التحذير من قول “الطريقة واجبة”
* ومما يجب التحذير منه قول بعض الجهلة المتصوفة: “إن الطريقة واجبة”.
ليعلم أن الطريقة من البدع الحسنة، والبدعة لغة ما أحدث على غير مثال سابق يقال: جئت بأمر بديع أي محدث عجيب لم يعرف قبل ذلك. وشرعًا المُحدث الذي الذي لم ينص عليه قرءان ولا سنة، قال ابن العربي: ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا لمعنيهما، وإنما يذم من البدعة ما يخالف السنة ويذم في المحدث ما دعا إلى الضلال اهـ.
وقد قسم العلماء البدعة إلى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة، فالبدعة الحسنة هي ما وافق الكتاب والسنة، والبدعة السيئة هي ما خالف الكتاب والسنة، ويؤكد هذا التقسيم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شىء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل من بعده بها من غير أن ينقص من أوزارهم شىء” رواه مسلم. فالحديث يبين أن ما يحدث في الإسلام ضربان: قسم يوافق الشرع وقسم يغايره أي يخالفه، ومما يدل على أنه حصل في زمن الصحابة استحداث أمور لم يرد فيها القرءان ولا سنة وتندرج تحت البدعة الحسنة موافقة للحديث الشريف الآنف الذكر ما جاء في صحيح البخاري في كتاب التراويح ما نصه: “قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك” قال الحافظ ابن حجر “أي على ترك الجماعة في التراويح”. ثم قال ابن شهاب في تتمة كلامه: “ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه”. وفي صحيح البخاري أيضًا تتميمًا لهذه الحادثة عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة من رمضان الى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي لصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: “نعم البدعة هذه” اهـ، وفي الموطأ بلفظ: “نعمت البدعة هذه” اهـ.
والأمثلة على هذا كثيرة من زمن الصحابة إلى يومنا هذا ومن جملة هذه البدع الحسنة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف والطرق الشريفة التي أحدثها بعض أهل الله كالرفاعية والقادرية وغيرهما وهي نحو أربعين طريقة، فهذه الطرق أصلها بدع حسنة ولكن شذ بعض المنتسبين إليها وهذا لا يقدح في أصلها.
ولا ريب أن الطريقة السهروردية والجشتية والقادرية والسعدية والشاذلية والنقشبندية والبدوية والدسوقية والمولوية والرفاعية وغيرها من الطرق المباركة صحيحة تندرج تحت البدعة الحسنة مما يثبت أن هؤلاء القوم على نهج قويم وصراط مستقيم، دلوا الناس على مشرب نبيهم وجليل حاله، فالقوم أهل العلم والذكر والأحوال، والالتزام بطاعة الله تعالى.
وهذا الكلام يردده رجل ينتسب انتسابًا إلى الطريقة النقشبندية يقال له: “محمد الخزنوي” وهو ابن الشيخ العالم الجليل عز الدين ابن الشيخ الولي الكبير أحمد الخزنوي رحمهما الله تعالى. فقيل له: [إنّ أباك قال: “ليست واجبة”] فأصر على كلامه ولم يرجع، ويشهد عليه الثقات أنه قال ذلك من المنتسبين إليه يقولون هذه العبارة.
فقوله: “إن الطريقة واجبة” أي فرض ردة لأن من أوجب ما ليس بواجب عند المسلمين مما هو معلوم بالضرورة أنه ليس واجبًا ردة كما قال الفقهاء في كتبهم في باب الردة.
وقد جاء في كتاب السعادة الأبدية فيما جاء به النقشبندية لعبد المجيد بن محمد الخاني الخالدي النقشبندي ويليه الحديقة الندية والبهجة الخالدية للعلامة محمد بن سليمان البغدادي الحنفي النقشبندي من خلفاء الخالدية وفيه: “الثالثة أن ابن حجر ذكر في شهادات فتاواه الكبرى صورًا لأخذ المشايخ العهد على التائب وذكر في الفتاوى الخليلية أنّ أخذ العهد حسن محبوب” ثم قال بعد كلام: “وكفى بما ذكرناه شاهدًا على حسن أخذ العهد من المشايخ العاملين بالشرع الشريف”، فبان وظهر خروج محمد الخزنوي عن إجماع الأمة عامة والنقشبندية خاصة وقوله هذا أي بأن الطريقة واجبة تضليل وتفسيق لكل الأمة الإسلامية خلفًا وسلفًا قبل القرن السادس الهجري أي قبل أن تتاسس الطرق على المعنى المتعارف عليه اليوم وقوله هذا تضليل لجده الولي الكبير الشيخ أحمد الخزنوي فإنه ما اشتغل بالطريقة والأوراد إلا بعد اشتغاله بالعلم عشرون عامًا وقول محمد هذا فيه إيجاب ما لم يجب إجماعًا وهو كفر.