الأحد ديسمبر 22, 2024

يقول الله تعالى: {كُنتم خيرَ أمةٍ أخرجَت للناس تأمُرونَ بالمعروفِ وتنهَونَ عن المُنكر} [110، سورة ءال عمران]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم. فإن الشرع الكريم دعانا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى إبطال الباطل وإحقاق الحق، ولقد كثر المفتون اليوم في الدين بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وزاد الانحراف وامتد، لذلك كان لا بد من تأليف مؤلَّف لبيان الحق من الباطل والصحيح من الزائف.

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حذَّر ممن غش في الطعام، وثبت عنه أيضًا أنه قال في رجلين كانا يعيشان بين المسلمين: “ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا” رواه البخاري.

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للخطيب الذي قال: “من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى”: “بئس الخطيب أنت” وذلك لأنه جمع بين الله والرسول بضمير واحد، فقال له: “قل: ومن يعص الله ورسوله” فلم يسكت عن هذا الأمر الخفيف الذي ليس فيه كفر وإشراك بل وليس فيه معصية وإنما هو مكروه فكيف يسكت عمن يحرّف الدين وينشر ذلك بين الناس، فهذا أجدر بالتحذير والتنفير منه، والحديث رواه مسلم.

وليس ذكرنا لبعض المنحرفين في هذا الكتاب من الغيبة المحرّمة إنما هو من التحذير الواجب، فقد ثبت أن فاطمة بنت قيس قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة” رواه مسلم. فإذا كان الرسول حذّر فاطمة منهما وذكرهما في خلفهما بما يكرهان لهذين السببين أحدهما: كون معاوية شديد الفقر لا يقوم بحاجتها لأمر النفقة، والثاني: أن أبا جهم يكثر ضرب النساء فكيف أناس ادعوا العلم وغشوا الناس وجعلوا الكفر إسلامًا. ولهذا حذّر الشافعي من حفص الفرد أمام جمع وقال له: “لقد كفرت بالله العظيم”، وقال في معاصره حرام بن عثمان – وكان يروي الحديث ويكذب-: “الرواية عن حرام حرام”، وقد جرح الإمام مالك في بلديّه ومعاصره محمد بن إسحاق صاحب كتاب المغازي فقال فيه: “كذاب”، وقال الإمام أحمد: “الواقدي ركن الكذب”.

وقد امتدح الله أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أسلفنا في الآية المباركة، وكذلك فإن الله ذمّ الذين كفروا من بني إسرائيل بقوله: {كانوا لا يَتَناهوا عن منكَرٍ فَعلوهُ لَبِئسَ ما كانوا يفعلون} [79، سورة المائدة].

وإن من أعظم ما ابتليت به هذه الأمة أناس دعاة على أبواب جهنم، اندلقت ألسنتهم بالباطل واندلعت أصواتهم بالضلال، يروجون السلع الرديئة بحجج واهية فاسدة.

وما كلامنا عن هؤلاء وأمثالهم إلا من باب البيان الواجب تبيانه للعامة والخاصة، ولا يظن ظان أن هذا من باب الغيبة المحرمة فمن المعروف في تاريخنا أن السلف الصالح كانوا لا يسكتون على الباطل بل كانت ألسنتهم وأقلامهم سيوفًا حدادًا على أهل البدع والأهواء.