الثلاثاء يونيو 25, 2024

الدرس الثامن عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من الغلو ومن عقيدة الوحدة المطلقة

درسٌ ألقاهُ المحدث الشيخ عبد الله بن محمّد الهرري الحبشي في بيته وهو في بيان وجوب البعد عن الغلوّ وفي التحذير من عقيدة الوَحدة المطلقة. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيد المرسلين محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وخاتمِ النبيين.

أما بعدُ فقد رُوّينا بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ مُحرّمَ الحلالِ كَمُسْتَحِلّ الحرامِ([i]) اهـ إنَّ مُحرّمَ الحلالِ كَمُسْتَحِلّ الحرامِ اهـ إنَّ مُحرّمَ الحلالِ كمُسْتَحِلّ الحرامِ اهـ.

ففي هذا الحديث الأمر لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعتدال. يجب على المسلم أن يكون قولُهُ معتدلاً في التحليل والتحريم فلا يجوز الشَّطَطُ لأن الشططَ من الغُلُوّ الذي نَهَى عنه اللهُ ورسولُهُ قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿يا أهلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ([ii]) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيَّاكُم والغُلُوَّ فإنَّ الغُلُوَّ أهْلَكَ مَنْ كانَ قبلَكُمْ([iii]) اهـ.

فيجبُ الاحتياطُ في الحكم على الكلمات التي ظواهرُها كفرٌ ويجب ترك الحكمِ على الكلمات التي ظواهرُها كفرٌ ويجب ترك الحكم بالكفر لأجل كلمةٍ تصدر من مسلم قبل معرفة ما يفهمه هذا الإنسان من هذه الكلمة فإن عرفَ أنه يفهم منها المعنى الذي هو كفر حُكمَ على قائلها بالكفر بشرط أن لا يكون تكلم بها على وجه سَبْقِ اللسان، فإذا تحقق ذلك أي أنَّ الشخص الذي نطق تلك الكلمة يفهم منها المعنى الكفريَّ ولم يكن نُطقُهُ بها عن سبق لسانٍ ولا عن إكراهٍ ولا عن حكايةٍ لقول الغير عندئذ تعيّن الحكمُ على قائلها بالكفر.

وذلك أن كثيرًا من الكلمات أحدثها أناسٌ بمعنًى كفريّ وكانوا يقصدون بها ذلك المعنى الكفريَّ ثم تصير بمرور الزمان صار أناسٌ ءاخرونَ يَلْفِظُونَ بها وهم لا يفهمون منها ذلك المعنى الذي قصده أولُ مَنْ أحدثَ ذلك اللفظَ.

فقولُ كثيرٍ من الناس لا موجودَ إلا اللهُ أو ما في الوجودِ إلا اللهُ أو هو الكُلُّ مثلًا هذه الكلماتُ الثلاثُ أحدثها في بَدْءِ الأمر أناسٌ ملحدون يدّعون التصوفَ وهم عقيدتُهم ضِدُّ التوحيدِ ضدُّ الإسلام لأنَّ كثيرًا من المتصوفة في السلف وفي الخلف تَسَتَّروا باسم التصوف وهم ملحدون فاسدو العقائد، منهم من يعتقد أنَّ الله هو جملةُ الموجوداتِ وهؤلاء يقال لهم أهل الوَحْدَةِ الـمُطْلَقَةِ ويقال لهم أهل وَحدة الوجود، أخذوا هذه العقيدة من قدماء اليونانيين لأنَّ اليونان كان عندهم عقائدُ متعددةٌ منها عقيدة الوحدة المطلقة هذه، يَرَونَ أنَّ الله تعالى هو الوجودُ المطلقُ وأنواعَ العالم أجزاءٌ منه وقد يقولون تعيناتٌ لله وهذا من أكفر الكفر، ثم بعض ذلك أناسٌ مسلمون صاروا يلفظون بهذه الكلمة لا موجود إلا الله وهم لا يفهمون منها هذا المعنى الذي هو كفرٌ إنما يفهمون منها أنَّ الله هو مدبرُ العالم، لا يفهمون منها أنَّ اللهَ جملةُ العالم جملةُ الموجودات لا يعلمون أنها لا تعطِي إلا هذا المعنى.

كذلك الكلمة الأخرى ما في الوجودِ إلا الله هذه أيضًا كثيرٌ من عوامّ المسلمين يفهمون منها أنه لا مدبر للعالم إلا الله. كذلك الكلمة الثالثة هو الكلُّ هذه أيضًا يلفظ بها كثيرٌ من العوامّ الذين يتشبهون بالصوفية من غير فَهْمِ معناها الأصليّ الذي وُضعت له عند أولئكَ الملحدينَ.

فإذا سمع أحدُنا من شخصٍ ظاهرُهُ الإسلامُ إحدى هذه الكلماتِ الثلاثِ لا ينبغي أن يتسرعَ ويحكمَ عليه بالكفر نظرًا لمعانيها الأصلية حتى يعرف ماذا يفهم منها.

أما من يقصد بها معانِيَها الأصليةَ فهو كافرٌ بل من شكَّ في كفره فهو كافر. وكثير من الكتب التي أُلّفَتْ باسم التصوف فيها كفريات.

ثم من جملةِ مَن ينتسبُ للطريقة النقشبندية أو الشاذلية أو القادرية مَنْ يُصَحّحُ هذه الكلماتِ بدعوى التأويل وهو يفهم المعنى الأصليَّ لكنهم يدَّعُونَ أنَّ لها معنًى ءاخرَ وهؤلاء معاندون يدافعون عن هذه الألفاظ وهم يعلمون معانيها الأصليةَ فالحذرَ الحذرَ منهم.

قبل خمس وعشرين سنة رأيت كتابًا أُلِّفَ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه هذه الجملة اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمّد الذي شهد وَحْدَتَكَ في كَثرَتِكَ اهـ معناه أنتَ واحدٌ وكثيرٌ، يقول هذا المؤلف وهو طرابلسيٌّ مِنْ ءالِ مرحبا إنَّ الرسول علم أنَّ الله واحدٌ وكثيرٌ. كان هنا وفي الشام وفي مصر وفي اليمن أناس هذه حالتهم. هذا الكفر الصريح يعتبرونه تصوُّفًا والعياذ بالله. فالحذرَ الحذرَ من كثير من هذه الكتب المؤلفة باسم التصوف.

وكذلك يجب الحذرُ من استحسانِ طريقة الحلّاج. هذا الحلاج كان في القرن الثالث الهجريّ ثم قُتِل بعد نحو تسع سنوات من تمام القرن الثالث الهجري، كان يقول أنا الحقُّ وكان يقول كلماتٍ أمثالَ هذه منها ما يُوهِمُ أنَّ الله هو عينُ المخلوق ومنها ما يُوهم أن الله حالٌّ في المخلوقات.

وأكثر ما وُجِدَ مِثلُ هذا الكلام في المنتسبين للطريقة الشاذلية فإن المنتسبين للطريقة الشاذلية المتأخرين عن مؤسس الطريقة الشيخ أبي الحسن الشاذليّ رضي الله عنه بنحو ثلاثمائة سنة حدث في بعضهم هذا الأمر ثم منذ نحو ثمانين سنة زاد هذا الأمر فيهم. توجد فرقة تنتسب للطريقة الشاذلية يقال لهم اليَشرُطيةُ، هؤلاء ينتسبون لشيخ يُقال له عليٌّ نورُ الدين اليشرطيُّ، هو تونسيٌّ قدم إلى فلسطين ونزل بعَكَّا فصار له أتباع، ثم هؤلاء الأتباع أكثرُهم انحرفوا فكفروا أشنع كفر، يعتقدون أنَّ الله داخلٌ في كل رجل وأنثى حتى إنهم لا يرون غُسل الجِنابة واجبًا لأنهم يعتقدون أن الفاعلَ والمفعولَ به شيءٌ واحدٌ، لهم وجودٌ نساء ورجال في نحو ثلاث قُرى من البقاع، وفي بيروت لهم وفي سورية في نحو ثلاثِ قرى، يُقال لهم اليشرطية، وينتسبون إلى هذا الشيخ الذي يقال له عليٌّ نور الدين اليشرطيّ. قال بعض من ترجم هذا الشيخ كان الشيخ على خيرٍ وصلاحٍ إنما أتباعه شَذُّوا عن منهجه وانحرفوا فكفروا هذا الكفر الشنيع.

كانت قبل خمس وعشرين سنة امرأةٌ من هؤلاء بيروتية يقال لها زينب بَعْيُون كان تحتها ثمانون مريدةً قالت لرجلٍ كانَ خطيبَ جامع الأوزاعيّ أنتَ الله وهذا الجدارُ اللهُ وأخبرني هذا الخطيب بذلك فكتبتُ لها ورقةً قلتُ فيها بلَغَني أنكِ قلتِ كذا فإن كان هذا حصل منك فأنت كافرة وإن لم يكن حصل منكِ فبرئي نفسكِ وإلا لا يسعُنا السكوتُ عن التحذير منكِ فخافت فقالت أعوذ بالله أنا عبدةٌ لله ثم بعد ذلك تظاهرتْ بإنكارِ هذا.

فالحذرَ الحذرَ من مطالعةِ كثيرٍ من الكتب التي أُلِّفَت باسم التصوف علمًا بأنهُ أُلف في التصوف كتبٌ خاليةٌ من هذه الكفريات. الجنيدُ رضيَ اللهُ عنه الذي هو سيد الطائفة الصوفية أوصى بأن تُدفن كتبُهُ التي ألفها في التصوف فقيل لماذا قال أحببتُ أن لا يراني الله وقد تركتُ شيئًا منسوبًا إليّ وعلمُ رسول الله بين ظَهْرانَيهم اهـ معناه أنا أسْتَحِي منَ الله أن أشغلَ الناسَ بتآليفي هذه وحديثُ رسول الله بين أيديهم. والجنيد هو سيد الصوفية في زمانه وكلُّ من جاء بعده وكان صوفيًّا حقيقيًّا فهو على منهجه ومَن لم يكن على منهجه فهو ليس صوفيًّا متحققًا إنما هو مُتَشَبّهٌ.

ثم من الكتب التي فيها هذا كفرُ وحدةِ الوجود والحلولِ كتابٌ يُسمَّى الإنسان الكامل، هذا الكتاب منسوب لعبد الكريم الجيليّ وهو غير الشيخ عبد القادر الجيلانيّ. هذا الكتاب فيه من الكفر هذه العبارة النصارى أخطأوا حيث جعلوا الألوهيةَ في شخص واحد أما لو جعلوا الألوهيةَ في كل شيء لم يخطئوا اهـ كُفرُ النصارى عنده خطأٌ لأنهم يقولون في عيسى فقط هو الله ما قالوا كلُّ شخصٍ هو الله أو جزءٌ من الله.

نحن والحمدُ لله مع السلفِ والخَلَفِ، لسنا كهؤلاء الكاذبين الذين يسمون أنفسهم سلفية وهم لا من السلف ولا من الخلف، مَنْ هم؟ هم الوهابية، هؤلاء سمَّوا أنفسهم ترفعًا على الناس سلفيةً وهم مخالفون للسلف والخلف. احمدوا الله على أنْ جعلنا من أهل السنة الموافقين للسلف والخلف احمدوا الله على أن هيأ لكن تَعَلُّمَ عِلم أهل السنة عقيدة أهل السنة التي كان عليها الرسولُ وأصحابهُ ومَن تبِعَهُم من السلفِ والخَلَفِ.

وسبحان الله والحمدُ لله رب العالمين. بارك الله فيكم.

انتهى والله تعالى أعلم.

[i])) رواه البيهقي في السنن الكبرى بابُ ما جاءَ في الضَّبِّ.

[ii])) سورة النساء/الآية 171.

[iii])) رواه ابن ماجه في سننه بابُ قدْرِ حَصَى الرَّمْي.