الإثنين ديسمبر 30, 2024
  • إِسـعَـــــادُ النُّـبَـلَاءِ بِـمَعْرِفَةِ أَحْـــــكَـامِ وَأَخْبَارِ النِّسَاءِ

     

     

    جَمَعَهُ وَأَعَدَّهُ

    حَفِيدُ الرَّسُولِ ﷺ

    خَادِمُ الآثَارِ النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَةِ

    الشَّيخُ الدكتور جَمِيل علي حَلِيم الأَشعريُّ الشَّافِعِيُّ

    رَئيسُ جَمعيةِ الـمَشَايخِ الصُّوفِيَّةِ

    غَفَرَ اللهُ لَهُ ولولديهِ ولـِمَشَايخِه

    بِسْمِ للَّهِ لرَّحْمـٰــنِ لرَّحِيمِ

    التَّوطِئَة

    الـمِيزَانُ في بَيانِ عَقِيدَةِ أَهلِ الإِيمَانِ

    الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وشرَّف وكرَّم على سيِّدنا محمَّد، الحبيبِ المحبوبِ، العظيمِ الجاهِ، العالي القدرِ طه الأمين، وإمامِ المرسلينَ وقائدِ الغرِّ المحجَّلينَ، وعلى ذُرِّيته وأهلِ بيته الميامين المكرِّمين، وعلى زوجاته أمَّهات المؤمنين البارّات التقيَّات النقيَّات الطاهرات الصفيَّات، وصحابته الطيِّبين الطَّاهرين، ومن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فهذه عقيدة كل الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا، وهي المرجع الذي تُعْرض عليه عقائدُ الناس، فمن خالفها أو كذبها لا يكونُ من المسلمينَ، وهي ميزان الحقِّ الذي يَكْشِفُ زيْفَ الباطلِ وزيغَهُ، فكان لا بُدَّ من هذا البيان المهمِّ لخصوصِ الغَرضِ وعمومِ النَّفْعِ؛ وعليه:

    اعلم أرشدَنا اللهُ وإياكَ أنهُ يجبُ على كلِّ مكلفٍ أن يعلمَ أنَّ اللهَ  واحدٌ في ملكِهِ، خلقَ العالمَ بأسرِهِ العلويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ، والسمـٰـوات والأرضَ وما فيهمَا وما بينهُمَا. جميعُ الخلائِقِ مقهورونَ بقدرتِهِ، لا تتحرَكُ ذرةٌ إلا بإذنِهِ، ليس معهُ مُدَبّرٌ في الخلقِ ولا شريكٌ في الملكِ، حي قيومٌ لا تأخذُهُ سِنَةٌ ولا نومٌ، عالـمُ الغيبِ والشهادةِ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماءِ، يعلمُ ما في البرّ والبحرِ، وما تسقطُ من ورقةٍ إلا يعلمُهَا، ولا حبةٍ في ظلماتِ الأرضِ ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ. أحاطَ بكلِ شيء علمًا وأحصَى كلّ شيءٍ عددًا، فعالٌ لما يريدُ، قادرٌ على ما يشاءُ، له الملكُ وله الغِنى، وله العِزُّ والبقاءُ، وله الحكمُ والقضاءُ، وله الأسماءُ الحسنى، لا دافعَ لما قضَى، ولا مانعَ لما أعطَى، يَفْعَلُ في ملكِهِ ما يريدُ، ويَحْكُمُ في خَلْقِهِ بما يشاءُ، لا يَرجُو ثوابًا ولا يخافُ عقابًا، ليس عليهِ حقٌ يلزَمُهُ ولا عليهِ حُكْمٌ، وكلُّ نِعْمةٍ منْهُ فَضْلٌ وكل نِقْمةٍ منه عَدْلٌ، لا يُسألُ عمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألونَ. مَوجودٌ قبلَ الخَلْقِ، ليسَ لهُ قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يمينُ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌّ ولا بعضٌ، ولا يقالُ متَى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ، كانَ ولا مكانَ، كوَّنَ الأكوانَ، ودبَّرَ الزمانَ، لا يتقَيَّدُ بالزمانِ، ولا يتخصَّصُ بالمكانِ، ولا يشغَلُهُ شأْنٌ عن شأْنٍ، ولا يلحقُهْ وهمٌ ولا يكتنِفُه عقلٌ، ولا يتخصَّصُ بالذّهنِ، ولا يتمثَّلُ في النفسِ، ولا يُتَصَورُ في الوهمِ، ولا يتكيفُ في العقلِ، لا تَلْحَقُهُ الأوهامُ والأفكارُ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [سورة الشورى: 11].

    نقولُ جازمين معتقدِين صادِقين مخلِصين، بأنّا نشهدُ أنْ لا إلـٰـه إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، الواحدُ الأحدُ، الفردُ الصّمدُ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، الذي لم يتخذْ صاحبةً وليس له والدٌ ولا والدةٌ، الأولُ القديمُ الذي لا يُشبِه مخلوقَاته بوجهٍ من الوجوه، لا شبيهَ ولا نظيرَ له، ولا وزير ولا مُشيرَ له، ولا مُعينَ ولا ءامِرَ له، ولا ضِدَّ ولا مُغالِبَ ولا مُكْرِهَ له، ولا نِدَّ ولا مِثلَ له، ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا جوارحَ ولا أَدواتَ ولا أَركَانَ له، ولا كيفيةَ ولا كميةَ صغيرةً ولا كبيرةً له فلا حَجْمَ له، ولا مِقدارَ ولا مِقياسَ ولا مِساحةَ ولا مَسافةَ له، ولا امتدادَ ولا اتِّساعَ له، ولا جهةَ ولا حَيِّزَ له، ولا أَينَ ولا مكانَ له، كان الله ولا مكان وهو الآنَ بلا مكان على ما عليهِ كانَ.

    تنزَّه ربِّي عن الجلوسِ والقعودِ والاستقرارِ والمحاذاةِ، الرّحمـٰـنُ على العرشِ استوى استواءً منزهًا عن المماسةِ والاعوجاجِ، خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ ولم يتَّخِذه مكانًا لذاتِه، ومن اعتقدَ أنَّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافرٌ، الرّحمـٰـنُ على العرشِ استوى كما أخبرَ لا كما يخطرُ للبشرِ، فهو قاهرٌ للعرشِ مُتَصرِّفٌ فيه كيف يشاءُ، تنزَّهَ وتقدَّسَ ربِّي عن الحركةِ والسكونِ، وعن الاتصالِ والانفصالِ والقُربِ والبُعدِ بالحِسِّ والمسافةِ، وعن التَّحوُّلِ والزّوالِ والانتقالِ، جلَّ ربّي لا تُحيطُ به الأَوهامُ ولا الظُّنونُ ولا الأفهامُ، لا فِكرةَ في الرَّبِّ، لا إلـٰـه إلا هو، تقدَّسَ عن كلِّ صفاتِ المخلوقينَ وسِمَاتِ المحدَثينَ، لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ ولا يُحَسُّ ولا يُجَسُّ، لا يُعرَفُ بالحواسِّ ولا يُقاسُ بالناس، نُوَحِّدُه ولا نُبَعِّضُه، ليس جسمًا ولا يتَّصِفُ بصفاتِ الأجسام، فالمجسِّم كافر بالإجماع وإن قال (الله جسمٌ لا كالأجسام) وإن صام وصلى صورةً، فالله ليس شبحًا، وليس شخصًا، وليس جوهرًا، وليس عَرَضًا، لا تَحُلُّ فيه الأعراضُ، ليس مؤلَّفًا ولا مُرَكَّبًا، ليس بذي أبعاضٍ ولا أجزاءٍ، ليس ضوءًا وليس ظلامًا، ليس ماءً وليس غَيمًا وليس هواءً وليس نارًا، وليس روحًا ولا له روحٌ، لا اجتماعَ له ولا افتراقَ، لا تجري عليه الآفاتُ ولا تأخذُه السِّنَاتُ، منزّهٌ عن الطُّولِ والعَرْضِ والعُمْقِ والسَّمْكِ والتركيبِ والتأليفِ والألوانِ، لا يَحُلُّ فيه شيء، ولا يَنْحَلُّ منه شيء، ولا يَحُلُّ هو في شيء لأنه ليس كمثله شيء، فمن زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك، إذ لو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان من شيء لكان مُحدَثًا أي مخلوقًا، ولو كان على شيء لكان محمولًا، وهو معكم بعلمه أينما كنتم لا تخفى عليه خافية، وهو أعلم بكم منكم، وليس كالهواء مخالطًا لكم.

    وكلَّم الله موسى تكليمًا، وكلامُه كلامٌ واحدٌ لا يتبعض ولا يتعدد ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً، ليس مُبتَدَأً ولا مُختَتَمًا، ولا يتخلله انقطاع، أزليٌ أبديٌ ليس ككلام المخلوقين، فهو ليس بفم ولا لسان ولا شفاه ولا مخارج حروف ولا انسلال هواء ولا اصطكاك أجرام. كلامُه صفةٌ من صفاتِه، وصفاتُه أزليةٌ أبديةٌ كذاتِه، وصفاته لا تتغيَّر لأنَّ التغيُّرَ أكبرُ علاماتِ الحدوثِ، وحدوثُ الصفةِ يستلزمُ حدوثَ الذاتِ، والله منزَّهٌ عن كل ذلك، مهما تصورت ببالك فالله لا يشبه ذلك، فصونوا عقائدَكم من التَّمَسُّكِ بظاهِرِ ما تشابه من الكتابِ والسنَّةِ فإنَّ ذلك من أصول الكفر، {فَلَا تَضْرِبُواْ للهِ الأَمْثَالَ} [سورة النحل: 74]، {وللهِ المثَلُ الأَعْلى} [سورة النحل: 60]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [سورة مريم: 65]، {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [سورة النجم: 42]، ومن زعم أن إلـٰـهنا محدودٌ فقد جَهِلَ الخالقَ المعبودَ، فالله تعالى ليس بقدر العرش ولا أوسع منه ولا أصغر، ولا تصِحُّ العبادة إلا بعد معرفة المعبود، وتعالى ربّنا عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد خرج من الإسلام وكفر.

    {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله} [سورة فاطر: 3]، {واللهُ خَلَقكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات: 96]، {قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الرعد: 16]، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [سورة الفرقان: 2]، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل ما دخل في الوجود من أجسامٍ وأجرامٍ وأعمالٍ وحركاتٍ وسكناتٍ ونوايا وخواطر وحياة وموت وصحة ومرض ولذّة وألم وفرح وحزن وانزعاج وانبساط وحرارة وبرودة وليونة وخشونة وحلاوة ومرارة وإيمانٍ وكفر وطاعة ومعصية وفوز وخسران وتوفيق وخذلان وتحركات وسكنات الإنس والجن والملائكة والبهائم وقطرات المياه والبحار والأنهار والآبار وأوراق الشجر وحبات الرمال والحصى في السهول والجبال والقفار فهو بخلق الله، بتقديره وعلمه الأزلي، فالإنس والجن والملائكة والبهائم لا يخلقون شيئًا من أعمالهم، وهم وأعمالهم خلق لله، {واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الفرقان: 96]، ومن كذَّبَ بالقدر فقد كفر.

    ونشهد أن سَيِّدَنا ونبيَّنا وعظيمنا وقائدَنا وقُرَّة أعينِنا وغوثنا ووسيلتنا ومعلمنا وهادينا ومرشدنا وشفيعنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وحبيبُه وخليلُه، مَن أرسَلَه اللهُ رحمةً للعالمين، جاءنا بدين الإسلام كَكُلِّ الأنبياء والمرسلين، هادياً وُبَشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه قمرًا وهَّاجًا وسِراجًا مُنيرًا، فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حقّ جهاده حتى أتاه اليقين، فعَلَّمَ وأرشدَ ونصحَ وهدى إلى طريق الحقِّ والجنَّة ﷺ وعلى كلِّ رسولٍ أرسَلَه، ورضي الله عن ساداتنا وأئمتنا وقدوتنا وملاذنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر العشرة المبشرين بالجنة الأتقياء البررة وعن أمهات المؤمنين زوجات النبي الطاهرات النقيات المبرآت، وعن أهل البيت الأصفياء الأجلاء وعن سائر الأولياء وعباد الله الصالحين.

    ولله الفضل والمِنَّة أن هدانا لهذا الحق الذي عليه الأشاعرة والماتريدية وكل الأمة الإسلامية، والحمد لله ربّ العالمين.