الإثنين ديسمبر 8, 2025
  • الثبات على طاعة الله

     

    الخطبة الأولى:

     

              إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد سبحانه وتعالى كان ولا مكان كون الأكوان ودبر الزمان ليس له قبل ولا بعد ولا كل ولا بعض ولا فوق ولا تحت مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، اللهم صل وسلم عليه وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وبعد عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم فاتقوا الله تعالى فإن التقوى سبيل الفلاح.

              لقد أنعم الله تعالى علينا بنعم كثيرة لا تحصى وهذه النعم منها نعم ظاهرة ومنها نعم باطنة فمن جملة النعم الظاهرة مثلا صحة الجسد والماء البارد حتى إنه ليقال للمرء يوم القيامة ألم أصح جسمك وأروك من الماء البارد فالماء البارد هو أيضا من جملة النعم الظاهرة التي أعطيت للعباد فيجب عليهم أن يشكروا الله عز وجل وذلك بطاعته تبارك وتعالى.

    أما بعد،

    قال الله تعالى في القرءان الكريم :  }ورحمتي وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون  {سورة الأعراف ءاية 156.

    إخوة الإيـمـان إن هذه الآية الشريفة فيها بيان واضح أن رحمة الله تعالى وسعت في الدنيا كل مؤمن وكافر لأن نعيم الدنيا يناله كثير من الناس من كافرين أو مؤمنين إذ ليست الدنيا هي منتهى الأمر بل الآخرة هي منتهى الأمر حيث توفى النفوس ما كسبت قال الله تعالى: } فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره {سورة الزلزلة، فمن أطاع الله فقد فاز ومن كفر وتولى فقد خسر وأهلك نفسه فما يغني المال والمتاع وما تدفع الصروح والبروج وما تمنع الجيوش والقلاع من نزل بساحة الموت وهو مكب على ما يسخط الله ألم يؤت فرعون ملكا واسعا فطغى وبغى وتجبر وأفسد في الأرض بكفره فأخذه الله نكال الآخرة والأولى وكانت عاقبة أمره أن هلك في عرض البحر غرقا ثم لفظه البحر فكان في خبره عبرة لمن يعتبر، ألم يؤت قارون من الأموال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة لكنه بدل أن يشكر الله الذي أعطاه ورزقه طغى وكفر بنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم فخسف الله به وبداره الأرض، فانظر أخي المسلم إلى عاقبة هذين الطاغيتين وما ءال إليه أمرهما على ما كانا عليه من ملك وثروة وتفكر في قول الله تبارك وتعالى :  }ورحمتي وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون  {سورة الأعراف ءاية 156 فترى أن هذه الحياة الدنيا بما فيها من مباهج ومتاع يؤتاه كثير من البشر إنما مصيره إلى الفناء والزوال وكل منا سيوافي يوم القيامة بما قدمت يده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ذاك اليوم الذي يجزى فيه الكافرون بالعذاب المقيم ويرحم الله فيه عباده المؤمنين لقوله تبارك وتعالى : } فسأكتبها للذين يتقون  {أي أن الله تعالى جعلها خاصة بالمؤمنين في الآخرة ومعنى قوله للذين يتقون أي يتقون الشرك وسائر أنواع الكفر لأن الكفر أقسام ثلاثة وهي الكفر القولي كسب الله أو الملائكة أو الأنبياء أو سب الإسلام أو الاستهزاء بالصلاة أو الصيام أو الحج أو الزكاة ولو كان ذلك حال المزح أو الغضب فإنه لا يعذر بذلك قال الله تعالى : }ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم { سورة التوبة ءاية 65/66، وقال أيضا : } ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم  {سورة التوبة ءاية 79، والكفر الاعتقادي وهو كالذي يشبه الله بخلقه كمن ينسب لله الجهة أو المكان أو كالذي ينكر الجنة أو جهنم وكمن ينكر عذاب القبر أو يشك في صحة الإسلام وكاعتقاد أن نبيا من الأنبياء جاء بغير الإسلام قال الله تعالى: } إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا {سورة الحجرات ءاية 154، والريب معناه الشك ومحله القلب والكفر الفعلي وهو كالسجود لصنم أو شمس أو قمر أو حجر أو السجود لإنسان على وجه العبادة له وكالدوس على المصحف أو إلقاء المصحف في القاذورات قال الله تعالى: } لا تسجدوا للشمس ولا للقمر {سورة فصلت ءاية 37، وهذه الأقسام الثلاثة ذكرها العلماء في مؤلفاتهم كالنووي والشافعي في روضة الطالبين وابن عابدين الحنفي في حاشيته المسماة رد المحتار على الدر المختار والشيخ محمد عليش المالكي الأزهري في كتاب منح الجليل والشيخ أبي منصور بن يونس بن إدريس البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات وكذلك المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت الأسبق في كتابة الكفاية لذوي العناية فينبغي الحذر من ذلك لأن من مات على الكفر فقد هلك هلاكا عظيما ومصيره الخلود الأبدي في نار جهنم أما من تدارك نفسه بالدخول في الإسلام فقد نجا من الخلود الأبدي في جهنم والدخول في الإسلام  يكون بالشهادتين أو ما في معناهما ويحصل ذلك بقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

    ومن هنا إخوة الإيمان فإننا ننصح بالثبات على طاعة الله واجتناب المحرمات خاصة الكفر فهو أكبر الذنوب وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه وذلك لقوله تعالى: } إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء  {فمن ثبت على الإسلام هذا تصيبه رحمة الله في الآخرة لأن المؤمن مصيره دخول الجنة حيث النعيم الأبدي ولو كان البعض يعذبون مدة في جهنم إلا أنهم يخرجون منها كما يفهم ذلك من قوله عز وجل: } ورحمتي وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون  {.

    اخوة الإيمان

              جدير بالمرء أن يحافظ على إيمانه وإسلامه مما يبطله ويقطعه وأن يقوم مع ذلك بأداء جميع الفرائض واجتناب المحرمات رغبة في الآخرة دار القرار وأن يكون صابرا على مصائب الدنيا ونكباتها فإن من أعطي الإيمان والعمل الصالح فقد أوتي خيرا ومن حرم الإيمان فقد خسر الدنيا والآخرة ولو كان من أهل المال والثراء والملك والله تعالى يقول : }أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل  {سورة التوبة.

     

              هذا وأستغفر الله لي ولكم.

     

    الخطبة الثانية :

              إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يـهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

              أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم .

              يقول الله تعالى في كتابه العزيز : }يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم، يوم  ترونـها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات  حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد{.

              واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : } إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين  ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما{ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.

              عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون

              اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم ، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.