط ليس مما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مما أنكر الحذاق على مسلم إخراجه إياه، كما أنكروا عليه إخراج أشياء يسيرة. وقد بسط هذا في مواضع أخر، وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي في قوله تعالى: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [سورة فصلت] ، قال ابن عباس: خلق الأرض في يوم الأحد والاثنين، وبه قال عبد الله بن سلام والضحاك ومجاهد وابن جريج والسدي والأكثرون. وقال مقاتل: في يوم الثلاثاء والأربعاء.

قال: وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة: (خلق الله التربة يوم السبت) قال: وهذا الحديث مخالف لما تقدم، وهو أصح، فصحح هذا لظنه صحة الحديث، إذ رواه مسلم، ولكن هذا له نظائر روي مسلم أحاديث قد عرف أنها غلط، مثل قول أبي سفيان لما أسلم: أريد أن أزوجك أم حبيبة، ولا خلاف بين الناس أنه تزوجها قبل إسلام أبي سفيان، ولكن هذا قليل جدًا» اهـ. وقد ذكر مثل ذلك أيضًا[(319)].

وقال ابن كثير (774هـ) في تفسيره[(320)]: الحديث الذي رواه مسلم والنسائي» إلى أن قال: «وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأنَّ أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعًا، وقد حرَّر ذلك البيهقي» اهـ.

ونقله عنه الحافظ بدر الدين الزركشي (794هـ) في كتابه «اللآلىء المنثورة في الأحاديث المشهورة» المعروف بـ «التذكرة في الأحاديث المشتهرة»[(321)].

وقال الحافظ بدر الدين الزركشي (794هـ) في كتابه «النُّكَت على مقدمة ابن الصلاح»[(322)]: – قال أبو سعيد العلائي -: ولهذا انتقد العلماء على أبي الفرج في كتابه الموضوعات وتوسعه بالحكم بذلك على كثير من أحاديث ليست بهذه المثابة، ويجيء بعده من لا يد له في علم الحديث فيقلده فيما حكم به من الوضع، وفي هذا من الضرر العظيم مالا يخفى، وهذا بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله تعالى التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي ونحوهم، وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي، ولم يجىء بعدهم مساوٍ لهم ولا مقارب، فمتى وُجد في كلام أحد من المتقدمين الحكم بوضع شىء كان متعمدًا لما أعطاهم الله عز وجل من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح. انتهى.

وفيما قاله – أبو سعيد العلائي- نظر ، فقد حكم جمع من المتقدمين على أحاديث بأنه لا أصل لها ثم وُجد الأمر بخلاف ذلك» ثم قال: وجعلوا من دلائل الوضع أيضا أن يخالف نصَّ الكتاب كما قال علي بن المديني في حديث إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن أبي رافع عن أبي هريرة يرفعه (خلق الله التربة يوم السبت) الحديث. قال: لعل إسماعيل سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى، وقال البخاري: (الصواب أنه من قول كعب الأحبار). وكذا ضعفه البيهقي وغيره من الحفاظ، وقالوا: هو خلاف ظاهر القرآن من أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه من جهة ابن جريج عن إسماعيل به» اهـ.

وقد نقل محمد عبد الرؤوف المناوي (1031هـ) كلام الزركشي وابن كثير كما في كتابه «فيض القدير شرح الجامع الصغير»[(323)].

وقال المحدث أحمد بن محمد بن الصديق الغماري (1380هـ) في كتابه «فتح الملك العلي»[(324)]: وكالحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة (خلق الله التربة يوم السبت) وذكر باقي الأيام، فقد حكموا بوضعه لمخالفته نص القرآن في أن الخلق كان في ستة أيام لا في سبعة، ولإجماع أهل الأخبار على أن السبت لم يُخلَق فيه شىء، وقد بيّن علته البيهقي في الأسماء والصفات. وأشار إلى بعضها ابن كثير في سورة البقرة، وإنه مما غلط فيه بعض الرواة فرفعه، وإنما سمعه أبو هريرة من كعب الأحبار إلى غير ذلك من أحرف وقعت في الصحيحين من هذا» اهـ. 

ـ[315]   كتاب صفة القيامة والجنة والنار: بَاب: ابتداء الخَلقِ وخلقِ آدم عليه السلام (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ، ص/1074 – 1075 رقم الحديث 2789).

ـ[316]   التاريخ الكبير (دار الكتب العلمية، القسم الأول من الجزء الأول ص/413 – 414).

ـ[317]   المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم (دار ابن كثير، الجزء السابع ص343).

ـ[318]   مجموعة الفتاوى (المجلد السابع عشر/ص131 – 132).

ـ[319]   في المجلد الثامن عشر (ص/14).

ـ[320]   دار ومكتبة الهلال، الطبعة الأولى 1986م، المجلد الأول ص103).

ـ[321]   التذكرة في الأحاديث المشتهرة (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1406هـ ص/212 – 213).

ـ[322]   النُّكَت على مقدمة ابن الصلاح (دار الكتب العلمية، الطبعة= = الأولى 1425هـ ص235).

ـ[323]   فيض القدير شرح الجامع الصغير (دار الكتب العلمية 1422هـ، الجزء الثالث ص596).

ـ[324] فتح الملك العلي (الطبعة الثانية 1428هـ، ص132).