الثلاثاء أبريل 22, 2025

المبحث الأول

التعريف بأهل السُّنَّة والجماعة

اعلم أنه اتفق أهل السُّنَّة والجماعة على أصولٍ من أركان الدين، كل ركنٍ منها يجب على كل عاقلٍ بالغٍ تعلُّمه، ولكل ركنٍ منها شُعَب، وفي شُعبِها مسائل اتفق أهل السُّنَّةِ والجماعة فيها على قولٍ واحد، وضلّلوا مَن خالَفهم فيها. ومن هذه الأركان: معرفة صانع العالم وصفات ذاته، مع تنزيهِه عن أوصافِ المخلوقين.

فعقيدةُ المسلمينَ – سلفًا وخلَفًا – بلا شك ولا ريب، أنّ اللهَ تعالى هو خالقُ العالم وهو القائم بنفسِه المستغني عن كل ما سواه المحتاجُ إليه كل ما عداه، ولا أحد يستغني عن الله طرفةَ عين، واللهُ تعالى لا يحتاجُ لشيءٍ من خلقه ولا ينتفع بطاعاتِهم ولا ينضرُّ بمعاصِيهم ولا يحتاجُ ربنا إلى محلٍّ يحلُّه ولا إلى مكانٍ يقلّه وأنه ليس بجوهرٍ ولا عرَض وأنّ الحركةَ والسكونَ والذهابَ والمجيء والكَوْنَ في مكان والاجتماع والافتراق والقرب والبعد من طريقِ المسافة، والاتصال والانفصال، والحجم والجِرم، والجُثَّة والصورة والشكل والحيّز والمقدار والنواحي والأقطار والجوانب والجهات، كلها لا تجوز عليه تعالى، لأنّ جميعَها توجبُ الحدّ والنهايةَ والمقدار، ومَن كان ذا حدٍّ ونهايةٍ ومقدارٍ كان مخلوقًا. قال الله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8].

 واعلم أنّ كلَّ ما يُتصَوَّرُ في الوهمِ من طولٍ وعرضٍ وعمقٍ وألوانٍ وهيئاتٍ يجب أنْ يُعتقدَ أنّ صانعَ العالمِ بخلافِه، لقولِ الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءُ}، [الشورى: 11]، ولقولِ أئمةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة كذي النونِ المصري([1]): «مهما تصوّرتَ ببالك فاللهُ بخلافِ ذلك»([2]). فاللهُ تعالى لا يجوزُ عليه الكيفية والكمية والأينية، لأنّ مَن لا مِثلَ له لا يجوزُ أنْ يقالَ فيه: كيف هو؟ ومَن لا عدد له لا يجوزُ أنْ يقالَ فيه: كم هو؟ ومَن لا أولَ له لا يقالُ فيه: ممّ هو؟ ومَن لا مكانَ له لا يقالُ فيه: أينَ كان؟ لأنّ الذي أيّنَ الأينَ لا أينَ له، والذي كيّفَ الكيفَ لا كيفَ له.

واللهُ تعالى مقدّس عن الحاجات، منزّهٌ عن العاهات وعن كلِّ وجوهِ النقصِ والآفات، متعالٍ عن أنْ يوصَف بالجوارحِ والآلات، والأدوات والسكون والحركات، لا يليقُ به الحدود والنهايات، ولا تحويه الأرَضون ولا السمٰوات، ولا يجوزُ عليه الألوان والمماسّات، ولا يجري عليه زمان ولا أوقات، ولا يلحقهُ نقصٌ ولا زيادات، ولا تحوِيه الجهات الستّ كسائر المبتدَعات المخلوقات.

هذه هي عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة؛ بل عقيدة الرسول ﷺ والصحابة وكل المسلمين، فالعاقلُ الفطنُ مَن تمسّكَ بهذه العقيدة الحقّة التي تُنجِيه يوم القيامة من العذاب الدائم والخلود الأبديّ في نارِ جهنم.

فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ هم الذين اتّبعوا الرسول ﷺ والصحابة في المعتقد، ولو كان كثيرٌ منهم مقصّرينَ بالفروع.

[1])) ذو النون المصريّ: ثوبان بن إبراهيم المصريّ، أبو الفياض، أو أبو الفيض: أحد الزهّاد العبّاد المشهورين. الزركلي، الأعلام، ج2، ص102.

[2])) القشيريّ، الرسالة القشيرية، ج1، ص3. ونص عبارته: «وكلُّ ما تصوَّر في وهمك، فالله بخلاف ذلك».