الإثنين ديسمبر 8, 2025
  • الحج فريضة عظيمة

    الخطبة الأولى:

    الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أحمده تعالى وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقرة أعيننا أحمد بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا وهاجا وقمرا منيرا، فهدى الله به الأمة وكشف به عنها الغمة وبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله.

    أما بعد عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم فاتقوه.

    قال تعالى ] ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا[ وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)).

    اعلموا يا عباد الله أن الحج فريضة عظيمة وبه من المزايا ما ليس في غيره. يقول العالم الجليل عبد الله الحداد الحضرمي الملقب بالفقيه المقدم : “إن من تكلف الحج شوقا إلى بيت الله وحرصا على إقامة الفريضة إيمانه أكمل وثوابه أعظم وأجزل لكن بشرط أن لا يضيع بسببه شيئا من الفرائض، وإلا كان ءاثما واقعا في الحرج كمن بنى قصرا وهدم مصرا”. فليس لمن لا مال له يكفيه للحج ونفقة أهله الواجبة عليه كزوجته وأطفاله الصغار أن يترك أهله بلا نفقة ويعرضهم للتلف بالجوع ونحوه ويذهب للحج.

    وقد جعل الله للحج مزية ليست للصلاة ولا للزكاة وهي أنه يكفر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم : ((من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) فمن كان حجه مبرورا يكون كذلك. أي يتجنب كبائر الذنوب في حجه ويتجنب الرفث أي الجماع وإلا فلا يجعله حجه كيوم ولدته أمه. والحج فرض بالإجماع على المستطيع وأما تركه مع الاستطاعة مع اعتقاد وجوبه وفرضيته فلا يكون كفرا.

    وأما العمرة فقد اختلف فيها فذهب بعض الأئمة كالإمام الشافعي إلى فرضيتها وذهب بعض إلى أنها سنة ليست فرضا.

    وللحج شروط وأركان وواجبات وسنن ينبغي تعلمها لمن أراد النسك نذكر منها نبذة يسيرة :

    – فأول أركان الحج النية وهو الإحرام فعلى من أراد الحج أن ينوي بقلبه قبل مجاوزة الميقات وهو، بالنسبة لمن توجه إلى مكة من المدينة المنورة ولمن مر بطريقها كمن سافر من بلاد الشام بطريق البر، ءابار علي، بعد المدينة بحوالي خمسة عشر كيلو مترا على طريق مكة. أما بالنسبة للذي يسافر من بلده بالطائرة فيحرم في بلده أو في الطائرة قبل مجاوزة الميقات.

    فيستحب له قبل الإحرام أن يغتسل ويتطيب ويتجرد عن الملبوس الذي يحرم لبسه على المحرم الذكر كالقميص والسروال ويلبس إزارا ورداء ثم يصلي ركعتين ينوي بهما سنة الإحرام.

    ثم بعد الصلاة يحرم، والإحرام معناه أن ينوي بقلبه فعل الحج أو العمرة أو كليهما على حسب مراده، والأفضل في مذهب الشافعي الإفراد أي أن يأتي بالحج أولا ثم يأتي بالعمرة. فمن أراد الحج يقول نويت الحج وأحرمت به لله تعالى. ثم يستحب بعد ذلك أن يلبي فيقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. والرجال يجهرون بها، أما النساء فلا يجهرن بها فإذا وصل إلى بيت الله الحرام توجه إلى الكعبة المشرفة بخشوع وتدبر لجلالة البقعة التي هو فيها فهو في خير بقاع الأرض ويتلطف بمن يزاحمه ويحترز من إيذاء الناس فإذا وقع بصره على الكعبة رفع يديه بالدعاء فإن الدعاء عند رؤية الكعبة مستجاب ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا.

    ويطوف حول البيت تحية له طواف القدوم الذي هو سنة ليس واجبا. ويكون متوضئا ويبدأ الطواف من الحجر الأسود وقد جعل كتفه الأيسر إلى الكعبة ولسان حاله أن يا ربنا نحن كيفما درنا وتوجهنا فنحن نثبت على طاعتك في كل الطوفات السبع.

    فكما المسلمون يطوفون حول كعبة الأرض كذلك الملائكة الذين حول العرش يطوفون حول العرش الذي جعله الله كعبة للملائكة الذين حوله يصلون إليه ويطوفون حوله وحاشا أن يكون مكانا لله

    وإن استطاع يقصد الحجر الأسود فيستلمه ثم يقبله من غير صوت يظهر في القبلة اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم. والحجر الأسود لؤلؤة من الجنة نزل به سيدنا جبريل ليوضع في الكعبة لكنه اسود من تمسح المشركين به بعد وفاة نبي الله إسماعيل حتى يكون عبرة لمن يعتبر، بأن الذنوب إذا كانت تؤثر في الحجر فكيف لا تؤثر في القلوب. ويحرص في طوافه أن يكون خارج الكعبة في كل أجزائها وخارج الشاذروان وهو جزء من أساس الكعبة مرتفع عن الأرض قدر ذراع وخارج حجر إسماعيل وهو جدار محوط مدور على صورة نصف دائرة وهو خارج عن جدار البيت في صوب الشام أي شمالي الكعبة وهو كله أو بعضه من الكعبة ولكن تركته قريش حين بنت البيت وأخرجته عن بناء إبراهيم. فإذا انتهى من الطواف يسن له أن يصلي ركعتي الطواف.

    ثم إن الحجاج يتوجهون بعد ذلك إلى عرفة ليؤدوا الركن الثاني وهو الوقوف بعرفة وهو مكان معروف خارج الحرم يشترط أن يكون فيه ولو للحظة بين زوال اليوم التاسع من ذي الحجة إلى فجر العيد. وليس شرطا أن يكون هناك واقفا بل لو دخل راكبا أو نائما صح ذلك. ليكن متطهرا متباعدا عن الحرام والشبه في طعامه وشرابه ولباسه ومركوبه. وليكثر من الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الاعتقاد بالقلب، وليكثر من البكاء مع الذكر والدعاء، فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترجى الطلبات وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله المخلصون وخواصه المقربون وهو أعظم مجامع الدنيا.

    وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبدا من النار من يوم عرفة)) وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه نظر إلى بكاء الناس بعرفة فقال : “أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل واحد فسألوه دانقا (أي سدس درهم) أكان يردهم ؟ قيل : لا، قال : والله، للمغفرة عند الله عز وجل أهون من إجابة رجل لهم بدانق”.

    وينبغي أن يبقى في الموقف حتى تغرب الشمس فيجمع في وقوفه بين الليل والنهار.

    وبعد الوقوف في عرفة يفيض الحجاج من عرفة إلى مزدلفة حيث يبيتون ويجمعون الحصى التي سيرمون بها الجمار التي في منى. ورمي الجمار الثلاث أيام التشريق هو من الواجبات وليس من الأركان فلو تركها صح حجه مع الإثم وعليه ذبح. ويخرج الحجاج من مزدلفة فجر يوم العيد إلى منى لرمي جمرة العقبة (وهي الجمرة الكبرى) بسبع حصيات، ويشترط أن يرميها حصاة حصاة بيده في الحوض المخصص لها ويسن أن يكبر عند الرجم ولا يرمي الحصوات دفعة واحدة ولا يصح التوكيل بالرحم إلا للعاجز عن ذلك بنفسه ويحرص أن يرجم بعد منتصف ليلة العيد ولسان حاله أن يا إبليس لو ظهرت لنا كما ظهرت لإبراهيم لرميناك بالحصى كما رماك إبراهيم. قد روي عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال عن الحصى التي ترمى بها الجمار : “ما تقبل منها رفع وما لم يتقبل ترك ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين” وبعد رمي جمرة العقبة له أن يحلق رأسه أو يقصر لو ثلاث شعرات فيتحلل التحلل الأول فيحل له ما حرم بالإحرام من طيب ودهن وقلم ظفر وإزالة شعر ولبس محيط بخياطة وغيرها إلا عقد النكاح والجماع فإنها لا تحل إلا بعد التحلل الثاني.

    أقول هذا واستغفر الله لي ولكم.

     

    الخطبة الثانية للجمعة :

    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

    بعد رمي جمرة العقبة يذهب الحجاج لإكمال ما تبقى من الأركان وهما طواف الإفاضة والسعي بين الصفا  والمروة، إذا لم يكن سعى بعد طواف القدوم قبل الوقوف بعرفة إذا عمل طواف الإفاضة يكون تحلل التحلل الثاني فيحل به عقد النكاح والجماع والأمور الثلاثة التي يتم بها التحلل وهي رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة والحلق أو التقصير وقتها يبدأ بعد منتصف ليلة العيد وليس قبله، وبعد الطواف يكون السعي بين الصفا والمروة وهو من الأركان التي لا يصح الحج بدونها فيسعى سبع مرات مبتدئا بالصفا إلى المروة ثم من المروة إلى الصفا وهكذا سبع مرات وفي كل ذهاب أو إياب تحسب شوط ولا يشترط فيه الطهارة انما تستحب ويذكر الله ويدعوه بما شاء من الألفاظ.

    شكرا لله أن جعل مكة بلدا ءامنا بعد أن كانت هاجر تبحث عن الماء ومعها ولدها إسماعيل حتى أتى جبريل عليه السلام فضرب بجناحيه الأرض فخرج الماء فصارت هاجر تزمه ولولا أن هاجر زمزمته بيدها لكان عينا معينا أي عينا تجري بقوة.

    فيتخلص أن أركان الحج ستة الإحرام والوقوف بعرفة والطواف والسعي والحلق أو التقصير والترتيب في معظم الأركان والسعي يصح لو فعله قبل الوقوف بعرفة ولكن يشترط له طواف قبله ولو كان طواف القدوم غير طواف الإفاضة.

    فنسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لأداء الطاعات كما يحب ويرضى.

    واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : ]إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.

    عباد الله : ] إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون [

    اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.