(الميزان في بيان عقيدة أهل الإيمان)
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وشرَّف وكرَّم على سيِّدنا محمَّد، الحبيبِ المحبوبِ، العظيمِ الجاهِ، العالي القدرِ طه الأمين، وإمامِ المرسلينَ وقائدِ الغرِّ المحجَّلينَ، وعلى ذُرِّيته وأهلِ بيته الميامين المكرّمين، وعلى زوجاته أمَّهات المؤمنين البارّات التقيَّات النقيَّات الطاهرات الصفيَّات، وصحابته الطيِّبين الطاَّهرين، ومن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فهذه عقيدة كل الأمة الإسلامية، وهي المرجع الذي تعرض عليه الأخبار والروايات، وميزان الحق الذي يكشف زيف الباطل وزيغه، فبها يتبين سليم الروايات من سقيمها، وجليلها من عليلها، فكان لا بُدَّ من هذا البيان المهم لخصوص الغرض وعموم النفع؛ وعليه:
نقول معتقدين صادقين مخلصين جازمين، بأنّا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، الأول القديم الذي لا يُشبِه مخلوقَه، لا شبيه ولا نظير له، ولا وزير ولا مُشير له، ولا مُعين ولا آمِرَ له، ولا ضِدَّ ولا مُغالِبَ ولا مُكْرِهَ له، ولا نِدَّ ولا مِثلَ له، ولا زوجة ولا والِدَةَ ولا والِدَ ولا وَلَدَ له، ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا جوارحَ ولا أدواتَ ولا أركانَ له، ولا كيفيةَ ولا كميةَ صغيرةً ولا كبيرةً له فلا حجمَ له، ولا مِقدارَ ولا مِقياسَ ولا مِساحةَ ولا مَسافةَ له، ولا امتدادَ ولا اتِّساعَ له، ولا جهةَ ولا حيِّزَ له، ولا أينَ ولا مكانَ له، كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان بلا مكان.
تنزَّه ربي عن الجلوس والقعود والاستقرار والمحاذاة، الرحمـن على العرش استوى استواء منزها عن التحول والانتقال والمماسة والقرب المسافي، خلق العرشَ إظهارًا لقدرته ولم يتَّخِذه مكانًا لذاته، ومن اعتقد أن الله جالسٌ على العرش فهو كافر، الرحمـن على العرش استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر، فهو قاهرٌ للعرش مُتَصرِّفٌ فيه كيف يشاء، تنزَّه وتقدَّسَ ربي عن الحركة والسكون، وعن الاتصالِ والانفصالِ والقُربِ والبُعدِ بالحِسِّ والمسافة، وعن التَّحوُّل والزوال والانتقال، جلَّ ربي لا تُحيط به الأوهامُ ولا الظُّنونُ ولا الأفهامُ، لا فِكرةَ في الرَّبِّ، لا إله إلا هو، تقدَّسَ عن كلِّ صفاتِ المخلوقينَ وسِمَاتِ المحدَثينَ، لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ ولا يُحَسُّ ولا يُجَسُّ، لا يُعرَفُ بالحواسِّ ولا يُقاسُ بالناس، نُوَحِّدُه ولا نُبَعِّضُه، ليس جسمًا ولا يتَّصِفُ بصفاتِ الأجسام، فالمجسم كافر وإن صام وصلى صورةً، فالله ليس شبحًا وليس شخصًا، وليس جوهرًا وليس عَرَضًا، لا تَحُلُّ فيه الأعراضُ، ليس مؤلَّفًا ولا مُرَكَّبًا، ليس بذي أبعاضٍ ولا أجزاءٍ، ليس ضوءًا وليس ظلامًا، ليس ماءً وليس غَيمًا وليس هواءً وليس نارًا، وليس روحًا ولا له روحٌ، لا اجتماعَ له ولا افتراقَ، لا تجري عليه الآفاتُ ولا تأخذُه السِّنَاتُ، منزّهٌ عن الطُّولِ والعَرْضِ والعُمْقِ والسَّمْكِ والتركيبِ والتأليفِ والألوانِ، لا يَحُلُّ فيه شيء، ولا يَنْحَلُّ منه شيء، ولا يَحُلُّ هو في شيء، لأنه ليس كمثله شيء، فمن زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك، إذ لو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان من شيء لكان مُحدَثًا أي مخلوقًا، ولو كان على شيء لكان محمولا، وهو معكم بعلمه أينما كنتم لا تخفى عليه خافية، وهو أعلم بكم منكم، وليس كالهواء مخالطًا لكم.
وكلَّم الله موسى تكليمًا، وكلامُه كلامٌ واحدٌ ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً، ليس مُبتَدَأً ولا مُختَتَمًا، أزليٌ أبديٌ ليس ككلام المخلوقين، هو صفةٌ من صفاتِه، وصفاتُه أزليةٌ أبديةٌ كذاتِه، وصفاته لا تتغيَّر لأنَّ التغيُّرَ أكبرُ علاماتِ الحدوثِ، وحدوثُ الصفةِ يستلزمُ حدوثَ الذاتِ، والله منزَّهٌ عن كل ذلك، مهما تصورت ببالك فالله لا يشبه ذلك، فصونوا عقائدَكم من التَّمَسُّكِ بظاهِرِ ما تشابه من الكتابِ والسنَّةِ فإنَّ ذلك من أصولِ الكفر، {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} ، {…وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} ، {…هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى *} ، ومن زعم أن إلهنا محدودٌ فقد جَهِلَ الخالقَ المعبودَ، ولا تصِحُّ العبادة إلا بعد معرفة المعبود، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد خرج من الإسلام وكفر.
{…هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ *} ، قل الله خالق كل شيء، وخلق كل شيء فقدَّره تقديرًا، ومن كذَّبَ بالقدر فقد كفر.
ونشهد أن سَيِّدَنا ونبيَّنا وعظيمنا وقائدَنا وقُرَّة أعينِنا وغوثنا ووسيلتنا ومعلمنا وهادينا ومرشدنا وشفيعنا محمَّدًا، عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وحبيبُه وخليلُه، مَن أرسَلَه اللهُ رحمةً للعالمين، جاءنا بدين الإسلام ككُلِّ الأنبياء والمرسلين، هاديًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه قمرًا وهَّاجًا وسِراجًا مُنيرًا، فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حقّ جهاده حتى أتاه اليقين، فعَلَّمَ وأرشدَ ونصحَ وهدى إلى طريق الحقِّ والجنَّة، صلى الله عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسَلَه.
ولله الفضل والمِنَّة أن هدانا لهذا الحق الذي عليه الأشاعرة والماتريدية وكل الأمة الإسلامية، والحمد لله رب العالمين.
الإشعارات