الجمعة أكتوبر 18, 2024

حِزْبُ الإِخْوَانِ اتَّبَعُوا سَيِّد قُطُب فِى قَوْلِهِ مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ الْقُرْءَانِ وَلَوْ فِى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَقَدْ رَدَّ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ وَادَّعَى الأُلُوهِيَّةَ لِنَفْسِهِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَة/44] وَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ دِمَاءَ الْحُكَّامِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِالْقَانُونِ وَدِمَاءَ الرَّعَايَا وَتَفْسِيرُهُ هَذَا لِهَذِهِ الآيَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فَسَّرَ بِهِ الآيَةَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنُ عَمِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِتَرْجُمَانِ الْقُرْءَانِ وَالرَّسُولُ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ بِفَهْمِ الْقُرْءَانِ فَفِى صَحِيحِ الْبُخَارِىِّ الْمُجَلَّدِ الأَوَّلِ صَحِيفَة 25 بَابُ قَوْلِ النَّبِىِّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ الْتَزَمَهُ وَقَالَ «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ» وَقَالَ أَيْضًا «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِى الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» أَىْ تَفْسِيرَ الْقُرْءَانِ وَهَذَا أَيْضًا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَمُخَالِفٌ لِتَفْسِيرِ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ إِلَى يَوْمِنَا مِنْ عُلَمَاءِ الإِسْلامِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ وَهَذَا نَصُّهُ فِى صَحِيفَةِ 313 مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِى «أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الْمُوصِلِىُّ ثَنَا عَلِىُّ بنُ حَرْبٍ ثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بنِ حُجَيْرٍ عَنْ طَاوُسَ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِى يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ إِنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ ﴿وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ إهـ.

   وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ نَظِيرُهُ الرِّيَاءُ فَإِنَّ الرَّسُولَ سَمَّاهُ الْشِرْكَ الأَصْغَرَ أَىْ لَيْسَ الْشِرْكَ الأَكْبَرَ الَّذِى يَنْقُلُ عَنِ الِملَّةِ الَّذِى هُوَ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا الشِّرْكَ هُوَ الَّذِى يَنْقُلُ عَنِ الِملَّةِ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «اتَّقُوا الرِّيَاءَ فَإِنَّهُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ» فَنَقُولُ كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ أَثْبَتَ الْشِرْكَ الأَصْغَرَ كَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ فَسَّرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ أَىْ لَيْسَ الْكُفْرَ الَّذِى يَنْقُلُ عَنِ الِملَّةِ فَرَضِىَ اللَّهُ عَنْ حَبْرِ الأُمَّةِ تَرْجُمَانِ الْقُرْءَانِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجَزَاهُ اللَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا.

   وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِىَ الْكَبَائِرَ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ وَتَرْكِ الصَّلاةِ وَرَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ فِى أَحَادِيثَ صَحِيحَةِ الإِسْنَادِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّسُولِ بِذَلِكَ الْكُفْرَ الَّذِى يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ أَىْ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنَ الدِّينِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ تَشْبِيهُ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ بِالْكُفْرِ كَالَّذِى وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ يَذْهَبُ إِلَى الْكُهَّانِ فَيُصَدِّقَهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّسُولِ أَنَّ الْمُسْلِمَ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هَؤُلاءِ الْكُهَّانِ وَيُصَدِّقَهُمْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِنَّمَا مُرَادُ الرَّسُولِ أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ كَبِيرٌ يُشْبِهُ الْكُفْرَ. وَقَالَ أَيْضًا «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» فَقَوْلُهُ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ لا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ كُفْرٌ يُخْرِجُ مِنَ الدِّينِ إِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ يُشْبِهُ الْكُفْرَ لِأَنَّ الْقُرْءَانَ الْكَرِيمَ سَمَّى الْفِئَتَيْنِ الْمُتَقَاتِلَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [سُورَةَ الْحُجُرَات/9].

   ثُمَّ إِنَّهُ وَرَدَ فِى صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ الصَّحَابِىِّ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ وَالآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا فِى إِحْدَاهُمَا ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وَفِى الأُخْرَى ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ نَزَلَتْ كُلُّهَا فِى الْكُفَّارِ أَىِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَيْسَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّمَا هِىَ فِى الْيَهُودِ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ.

   وَفِى كِتَابِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مِثْلُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ مَا نَصُّهُ فِى صَحِيفَةِ 44 أَخْبَرَنِى مُوسَى بنُ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ أَحْمَدَ الأَسْدِىُّ وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ سَعِيدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الْمُصِرِّ عَلَى الْكَبَائِرِ بِجُهْدِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالْجُمُعَةَ هَلْ يَكُونُ مُصِرًّا فِى مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ»، وَمِنْ نَحْوِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قُلْتُ فَمَا هَذَا الْكُفْرُ قَالَ كُفْرٌ لا يُخْرِجُ مِنَ الِملَّةِ فَهُوَ دَرَجَاتٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ حَتَّى يَجِىءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ لا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ فَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ خَائِفًا مِنْ إِصْرَارِهِ يَنْوِى الْتَوْبَةَ وَيَسْأَلُ ذَلِكَ وَلا يَدَعُ رُكُوبًا أَىْ وَلا يَتْرُكُ فِعْلَ الْمَعَاصِى قَالَ الَّذِى يَخَافُ أَحْسَنُ حَالًا. انْتَهَى مَا فِى كِتَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.

   وَلَمْ يَصِحَّ بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنِ الصَّحَابَةِ فِى تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ إِلَّا هَذَانِ التَّفْسِيرَانِ تَفْسِيرُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ وَتَفْسِيرُ الْبَرَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ دَرَجَ عُلَمَاءُ الإِسْلامِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ الْهِجْرِىّ ثُمَّ ظَهَرَ هَذَا الرَّجُلُ سَيِّد قُطُب فِى مِصْرَ فَعَمِلَ تَفْسِيرًا لِلْقُرْءَانِ يُكَّفِرُ فِيهِ مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ الْقُرْءَانِ وَلَوْ فِى مَسْئَلَةٍ وَاحِدَةٍ أَىْ مَعَ حُكْمِهِ بِالشَّرْعِ فِى سَائِرِ الأَحْكَامِ وَيُكَّفِرُ رَعِيَّةَ ذَلِكَ الْحَاكِمِ وَالْيَوْمَ لا يُوجَدُ فِى الْبِلادِ الإِسْلامِيَّةِ حَاكِمٌ إِلَّا وَيَحْكُمُ بِغَيْرِ الشَّرْعِ فِى قَضَايَا كَثِيرَةٍ مَعَ حُكْمِهِمْ فِى عِدَّةِ مَسَائِلَ بِالشَّرْعِ فِى الطَّلاقِ وَالْمِيرَاثِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَصِيَّةِ يَحْكُمُونَ بِحُكْمِ الْقُرْءَانِ وَمَعَ هَذَا سَيِّد قُطُب وَأَتْبَاعُهُ يُكَفِّرُونَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ رَعَايَاهُمْ وَيَسْتَحِلُّونَ قَتْلَهُمْ بِأَىِّ وَسِيلَةٍ اسْتَطَاعُوهَا بِالسِّلاحِ وَالتَّفْجِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ قَامَ مَعَهُمْ فَثَارَ عَلَى الْحُكَامِ. وَلَيْسَ لِسَيِّد قُطُب سَلَفٌ فِى ذَلِكَ إِلَّا الْخَوَارِج فَإِنَهُمْ كَانُوا يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمَ لِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْحُكْمِ بِغَيْرِ الشَّرْعِ لِلرِّشْوَةِ أَوِ الصَّدَاقَةِ أَوِ الْقَرَابَةِ فَسَيِّد قُطُب كَانَ عَاشَ عَلَى الإِلْحَادِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَذَلِكَ بِاعْتِرَافِهِ ثُمَّ لَجَأَ إِلَى حِزْبِ الإِخْوَانِ الَّذِينَ كَانَ جَمَعَهُمُ الشَّيْخُ حَسَنُ الْبَنَّا رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ فِى حَيَاةِ حَسَنِ الْبَنَّا انْحَرَفَ سَيِّد قُطُب وَءَاخَرُونَ عَنْ مَنْهَجِهِ الَّذِى كَانَ مَنْهَجًا سَالِمًا لَيْسَ فِيهِ تَكْفِيرُ الْمُسْلِمِ إِذَا حَكَمَ بِغَيْرِ الشَّرْعِ فَعَلِمَ الشَّيْخُ حَسَنُ بِانْحِرَافِهِمْ فَقَالَ هَؤُلاءِ لَيْسُوا إِخْوَانًا وَلَيْسُوا مُسْلِمِينَ.

   وَقَدْ ذَكَرَ الدُّكْتُور مُحَمَّدُ الْغَزَالِىُّ وَكَانَ مِنْ أَتْبَاعِ الشَّيْخِ حَسَنِ الْبَنَّا فِى كِتَابِهِ مِنْ مَعَالِمِ الْحَقِّ فِى صَحِيفَةِ 264 مَا نَصُّهُ «وَكَانَ الأُسْتَاذُ حَسَنُ الْبَنَّا نَفْسُهُ وَهُوَ يُؤَلِّفُ جَمَاعَتَهُ فِى الْعَهْدِ الأَوَّلِ يَعْلَمُ أَنَّ الأَعْيَانَ وَالْوُجَهَاءَ وَطُلَّابَ التَّسْلِيَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّذِينَ يَكْثُرُونَ فِى هَذِهِ التَّشْكِيلاتِ لا يَصْلُحُونَ لِأَوْقَاتِ الْجِدِّ فَأَلَّفَ مَا يُسَمَّى بِالنِّظَامِ الْخَاصِّ وَهُوَ نِظَامٌ يَضُمُّ شَبَابًا مُدَرَّبِينَ عَلَى الْقِتالِ كَانَ الْمَفْرُوضُ مِنْ إِعْدَادِهِمْ مُقَاتَلَةَ الْمُحْتَلِّينَ الْغُزَاةِ وَقَدْ كَانَ هَؤُلاءِ الشَّبَابُ الأَخْفِيَاءُ شَرًّا وَبِيلًا عَلَى الْجَمَاعَةِ فِيمَا بَعْدُ فَقَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَحَوَّلُوا إِلَى أَدَاةِ تَخْرِيبٍ وَإِرْهَابٍ فِى يَدِ مَنْ لا فِقْهَ لَهُمْ فِى الإِسْلامِ وَلا تَعْوِيلَ عَلَى إِدْرَاكِهِمْ لِلصَّالِحِ الْعَامِّ وَقَدْ قَالَ حَسَنُ الْبَنَّا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ إِنَّهُمْ لَيْسُوا إِخْوَانًا وَلَيْسُوا مُسْلِمِينَ» اهـ.

   ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ انْفَتَنُوا بِتَفْسِيرِ سَيِّد قُطُب هَذَا وَعَمِلُوا عَلَى تَنْفِيذِهِ حَتَّى قَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا فِى مِصْرَ وَالْجَزَائِرِ وَسُورِيَا وَغَيْرِهَا مُعْتَبِرِينَ قَتْلَهُمْ لِمَنْ يُخَالِفُهُمْ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا فِى مَدِينَةِ حَلَب فِى سُورِيَا شَيْخًا كَانَ مُفْتِيًا عَلَى قَرْيَةٍ تَابِعَةٍ لِحَلَب تُسَمَّى عِفْرِينَ كَانَ يُخَالِفُهُمْ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِى الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ بَعْدَمَا انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَبَقِىَ هُوَ وَرَجُلٌ ءَاخَرُ ثُمَّ صَوَّبُوا إِلَيْهِ الرَّصَاصَ فَرَمَى ذَلِكَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ عَلَى الشَّيْخِ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ قَتَلُوا الشَّيْخَ وَهَذَا الشَّيْخُ يُسَمَّى الشَّيْخَ مُحَمَّدَ الشَّامِىَّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْقُرْءَانِ إِمَّا لِرِشْوَةٍ وَإِمَّا لِقَرَابَةٍ أَوْ لإِرْضَاءِ ذَوِى النُّفُوذِ فَلَمْ يُكَفِّرْهُمُ الْمُسْلِمُونَ لِحُكْمِهِمْ بِغَيْرِ الْقُرْءَانِ إِنَّمَا اعْتَبَرُوهُمْ فَاسِقِينَ.

   ثُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ أَتْبَاعَ سَيِّد قُطُب يَتَفَنَّنُونَ فِى التَّعْبِيرِ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ، قَبْلَ أَرْبَعِينَ عَامًا كَانُوا يُعْرَفُونَ بِاسْمَيْنِ حِزْبِ الإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ فِى مِصْرَ وَغَيْرِهَا وَفِى لُبْنَانَ بِاسْمِ عِبَادِ الرَّحْمٰنِ ثُمَّ اسْتَحْدَثُوا اسْمًا ثَالِثًا عَامًّا وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الإِسْلامِيَّةُ لِيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهُمْ دُعَاةٌ إِلَى حَقِيقَةِ الإِسْلامِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا وَوَاقِعُ حَالِهِمْ خِلافُ ذَلِكَ.